البحث

عبارات مقترحة:

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الحفي

كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

أمن النصح تدريس مادة الرياضة لبناتنا؟!

العربية

المؤلف خالد بن سعد الخشلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. النعم تتحقق بالطاعة وتزول بالمعصية .
  2. في قصة سبأ عبرة للمعتبر .
  3. سنن التغيير لا تتبدل ولا تتغير .
  4. إدراج مادة التربية البدنية للبنات في المدارس .
  5. عدم جواز التصويت على أمر محرم في الشريعة .
  6. الاعتبار بالدول التي طبقت هذا الأمر .
  7. مطالبة المسؤولين في البلاد بالعدول عن القرار .
  8. دعاة التغريب وقبلتهم الغربية .
  9. المسلمون أولى بالتمسك بشرعهم وتقاليدهم .

اقتباس

تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية خبرًا مفاده "تصويت مجلس الشورى على مطالبة وزارة التربية والتعليم بإدراج دراسة مادة التربية البدنية في مدارس البنات"، وأن أغلبية الأعضاء صوتوا بتأييد هذه التوصية. وبادئ ذي بدء نذكّر -أيها الإخوة الفضلاء- بحقيقة مهمة وهي أن أمور الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز في دين الله ليس مجالاً للتصويت عليه في ديننا، ولا يعرف حكمه بالتصويت عليه من كل من هب ودب ممن له علاقة بالشريعة أو لا، وإنما مرد هذه الأمور ومعرفة حكمها الشرعي إلى علماء الدين ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، من تمسك بهداه عزّ وساد وأفلح في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عن هديه وصراطه المستقيم ضل وشقي وكان في الدنيا والآخرة من الخاسرين.

أحمده سبحانه على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله –عز وجل- وراقبوا وامتثلوا أمره ولا تعصوه، ففي تقواه سبحانه والاستجابة لندائه والانقياد لحكمه الحياة الهنية الرضية، وفي الإعراض عن تقواه الخيبة والندامة والبوار والخسارة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

منَّ الله علينا جميعا بتقواه وجنبنا أسباب غضبه وسخطه، إن ربي رحيم ودود.

أيها الإخوة المسلمون: يتلفت المرء يمنة ويسرة في العالم من حولنا فيرى فتنًا ومحنًا وحروبًا طاحنة وصراعات مدمرة، راح ضحيتها المئات من الألوف من الأنفس، واضطرب الأمن في تلك المجتمعات، وحلّ محله الخوف على الأنفس والأعراض والأموال، ولم يعد للحياة طعم في ظل غياب الأمن وفشو الخوف.

وهي سنن ربانية لا تحابي أحدًا ولا تجامل أحدًا، إن هذه الأوضاع التي تعيشها تلك المجتمعات اليوم ينبغي أن نأخذ منها العبرة والعظة، ونعلم جميعًا أن الأمن واستتبابه نعمة جلة، ومنحة كبرى، إنما تتحقق بطاعة الله وتقواه ومزيد من التمسك بشريعته وهداه، وتعظيم أوامره وحرماته، والحذر كل الحذر من الوقوع فيما يغضبه ويسخطه، والتجرؤ على حرماته، فالله -سبحانه وتعالى- هو واهب الأمن، وهو معطيه -سبحانه وتعالى-، وهو القادر على نزعه من أي مجتمع متى ما شاء وكيف شاء وفق سننه الربانية التي لا تحابي أحدًا؛ إذ ليس بين الله وخلقه نسب أو قرابة، ولكن البشر كلهم في ميزان الله إما مؤمن تقي ملتزم بأحكام الشرع موعود بالأمن والخير والرخاء، أو فاجر شقي متجنب صراط الله المستقيم معرض عن هدى رب العالمين، فذاك موعود بسلب الأمن والابتلاء بالخوف.

إنها حقائق قرآنية ومعادلات شرعية نطقت بها نصوص الذكر الحكيم، ليست نتاج فكر مفكر ولا اجتهاد عالم.

يقول الله -عز وجل-: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82]، وقال -عز وجل-: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ...)، فماذا كانت النتيجة يا عباد الله؟! (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16].

