المهيمن
كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...
العربية
المؤلف | أحمد محمد مخترش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التوحيد |
من كرمه سبحانه أن أوجد هذا الإنسان من عدم، وجعله سويًّا مستقيمًا، معتدل القامة، منتصبًا في أحسن الهيئات والأشكال، وهو قادر على أن يجعلك في صورة قبيحة. ولكنه برحمته ولطفه جعلك في شكل حسن، مستقيم معتدل، تام الأعضاء والحواس، حسن المنظر والهيئة. ثم إن هذا الإِنسان إذا أحسن عمله، وأطاع ربه أحسن الله صورته الباطنة؛ كما أحسن صورته الظاهرة، وواصل إكرامه في الدنيا والآخرة. وإن أساء عمله مسخ الله صورته الباطنة، وأهانه في...
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)[الأنعام:1 - 3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الإنسان، علّمه البيان، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إلى الأنس والجان، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل العلم والعرفان، وسلّم تسليمًا.
أما بعد:
أيّها الناس: اتقوا الله -تعالى-كما أمركم أن تتقوه، وأطيعوه أمره ولا تعصوه، فإن السعادة بتقواه وطاعته، والشقاء بمخالفة أمره ومعصيته، قال تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال: 29].
وقال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2، 3].
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) [الجن: 23].
وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب: 36].
وقد خصّ الله الإنسان من بين المخلوقات فاستخلفه في هذه الأرض، وسخّر له هذا الكون، وأمدّه بإمكانيات عقلية وجسمية، وابتلاه بالخير والشر، وأمره ونهاه ووعده وتوعده، فقال تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى) [القيامة: 36].
وقال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: 115].
وجعل الجزاء من جنس العمل، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، قال تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى) [النجم: 39 - 41].
وقال تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7- 8].
وفي الحديث القدسي: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفيكم إياها؛ فمَن وجد خيرًا فليحمد الله، ومَن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
وقد خاطب الله هذا الإنسان بعدة خطابات، ووصفه بكثير من الصفات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الانشقاق: 6].
أي أنك ساعٍ إلى ربك سعيًا وعامل عملًا: (فَمُلَاقِيهِ) أي ستلقى ما عملت من خير أو شر، عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال جبريل: يا محمد عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب مَن شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه".
وقيل معنى الآية: أنك ستلقي ربك فيجازيك بعملك ويكافئك على سعيك.
والقولان متلازمان، فالإنسان لا بدّ أن يعمل عملًا يلاقي الله به فيجازيه عليه.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 6 - 8].
أي ما غرّك يا ابن آدم بربك العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق به.
وأتى باسمه الكريم لينبّه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة، وأعمال الفجور.
ومن كرمه أن أوجد سبحانه هذا الإنسان من عدم، وجعله سويًّا مستقيمًا، معتدل القامة، منتصبًا في أحسن الهيئات والأشكال، وهو قادر على أن يجعلك في صورة قبيحة.
ولكنه برحمته ولطفه جعلك في شكل حسن مستقيم معتدل، تام الأعضاء والحواس، حسن المنظر والهيئة.
ثم إن هذا الإِنسان إذا أحسن عمله، وأطاع ربه أحسن الله صورته الباطنة؛ كما أحسن صورته الظاهرة، وواصل إكرامه في الدنيا والآخرة.
وإن أساء عمله مسخ الله صورته الباطنة وأهانه في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 2- 3]..
كما أخبر سبحانه أنه خلق هذا الإنسان من ضعف. وأوجده من عدم، وعلّمه من جهل، ثم إن هذا الإنسان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله فرح وأشرّ وبطر وطغى، قال تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 1 - 7].
ثم توعده الله ووعظه وذكّره بمصيره، فقال تعالى: (إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى)[العلق: 8] أي إلى الله المصير والمرجع، وسيحاسبك على عملك وطغيانك.
والإِنسان صفته الطغيان والظلم والجهل والكفر إلا مَن رحم الله، قال تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم: 34].
