البحث

عبارات مقترحة:

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

فوائد السمع والطاعة لولي الأمر وأهدافها

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. عظمة الدين في تشريعاته واجتماع اتباعه .
  2. الحكمة في اجتماع الناس على تأدية العبادات .
  3. تربية الإسلام أتباعه على العقيدة الصحيحة .
  4. أهمية الاجتماع على ولي الأمر والسمع والطاعة له .
  5. حكم الخروج على ولي الأمر الشرعي .
  6. مخاطر تفرق الأمة واختلافها .
  7. فوائد وآثار اجتماع الكلمة والسمع والطاعة لولي الأمر .
  8. أسباب تفرق الأمة .
  9. زرع أعداء الإسلام للفتن في البلدان الإسلامية .
  10. الحكمة في الدعوة إلى اجتماع الكلمة ونصب إمام للأمة .
  11. الواجب نحو ولاة الأمر .
  12. خطر التغريدات المؤججة للصراع بين ولاة الأمر والشعوب .

اقتباس

أيها المسلم: إن التفرق والاختلاف سبب لهلاك الأمة ودمارها، وإن اجتماعها وتآلفها سبب لقوتها وعزتها، فعز الأمة وقوتها وهيبتها ومكانتها؛ إنما يكون بالتآلف، واجتماع الكلمة، والسمع والطاعة، والتعاون على الخير في الأحوال كلها. أيها المسلمون: وإذا تأمل المسلم كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- رأى أن لاجتماع الكلمة، والسمع والطاعة؛ فوائد كثيرة عظيمة: فمنها: أن السمع والطاعة لولي الأمر مما يسبب الخلوص من الفتن والمصائب، ولما...

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا؛ ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلَّى الله عليه، وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدين.

أمَّا بعد:

فيا أيُّها النَّاسَ: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حَقَّ التقوى.

عباد الله: إن من عظمة هذا الدين أن جعل الناس أفرادا وجماعات وأمما؛ يعيشون تحت مظلة هذا الدين، وشرع من الشرائع، ونظم العبادات كلها لتقوية هذا الهدف العظيم.

فما اجتماع المسلمين في اليوم والليلة لأداء هذه الصلوات الخمس في المساجد، إلا تأصيل لهذا المبدأ.

وما اجتماعنا يوم الجمعة، وسماعنا للخطبة؛ إلا أيضا دليل على تأصيل هذا المبدأ.

وما صلاة العيدين، وما الاجتماع في الحج الذي يمثل أقطار الدول الإسلامية والعالم كلها، تحت مظهر واحد، وملبس واحد، وهدف واحد، إلا دليل على تأصيل هذا المبدأ العظيم، وهو الدعوة والاجتماع على الحق والهدى.

وقد ربى الإسلام أتباعه أن تكون علاقاتهم قائمة على أسس العقيدة السليمة الصحيحة، فإنها تجمع القلوب وتؤلفها: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 63].

وأي اجتماع على غير عقيدة فهو اجتماع شكلي، لا يؤتي ثماره، ولا يؤدي الغرض، ولا يدوم، وإنما الشيء النافع ما قام على أسس العقيدة الصحيحة الذي تدعو إلى التآلف، واجتماع الكلمة.

والمسلمون يتمتعون بحقوق وشراكة بينهم، رغم اختلاف اللون واللغة والعرق والقبيلة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخاطب الناس: "أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِي عَلَى أَعْجَمِي، وَلاَ لِعَجَمِي عَلَى عَرَبِي، وَلاَ لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَد، وَلاَ أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلاَّ بِالتَّقْوَى" -فصلوات الله وسلامه عليه أبدا دائما إلى يوم الدين-.

ومما دعا الإسلام إليه: الاجتماع على ولي الأمر، والسمع والطاعة له، ودعا المسلمين إلى أن يكون لهم إمام واحد؛ يلتفون حوله، ويجتمعون عليه، يولونه أمرهم، ليسوسهم بالخير، ويقيم بهم الصلاة، ويقيم فيهم الحدود، ويحفظ دماءهم وأموالهم وأعراضهم، ويقيم العدل بينهم.

وأوجب عليهم طاعة هذا الإمام، والسمع والطاعة له بالمعروف، يقول الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء: 59].

ويقول صلى الله عليه وسلم: "عَلَى الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".

وهذا الإمام إذا سمع وأطيع اجتمعت الكلمة، وانتظم الحال، وعند معصية ولي الأمر يكون الضعف والبلاء في الأمة، ولهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- أوجب على كل مسلم في عنقه بيعة أن يحافظ عليها، وأن لا يتخلى عنها، ولا ينقضها، يقول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ولاَ حُجَّةَ لَهُ".

