الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أركان الإيمان |
أيُّها المؤمنون: إذا صَحَّ الإيمانُ وَوَقَرَ في القَلبِ: مَشَى المُؤمن على الأَرضِ مَشياَ سَوِيًّا، وسَارَ تَقِيًّا نَقِيَّا، مُوقِنٌ أنَّ مَا أَصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ، ومَا أَخطأَه لَم يَكُن لِيُصِيبَهُ، فَلا يُهلِكُ نَفسَهُ تَحَسُّرًا، ولا يَقعُدُ كَسلاناً مُتخاذِلا. بالإيمانِ الصَّادِقِ: يَنفَكُّ المُؤمنُ من رِقَّةِ الهوَى، وَنَزَعَاتِ النَّفسِ الأَمَّارةِ بالسُّوء، ومن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ، وفِتَنِ الدُّنيا بِنِسائِها ومَالِها وَقَنَاطِيرِها ومُشتَهَياتها: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) [المجادلة: 22]. رضينا ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله أكرمَنا بالإيمانِ: وأعزَّنا بالإسلامِ، وتَفَضَّل علينا بالقرآنِ، وهدانا ببعثةِ سيِّدِ الأنامِ.
نشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الملكُ القدوسُ السَّلامُ.
ونشهدُ أنَّ محمداً عبدُ الله ورسولُه بعثه اللهُ رَحمَةً وأَمَانا للأنسِ والجَانِ، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى جميعِ الآل والأصحابِ والأعوانِ، ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ على مرِّ الزَّمان.
أمَّا بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-: حق التقوى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
أيُّها المؤمنُ الكريمُ: هنيئا لك هذا الوصفُ والعنوانُ، أنت من يُحِبُّكَ اللهُ ويُنادِيكَ مِن فَوقِ سبعِ سَمَاواتِهِ، فيقولُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) [البقرة: 153].
أنتَ من نطقَ بِشهادةِ: أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ محمداً رسولُ اللهِ، قلتَ ذلكَ بِلسَانِكَ، واعتقدتَهُ بِقلبكَ، وأخلصتَ بذلِكَ لِله -تعالى- بعملك: أتدري من أنت؟
أنت َمَنْ يَستَغفِرُ لكَ المَلائِكةُ المُقَرَّبُونَ: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر: 7].
ألا تعلم: أنَّ الأنبياءَ الكرامَ -عليهم الصلاة والسلام- يَدعُونَ لكَ، وَيَستغفِرونَ لك؛ لأنَّكَ مُؤمنٌ وتَعمَلُ صَالِحَا، وبهذا أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ مُحمَّدَا -صلَّى الله عليه وسلم- فقال: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد: 19].
هل خطرَ بِبَالِكَ: أنَّ اللهَ -عزَّ وَجَلَّ- وهو الغَنِيَّ: (يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 43].
قال الشيخُ السعديُّ -رحمهُ اللهُ- ما مفادُ: من رحمةِ الله بالمؤمنين ولطفِه بهم، أنْ جعل من ثَنَائِه عليهم ما يُخرجهم من ظلمات الذُّنوبِ والجهلِ، إلى نُورِ الإيمانِ، والتوفيقِ، والعلمِ، والعملِ، فهذه أعظمُ نِعمةٍ، تَستدعِي الشُّكرَ ، والإكثارَ من ذِكرِهِ.
أتدري لماذا؟
لأنك محبوبٌ عندَ الله، وعندَ عبادِهِ، يقول تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) [مريم: 96].
وهذه نعمةٌ أُخرى للذين جَمَعوا بينَ الإيمانِ والعملِ الصَّالحِ: أنَّ الله وَعَدَهم بأن يَجعلَ لَهم مَحبَّةً وِوِدَادَا في قُلُوبِ أَوليائِهِ، وأَهلِ السَّماءِ والأَرضِ، فَتَتَيَسَّرُ أُمورُهم، ويَحصلُ لهم من الخَيرات والدَّعواتِ، والقَبولِ والإِمَامةِ مالا يَحصلُ لِغيرهم!.
