البحث

عبارات مقترحة:

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

غزوة بني النضير

العربية

المؤلف حسين بن علي بن محفوظ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. احتماء يهود بني النضير في حصونهم .
  2. تخريبهم بيوتهم بأيديهم .
  3. تخطيطهم لاغتيال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
  4. تحالفهم مع المنافقين وتخلي المنافقين عنهم .
  5. الحكم عليهم بالجلاء .

اقتباس

يا مَن تُدخلون أمريكا في اليمن تتصرف كما تشاء، تضربُ وتقتلُ وتسفكُ، وترسمُ سياساتكم: لقد خِبتم وخسرتم، ووالله لن تنفعكم أبدًا، ولن تنصرَكم إنما تنصرُ نفسها، وتستعمر بلادنا، وتنهب ثروتنا، وتحارب ديننا وأخلاقنا، يا من نصرتم فرنسا في مالي، وحاربتُم شريعة الله: اعلموا أنكم مهزومون مخذولون، إلى متى ستبقى أمريكا وفرنسا تدافعان عنكم يا أغبياء، هَبْ أنها دافعت عنكم في الدنيا، تُرى هل ستدافع عنكم في الآخرة؟!

الخطبة الأولى:

معشر المؤمنين: يقول الله تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ * وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 1 - 4].

هذه الآيات هي صدر سورة الحشر التي يقال لها: سورة بني النضير؛ لأنها تتحدث عن غزوة بني النضير، فقد ثبت في صحيح البخاري عن سَعِيدِ بن جبيرٍ قال: قلت لابن عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: سُورَةُ الْحَشْرِ، قال: "قُلْ: سُورَةُ النَّضِيرِ"، وبنو النضير رهط من اليهود من ذرية هارون -عليه السلام- نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظاراً لمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاهدوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على ألا يحاربوه ولا يقفوا مع من يحاربه، فنقضوا العهد، فأخرجهم من المدينة كما سيأتي.

فربنا -تبارك وتعالى- يخبر في مطلع هذه السورة أن جميع ما في السماوات وما في الأرض، يسبح له ويُمجده، ويقدسه ويصلي له، ويوحِّده، وقوله تعالى: (وَهُوَ الْعَزِيزُ)؛ أي: منيع الجناب، وهو العزيز في انتقامه ممن انتقم من خلقه على معصيتهم إياه، (الْحَكِيمُ) في قدره وشرعه، الحكيم في خلقه وأمره، فلا يخلق شيئًا عبثًا، ولا يشرِّع ما لا مصلحة فيه، ولا يفعل إلا ما هو مقتضى حكمته.

ثم قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) [الحشر: 2]، فهو -سبحانه- العزيز القوي المتين الذي أخرج هؤلاء اليهود من ديارهم لأول الجمع في الدنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشام، فكان منهم طائفةٌ ذهبوا إلى أذرُعات من أعالي الشام وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفةٌ ذهبوا إلى خيبر.

(مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) [الحشر: 2]، ما كنتم تظنون لقوة عددهم ومنعتهم وعتادهم، أنهم سيخرجون بهذه السهولة والسرعة، وظنوا هم أن حصونهم وقلاعهم تمنعهم من هزيمة الله لهم، ظنوا أن الله -عزّ وجلّ- لا يتمكَّن منهم، وهكذا يظن الكافرون والمنافقون وضعفاء الإيمان أحيانًا أن الله تعالى عندما يُمهلهم، أو عندما يمتلكون من القوة المادية التي توهمهم أنها ستحميهم من عذاب الله تعالى وبطشه وعقابه، ولا يؤمنون أو يتذكرون أن الله له جنود السماوات والأرض، وأن بيده ملكوت كل شيء.

(فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر: 2]، فاجأهم الله وداهمهم وأتاهم من حيث لم يظنوا ويتوقعوا، أتاهم من أنفسهم ومن قلوبهم التي بين جنبيهم، وسلط عليهم الرعبَ الذي هو جندي من جنوده -عز وجل-؛ قال أهل اللغة: الرعب الخوف الذي يستوعب الصدرَ؛ أي: يملؤه، وقَذْفُه: إثباتُه فيه، فأثبت في قلوبهم الخوفَ الشديدَ الذي هو جندُ الله الأكبر، الذي لا ينفع معه عددٌ ولا عدةٌ، ولا قوةٌ ولا شدة، فالأمرُ الذي يحتسبونه ويظنون أن الخللَ يدخل عليهم منه إن دخل، هو الحصونُ التي تحصنوا بها واطمأنت نفوسُهم إليها، ومن وثق بغير الله، فهو مخذول، ومن ركن إلى غير الله، كان وبالاً عليه، أتاهم أمرٌ سماوي، نزَل على قلوبهم التي هي محل الثباتِ والصبر، أو الخَور والضَّعف، فأزال قوتَها وشدتها، وأورثها ضعفًا وخَورًا وجُبنًا لا حيلة لهم في دفْعه، فصار ذلك عونًا عليهم.

(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) [الحشر: 2]، وفي قراءة أبي عمرو: (يخرِّبون بيوتهم)، أصبحوا من شدة الرعب يَهدِمون بيوتهم؛ حتى لا يسكنها المؤمنون، ويأخذون ما استحسنوه منها من باب أو غيره، فاتعِظُوا يا معشرَ ذوي الأفهام، يا أصحابَ العقولِ والألباب، بما أحل الله بهؤلاء اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن الله وليُّ من والاه، وناصرُ رسولَه على كل من ناوأه، ومُحل من نقمته به نظيرَ الذي أحلَّ ببني النضير.