وفي قصة سبأ عبرة للمعتبر؛ مدينة عامرة وخيرات وفيرة وجنان وارفة، وأمن وآمان ورغد عيش، فكفرت بأنعم الله فتغيرت أحوالها وتبدلت أوضاعها، فحل الخوف محل الأمن، والقحط والجوع مكان الخير: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ: 15 - 17].

بما كفروا نعم الله -سبحانه وتعالى-؛ إذ لم يشكروها ولم يستعملوها في طاعته، ولم يتقووا بها على التزام هديه: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

إنها سنة التغيير التي لا تتبدل ولا تتغير، من أراد التغيير من أحواله نحو الأفضل غيّر أحواله وعلاقته مع ربه ودينه نحو الأفضل، ومن بدّل وغيّر في علاقته مع ربه ودينه إلى الأسوأ تغيرت أحواله كذلك نحو الأسوأ وتردت أوضاعه: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ)، (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ) [الرعد:11]، (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال:53].

فإذا غيّر العباد من أنفسهم، من حُسْنِ علاقة مع الله واستجابة لأمره وانقياد لحكمه والتزام بشرعه إلى غير ذلك، غير الله ما بأنفسهم من نعم، فحل الخوف محل الأمن، والفقر محل الغنى، والفوضى بدل الاستقرار: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ).

أيها الإخوة المسلمون: إن الشرع والعقل يحتمان علينا في هذه البلاد المباركة -ونحن نرى الآن من حولنا يتخطف ويحل به من البلاء والمصائب- إن علينا بذل مزيد من الجهد للاستقامة على طاعة الله والتزام حدوده التي حدها، وتطبيق أحكامه التي شرعها، دون هوادة ولا مجاملة في ذلك، لا لقريب ولا لبعيد ولا لعدو ولا لصديق، وإعلاء شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على أيدي العابثين ومنتهكي الحرمات حتى لا تغرق السفينة وبغرقها يغرق الجميع.

هذا هو الطريق الأمثل والنهج الأصوب إن أردنا لبلادنا ومجتمعنا استمرار هذه الخيرات وزيادة النماء والقوة والمنعة، فوالله لن نجد ذلك إلا بالاستمساك بطاعة الله وشرعه.

إن العالم كله مهما دبّر لهذه البلاد من مكائد وحاك من مؤامرات فلن يقف أمامها إلا الاستمساك بالدين، إلا الاستمساك الحق بالدين القويم، فهو الصخرة التي تتكسر أمامها نصال الأعداء ونبال المتآمرين في الداخل والخارج: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية: 18، 19]. ومن كان الله وليه فلا هازم له، من كان الله وليه فالله تعالى ناصره ومعينه ومقويه على أعدائه.

أيها الإخوة المسلمون، أيها الإخوة المؤمنون: تناقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية خبرًا مفاده "تصويت مجلس الشورى على مطالبة وزارة التربية والتعليم بإدراج دراسة مادة التربية البدنية في مدارس البنات"، وأن أغلبية الأعضاء صوتوا بتأييد هذه التوصية.

وبادئ ذي بدء نذكّر -أيها الإخوة الفضلاء- بحقيقة مهمة وهي أن أمور الحلال والحرام وما يجوز وما لا يجوز في دين الله ليس مجالاً للتصويت عليه في ديننا، ولا يعرف حكمه بالتصويت عليه من كل من هب ودب ممن له علاقة بالشريعة أو لا، وإنما مرد هذه الأمور ومعرفة حكمها الشرعي إلى علماء الدين الذين يقول الله -عز وجل- عنهم: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء:83].

والذين يستنبطون أحكام الشرع من نصوص القرآن والسنة هم العلماء الربانيون، وفي فتاوى مشايخنا ومفتينا ما ينص على عدم جواز مثل هذا الأمر، وحينما يحكم أهل العلم بتحريم أمر ما فليس هذا والله اعتباطًا ولا غلوًا ولا تشددًا ولا تزمتًا كما يقوله غلمان الصحافة، وإنما الحكم مبني على أصول شرعية، والحكم بتحريم شيء إنما يكون تحريمًا لذاته أو لكونه وسيلة تبوء إلى مفاسد غالبة وشرور مؤكدة، وتحريم إدخال هذه المادة في مدارس البنات من هذا الباب، فتدريسها للبنات يفتح أبوابًا من الشرور لا تخفى على العاقل.