وفي الصحيح: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِى فِي السَّمَاءِ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوه، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْض".
هل أدركتَ -أيُّها المؤمنُ-: بِمَ حُزتَ هذا الشَّرفَ العالي؟!
إنَّه بأيمانِكَ باللهِ، وَعَمَلِكَ الصَّالِح.
فَلِيَكُنْ تَحقيقَ الإيمانِ: همُّكَ وشغلُكَ الشَّاغِلَ، فإيمانُكَ رأسُ مَالِكَ، فلستَ بِجِنسِكَ ولا مَالِكَ! ولا بوطنك ومَنصِبِكَ وثَرَائِكَ! و(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27].
ولهذا قال ابنُ مَسعودٍ -رضيَ اللهُ عنه-: "إذا سمعتَ يا أيُّها الذين آمنوا؛ فأَصغِ لها سَمْعَكَ، فَإمَّا خَيراً تُأمَرُ بهِ ، أو شَرَّاً تُنهى عنه".
أيُّها المؤمنُ: خَلقُ اللهِ كثيرٌ ولكنْ: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف: 103].
لأنَّهم اتَّبعوا أهوائَهم، فكانوا: (كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) [الفرقان: 44].
فَأيُّ حياةٍ لهم؟! وأيُّ وصف أبشعُ من هذا!؟ كالأنعام! بل هم أضلُّ وأردى؛ لأنهم اتبعوا الهوى، ولم يتَّبعوا الإيمانَ والهُدى!.
وأنتَ -يا رعاكَ اللهُ-: في جميعِ أحوالِكَ على خَيرٍ، فَأنتَ تَألفُ النَّاسَ، وَتُحِبُّهم ويحبُّكَ النَّاسُ وَيَأْلَفُوكَ، وغيرُكَ لا هذا ولا ذاكَ -عياذاَ باللهِ تعالى-؛ كَما قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلمَ-: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُمْ أَخْلاقًا ، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ".
أَتدري -أيُّها المُباركُ-: ما مِصدَاقُ إيمانِكَ؟
استمع إلى أَبِي أُمَامَةَ -رضيَ اللهُ عنه- حين قالَ: جاءَ رَجُلٌ يَسَأَلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا الإِيمَانُ؟ فَقَالَ: "إِذَا سَرَّتْكَ حَسَنَتُكَ، وَسَاءَتْكَ سَيِّئَتُكَ، فَأَنْتَ مُؤْمِنٌ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا الإِثْمُ؟ قَالَ: "إِذَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ شَيْءٌ فَدَعْهُ".
هكذا المؤمنُ: إذا فَعَلَ طاعةً فرِحَ بها، وحمدَ اللهَ عليها أنْ تَيَسَّرتْ لهُ، وسهَّلها عليهِ.
والمؤمنُ كذلكَ حيُّ القلبِ، سريعُ الأوبةِ إلى اللهِ –تعالى-، فإن مسَّهُ طائفٌ من الشَّيطانِ سُرعانَ ما تَذكَّرَ نِعَمَ اللهِ عليه، واستقامَ على شرعِ ربِّهِ: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف: 201].
فلا بدَّ للعبدِ أنْ يَغفُلَ، وينالَ منهُ الشَّيطانُ، ولكنَّ المُؤمنَ المُتقي إذا أحسَّ بِذَنبٍّ، بِفعلِ مُحرمٍ، أو تركِ واجبٍ؛ تَذكَّر من أيِّ بابٍ أُتِيَ، ومن أيِّ مَدخلٍ دخلَ الشَّيطانُ عليه؛ فَتَذَكَّر ما أوجبَ اللَّهُ عليه، وما عليه من لوازمِ الإيمانِ، فَأَبْصَرَ واستَغفَرَ اللَّه -تعالى-، واستَدرَكَ مَا فَرَّط فيهِ بالتَّوبة الصَّادِقَةِ النَّصُوحِ، فَرَد شَيطَانَه خَاسِئًا حَسِيرا.