ويقول أيضا: "مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً".

وحرم على المسلمين الخروج عن أئمتهم، وأوجب السمع والطاعة بالمعروف، وتقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية: "خَيْرُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ يُبْغِضُونَكُمْ وَتُبْغِضُونَهُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُم"ْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلا نُنَابِذُهُمْ؟ قَالَ: "لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ".

أيها المسلم: وإن التفرق والاختلاف سبب لهلاك الأمة ودمارها، وإن اجتماعها وتآلفها سبب لقوتها وعزتها، فعز الأمة وقوتها وهيبتها ومكانتها إنما يكون بالتآلف واجتماع الكلمة، والسمع والطاعة، والتعاون على الخير في الأحوال كلها.

أيها المسلمون: وإذا تأمل المسلم كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- رأى أن لاجتماع الكلمة والسمع والطاعة؛ فوائد كثيرة عظيمة:

فمنها: أن السمع والطاعة لولي الأمر مما يسبب الخلوص من الفتن والمصائب، ولما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الشر الذي يقع في آخر الزمان؛ قال آمرا أحد أصحابه: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" فقال له الصحابي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ، قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ".

ومنها: أن الاجتماع والسمع والطاعة فيه تحد، فيه مقاومة، ووقوف أمام التحديات المعاصرة، فإن عالمنا الإسلامي اليوم يواجه تحديات معاصرة من أعداء دينه على اختلاف أفكارهم، ووجهات نظرهم؛ إلا أنهم متحدون ضدنا، واقفين أمام عقيدتنا وقيمنا وأخلاقنا.

فاجتماع المسلمين وتآلفهم قوة؛ أمام هذه التحديات الضارة التي يكيدها الأعداء لها لهذه للأمة الإسلامية، فإن أعداء هذه الأمة يغيظهم: أن يروا هذه الأمة قوية؛ يسود التآلف والتراحم والتعاون بين الراعي والراعية.

ومنها: أن هذا الاجتماع يظهر عظمة الإسلام، وقوة الإيمان، هذا الدين هو الذي وحده استطاع أن يؤلف القلوب، يقول الله -جل وعلا-: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].

فقوتنا واجتماعنا وتآلفنا وصدقنا في تعاملنا فيما بيننا قوة بتوفيق من الله، إنما يخشى علينا من التفرق والضعف، واندساس بعض المغرضين والحاقدين على الإسلام وأهله، وممن ينتسبون إلى الإسلام ممن عندهم شيء من الدنيا، يردون بها تدمير الأمة، وإحداث الفتن والمصائب، وطاعة أعداء الله في إذلال الأمة، وإرهابها وإضعافها.

ومنها: أن هذا الاجتماع دليل على المحبة الصادقة، فالاجتماع والتآلف دليل على المحبة الصادقة، محبة الإيمان.

ومنها: أن هذا الاجتماع ينزع عنا العصبية القبلية، والتعصبات الجاهلية، لا لقبيلة، ولا لحزب، ولا لمبدأ، نحن أمة واحدة، عقيدة وشريعة، يجب أن نخضع لها، فلا مجال للتعصبات القبلية، ولا للتعصبات الفكرية، فإن هناك من يتعصب لقبيلة، أو لفكر، أو لرأي، فنحن في الإسلام لا نتعصب لفكر من الأفكار، هدفنا وغايتنا اتباع كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

أما التعصب للأفكار والآراء، والدفاع عنها مهما كان، حالها حقا أم باطلا، فذلك أمر غير مرغب فيه في ديننا.

فالتعصب ليس ضد الأشخاص، ولا لمبادئهم، إنما لهذا الدين وقيمه وأخلاقه، فمن تعصب لهذا الدين دفاعا عنه، وتبين فضائله، والدعوة إلى اجتماع الكلمة، فهو المحق.

أما التعصب للفكرة، وأن يكون هدفنا التعصب لفكر من الأفكار، والدفاع عنها، مهما كان حالها، فإن هذا خلاف المشروع.

فالمسلم إنما هدفه هذا الدين، دفاعا عنه، وتأصيلا له، وردا لكل شبهة من الشبه التي يثيرها المغرضون الحاقدون عن الإسلام وأهله.

ومن أهداف الاجتماع أيضا: السلامة من كيد الأعداء المتربصين بنا.

أيها الإخوة: أعداؤنا يتربصون بنا، أعداؤنا يعرفون مجدنا، وشرفنا وفضلنا، وماضينا المجيد، وأخلاقنا الكريمة، فهم يحاولون أن يفصلونا عن ديننا، وأن يبعدونا عن ديننا، وأن لا يجعلوا لديننا مكانة فيما بيننا، وهذا دليل على ضعفنا.

