الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | حسين بن علي بن محفوظ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
بنظرة عابرةٍ على الواقع نكتشف: أن جميع أطراف النزاعات الأسرية المدمَّرة خاسرون، بداية من الزوج الذي سيهجر العش الذي ألفه، والزوجة التي يسكن إليها؛ مرورًا بالزوجة التي ستواجُه نظرةَ المجتمعِ القاسيةَ التي لا ترحم لكونها مطلقة، وانتهاءً بالأطفال الضحايا الضائعين في حالات الطلاق الذين يدفعون ثمن انهيار البيت العائلي. فالطلاق قد يدفع بالفرد الى هاوية تعصف بشخصيته، أو ندمٍ يمزق داخله، أو...
الخطبة الأولى:
المقدمة والوصية بالتقوى.
عباد الله:
لقد ازدادت حالات الطلاق في بلادنا، حتى بلغت في شهر مارس من هذه السنة في المكلا وضواحيها حسب إحصائية محكمة الغرب في المكلا فقط أربعين حالة طلاق، فضلاً عن محكمة الشرق.
وهذا مؤشر خطير، ومنذر بكارثة اجتماعية كبيرة.
كيف لا! ومن خطره؛ أن إبليس يفرح فرحاً شديداً به؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرِ بن عبدالله -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ".
وفي زيادة عند أحمد: "فَيَلْتَزِمُهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ".
ومعنى: "إن إبليس يضع عرشه" أي سرير ملكه "على الماء".
وفي رواية: "على البحر" "ثم يبعث" أي يرسل "سراياه" أي جنوده وأعوانه: "يَفتنون الناس" أي يضلونهم أو يمتحنونهم بتزيين المعاصي إليهم، حتى يقعوا فيها: "فأدناهم" أي أقربهم: "منه" أي من إبليس "منزلة" أي مرتبة "أعظمهم فتنة" أي أكبرهم إضلالاً "فعلتُ كذا وكذا" أي أمرتُ بشرب الخمرِ والسرقة مثلاً، "فيقول ما صنعتَ شيئًا" أي عظيماً أو معتداً به.
"ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ" أي فلاناً "حتى فرقت بينه وبين امرأته" أي وسوستُه، وأوقعتُ البغضَ والعداوةَ بينه وبين زوجته حتى فارقها!.
"فيدنيه منه" أي فيقرب إبليسُ ذلك المغويَّ من نفسه، من الإدناء "نِعم أنت" نعم الولدُ أنت.
يعني يمدح إبليسُ صنيعه، ويشكرُ فعلَه لإعجابِه بصنيعه، وبلوغ الغاية التي أرادها.
وقيل: أي أنت صنعت شيئاً عظيماً.
فيتبين من هذا الحديث: أن التفريق بين الزوجين بالطلاق من أحب الأعمال إلى إبليس اللعين.
وللأسف أن كثيراً من الناس في مجتمعنا قد أطاعوا الشيطان، واستعجلوا فك عقدة الزواج؛ وانهيار العلاقات الزوجية، يعني تشتت الأسر، وهدم كيانها، وضياع أفرادها.
وبنظرة عابرةٍ على الواقع نكتشف: أن جميع أطراف النزاعات الأسرية المدمَّرة خاسرون، بداية من الزوج الذي سيهجر العش الذي ألفه، والزوجة التي يسكن إليها؛ مرورًا بالزوجة التي ستواجُه نظرةَ المجتمعِ القاسيةَ التي لا ترحم لكونها مطلقة، وانتهاءً بالأطفال الضحايا الضائعين في حالات الطلاق الذين يدفعون ثمن انهيار البيت العائلي.
فالطلاق قد يدفع بالفرد الى هاوية تعصف بشخصيته، أو ندمٍ يمزق داخله، أو مصيرٍ مجهول يعصف به.
معشر المؤمنين: إن الذي ينظر إلى أسباب الطلاق يجدها في مخالفة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع الزوجة مجملاً.
وقد مر معنا هذا في خطبة ماضية.
وأما على سبيل التفصيل، فمن أسباب الطلاق في مجتمعنا حسب استشارتي لبعض المعايشين لها:
أولاً: من قبل الزوج:
1- أنه يترك اختيار الزوجة لأهله، وهذا غير صحيح إذ أن الزواج خاص به هو، هو الذي سيتزوج وليست أمه أو أبوه أو أخته.
نعم يساعدونه بعد ذلك أو يشيرون عليه، أما أن يُلزم بزواج فلانة أو لا، فهذا قد يؤدي إلى مشاكل قد تنتهي بالطلاق.
2- ضعف شخصية الزوج، فهو إما أن تسيطر عليه الزوجةُ، وتسخره حسب مزاجها، وكيفما شاءت؛ فيصطدم بأمه و أخواته.
وإما أن يضعف أمامهن فيسيطرن عليه، ثم يفرضن عليه أذيةَ زوجته، أو منعَ حقوقِها، أو نحو ذلك.
وهذا سيؤدي إلى مشاكل كبيرة ربما استعانت المرأة بأهلها؛ فتنتشر المشكلة لتعم الأسرتين، وهكذا.
فليتقِ الله الأزواج، وليلزموا العدل، وليقولوا للمخطئ: أنت مخطئ، ولو كانت أمهاتهم أو آباؤهم.
وإنما بالرفقِ وحسنِ الأسلوب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 135].
3- تقصير الزوج في النفقة على الزوجة إذ يعتمد على والده في التصريف على أهله، ثم لا يستطيع أن يقوم بهم.