ولنا في الدول القريبة وليست البعيدة لنا في الدول التي طبقت هذا الأمر عبرة وعظة؛ حيث تدرج الأمر من ممارسة الطالبات للرياضة في مدارسهم في قاعات مغلقة أول الأمر، وبألبسة محتشمة، حتى زاد الأمر ورَبَا على ذلك حتى وصل الأمر وتطور شيئًا فشيئًا إلى تشكيل فرق نسائية في تلك البلدان تشارك في المسابقات العالمية الدولية بأوضاع مخجلة يراها الجميع ولا ينكرها إلا جاحد.

ثم إن الدعوة التي من أجلها تمّت هذه التوصية محاربة السمنة في صفوف الطالبات كما يزعمون، ويا لله العجب!! أهذا منطق العقلاء؟! أهذا منطق من ينظر إلى التجارب باعتبار وتدبر، ها هي المادة البدنية مقررة للبنين من عشرات السنين، وها هي معدلات السمنة في أوساط الطلاب في ارتفاع وزيادة، ولم تُجدِ تلك المادة في مدارس الطالب لم تُجدِ شيئًا في تحقيق هذا الهدف المزعوم.

ثم ها هي الدول الكافرة وغيرها ممن طبقت هذه المادة في تعليمها من سنين تعد بعضها من أعلى الدول نسبًا في معدلات السمنة وتزايدها في أوساط الطلاب والطالبات.

فهل يليق بعاقل أن يقول بعد هذا أو أن يطالب بإدخال مادة التربية البدنية لمدارس البنات بهذه الحجة؟!

إننا كلنا أمل في ولاة الأمر الناصحين الحريصين على مصلحة دينهم وبلدهم ومجتمعهم، كلنا أمل فيمن ولاهم الله -عز وجل- أمرنا وأمر مجتمعنا، والقائمين على التعليم في هذه البلاد أمل في أن يتقوا الله -عز وجل- في نسائنا وبناتنا وأعراضنا، فهم مؤتمنون على ذلك، ومعالجة السمنة تكون بطرق كثيرة أجدى وأنفع من إدخال هذه المادة.

ليتقوا الله -عز وجل- وليعلموا أنهم محاسبون أمام الله -عز وجل- يوم ينتقلون من هذه الدنيا فلا ينفعهم إلا عملهم الصالح، وأما سيئاتهم وما جروه على المجتمع من شرور وفتن وبلاء فتحمل بها ظهوره.

نسألهم بالله -عزّ وجل- أن يتقوا الله في مجتمعنا ونسائنا وبناتنا، ولا يفتحوا باب شر على المسلمين، ليأخذوا بآراء أهل العلم الناصحين، ولا يكونوا في تعاملهم مع العلماء وفتاوى العلماء انتقائيين في أخذ بعض فتاواهم وترك البعض الآخر، فهم -أي علماءنا الناصحين- مؤتمنون على شرع الله، وهم حملة الميراث النبوي، وتَخَطِّي فتاواهم وعدم الأخذ بها في هذا الباب وغيره يفتح أبواب شر على المجتمع.

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظنا بحفظه، وأن يكلأنا بعنايته ورعايته، وأن يديم علينا في هذه البلاد المباركة نعمة الأمن والأمان، وأن يوفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح العباد والبلاد، إن ربي سميع مجيب.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اتبع هداه واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله- اتقوا الله في أقوالكم وأفعالكم، اتقوا الله في تصرفاتكم ومواقفكم، اتقوا الله في جميع أموركم، ففي تقوى الله -عز وجل- عزكم وفلاحكم وسعادتكم في الدنيا والآخرة.

جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أيها الإخوة المسلمون: إننا على يقين تام بأن مصدر قوتنا واجتماع كلمتنا في هذه البلاد المباركة والتفافنا على أيدي ولاة أمرنا؛ إنما مصدر ذلك تطبيق الشريعة، والحكم بأحكام الشريعة، وتقدير العلماء الربانيين، العلماء الناصحين، والإعلاء من شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن ولاة الأمر -حفظهم الله- متى ما ظهر لهم وبان لهم في أمر من الأمور أن لا خير فيه للعباد والبلاد فإنهم سباقون لذلك.

