المقدم
كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
لنتأمل حالنا في إتقان العمل، هل نحن متقنون لأعمالنا، فكلما أتقن العبد عمله زاد أجره عند ربه، فعلى قدر إتقان العمل يزداد الأجر، ولنا في الكون فكرةٌ وعبرة، فالله -جل جلاله- كل أفعاله في غاية الإتقان، فانظر إلى السماء وحُسْنِها هل ترى لها من فطور، وكيف رفعها الله في أحسن صورة بلا عمد، وانظر إلى نفسك وخلقك، فقد خلقك الله في أحسن تقويم، وكلما قلبت نظرك في خلق الله زاد إيمانك، وعلمت أن الخلق أُوجِدَ على أحسن حال وأتقن صورة.
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا أيها الناس: إن الإنسان في هذه الدنيا مكلّف بأداء الأمانة التي تحملها؛ كما قال سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً).
والناس في أداء الأمانة مختلفون؛ فمنهم المقصر ومنهم المجتهد، ومنهم المتقن لأداء أمانته على أكمل وجه، والمؤمن مأمور بإتقان العمل في كل شيء حتى في أمور الدنيا، بل إنك تجد المتقن لأمور الآخرة متقنًا لأمور الدنيا، والعكس بالعكس.
معاشرَ المؤمنين: لنتأمل حالنا في إتقان العمل، هل نحن متقنون لأعمالنا، فكلما أتقن العبد عمله زاد أجره عند ربه؛ فعلى قدر إتقان العمل يزداد الأجر، ولنا في الكون فكرةٌ وعبرة؛ فالله -جل جلاله- كل أفعاله في غاية الإتقان؛ فانظر إلى السماء وحُسْنِها هل ترى لها من فطور، وكيف رفعها الله في أحسن صورة بلا عمد، وانظر إلى نفسك وخلقك، فقد خلقك الله في أحسن تقويم، وكلما قلبت نظرك في خلق الله زاد إيمانك، وعلمت أن الخلق أُوجِدَ على أحسن حال وأتقن صورة.
ولننظر إلى رسولنا -صلى الله عليه وسلم- كيف كان أداؤه لعمله، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أتقن الخلق لعمله، حتى مع بلوغ أعلى درجات الجنان، ومغفرة الذنوب، يتقن عمله؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت: لمَ تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر، قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً".
وانظر إليه -عليه الصلاة والسلام- في صلاته كيف كان يصلى بخشوع وسكينة، وكيف كان يقضي وقته كله في عبادة ربه، وهكذا أصحابه من بعد يقتفون أثره، ويهتدون بسنته.
معاشر المؤمنين: ما حالنا مع إتقان العمل؟!
إن الناظر المتفحص في أحوال الناس يجد أن الناس في ذلك طرائق؛ فمنهم المفرّط المهمل في عمل الدنيا والآخرة، ومنهم المتقن لأمور الدنيا، المفرط في أمور الآخرة، ومنهم المتقن لأعماله كلها؛ فما هو حالك -عبد الله-؟! ومن أي الأصناف أنت؟!
أيها المؤمنون: إن أول ما ينبغي للعبد أن يسعى في إتقانه هو توحيده لربه -جل وعلا-، فلا تخرق توحيدك بشيء من الشرك، ولا تنصب وجهك لغير ربك، وجرّد توحيدك له، فمن خرق توحيده في عمل فلن يقبل منه؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه".
فلا تصرف شيئًا من عبادتك لغير الله، فلا تحلف إلا بالله، ولا ترجو إلا الله، ولا تتوكل إلا على الله، ولا تعلق أملك إلا بالله، فأنت من الله ولله وبالله وعلى الله وإلى الله، ومن أتقن توحيده دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق كما نص عليه الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، روى البخاري ومسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟! قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟! قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ"، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟! قَالَ: "وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ".
وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: "وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ".
قال النووي -رحمه الله-: "واعلم أن مذهب أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال، وإن كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى، فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولاً وجعله كالقسم الأول، وإن شاء عذبه القدر الذي يريده -سبحانه وتعالى- ثم يدخله الجنة، فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من العاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من البر ما عمل".
