البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

البر

البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...

حاجة البشر إلى القيادة الرشيدة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. أهمية القيادة في حياة الأمم .
  2. المسلم لا يرتضي بالجاهل الأعمى قائدا .
  3. حياة الناس لا تصلح إلا بالمصلحين .
  4. مساوئ قيادة العُمْي للبشرية .
  5. بعض مناهج العمي في الحياة .
  6. أسباب شقاء البشرية عبر تاريخها .
  7. مسئولية كل مسلم ومسلمة .

اقتباس

الذين لا يؤمنون بالإسلام صم وبكم وعُمْي بشهادة الله -عزَّ وجلَّ-، فإنه لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند الله، أن يتلقى في أي شأن من شئون الحياة عن أعمى أو جاهل، سواء في عباداته أو معاملاته، أو أخلاقه أو نظام حياته...

الخطبة الأولى:

الحمد لله العفو الكريم، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، جعل الحياة الدنيا داراً للابتلاء والاختبار، ومحلاً للعمل والاعتبار، وجعل الآخرة دارين، داراً لأهل كرامته وقربه من المتقين الأبرار، وداراً لأهل غضبه وسخطه من الكفار والفجار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد القهار، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي المختار، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله, ويا إخوة الإسلام, ويا أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- خير الأنام- اتقوا لله تعالى بعمل الصالحات واجتناب المحرمات، واعلموا -رحمكم الله- أن الحياة الطيبة الآمنة والعيشة الراضية السعيدة لا تحصل إلا بالإيمان والعمل الصالح.

عباد الله: إن من المسلَّمات عند الناس جميعًا أن الإنسان مخلوق ضعيف محتاج إلى غيره، لا يمكن أن يصرف أمور حياته وحده بدون موجّه أو ناصح، ولا بد له إذًا من معونة أو مشورة أو مناصحة، ولا بد له من قيادة راشدة وقدوة صالحة، ولذا يجدر بالمسلمين أن يكونوا في موضع القيادة والريادة لبني الإنسان جميعاً، وأن يتخذوا الصالحين والسلف السابقين قدوة صالحة.

أيها الإخوة: إن الإسلام هو الدين الحق الذي لا باطل فيه، فلا يجوز للمسلم أن يزهد بدينه، ولا ببعض أحكام دينه، قال الله -سبحانه-: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85]، ولا ينبغي للعبد العاقل أن يتخذ الجهلاء قادة يتلقى عنهم منهج حياته، وهو يعلم أن ما جاء به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الحق.

عباد الله: إذا تقرر أن الذين لا يؤمنون بالإسلام صم وبكم وعُمْي بشهادة الله -عزَّ وجلَّ-، فإنه لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند الله، أن يتلقى في أي شأن من شئون الحياة عن أعمى أو جاهل، سواء في عباداته أو معاملاته، أو أخلاقه أو نظام حياته.

فلا يليق بمسلم قط يعرف هدى الله، ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول الله أن يقعد مقعد التلميذ الذي يتلقى من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدى، ولم يعلم أنه الحق، فهو أعمى بشهادة الله، والله تعالى يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]، فلا منهج صالح لهذه الحياة إلا منهج الله -سبحانه-.

عباد الله: إن هناك علاقة وثيقة بين الصلاح الذي يعم حياة البشر في هذه الأرض، وبين أولي الألباب الذين يؤمنون بالحق ويعملون به ويدعون إليه، لذا قال تعالى: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 20-24].

كما أن هناك علاقة متينة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض، وبين أولئك العُمْي الضلال عن الحق الذي جاء من عند الله لهداية البشر إلى الخير والصلاح, كما قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25]، فالذين يعلمون أن الإسلام هو الحق ويستجيبون له هم الذين يُصلحون في الأرض، وتزكو بهم الحياة. كما أن الذين لا يستجيبون لعهد الله على الفطرة، ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عند الله، ويعلمون أنه وحده الحق، هم الذين يفسدون في الأرض.

أيها المسلمون: إن الفوز والنجاة، والسعادة والفلاح، لا يمكن أن تحصل للبشرية إلا بالإسلام الذي ارتضاه للبشرية ديناً إلى يوم القيامة، وحياة الناس لا تصلح قطعاً إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الحق.

ومن ثم يوفون بعهد الله على الفطرة، وبعهد الله على آدم وذريته أن يعبدوا الله وحده، فيدينوا له وحده ولا يتلقوا عن غيره، ويطيعون ربهم ولا يتبعوا إلا أمره ونهيه، ومن ثم يَصِلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه وما يغضبه، ويخافون سوء الحساب فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل سكنة وحركة، ويصبرون على الاستقامة على عهد الله ودينه بكل تكاليف الاستقامة، ويتصلون بربهم بإقامة الصلاة على الدوام لربهم تعظيماً له وتكبيراً وحمداً وشكراً وسؤالاً واستغفاراً، وينفقون مما رزقهم الله في سبل مرضاته سراً وعلانية، ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان.

فما أعظم هذه الأصول، وما أحسن هذه الصفات، وما أصلح أهلها، وما أجلّ ما يقدمونه لربهم من تعظيم وحمد وطاعة، وما أعظم ما يحسنون به إلى أنفسهم وللبشرية من منافع وخير وصلاح: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)  [الزمر: 18].

أيها المسلمون: إن حياة الناس في الأرض لا تصلح قطعاً إلا بمثل هذه القيادة المبصرة التي تسير على هدى الله وحده، والتي تصوغ الحياة كلها وفق منهجه وهديه، وتستن بجميع ما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-. وتنشأ عن هذه القيادة المبصرة السديدة: الاستقامة والعزة، والهداية والأمن، والسعادة في الدنيا والآخرة, كما قال -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)  [فصلت: 30-32].