وقال تعالى: (وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72].
وأخبر سبحانه أن الإنسان يقنط عند الشدة، ويفرح ويفخر عند الرخاء، قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [هود: 9 - 11].
فهذا شأن الإِنسان وهذه صفاته، من حيث نفسه وذاته، وخروجه عن هذه الصفات إلى الصفات الخيّرة والحميدة إنما هو بفضل ربه، وتوفيقه له، لا من حيث ذاته، فليس له من ذاته إلا هذه الصفات الذميمة، فلا حول له ولا قوة على التخلّي منها، والتحلّي بالصفات الكريمة إلا بربه وفضله ومنّته: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النحل: 53].
(بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)[الحجرات: 17].
(وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7، 8].
وهو الذي يكتب الإِيمان في قلوب عباده المؤمنين ويثبتهم عليه ويصرف عنهم السوء والفحشاء.
وقد قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)[يونس: 100].
وقال تعالى: (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[المدثر: 56].
(وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[التكوير: 29].
فالهداية التي هي التوفيق للخير وقبول الحق بيد الله -عز وجل- يمنّ بها على مَن يشاء.
وهي فضل منه وإحسان، والعبد مأمور بتعاطي أسباب هذه الهداية، بأن يطلبها من الله، ويُنيب إليه ويصغي إلى كتاب الله وسنّة رسوله؛ ليعرف الحق فيلتزمه، ويعرف الباطل فيجتنبه، ويقتدي بأهل الخير، ويبتعد عن أهل الشر، ويفعل ما أمر الله به، ويترك ما نهى عنه من الأعمال والأقوال والنيّات والمكاسب وسائر التصرفات المنهي عنها.
عباد الله: اتقوا الله واذكروا بدايتكم ونهايتكم، فقد خلقتم من التراب، وتصيرون إلى التراب، ثم تُبعثون للجزاء والحساب: (وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: 55].
فكيف يليق بمَن هذا حاله، وتذكر سرعة زواله عن هذه الدنيا وانتقاله، إن يتكبر ويطغى، أن رآه استغنى، وينسى أن إلى ربه الرجعى، لقد بلغ من طغيان هذا الإنسان، إن جحد قدرة الرحمن، وأنكر البعث والحساب: (قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس: 78].
ونسي بدايته وإيجاده من العدم، وأن الذي قدر على خلقه، أو مرة قادر من باب أولى على إعادته: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس: 79].
بل لقد بلغ من طغيان هذا الإنسان أن أنكر وجود الله، فها هي الشيوعية في عصرنا الحاضر، ومَن شابهها من الملاحدة تنكر وجود الله الخالق، وتتعامى عن آياته الكونية في الآفاق والأنفس، وتنسى أن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ) [الطور: 35، 36].
لقد اغترّ هذا الإنسان بمخترعاته، ومنجزاته الحضارية ظنًا منه أنه حصل عليها بحلوه وقوته وخبرته ومهارته، ونسي أن الله هو الذي خلقه ووهبه العقل والتفكير، وسخّر له هذه الكائنات، وألهمه كيف يستخدمها، وأن كل شيء بقضاء الله وخلقه وتدبيره: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير: 29].
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) [الصافات: 96].
ثم ما هي هذه المنجزات التي اغترّ هذا الإِنسان بإبرازها، إن غالبها آلات خراب ودمار للإِنسان والعمران، أسلحة فتاكة، وقذائف جهنمية تهلك الحرث والنسل. ما مكّن الإِنسان منها إلا عقوبة له وعناء عليه وعلى الإِنسانية؛ كما قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام: 65].
فاتقوا الله -عباد الله- واعتبروا بمَن قبلكم من الأمم التي اغترّت بقوتها وعتت عن أمر ربها ورسله فحاسبها الله حسابًا شديدًا وعذّبها عذابًا نكرًا. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، خلق الجن والانس لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، قام على قدميه في صلاة الليل حتى تفطرنا، وقال: "إني أحب أن أكون عبدًا شكورًا" صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتفكروا: لماذا خلقتم؟
إنكم خلقتم لتعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا.
والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
وهي بهذا التعريف تشمل كل ما يفعله العبد بجوارحه وكل ما يقوله بلسانه وكل ما ينويه بقلبه مما شرعه الله تقربًا إليه.
فيجب على كل مسلم أن يبتغي وجه الله في كل تصرفاته، وفي كل ما يأتي وما يذر؛ لأنه عبد الله، ولأنه فقير إلى الله.
فعلى المسلم أن يصرف كل عباداته لله؛ لأنه رب كل شيء، فلا يصرف من عبادته شيئًا لغير الله، لا لصنم، ولا لبشر، حي ولا ميت، ولا لملك، ولا لهوى نفسه، ولا لطمع من أطماع الدنيا، ولا لرياء ولا سمعة؛ لأن العبادة متى خالطها شيء من الشرك بطلت، قال تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الزمر: 65].
وكما أن المسلم مطالب بحفظ عمله من الشرك فإنه مطالب بحفظ وقته وعمره من الضياع: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
وذلك لأن وقت المؤمن ثمين وعمره غال ومحدود لا تجوز إضاعته فيما لا يفيد.
وإذا نظرنا في واقعنا وواقع الناس وجدنا الكثير لم يرفع بذلك رأسًا، وإنما يعيش في هذه الدنيا عيشة البهائم، بل هو أضل سبيلًا؛ لأن البهائم أدت مهمتها في الحياة، وهذا الإنسان لم يؤد مهمته فيها؛ ولأن البهائم ليس لها حياة أخرى تحاسب وتجازى فيها كما لهذا الإنسان، فالكثير من بني آدم ترك العبادة نهائيًا، وعاش في هذه الدنيا إباحيًا ملحدًا لا يعرف ربه، ولا يؤمن بيوم الحساب.
والبعض الآخر أتعب نفسه بعبادة تضره ولا تنفعه، حيث عبد غير الله: (يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)[الحج: 12، 13].
وكثير ممن ينتسب إلى الإسلام اليوم، ويعيش بين أظهر المسلمين، وليس في قلبه شيء من الإسلام.
عباد الله: إن عبادة الله هي أوجب الواجبات، وآكد الحقوق؛ فحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وكل رسول أول ما يطلب ويطالب قومه بعبادة الله وحده لا شريك له؛ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36].
وكل رسول يقول لقومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف: 59].
وقد وصف الله بالعباد أكرم خلقه من الملائكة والرسل، وعبادة الله شرف وعز في الدنيا والآخرة.
ومن لم يعبد الله صار عبدًا للشيطان الذي هو عدوه، قال تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [يس: 60-61].
ومن لم يعبد الله صار عبدًا لهواه، قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [الفرقان: 43].
ومن لم يعبد الله صار عبدًا للدنيا والدرهم والأطماع الدنية الرذيلة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس الخميلة".
فالإنسان عبد ولا بد، فإما أن يكون عبدا لله الواحد القهار بامتثال أمره واجتناب نهيه، وفي ذلك عزه وشرفه وسعادته في الدنيا والآخرة، ويكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
وإما أن يكون عبدًا لغير الله من الشياطين والأهواء والشهوات والنزعات، والأرباب المتفرقة، فيكون مع السفلة والهابطين والكفار والمشركين: (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا)[الكهف: 50].
فاتقوا الله -عباد الله-: والزموا طاعة الله وعبادته تنالوا كرامته في الدنيا والآخرة، فإنكم حينما تقرؤون قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة: 5].
تعاهدون الله في كل ركعة من صلواتكم أن لا تعبدوا إلا إياه، ولا تستعينوا إلا به، وقد قال الله -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40].
ألا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وأفتح لأدعيتنا الإجابة.
اللهم اقبل توبة التائبين، واغفر ذنب المذنبين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم نسألك التوبة ودوامها، ونعوذ بك من المعصية وأسبابها، يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
(وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].