فالواجب أن نستعين بالله، ونحاول أن نتحصن من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، الذين لن يرضوا عنا حتى نتخلى عن ديننا: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة: 120].

(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109].

أيها المسلمون: ومن أهداف السمع والطاعة أيضا: حصول البركة، واجتماع الخير، يقول الله -جل وعلا-: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) [آل عمران: 103].

ويخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- الأنصار، فيقول لهم: "أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَمُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي".

ومن آثار الاجتماع وفوائده أيضا: قوة المؤمنين، ورعب عدوهم منهم، فإن الأمة إذا اجتمعت كانت قوة لا تغلب، إذا نظر الأعداء إلينا قوة متماسكة منتظمة، بعضنا يشد أزر بعض، ويقوي بعضنا بعضا، ويعين بعضنا بعضا، وينصح بعضنا بعضا، كانت قوة لا تغلب.

أما إذا بقينا العدو ينهشنا من كل جانب، شرقا وغربا، كلما وجد فرصة انقض على جماعة المسلمين قتلا وتشريدا، هذا كله منه البلاء، فاجتماعنا قوة لا تغلب، يحسب الأعداء لها حسابها.

ومن آثار اجتماعنا أيضا: أن نغيض عدو الله إبليس الذي يسبب التحريش بيننا، وإفسادنا بعضنا على بعض، يقول صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ ثَلاَثَةٍ فِي قَرْيَةٍ لاَ يُؤَذَّنُ وَلاَ تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إِلاَّ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ".

فيا أمة الإسلام: إن الاجتماع والتآلف من أسباب القوة.

إن مصاب الأمة اليوم جلل، وبلاءها عظيم، وما نسمع من الأحداث المؤلمة من تفجيرات، وقتل، وسفك للدماء، ونهب للممتلكات، وانتهاك للأعراض، وقتل للأبرياء؛ هذه أمور إنما هي نتيجة الاختلاف، وعدم التآلف، وعدم الصدق مع الله، في الأقوال والأعمال.

إن الواجب على الأمة أن تسعى للتأليف بينها، وحل مشاكلها، بالتآلف والاجتماع والتعاون: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

إن أمة الإسلام مصابة بمصيبة جلل عظيم، كلما تأمل المسلم وتدبره، وجد أنه بلاء عظيم: ما سببه؟ اختلاف القلوب.

ما سببه؟

البعد عن الدين.

ما سببه؟

وجود فئة حاقدة تندس تحت الإسلام، وهي بريئة منه، تريد إفساد هذا الدين، والقضاء عليه، وجود فئة من الناس عندها شيء من المال، تريد بهذا المال أن يكون سببا لتفريق الأمة، وإذلالها، وإحداث المؤامرات بين صفوفها، وكل هذه أمور خطيرة.

فواجب علينا: أن نتقي الله في أنفسنا، وأن نعود إلى واقعنا، ونصلح أخطاءنا، ونقيم سلوكنا، ولنكن يدا واحدة، بعضنا مع بعض، ولنقف صفا واحدا أمام كل التحديات، أمام كل الدعايات، أمام كل الأعداء، فإذا توحدنا جميعا، فإنه يرجى الخير الكثير، يقول جل وعلا: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال: 46] أي قوتكم.

فإن هذه الفتن والمصائب التي عمت الأمة، حتى أن بعضهم ربما تأسف على الزمان الماضي، وإن كان فيه أخطاء، لكن لما رأى الخطر العظيم، والشر المستطير، والبلاء العظيم.

هذه الفتن -يا إخواني-: مصيبة عظيمة، أعداؤنا آمنون مطمئنون في بلادهم، ويصنعون ويزرعون ويتنعمون، وأبناء المسلمين في ذعر وخوف، في العراق، في سوريا، في اليمن، في تونس، في ليبيا، في الصومال، هذه الدول الإسلامية تسام سوء العذاب، على أيدي المغرضين والحاقدين، مؤامرات أعداء الإسلام لا تخلو، كل يوم تدبر مؤامرة، إن لم تنجح في فكرة جاءت بفكرة أخرى، وهكذا.

يقبلون بالشر والفتن علينا، لكي يذلونا، ويهينوا كرامتنا، فواجبنا أن نتقي الله في أنفسنا، وأن ندافع عن ديننا، وأن نلتقي بعضنا يبعض، وأن نكون يدا واحدة في كل أحوالنا، فعسى الله أن يوفقنا، ويؤيدنا بنصر من عنده، إنه على كل شيء قدير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني إيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفورٌ الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه، وعلى آله وصحبه وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعدُ:

فيا أيُّها الناس: اتَّقوا اللهَ -تعالى- حقَّ التقوى.

