البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

إلى متى الغفلة؟!

العربية

المؤلف عمر بن محمد السبيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الزهد
عناصر الخطبة
  1. التحذير من الانشغال بالدنيا عن الآخرة .
  2. بيان سرعة زوال الدنيا .
  3. التحقير من شأن الدنيا في السنة النبوية .
  4. مفاسد غلبة حب الدنيا .
  5. من مظاهر غلبة حب الدنيا .
  6. حب الدنيا وترك الطاعة من أسباب ضياع فلسطين .
  7. الاعتبار بحال الماضين والراحلين . .
اهداف الخطبة
  1. التحذير من الاغترار بالدنيا
  2. تحفيز الناس على العمل للدار الآخرة .

اقتباس

إذا استولى حب الدنيا على قلب المرء أنساه ذكر ربه؛ وإذا نسي المرء ذكر ربه أنساه تعالى نفسه؛ حتى يورده موارد العطب والهلاك.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حق التقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].

عباد الله، عنوان سعادة المرء ودلائل توفيقه إنما يكون في إنابته، لربه واستقامته على شرع الله ودينه في أيام حياته، وعلى كل حالاته، وإقباله على الله تعالى بنية خالصة وعبودية صادقة، وأن لا تشغله الحياة الدنيا والسعي في تحصيل ما يؤمل منها عن الاستعداد للحياة الباقية والتزود للدار الآخرة، فذلك سبيل الصالحين، ونهج المتقين ممن وصفهم الله عز وجل في محكم التنزيل بقوله: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ) [النور:37].

فإن هؤلاء الصالحين على الرغم من اشتغالهم بالبيع والشراء، وما يحتاجون من عرض الدنيا، إلا أن ذلك لم يكن حائلاً بينهم وبين استحضار عظمة الله جل جلاله، استحضاراً يحمل على تقوى الله عز وجل وخشيته على الدوام، والقيام بعبوديته حق القيام، وهكذا شأن المؤمن حقاً، يغتنم أيام العمر وأوقات الحياة بجلائل الأعمال الصالحة، ويبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة؛ لعلمه أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا وسيلة للفوز بالحياة الباقية والظفر بالسعادة الدائمة، لا أنها غاية تبتغى، ولا نهاية ترتجى، بل إنما هي عرض زائل، وظل آفل، يأكل منها البر والفاجر، وأنه مهما طال فيها العمر، وفسح فيها للمرء الأجل، فسرعان ما تبلى، وعما قريب تفنى، وليس لها عند الله شأن ولا اعتبار، وإنما هي قنطرة إلى الجنة أو النار، يقول عز وجل: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) [الحديد:20].

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء" رواه مسلم في صحيحه.
وعن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وروى الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال: والذي نفسي بيده، للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها" .

وإن في هذه النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية – يا عباد الله - لأبلغ بيان وأوضح تصوير لحقيقة هذه الحياة الدنيا، وما يجب أن يكون عليه حال المرء فيها من الإقبال على الله جل وعلا، والأخذ بالنفس في دروب الصلاح والتقى، ومجانبة الشهوات والهوى، والحذر من الاغترار بالدنيا، غير أن من عظيم الأسف أن يظل الكثيرون منا في غفلة وتعامٍ عن ذلك؛ حتى غلب عليهم طول الأمل، وران على قلوبهم سوء العمل، وكأن لا حياة لهم إلا الحياة الدنيا.

وإذا استولى حب الدنيا على قلب المرء أنساه ذكر ربه؛ وإذا نسي المرء ذكر ربه أنساه تعالى نفسه؛ حتى يورده موارد العطب والهلاك، وقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان شؤم ذلك وخطره على دين المرء: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حرص المرء على المال والشرف لدينه" رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وجاء في الأثر: "حب الدنيا رأس كل خطيئة"، وقال بعض السلف: "من أحب الدرهم والدينار فليتهيأ للذل".
ولما نظر الإمام الحسن البصري – رحمه الله – إلى بعض أهل زمانه ورأى تكالبهم على الدنيا، وغفلتهم عن الآخرة قال: "أمؤمنون بيوم الحساب هؤلاء؟! كلا، كذبوا ومالك يوم الدين".

وإن من مظاهر غلبة حب الدنيا على القلوب، واستيلائها على النفوس لدى البعض، أن لا يكون لهم همّ إلا البحث عن الجاه العريض، والشهرة الواسعة، وإن كان على حساب الدين والفضيلة، وآخرون ليس لهم همّ سوى جمع الأموال، وتضخيم الثروات؛ حتى سلكوا في تحصيل ذلك مسالكاً مشبوهة، وسبلاً محرمة.

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في معرض التحذير من ذلك، وبيان عاقبته على صاحبه: "والذين نفس محمد بيده، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به" رواه الطبراني وغيره.