عباد الله: لقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن إتقان العمل مما يحبه الله ويرضاه، فيما روي عنه أنه قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، والحديث سنده ضعيف ولكن المعنى صحيح دلت عليه النصوص من الوحيين.
بل عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- عدم إتقان العمل من صفات المنافقين في أكثر من حديث، كما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". فكل هذه الصفات فيها عدم إتقان العمل، سواء في الكلام أم الوعود أم الأمانة.
أيها الناس: ليعد كل منا لنفسه، ولينظر هل هو من أهل الإتقان أم لا!!
اللهم وفقنا لإخلاص العمل الصالح وإتقانه.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فيا أيها الناس: سنعرض لبعض الصور التي ترك كثير منا إتقان العمل فيها، ونقيس عليه بقية الأعمال؛ فمن أمثلة ذلك الصلاة -مع أهمية الصلاة التي لا تخفى على أحد، يفقه ما قرأ ولا ما دعا فيها، ولو نظرت لهذا المستعجل وبحثت عن سبب ذلك لم تجد وراءه إلا العادة، فقد تعوّد منذ صغره على هذه الصلاة، بهذه الصفة، ولهذا لا يجد لها لذة ولا تمنعه عن معصية، حسبه إسقاط الفرض بها، وأمثال هؤلاء المقصرين تجدإلا أن إتقانها عزّ عند كثير من الناس، فلا تكاد ترى خاشعًا في صلاته، بل لا ترى متأنيًا متدبرًا لما يقول، حتى أصبح الكثير من الخلق ينقرها نقرًا، لاهم من أبعد الناس عن فعل النوافل.
وأمر الصلاة عظيم، ويكفى فيها أنها أول ما يحاسب عليه العبد من عمله؛ أخرج الترمذي في سننه من طريق حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا، قال: فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليسًا صالحًا، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الرب -عز وجل-: انظروا هل لعبدي من تطوع فيُكَمَّلَ بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".
عباد الله: عمل بهذه الأهمية نؤديه بلا إتقان يعد مصيبةً عظيمة، حتى في مجتمع النساء تجد التقصير في الصلاة أعظم.
هذا بالنسبة لمن لا يخشع وينقرها نقرًا، والشأن أعظم فيمن لا يؤديها جماعة مع المسلمين ويؤخرها عن وقتها، بل يصليها صلاة المنافق؛ كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس قال -صلى الله عليه وسلم-: "تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا".
ومن الأعمال التي تؤدَّى بلا إتقان مع أهميتها في حياة العبد: الأذكار، فذكر الله هو حياة القلوب، وذكر بلا طمأنينة ولا حضور قلب، قل أن ينفع صاحبه، (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، فانظر إلى حال الناس بعد انقضاء الصلاة تجد العجب في طريقة الذكر؛ فالعجلة وعدم معرفة العدد، بل البعض لا يذكر الله، فبمجرد السلام ينصرف بلا ذكر، وحال لسانه أنه سنة، وما علم هذا المسكين كم فاته من الأجور بسبب تلك العجلة التي قدم فيها الدنيا على الآخرة.
ومن الأعمال التي قل فيها الإتقان: الدعاء، فلا تكاد تجد مخلصًا في الدعاء ملحاحًا فيه، بل قل أن تجد داعيًا، حتى أصبح البعض من الناس إذا رأى من يلحّ في الدعاء ويبكي قال: لعله مصاب ببلاء أو مرض، أو يطلب حاجة من الدنيا، وأكثر الداعين، يدعو بعجلة وبلا حضور قلب، وربما أكمل الدعاء وهو يمشي، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ، وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ". وأخرجه أهل السنن من طريق أخرى عن أبي هريرة.
أيها المؤمنون: لنعد إلى معاملتنا مع الله فلنحسنها، فنحن خلقنا للعبادة، ولنعلم أننا لن نتذوق طعم العبادة حتى نتقنها كما أمرنا الله وسن رسوله -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم حبب إلينا الإيمان...
اللهم احفظ لنا ديننا الذي...