الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد الجبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
الذي امتاز به الصحابة هو أنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا. وحينما قالوا: لا إله إلا الله ولا نعبد أحدا سواه، حين قالوها، صدقوا في أقوالهم, وأخرجوا كل أثر للجاهلية من قلوبهم, واستنارت أفئدتهم وعقولهم بدين الله، وبنور الله، وبحب الله، وبالحياة مع الله؛ فكانت قلوبهم نورا، وعقولهم نورا، وبيوتهم نورا، وسطع نور الله ونور دينه في قلوبهم، فلم يبق إلا الله في قلوبهم.
الخطبة الأولى:
إن الأسس التي قامت عليها الأمة في بداية أمرها وكانت بها خير أمة أخرجت للناس أسس أربعة:
الأساس الأول: الكتاب الكريم: وهو القرآن العظيم، قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ) [النور: 34].
الأساس الثاني: النبي الأمي الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه, وأعده لحمل الرسالة وأداء الأمانة وتربية الأمة، كما قال -تعالى-: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الجمعة: 2].
الأساس الثالث: هم الصحابة الذين رباهم النبي -صلى الله عليه وسلم-, وكونهم تكوينا خاصا؛ حتى حملوا هذه الأمانة وبلغوها للناس؛ قال -تعالى-: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل: 59]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
الأساس الرابع: طريقة تربية هذه الأمة في بدايتها: فإن طريقة التربية وأساسها، والأثر المترتب عليها، أمر أساس في نجاح الدعوة, وهذا الأمر بالذات لن يُفهم ولن يستوعب إلا بقراءة واستيعاب سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والأنبياء من قبله، وسيرة الصحابة والتابعين؛ (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) [الأنعام: 90].
كان ذلك كله له أثره في إبراز هذه الأمة، وإخراجها من الظلمات إلى النور, ومن الضلالة إلى الهداية, ومن الجهالة إلى العلم؛ وصارت الأمة الأمية، صارت أمة بالقرآن والسنة تعلم العالم كله، وتنشرهما في جميع نواحي الأرض، حتى شعر الفلاسفة والعباقرة وأذكياء العالم، أنهم أقزام أمام نور القرآن والسنة.
وكان أقل صبي من صبيان المسلمين، حين يحمل القرآن والسنة، كان يتفوق على جميع أقرانه ويعلو عليهم.
إذن؛كان هذا النهج بجملته أعجوبة أدهشت العالم، ولا عجب في ذلك؛ فقد صدق الذي بلغ الرسالة, وصدق الذين حملوا الرسالة، وأعطى القرآن العظيم أثره, فظهر في الأمة خير القادة, وخير العلماء, وخير المربين، وخير الحكماء، وخير الرجال والنساء، وكانت أمة خيرة في كل شيء.
وكان المسلمون لا يتفرغون لشيء كما يتفرغون لأمرين: أولهما أن يحملوا كتاب الله -تعالى-، وأن يحملوا معانيه، وأن يحفظوا ألفاظه ويطبقوها كما أنزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم-, والأمر الثاني أن يحملوا سيوفهم على أكتافهم، ويحملوا نور الله في قلوبهم، ثم ينطلقوا إلى أرض الله، وإلى عباد الله، يدعون خلق الله إلى نور الله, فمَن عاند وكابر، ومن حارب واعترض، فالويل له، ومن آمن وأسلم فهو أخ لكل مسلم , ومن خضع للقانون الإسلامي وظل على دينه فإن له الحق في الأمان والحياة المستقرة. هكذا كان المسلمون، وهكذا علمهم النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وتعلمون أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما توفي كانت الجزيرة العربية كلها -تقريبا- قد عاهدته -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام وبايعته, جاءوا بعد فتح مكة، جاءوا أفواجا وجماعات يعاهدون ويبايعون حتى تحقق قوله -تعالى-: (إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) [النصر: 1]، وكانت هذه السورة إنذارا بوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-, وكانت وفاته -صلى الله عليه وسلم- من أعظم المصائب التي نزلت بالمسلمين؛ لكنهم لم يهنوا ولم يضعفوا، بل كان الجيل الذي تركه النبي -صلى الله عليه وسلم- خير جيل وجد من أبناء آدم على وجه الأرض، بعد الأنبياء والمرسلين، فهو جيل لم يسبقه مثله، ولن يأتي بعده مثله.