وكم من المجتمعات المسلمة – يا عباد الله – من طغى عليهم حب الدنيا؛ فاستجابوا لداعي الهوى، والنفس الأمارة بالسوء والفحشاء؛ حتى أدى بهم ذلك إلى شرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، واقتراف الفواحش والمنكرات، يساعد على ذلك ويذكيه في نفوسهم واقع الإعلام المعاصر، وما تبثه وسائل الاتصال وكثير من القنوات، مما فيه تزيين للباطل، وإغراء بالفتنة، وخروج على القيم والفضيلة؛ حتى غدا كثير من المسلمين – ولا سيما الناشئة – محاكين للأعداء في كثير من أنماط حياتهم وسلوكهم، حتى صدق على كثير منهم قول الحق جل وعلا: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ) [مريم:59].
وما أوقعهم في ذلك إلا طغيان حب الدنيا على نفوسهم حتى آثروها على الآخرة.

وهذا الداء – يا عباد الله – هو الذي أودى بأمة الإسلام في عصورها المتأخرة إلى ما هي عليه الآن من ضعف وهوان، وتفرق ونزاع؛ حتى تحكم الأعداء في كثير من قضاياها، واستحوذوا على كثير من خيراتها، واستولوا على بعض بلادها، وساموا بعض الشعوب المسلمة سوء العذاب، وألحقوا بهم أصنافاً من النكال.
وإن ما يحدث الآن على أيدي اليهود الغاصبين، والشرذمة المفسدين، ضد إخواننا المستضعفين في الأرض المباركة فلسطين، من عدوان أثيم على الأنفس والأموال والحرمات، وتدنيس المقدسات – ولا سيما المسجد الأقصى المبارك – أولى القبلتين، وثالث المسجدين الشريفين: إنما مرده ما عليه حال كثيرين من أمة الإسلام من إقبال على الدنيا، وزهد في الآخرة وإعراض عن طاعة الله ورسوله؛ حتى ابتلوا بهؤلاء الأعداء الحاقدين، ومن شايعهم من الكفرة الظالمين، الذين استهانوا بالمسلمين، واسترخصوا دماءهم وحرماتهم، وهذا مصداق لما أخبر صلى الله عليه وسلم عن وقوعه في الأمة، حين تقبل على الدنيا، وتخلد إليها، ويضعف تمسكها بدين الله، وتدع الجهاد في سبيل الله، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" رواه أبو داود وغيره.

وروى الإمام أحمد وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصتعها، قال: قلنا: يا رسول الله، أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير، ولكن تكونون غثاءً كغثاء السيل، تنتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل في قلوبكم الوهن، قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".

فلتحذروا – عباد الله – من التمادي في الغفلة والإعراض عن الله، وإيثار الحياة الدنيا على الآخرة، فلقد ندد الحق جل وعلا بالغافلين، وأشاد بالمتقين الذين جانبوا هوى النفس، وعملوا للدار الآخرة، فقال سبحانه مبيناً حال كل فريق وجزاءه: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ) [النازعات:37-41].

فاتقوا الله – عباد الله – ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [فاطر:6 ].

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على ترادف آلائه ونعمائه، والشكر له على سابغ فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ولا تكونوا ممن استولت عليهم الغفلة، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله والدار الآخرة، وغرتهم الأماني الباطلة، والآمال الخادعة؛ حتى غدوا وليس لهم همّ إلا في لذات الدنيا وشهواتها، فكيف حصلت حصّلوها، ومن أي وجه لاحت أخذوها، وإذا عرض لهم عاجل من الدنيا لم يؤثروا عليه ثواباً من الله ورضواناً، (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم:7] .

أفلا نتعظ – يا عباد الله – بقوارع التنزيل وآياته؟! ونعتبر بما حل بالماضين من أهل القرون الخالية، ومن نشيع كل يوم إلى الدار الآخرة في رحلات متتالية، يذهب فيها أفراد وجماعات، وآباء وأمهات، وأبناء وبنات، وملوك ومماليك، وأغنياء وصعاليك، ومؤمنون وكفار، وأبرار وفجار، يودَعون القبور، وينتظرون يوم النفخ في الصور، والبعث والنشور، (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ) [المعارج:43-44 ] .

فاتقوا الله – عباد الله – وتذكروا قرب الرحيل من هذه الدار إلى دار القرار، ثم إلى جنة أو نار، فأعدوا لهذا اليوم عدته، واحسبوا له حسابه، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) [آل عمران:185ٍ].

ألا وصلوا وسلموا – عباد الله – على الهادي النذير، والسراج المنير، كما أمركم بذلك العليم الخبير، فقال سبحانه قولاً كريماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [الأحزاب:56].

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [الحشر:10].

ربنا ظلمنا أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) [النحل:90-91 ] .

فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.