وإنما عنى بالأبصارِ في هذا الموضع أبصارَ القلوب، وذلك أن الاعتبارَ بها يكون دون الإبصار بالعيون، فيا مَن واليتم أعداء الله، وظننتم أنهم سينصرونكم: لقد خِبتم وخَسِرتم؛ يقول الله تعالى: (أَمْ مَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) [الملك: 20].

يا مَن تُدخلون أمريكا في اليمن تتصرف كما تشاء، تضربُ وتقتلُ وتسفكُ، وترسمُ سياساتكم: لقد خِبتم وخسرتم، ووالله لن تنفعكم أبدًا، ولن تنصرَكم إنما تنصرُ نفسها، وتستعمر بلادنا، وتنهب ثروتنا، وتحارب ديننا وأخلاقنا، يا من نصرتم فرنسا في مالي، وحاربتُم شريعة الله: اعلموا أنكم مهزومون مخذولون، إلى متى ستبقى أمريكا وفرنسا تدافعان عنكم يا أغبياء، هَبْ أنها دافعت عنكم في الدنيا، تُرى هل ستدافع عنكم في الآخرة؟!

عندما تُسألون: لماذا خُنتم شعوبكم؟! لماذا واليتم أعداءَ الدين؟! ماذا ستقولون أيها الخونةُ المنافقون؟! يقول الله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138، 139].

ثم قال -جل جلاله-: (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) [الحشر: 3]. ولولا أن الله تعالى كتب عليكم الرحيلَ، لعذَّبهم بالقتل والسَّبي، وأخذ أموالهم وفي الآخرة بعذاب النار، ومعنى الجلاء في اللغة: الخروج من الوطن والتحوُّل عنه، فحتى تتَّعظوا ولا تحاربوا الإسلامَ مرة أخرى، أخرجكم فقط من دياركم، فإياكم إياكم أن تعودوا مرةً ثانيةً لمحاربة دين الله -عز وجل-: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر: 4]، المُشاقة: العصيان، ومنه شقُّ العصا والمخالفة، فأجلاكم الله؛ لأنكم خالفتم وحاربتُم الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بهمِّكم بقتله، ومن يخالف ويتَّخذ جهةً أخرى غيرَ جهة الحق، ويتَّخذ طريقًا غيرَ طريق الله تعالى؛ فإن الله شديد العقاب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: هذه وقفات مع بعض آيات من سورة الحشر التي تسمى سورة النضير؛ لأنها تتحدث عنهم وعن غزوة بني النضير، وذلك أن هذه الغزوة المباركة وقعت في مثل هذه الأيام، في شهرِ ربيع الأول في السنة الرابعة من الهجرة.

وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إليهم يستعينهم في دِيَة العامرييَن اللذَين قَتل عمرو بن أُمية الضمري، للجوار الذي كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عقد لهما، فقالوا له لمّا كلَّمهم في ذلك: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، اجلس حتى تطعم وترجع بحاجتك، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ظل جدار من جُدر بيوتهم، معه نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي -رضي الله عنهم- ينتظرون أن يصلحوا أمرهم.

فخلا بعضهم ببعض والشيطان معهم لا يُفارقهم، فائتمروا بقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، فمَن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرةً، فيُريحنا منه، فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم، فقال: أنا لذلك، وصعد ليفعل، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام راجعًا إلى المدينة، وترك أصحابه في مجلسهم.

فلما استلبث النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، قاموا في طلبه، فلقوا رجلاً مقبلاً من المدينة، فسألوه عنه، فقال: لقيته داخلاً المدينة، فأقبلوا حتى انتهوا إليه، فأخبرهم بما كانت يهود أرادت من الغدر به، وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتهيُّؤ لحربهم والسَّير إليهم، ثم سار بالناس ونزل بهم، فتحصَّنوا منه في الحصون، وعرض عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجلاء عن أوطانهم وأن يسيروا حيث شاؤوا، فراسَلهم أولياؤهم من المنافقين عبد الله بن أُبي في رهطٍ من قومه حين سمِعوا ما يراد منهم: أن اثبُتوا وتمنَّعوا، فإنا لن نُسلمكم، إن قاتلتُم، قاتَلنا معكم، وإن أُخرجتُم، خرجنا معكم، فغرَّتهم أمانيُّ المنافقين، ونادوا النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: إنا والله لا نخرج، ولئن قاتَلتنا، لنُقاتلنَّك.

فمضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمر الله فيهم، فلما انتهى إلى أزِقَّتهم وحصونهم، كرِه أن يُمكِّنهم من القتال في دورهم وحصونهم، فحفظ الله له أمره وعزَم له على رشده، فأمر بالأدنى فالأدنى من دورهم أن تُهدم، وبالنخيل أن تُحرق وتقطَّع، وكفَّ الله أيديهم وأيدي المنافقين، فلم ينصرونهم، وألقى الله في قلوب الفريقين كليهما الرعب، فهدموا الدُّور التي هم فيها من أدبارها، فلما كادوا يبلغون آخر دورهم، وهم ينتظرون المنافقين ويتربَّصون من نصرهم، ما كانوا يُمَنُّونهم به، حتى يئِسوا مما عندهم، سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان عرض عليهم قبل ذلك، فقاضاهم -صلى الله عليه وسلم- على أن يُجليهم ويكفَّ عن دمائهم، على أن لهم ما استقلت به الإبل من أموالهم إلا الحلقة فقط، فطاروا بذلك كل مطير، وتحملوا بما أقلت إبلهم؛ حتى إن الرجل ليهدم بيته عن نجافِ بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم مَن سار إلى الشام.