ترى؛ ما الذي امتاز به هذا الجيل؟ إننا إذا ذهبنا إلى مشرق الأرض، وجدنا إسلاما، وإلى مغربه وجدنا إسلاما، وإلى الشمال أو الجنوب وجدنا إسلاما؛ وكانت دولة الإسلام يوما ما كما قال أمير المؤمنين هارون الرشيد وهو ينظر إلى السحب في يوم من الأيام-: اذهبي أيتها السحابة؛ فحيث أمطرتِ سيأتيني خراجك. أي: في أي بلاد الله أنزل الله المطر، فإن النبات الذي يأتي من المطر، سوف يأتي منه شيء إلى الخلافة الإسلامية؛ لأن كل بقعة على وجه الأرض في ذلك الوقت كانت خاضعة للإسلام بشكل أو بآخر.
وقد حدث هذا كله بتوفيق الله أولا، ثم بسبب الجيل الأول من الصحابة الذين ثبتوا وصمدوا وتحملوا مسؤولية الإسلام.
ويتكرر السؤال: ما الذي امتاز به الصحابة؟ ولماذا تفوقوا على غيرهم؟ ولماذا مكن الله لهم في الأرض، حتى كان كل شيء في الكون على وجه التقريب، وكأنه مسخر من الله لخدمة هؤلاء الصحابة؟.
ما الذي امتازوا به حتى يقول عمران بن الحصين لأخيه مطرف: إني أسمع الملائكة تسلم عليَّ، فلما اكتويت امتنعت من التسليم عليَّ، ولكن عادوا بعد ذلك يسلمون عليَّ.
ما الذي فعله الصحابة، حتى يخرج أسيد بن حضير، وعباد بن بشر من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والدنيا مظلمة، وكلا منهما معه عصا، فتضيء لهما عصا واحدة، تضيء لهما الطريق، حتى إذا افترقا وذهب كل منهما إلى داره أضاءت عصا كل له ليصل إلى داره في نور الله. ما الذي فعلوه؟.
ما الذي فعله الصحابة حتى يقول -صلى الله عليه وسلم- عن بعضهم: "إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان"، سبحان الله! نحن نعرف أن الناس يشتاقون إلى الجنة، لكن أن تشتاق الجنة لنوعية خاصة من الناس، فهذا -والله!- هو الفضل العظيم.
ما الذي فعله الصحابة؟ حين استشهد حنظلة، وهو جنب, قامت الملائكة بتغسيله بين السماء والأرض!.
ما الذي فعله الصحابة حتى إذا مات سعد بن معاذ -رضي الله عنه- ينزل في جنازته سبعون ألف من الملائكة؟!.
ما الذي فعله الصحابة حتى يقف أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيخطب في المدينة: يا ساريةُ، الجبلَ! يا ساريةُ، الجبلَ! يا ساريةُ، الجبلَ! فيعجب المسلمون حتى يقول بعضهم: إن أمير المؤمنين قد اختلط الأمر عليه, ولكن، لما سئل عند ذلك بعد خطبته قال: إني ألهمت أن سارية بجيشه يكاد العدو يحصدهم حصدا، وألهمت أن الجبل قريب منهم، فلو تحصنوا به لغلبوا عدوهم؛ فناديت عليهم.
فلما جاء البشير من عند سارية قيل له: هل سمعتم شيئاً؟ قال: نعم، والله سمعنا يوم الجمعة، وكان يوم كذا، سمعنا صوت عمر وهو ينادينا: يا ساريةُ، الجبلَ! ثلاث مرات، وقد كاد العدو يفتك بنا، فلما انحزنا إلى الجبل انتصرنا.
ما الذي فعله الصحابة؟ ما الذي فعلوه، حتى يأتي العلاء بن الحضرمي، يقود الجيش ذاهبا إلى البحرين ليعيدهم إلى عبادة الله وحده، وينزلون في مكان، وينامون، فتهرب الإبل منهم وتذهب في الجبال والصحراء، فيجد الجيش نفسه وليس معه طعام ولا شراب، ولا الإبل التي يركبونها ويُرتحل بها، حتى يقول بعضهم: إننا هنا ندفن أنفسنا! لا ماء ولا طعام ولا إبل!.
ولما اشتد العطش بهم قال العلاء بن الحضرمي: سأدعو وأمِّنوا. ورفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أننا جندك وعبادك, آمنا بك، وخرجنا في سبيلك، اللهم فاسقنا! والمسلمون يؤمّنون.