أيُّها المؤمنُ: أنت في نعيمٍ تُحسدُ عليه: تَقرأُ كلامَ اللهِ، وَتَتَدَبَّرُ مَعانِيهِ، فأنت كالأُترُجَّةِ رِيحُها طَيِّبٌ! وطعمُها طَيِّبٌ! وغيرك مَحرومٌ قد مَلَئَ جَوفَهُ شِعراً وغِناءً! ورَسُولُنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقُولُ كما في الصّحيح: "لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا".
أنتَ -أيُّها المؤمنُ المُصلي-: تَقفُ كلَّ يومٍ خمسَ مَرَّاتٍ بينَ يدي ربِّك تَطلُبُهُ وتَعبُدهُ وتُناجِيه، فَتَقولُ: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الفاتحة: 2] فَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قُلتَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)[الفاتحة: 3] قَالَ اللَّهُ –تَعَالَى-: أَثْنَى عَلَىَّ عَبْدِي، وَإِذَا قُلتَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 4] قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، فَإِذَا قُلتَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة: 5] قَالَ اللهُ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فَإِذَا قُلتَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ * وَلاَ الضَّالِّينَ)[الفاتحة: 6-7] قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ".
فَأيُّ كَرَامَةٍ لكَ -أيُّها المُؤمنُ-: وأيُّ عزٍّ لكَ وافتِخارٍ؟
قد هَيَّئوكَ لِأَمرٍ لو فَطِنتَ لَهُ | فَاربأ بِنَفسِكَ أنْ تَرعى مَعَ الهَمَلِ |
فاللهمَّ إنَّا نَسألُك إيِمانا صَادِقا، وعَمَلا صَالِحَا مُتقَبَّلا.
بارك الله لي ولَكم في القرآنِ العظيمِ، ونفَعني وإيّاَكم بِهدِيِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ، وأَستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِسائِرِ المؤمِنينَ، فَاستَغفِرُوهُ، إنَّه هُو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله يَقضي بِالحقِّ، ويهدي من يَشاءُ إلى صِراطٍ مُستقيمٍ، نشهدُ ألا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قديرٌ، ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى الأمينُ، صلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتَّابعين لهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المصيرِ.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عزَّ وجلَّ-: فتقواهُ خيرُ زادٍ، ونِعمَ العدَّةُ لِيومِ المَعَادِ، فاتَّقوا اللهَ حيثُما كُنتم، وقُوموا بِالأمرِ الذي من أجلِه خُلِقتم: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115].
واعلموا -يا مؤمنونَ-: أنَّ الإيمانَ ليسَ بالتمنِّي، ولا بالتَّحلِّي، ولكنَّ الإيمانَ الراسخَ مَا وَقَرَ في القَلبِ، وَصَدَّقَهُ العَمَلُ، بِفعلِ الطَّاعاتِ، واجتِنَابِ المَنهيَّاتِ.
أيُّها الأحبَةُ في اللهِ: وللإيمانِ طَعمٌ يَفوقُ كُلَّ الطُّعُومِ، ومَذَاقٌ لا يُدانِيه مَذاقٌ؛ فَحلاوةُ الإيمانِ حَلاوةٌ دَاخِليِّةٌ في نَفْسٍ رَضِيَّةٍ وَسَكِينةٍ قَلبيِّةٍ، فَلا أرَقَ ولا قَلَقٍ، ولا ضِيقَ ولا كَدَرٍ، بل سعَةٌ ورحمةٌ ورضًا ونعمةٌ: (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: 21].
وأوّلُ منافِذِ الوصولِ إلى حلاوةِ الإيمانِ وطَعمِهِ: ما عدَّدهُ رسُولُنا -عليه الصلاةِ والسلام- حينَ قالَ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- رَسُولاً".
وعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّار".