عباد الله: إن لله حكمة عظيمة في الدعوة إلى اجتماع الكلمة، ووضع إمام للأمة، يسوسها بكتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فولاة الأمر فيهم خير للأمة، فإن بهم ينصر الحق، وبهم ينصر الله المظلوم، وبهم تؤدى الحقوق، وبهم يقام العدل، وبهم تجتمع الكلمة، وبهم تحفظ الدماء، وتصان الأموال والأعراض، ويأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وبالاجتماع عليهم، والسمع والطاعة لهم بالمعروف؛ يحصل الخير الكثير.

وما أصاب الأمة من مصائب إلا بتخليها عن قياداتها، وخروجها عليها، حتى أدى الأمر إلى ما أدى إليه من هذا البلاء العظيم -نسأل الله أن يرفع المحنة والبلاء-.

أيها المسلم: وليس معنى ذلك: أن كل إمام معصوم، فالمعصوم من عصمه الله، لكن كيف نعالج أخطاءنا! أبهذه التغريدات السيئة؟!

فكم من مغردين -هداهم الله-: يغردون، ويقولون، ويأتون بكلام سيئ، لو تفكروا بعد ذلك لعرفوا خطأهم، في أساليبهم وأطروحاتهم ومقالاتهم.

إن الواجب علينا: أن نسعى في الإصلاح والنصيحة بالطرق السليمة التي أرشدنا إليها الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ".

وقال صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قَالَ: "لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ".

فالتناصح بيننا، وإيصال الحق بالطرق السلمية أمر مطلوب.

أما التغريدات والتشويهات، وإثارة الأحقاد والبغضاء، والقذف والسب والشتم، ليس هذا من أخلاق المسلمين، هذا من أخلاق الجاهلين.

أما المسلم ليس بالسباب ولا باللعان، ولا بالفاحش البذيء، ولكنه سليم القلب، سليم اللسان، يقول حقا، ويدعو إلى حق، لا يقول باطلا، ولا يدافع عن باطل، ولا يفتري، ولا يقذف، ولا يتكلم بكلام، لا حقيقة له.

فيا أيها المغردون: اجعلوا تغريداتكم تغريد اجتماع أمر، يخدم الأمة، ويجمع كلمتها، ويوحد صفها، ويقيها شر المزالق، فإن أعداء الإسلام، ربما استعملوا هذه الأشياء للنيل منا، ومن قيادتنا، ولضرب بعضنا ببعض.

نحن أمة مسلمة بايعنا قيادتنا على كتاب ربنا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، يلزمنا السمع والطاعة بالمعروف، والموالاة والمحبة، والتعاون على ما يخدم الإسلام وأهله.

أيها المسلمون: إن هذا البلد المبارك يعيش أمنا واستقرارا وطمأنينة -بفضل الله- قبل كل شيء، ثم بتحكيم هذه الشريعة، ثم بما هيأ الله من هذه القيادة المباركة.

أسأل الله أن يأخذ بنواصيهم لما يحبه ويرضاه، وأن يوفقهم لكل خير، ويعينهم على كل خير، ويسدد خطاهم، ويرزقهم الإخلاص، ويوفقهم للحق والإخلاص لله في القول والعمل.

وواجبنا: الدعاء لهم بالتوفيق والسداد، وأن نحرص على ما يجمع الكلمة، ويؤلف القلوب، ويقطع دابر الفساد.

فإن الأمة إذا اجتمعت عزة وكرمة، وإذا تفرقت ذلة ومهانة.

ونسأل الله أن يعيذنا من زوال نعمته، وتحول عافيته، وفجاءة نقمته، وجميع سخطه.

ونسأله جل وعلا أن يمن على المسلمين بالأمن والطمأنينة والسكينة، وأن يختار لهم من قياداتهم من فيهم خير لهم في دينهم ودنياهم، إنه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم الله-: أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا -رحمكم الله-: على عبد الله ورسوله محمدا كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائه الراشدين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك وإحسانك يا أرحمَ الراحمين.

اللَّهمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمَّر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل اللَّهمّ هذا البلاد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، يا رب العالمين.

اللَّهمَّ آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا، وولاة أمرنا، اللَّهمّ وفقهم لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.

اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبد الله بن عبد العزيز لكل خير، سدده في أقواله وأعماله، وامنحه الصحة والسلامة والعافية، ووفق ولي عهده ونائبه؛ إنك على كل شيء قدير.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

عبادَ الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكُرْكم، واشكُروه على عُمومِ نعمِه يزِدْكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].