ومضت فترة، وإذا برجل من المسلمين يقول: أرى سرابا كأنه ماء في بقعة قريبة، فيذهبون إلى المكان، فإذا بحيرة ماء، فيشربون ويتوضؤون ويبيتون؛ لكن الإبل ليست معهم، وهم يريدون أن يكمل الله عليهم النعمة وأن تأتي الإبل, وبعد صلاة الصبح يدعو العلاء ويؤمّنون وراءه, ثم حين تشرق الشمس ينظرون فإذا الإبل آتية من بعيد كلها، لم ينقص منها بعير واحد، وجاءت كأن أحدا يسوقها حتى أناخت حول البحيرة.
ولما تركوا البحيرة وضعوا علامات في المكان، ثم بعدوا عنه وأرسلوا رجلين ينظران مكان العلامة، هل يوجد به ماء؟ فلما رجعا وجدا العلامات ولم يجدا أي أثر للماء! مَن الذي فعل بهم ذلك؟ إنه الله عز وجل.
وحين وقف العلاء على شاطئ الخليج ولم يجد سفنا تعبر به إلى البحرين، ماذا فعل؟ قال: عباد الله! إني سأعبر فاعبروا ورائي، ودعا الله ودعوا، وصدق مع الله وأخلص النية ثم قال: اعبروا باسم الله! يقول أبو هريرة راوي الحديث: والله! لقد عبرنا فما ابتلت منا إلا أخفاف الإبل وحوافر الخيول, ونجونا حتى وصلنا الجزيرة؛ فلما رآنا أهلها قالوا: الجِنّ! الجن! وسلموا أنفسهم وأسلموا وعادوا إلى الإيمان.
ما الذي حدث؟ ما الذي فعله الصحابة حتى يحدث لهم ذلك؟ ما الذي امتازوا به؟.
الذي امتاز به الصحابة هو أنهم قالوا ربنا الله ثم استقاموا. وحينما قالوا: لا إله إلا الله ولا نعبد أحدا سواه، حين قالوها، صدقوا في أقوالهم, وأخرجوا كل أثر للجاهلية من قلوبهم, واستنارت أفئدتهم وعقولهم بدين الله، وبنور الله، وبحب الله، وبالحياة مع الله؛ فكانت قلوبهم نورا، وعقولهم نورا، وبيوتهم نورا، وسطع نور الله ونور دينه في قلوبهم، فلم يبق إلا الله في قلوبهم.
هذا الصدق مع الله، وهذا الصدق في الإيمان، والصدق في الحياة القلبية, والصدق في الحياة الاجتماعية، كان له أكبر الأثر فيما وصل إليه الصحابة. فهل نقتدي بهم؟ نسأل الله ذلك.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
هؤلاء الصحابة -رضوان الله عليهم- كانت لهم زوجات كزوجاتنا، وأولاد كأولادنا، وكانت لهم طموحات تحكمها الغرائز كطموحاتنا، وكانت الدنيا مفتحة أمامهم كما هي مفتحة أمامنا؛ لكنهم زهدوا في الدنيا ورغبوا فيما عند الله، وخافوا لقاءه، وكان أحدهم كأنه يرى القيامة قد قامت، ويرى نفسه واقفا بين يدي الله -سبحانه- يحاسبه على الصغيرة والكبيرة.
هذه المعاني التي استقرت في نفوسهم جعلتهم يزهدون في الحرام من الدنيا، ويرغبون فيما عند الله؛ ومَن زهد في الدنيا طهّر نفسه، وطهر بيته، وطهر ماله، وطهر مجتمعه، وطهر حياته كلها.
حتى إن الرجل الذي وقع في المعصية يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويقول: يا رسول الله، قابلتني امرأة في الطريق ففعلت معها كل شيء إلا الزنا، وجئت إليك لتحكم فيّ بما أمرك الله. وتأتي المرأة فتقول إنها زنت وإنها تريد من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقيم عليها الحد. هكذا كان المجتمع طاهرا نقيا عفيفا، طهر نفسه، فما احتاج إلى كثير من رجال الحسبة، ولا إلى كثير من الشرطة والجنود؛ لأن كلا منهم كان يراقب نفسه ومجتمعه، ويراقب الله قبل ذلك كله.
وهؤلاء الصحابة عرفوا أن الدنيا لا تلين إلا لمن يزهد فيها؛ فزهدوا كما كان -صلى الله عليه وسلم- يزهدهم فيها ويقول: "ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليمّ، فلينظر بما يرجع" رواه مسلم.