وإن من حق المرأة على زوجها: أن يكفيها حاجتها من الطعام والكساء والدواء، وما تعارف الناس على توفيره لأنفسهم وأزواجهم، كلٌّ حسب طاقته وإمكانيته، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].
فالرجل يستحق القوامة على المرأة لأسباب منها: أنه مكلف بالنفقة عليها، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) [الطلاق: 7].
وقال تعالى: (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: 233].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"[رواه النسائي، وأصل الحديث في صحيح مسلم].
تؤكد هذه النصوص على أن النفقة واجبة على الأزواج لزوجاتهم.
وهذه النفقة إنما تكون بالمعروف، أي بحسب ما يتعارف المجتمع عليه الذي يعيش فيه الزوجان.
وكما أن النفقة واجبة محتمة على الزوج؛ فإن مراعاة دخله ووضعه وظروف حياته كذلك يجب على الزوجة أن تراعيها، ولا تتعنت فتطلب ما لا طاقة له به، فقد نجد الزوج يضيع أهله وألاده، ولا ينفق عليهم، فيحصل الطلاق.
4- تخزين القات، وهو من أكبر أسباب الطلاق في مجتمعنا، هذه الشجرة الخبيثة التي هي رأس الشر في بلادنا، فتفكك الأسر، والفراغ الكبير في البيوت، والبعد عن الزوجة والأولاد مما يضعف التربية.
بل يعرضهم لما يقابل ذلك من تربية سيئة، والوقوع في أنماط من الانحراف الأخلاقي وغيره.
وقد تسبب في حالات كثيرة جدًا في الطلاق، وهذا أمر واضح ومعلوم أن أعلى معدلات الطلاق بسبب القات.
5- استغلال الزوجة في خدمة أهله، وكأنها خادمة لأمه وأخواته، فمعلوم أن الزوجة تخدم زوجها، وقد تخدم والديه، أما أن تكون خادمة لأسرته جميعاً فهذا ظلم لها، بل وتبقى أخواته مسيطرات على البيت، وتصبح هذه الزوجة المسكينة مستحقرة، فهذا مما لا يقره شرع ولا عقل.
6- تزوج الثانية كيداً للأولى؛ فيؤدي إلى طلاق إحداهما، أو كثرة اللمز والهمز، وتكرار التهديد بزواج الثانية مما يثير الزوجة.
ولا يعلم هذا الزوج أنه يطعن زوجته بهذه الكلمات التي قد تكدر عليه صفو حياته الزوجية.
ولم نسمع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه هدد بذلك، فهو إما أن يتزوج الثانية ويعدد، أو يسكت.
هذه بعض أسباب الطلاق التي من قبل الزوج.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم...
الخطبة الثانية:
المقدمة والوصية بالتقوى.
إخوة الإسلام والإيمان: ثانياً من أسباب الطلاق من قبل الزوجة:
1- إنها غير قائمة بعملها في البيت، وغير متعلمة في بيت أهلها أعمال البيت.
وكان الواجب على أهلها: أن يعلموها فنون الطبخ، وكل مستلزمات مهنة البيت؛ حتى تنسجم مع زوجها، وتقوم بخدمته كي تزداد الألفة والمحبة بينهما.
أحياناً تنشغل بالبيت، أو أمور جانبية، فيقل اهتمامها بالأطفال، فيجب أن تتوازن في عملها، لا تنشغل بالأولاد عن الزوج، ولا بالبيت عن الأولاد، وهكذا تعطي كل ذي حق حقه.
2- كذلك كثرة خروج النساء من البيت، فنجدها خراجة ولاجة، أو الذهاب إلى أهلها بدون إذنه؛ والزوج في الغالب يريد ربة بيت تربي أولاده، وتقوم على بيته، وقد أمر الله -تعالى- بذلك، فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 33].
3- وكذلك على أهل الزوجة: أن لا يعودوها كلما عنَّ لها ذهبت إليهم، بل الأصل أن تقَرَّ في بيت زوجها وتلزمه.
وهناك أسباب للطلاق بسبب أهل أحدِ الزوجين، أو المجتمعِ نفسه، أذكر مثلاً؛ منها:
1- تأخر البت في مشاكل الزوجين؛ فتتفاقم المشاكل وتزيد، ويؤدي إلى الطلاق.
2- ومنها: عدم العدل بين زوجة الابن وبناتهم، فتحصل الشحناء والبغضاء.
3- تدخُّل أهل الزوجة والمجتمع في حالة تزوج الزوج للزوجة الثانية، وتعقيدهم للمشاكل، وكأن تعدد الزوجات مصيبة، أو فاقرة عظيمة.
وهذه مفاهيم مغلوطة نشرت في المجتمع في فترة من الفترات، عندما كان يحارب تعدد الزوجات، ويباح الزنا.
وبقيت هذا العقدة –وللأسف- فإذا كانت عند الزوج القدرة على زواجه الثانية والثالثة والرابعة، ويستطيع أن يعدل ويوفق بين زوجاته، فهذا مباح شرعاً.
بل له فوائد تعود على المجتمع لست في صدد الحديث عنها الآن.
هذه بعض أسباب الطلاق، والحل في تجنب ما يؤدي إليها من قبل الجميع، وإلا فلا نستغرب تفكك المجتمع وانهياره، وانتشار العادات السيئة والجرائم والفواحش، وغيرها من الأمراض.
أسأل الله لي ولكم التوفيق السداد.