أيها الإخوة: إن الأمم لا تصلح أبداً بالقيادات الضالة العمياء التي لا تعلم أن ما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- هو الحق وحده، والتي تتبع مناهج أخرى غير منهج الله الذي ارتضاه لعباده الصالحين. إنها لا تصلح بمناهج الشرق أو الغرب، ولا تصلح بأي منهج قومي أو قبلي أو عالمي من نتاج البشر. إن هذا كله من مناهج العمي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد هو الحق وحده، الذي لا يجوز العدول عنه ولا التعديل فيه. إنها لا تصلح بالقسوة والبطش والظلم، ولا تصلح بالحرية والتميُّع، وإطلاق الشهوات كالبهائم والأنعام.

فكل هذه المناهج سواء في كونها من مناهج العُمي الذين يقيمون من أنفسهم أرباباً من دون الله، ويفعلون ما يشاءون، فيضعون مناهج الحكم ومناهج الحياة حسب أهوائهم، ويُشرِّعون للناس ما لم يأذن به الله، ويلزمون الناس بتنفيذه والعمل به، ولو لم يأذن به الله، ولو كان يُغضب الله، ولو كان يشقى به الناس في الدنيا والآخرة، فما أشد جرم من صرف الناس عن هدى الله وأضلهم عنه بغير علم: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [القصص: 50].

أيها المسلمون: وبسبب قيادة العمي، وطاعة العمي، وتشريع العمي، ودعوة العمي، حل بالبشرية البلاء العظيم، وانفجر فيها هذا الفساد الطامي الذي يعم وجه الأرض، وهذه الشقاوة النكدة التي تعانيها البشرية في مشارق الأرض ومغاربها، وتلك سنة الله التي لا تتبدل كما قال الله -سبحانه-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) [طه: 124-126].

أيها المسلمون: إن المؤمن حقاً يرفض بحكم إيمانه بالله وعلمه بأن ما أُنزل على محمد هو الحق كلَّ دين غير دين الله، وكلَّ منهج للحياة غير منهج الله، وكلَّ شرع ومذهب ومنهج غير المنهج الوحيد، والمذهب الوحيد، والشرع الوحيد الذي سنه الله وارتضاه للصالحين من عباده.

ومجرد الاعتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من غير الله هو بذاته خروجٌ من دائرة الإسلام لله: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)  [آل عمران: 85].

وهذا الاعتراف فوق أنه يناقض مفهوم الإسلام، هو في الوقت ذاته يسلم الخلافة في هذه الأرض للعُمي الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض كما قال -سبحانه-: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد: 25]، فهذا الفساد العظيم الذي حصل للبشرية في أنحاء الأرض مرتبط كل الارتباط بقيادة العمي: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) [النساء: 27].

عباد الله: لقد شقيت البشرية عبر تاريخها الطويل، وما زالت تتخبط بين شتى الشرائع وشتى المناهج وشتى الأوضاع التي جَرَّت البشرية إلى كل بلاء وفتنة وشر، بقيادة أولئك العمي الذين يخدعون الناس بلباس أردية الفكر والعلم والحرية والوعود الكاذبة على مدار القرون.

وإنه لا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا أن تفيء إلى أمر الله، إلى المنهج الرباني، إلى الإيمان بالله ورسوله، إلى طاعة الله ورسوله: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا)  [النساء: 66-70].

نسأل الله -عز وجل- أن يجعلنا من عباده المؤمنين، وحزبه المفلحين، وأن يوفقنا للأخذ بأسباب الفلاح والسعادة، وأن يرزقنا بمنه الحسنى وزيادة، إنه جوادٌ كريم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الرءوف الرحيم، البر الجواد الكريم، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صَلَّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا إخوة الإسلام: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن سعادة الدنيا والآخرة منوطة بالإيمان بالله، والتمسك بدينه والعمل الصالح، الذي يحقق لصاحبه الفوز الأبدي والفلاح السرمدي، يوم ينقسم الناس إلى شقيٍ وسعيد قال تعالى: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المؤمنون:102] (وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) [المؤمنون:103].

عباد الله: إن مسئولية كل مسلم ومسلمة أربعة أعمال، وهذه الأعمال هي مجموع وظائف الدين وهي: تعلم الدين، والعمل بالدين، وتعليم الدين، والدعوة إلى الدين (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)  [الجمعة: 4].

فيا سعادة من هو عابد لربه: (قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9].

ويا سعادة من هو داع إلى الله وإلى دين الله وشرعه في مشارق الأرض ومغاربها، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له.

وما أعلى درجات من هو معلِّم لدين الله في جميع أوساط المسلمين، ليعبد الناس ربهم على بصيرة. وما أعظم حسنات من أنفق ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله.

ويا بشرى لكل من جاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله. ويا بشرى لكل من بادر للقيام بالأعمال الصالحة ابتغاء وجه ربه الأعلى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 25]، هذا ما ندعو إليه، وهذا ما نحبه لأنفسنا، وهذا ما نحبه لكل إنسان إلى يوم القيامة: (هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [إبراهيم: 52].

وكل ما نحبه ونرجوه أن يصلح الله أحوال الأمة في الدنيا، وأن يسكنهم الجنة في الآخرة، وأن يهديهم إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].

فاتقوا الله -عباد الله- (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فمن تاب وأصلح فيما بقي غفر له ما مضى وما بقي، ومن أساء فيما بقي أخذ بما مضى وما بقي، وسلوا الله حسن الختام، (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [البقرة: 286].