لقد عرفوا -رضوان الله عليهم- قيمة هذه الدنيا جيدا, فكانوا يطلبونها بالحلال، فما جاء منها عن طريق الحلال أخذوه منها واكتفوا بذلك, ولم يصل بهم الحال إلى أن يطلبوها بالحرام فيتعاملوا بالربا والغش والسرقة والرشوة والاختلاس وأكل أموال الناس بالباطل كما يفعل بعض الناس في هذه الأيام.
وهؤلاء الصحابة عرفوا أن العزة لا تنال إلا بالقوة، كما قال الله لهم: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].
لكن القوة الحقيقة مبنية على قوة في الإيمان، وقوة في العمل الصالح، وقوة في نظافة القلوب، وقوة في الوحدة والإخاء، وقوة في تطبيق الكتاب والسنة؛ أما القوة في السلاح والدبابة مع معصية الله والكفر به، ومع النفاق والردة، ومع التفرق والتمزق، فإنها قوة لا قيمة لها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، والدليل على ذلك أحوال كثير من المسلمين اليوم، الذين لم يستطيعوا بكل قوتهم وأسلحتهم أن يفعلوا شيئاً من أجل دينهم وأمتهم, بل من أجل عزتهم وكرامتهم!.
نعم، إن بعض المسلمين اليوم، إلا من رحم الله، قد رضوا بالدنايا، وعاشوا على الخبائث، ورضوا أن تغزوا مجتمعاتهم الأفكار الهدامة، ورضوا أن يعيشوا خبثا وضياعا وضلالا في حياة تافهة حقيرة, فعصوا ربهم، وبعدوا عنه، وأعلنوا الحرب على دينهم، ومنعوا كتاب الله من أن يحكم به، ومنعوا رسول الله من أن يذكر اسمه ذكرا حقيقيا عمليا، وأن يكون قدوة لهم؛ بل إنهم منعوا سنته، وأدخلوا بدلا منها الأغاني والملاهي وجميع أنواع الفجور! وفتحوا مجتمعاتهم للزنا والرشوة والفسوق والظلم والربا والسلب والنهب والخداع والنفاق, وباعوا أوطانهم لأعدائهم وخضعوا لهم, حتى صارت الأمة في بعض بلدانها ليس فيها ما ينسبها إلى الإسلام، إلا مآذن عند المساجد، أو رجال يجلسون في الصلوات في بيوت الله.
فماذا سيقولون يوم القيامة إذا وقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) [الفرقان: 30].
هل يكفي إسلام الشعارات؟ هل يكفي إسلام العناوين؟ هل يكفي إسلام الكلام؟ هل يكفي إسلام الهويات؟ هل يكفي إسلام التقليد والوراثة؟ هل يكفي الإسلام المجزأ؟ هل يكفي إسلام بلا تطبيق لشرع الله؟ أو إسلام بلا جهاد بأنواعه المختلفة، وبضوابطه الشرعية؟ هل يكفي إسلامٌ مبعد عن نواحي الحياة بحجة أنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة؟.
يجيب على ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يأتي فئة من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة لتشرب من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول الملائكة: هلم نبعد هؤلاء الناس عن الحوض! فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "إلى أين؟"، فتقول الملائكة إلى النار، والله إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى" فماذا ستقول الأمة لربها ولنبيها في ذلك اليوم الرهيب.
أيها الإخوة: فيكم الأمل، وعليكم حمل الأمانة, وأداء واجبات الرسالة، فإذا لم تفعلوا؛ فمن للإسلام سواكم بعد الله -تعالى- إن تخليتم عنه؟.
إنكم إذا أردتم الإسلام وأنتم مترفون, أو أردتم الإسلام وأنت مشغولون بدنياكم عن دينكم،
أو أردتم الإسلام وأنتم لم تقدموا شيئا في سبيل نصرته كما أمركم ربكم؛ فأنتم لم تفعلوا شيئا لدينكم ولا لأنفسكم.
ألا ما أبعد الفرق بيننا وبين سلفنا الصالح! وإذا لم نتدارك أمورنا ونقتدي بهم فإن العاقبة على الأمة ستكون وخيمة، فهل نفعل ونشتري أنفسنا من الهلاك في الدنيا والآخرة؟ نرجو ذلك ونتمناه.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.
اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وأرضنا وارض عنا.