هذا هو أملنا، وهذا هو رجاؤنا، نسأل الله -عز وجل- أن يجري الخير على أيديهم، وأن يجري النفع للعباد والبلاد على أيديهم، إن الله على كل شيء قدير.

إن هناك فئة من أبناء المجتمع ممن رضعوا لبان الغرب وثقافة الغرب، وأشربت قلوبهم حب الغرب وتقاليده وثقافته، لا يفتؤون ليلاً ونهارًا في أن ينقلوا مجتمعنا إلى ما عليه تلك المجتمعات الغربية، إنهم يزعمون المدنية والحضارة، ويتسابقون ويتسارعون إلى تغريب مجتمعنا ظنًا منهم واعتقادًا خاطئًا بأن المدنية والحضارة لا يمكن أن يصل إليها مجتمعنا إلا بتغريب المجتمع، وتلك والله فكرة خاطئة وضلال مبين.

إن هناك مجتمعات وثنية وصلت إلى المدنية والحضارة ولم تتخل عن تقاليدها وأعرافها وقيمها، ونحن –المسلمين- في هذه البلاد المباركة أولى بأن نتمسك بهويتنا الإسلامية، وأن نتمسك بتقاليدنا، وأن يكون لنا خصوصية في تعليمنا وفي أمورنا كلها، ننطلق بذلك من هدي ربنا -سبحانه وتعالى-، ونعلم يقينًا أن الغرب والشرق كله، وأن العالم كله، لن يستطيع أن يوصل إلينا ضررًا متى ما تمسكنا بكتاب ربنا وسنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا).

إن هذه الحزمة من الكتبة والصحافيين وغيرهم من الناشرين الذين يكتبون باسم المجتمع، وينادون باسم المجتمع، لم يبوئهم المجتمع هذه المكانة، ولم ينصبهم أن ينادوا باسمه، فمجتمعنا -بحمد الله- مجتمع يغلب عليه الصلاح والاستقامة وحب الخير والدين والانتصار للدين وأحكام الشرع المطهر، ولو خُيِّر أحدنا بين دينه ونفسه لاختار أن يضحي بنفسه وماله فداءً لدينه وفداءً لشريعة ربه -عز وجل-.

أيها الإخوة المسلمون: كثيرًا ما يقولون: تطبق هذه المادة إذا أدخلت أو غيرها بالضوابط الشرعية، حتى أصبحت هذه الكلمة كلمة تقال للتسويق العام ولتخدير المشاعر، ها هو تأنيث المحلات النسائية قيل فيه: يطبق مع مراعاة الضوابط الشرعية، فأي مراعاة للضوابط الشرعية لما طبق هذا الأمر؟!

هذا هو الاختلاط بين البائعين والبائعات، وهذه نسب التحرش والخلوة المحرمة بين البائعين والبائعات في تصاعد وتزايد، فما هي هذه الضوابط الشرعية؟! ومن الذي وضعها؟! أهُم العلماء المعتبرون أم غير العلماء المعتبرين؟!

أيها الإخوة في الله: ونحن -كما قلت في الخطبة الأولى- نرى المجتمعات من حولنا تتخطف، والله -سبحانه وتعالى- يقول: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)، ثم ختم -جل وعلا- قوله: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ).

فنعوذ بالله -عزّ وجل- أن نكون ممن عناهم الله -عز وجل- بهذه الآية، يؤمنون بالباطل ويكفرون بنعم الله -عز وجل-، يؤمنون بالباطل وهو كل ما خالف شرع الله -عز وجل- ودينه، ويكفرون نعمة الله -عز وجل-، ولا يستثمرون هذه النعم التي حباهم الله -عز وجل- في مزيد من التمسك بطاعة الله والاهتداء بهديه.

نسأل الله -عز وجل- أن يحفظ بلادنا المملكة العربية السعودية أن يحفظها بحفظه، وأن يكلأها بعنايته ورعايته، وأن يوفق ولاة أمرها لما فيه عز الإسلام والمسلمين وما فيه صلاح البلاد والعباد، إن ربي على كل شيء قدير.

هذا؛ وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".

اللهم صل وسلم وبارك...