فأوَّلُ المَنافِذِ لِطَعمِ السَّعادَةِ والإيمانِ: أنْ تَرضَى باللهِ -عزَّ وَتَبَارَك- رَبًّا، ومُدبِّرًا، فهو القَائِمُ على كلِّ نَفسٍ بِما كَسبَت، رَحمنُ الدُّنيا والآخرةِ وَرَحِيمُهمَا، قَيُّومِ السَّماواتِ والأَرَضِينَ، خَالِقُ الموتِ والحياةِ، مُسْبغُ النِّعم، مُجيبُ المُضطرِّ وكاشُفُ الضُّرِّ.
إيمانٌ تَستَسلِمُ مَعَهُ النَّفسُ لِرَبِّها، وترضى بِهِ، تَعبدُهُ سُبحانَهُ وتَرجوهُ، وَتَتَبتَّلُ وتَدعوهُ، وتُرجِعُ إليه الأَمرَ كُلَّهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ) [البقرة: 8].
عبادَ اللهِ: ومَذَاقُ الحَلاوةِ الثَّانِي للإيمانِ: أنْ تَرضى بِالإسلامِ دِينًا، فلا تَبغي سِواهُ، ولا تُحِبُّ غيرهُ، ولا تَميلُ عنهُ ولا تَحيدُ، فلا تَحَاوُرَ ولا تَقارُبَ مع أديانٍ أخرى على حسابِ العقيدَةِ والإيمانِ: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
وَمَذاقُ الحَلاوةِ الإيمَانِيَّةِ الثَّالثِ: الرِّضَا بِمحمَّدٍ -صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وباركَ عليه- نبيًّا ورسولاً، وقُدوةً وإمامَا، فلا يُدانِهِ أحدٌ من الخَلقِ في مَحبَّةٍ، ولا يُنازِعُهُ بَشَرٌ في طَاعَةٍ، ولا يُزاحِمهُ أَحَدٌ في حُكمٍ وحِكمَةٍ، بِنَفْسِي وأَبي وأُمِّي -عليه الصلاةُ والسَّلامُ-: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا) [النساء: 65].
أيُّها المؤمنون: إذا صَحَّ الإيمانُ وَوَقَرَ في القَلبِ: مَشَى المُؤمن على الأَرضِ مَشياَ سَوِيًّا، وسَارَ تَقِيًّا نَقِيَّا، مُوقِنٌ أنَّ مَا أَصابَهُ لَم يَكُن لِيُخطِئَهُ، ومَا أَخطأَه لَم يَكُن لِيُصِيبَهُ، فَلا يُهلِكُ نَفسَهُ تَحَسُّرًا، ولا يَقعُدُ كَسلاناً مُتخاذِلا.
بالإيمانِ الصَّادِقِ: يَنفَكُّ المُؤمنُ من رِقَّةِ الهوَى، وَنَزَعَاتِ النَّفسِ الأَمَّارةِ بالسُّوء، ومن هَمَزاتِ الشَّياطِينِ، وفِتَنِ الدُّنيا بِنِسائِها ومَالِها وَقَنَاطِيرِها ومُشتَهَياتها: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) [المجادلة: 22].
رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً.
ثمَّ صلُّوا وسلُّموا -عبادَ اللهِ-: على الرَّحمةِ المُهداةِ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، فقد أَمَرَكُم ربُّكم، فقالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
فاللهمَ صَلِّ وَسَلِّم وبَارك على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدينِ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبَنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
اللهمَّ إنَّا نَسألُك إيِمانا صَادِقا وعَمَلا صَالِحَا مُتقَبَّلا.
اللهمَّ ثَبِّتنا بِالقولِ الثَّابت في الحياةِ الدُّنيا وفي الآخرةِ، واغفر لنا ولِوالدِينا ولجميع المسلمينَ.
اللهم آمنَّا في أوطانِنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واحقن دماء المُسلمينَ، وألف بينَ قلوبهم واهدهم سبل السلام.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].