الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ما أحوجنا وخاصة في هذا الزمان إلى التسابق على فعل الخيرات والازدياد منها، فميادين الأعمال الصالحة كثيرة، وسبل الخير متنوعة، والواحد منا يستطيع أن يعمل الكثير والكثير، ولكن ما ينقصنا هو التحرك والعمل والمبادرة إلى عمل هذه الصالحات، حاول كلما سمعت في خطبة أو درس أو قناة عن عمل صالح أن تسعى في القيام به وتطبيقه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي حث عباده على المسابقة إلى الخيرات، ورغبهم في عمل الصالحات، ليغفر لهم بذلك الذنوب ويكفر عنهم السيئات، ويرفع لهم الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واسع العطايا والهبات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر وأفضل المخلوقات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً مباركاً مزيداً.
أما بعد:
عباد الله: لقد حثنا الله -سبحانه- في آيات كثيرة من كتابه الكريم على فعل الخيرات، والمسابقة في عمل الطاعات، والمبادرة إلى الازدياد من الحسنات، حتى ننال أعلى المقامات، ونرتفع إلى أعلى الدرجات، ونحصل على أعظم الأجور والهبات، يقول ربنا -سبحانه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : 133]، ويقول: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ) [الحديد : 21]، وقد مدح الله أنبيائه ورسله بقوله: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون : 61]، مدحهم ربهم لأنهم يسارعون إلى فعل الخير، ويتسابقون إلى عمل الطاعة، وهمتهم عالية في السباق على ذلك، وإرادتهم مصروفة وبعيدة عن كل ما يجلب لهم البعد عن الله وعن فعل الخير، فإذا سمعوا بخير فعلوه وسارعوا إليه، وكلما سنحت لهم فرصة في الطاعة بادروا لها وتنافسوا عليها، فبلغوا الذروة في المنافسة، ووصلوا إلى قمة السعادة بسباقهم إلى الخيرات، (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (وَهُمْ لَهَا) أي: للخيرات (سَابِقُونَ)، قد شمروا عن ساعد الجد، وتباروا في السبق والمسابقة على الطاعات وتنافسوا عليها، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين : 26].
ويقول الله -تبارك وتعالى-: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : 148]، ويقول سبحانه: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [المائدة : 48].
مضى أمسك الماضي شهيداً معدلاً | واتبعه يوم عليك شهيد |
فإن تك بالأمس اقترفت إساءة | فبادر بإحسان وأنت حميد |
ولا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ | لعل غداً يأتي وأنت فقيد |
إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت | حميمك فاعلم أنها ستعود |
عباد الله: إن الصحابة -رضي الله عنهم- لما سمعوا هذه الآية: (فاستبقوا الخيرات) و(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) اجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية، فكان أحدهم إذا رأى من يعمل عملاً يعجز عنه خشي أن يكون صاحب ذلك العمل هو السابق له فيحزن لفوات سبقه، فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، أما نحن فعكسنا الأمر، فصار تنافسنا على الدنيا الدنية، وحظوظها الفانية، ورحم الله الحسن البصري يوم قال: "إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة"، ويقول وهيب بن الورد : "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل".
هذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه الكرام -رضي الله عنهم- فيقول لهم: "عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، قُلْتُ: مَا هَذَا؟ أُمَّتِي هَذِهِ؟ قِيلَ: بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، قِيلَ: انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ، فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الأُفُقَ، ثُمَّ قِيلَ لِي: انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ، فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الأُفُقَ، قِيلَ: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَيَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاَءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ", فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ: أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ: أَمِنْهُمْ أَنَا؟ قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ " [البخاري (5705 ) مسلم (216) ].
فانظروا كيف اغتنم عكاشة بن محصن -رضي الله عنه- الفرصة وانتهزها ففاز بها، فجاء من بعده ليطلب ما طلب عكاشة، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ", وكأنه يقول له: لو سبقت عكاشة لفزت بها ولكنه سبقك إليها، ليحيي في قلوبهم روح المبادرة والمنافسة، وروى البخاري ومسلم عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "يَوْمَ أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟" قَالَ: "فِي الجَنَّةِ" فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ" [البخاري (4046) ومسلم (1899)]؛ لأن صاحب الهمة العالية والنفس الشريفة التواقة لا يرضى بالأشياء الدنية الفانية، و إنما همته دائماً عالية في المسابقة إلى الدرجات العالية والباقية، وقد قيل لبعض المجتهدين في الطاعات: لم تعذب هذا الجسد ؟ فقال : كرامته أريد.
وإذا كانت النفوس كبارا | تعبت في مرادها الأجسام |
أيها الناس: ما أحوجنا وخاصة في هذا الزمان إلى التسابق على فعل الخيرات والازدياد منها، فميادين الأعمال الصالحة كثيرة، وسبل الخير متنوعة، والواحد منا يستطيع أن يعمل الكثير والكثير، ولكن ما ينقصنا هو التحرك والعمل والمبادرة إلى عمل هذه الصالحات، حاول كلما سمعت في خطبة أو درس أو قناة عن عمل صالح أن تسعى في القيام به وتطبيقه، حتى لا يفوتك الخير، وحتى تكون من السباقين للخيرات، وإذا سمعت حثاً على طاعة أو زجرا عن معصية فطبق هذا في حياتك، واسع إلى تطبيقه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإياك أن تسمع بأمر تؤمر به أو نهي تنهى عنه ثم تخرج من الدنيا دون أن تطبقه في عمرك.
فمثلاً لو سمعت بفضل التوبة والتعجيل بها قبل مجيء الموت فبادر إلى التوبة، وتب من ذنوبك كلها، وكلما وقعت في ذنب أو معصية فتب منها، وإذا سمعت بفضل التعجيل في الحج والمبادرة به فقم بأداء فريضة الحج في أسرع فرصة تتوفر فيها الاستطاعة، وإذا سمعت بالآيات والأحاديث التي تحث على التبكير في المجيء إلى الجمعة فبكر، وغيرها من الأعمال الصالحة، حاول أن تطبقها وتقوم بها من حين أن تسمع بفضلها وأجرها، ولا تكن ممن يسمع كثيراً ولا يطبق حتى قليلاً.
وإذا سمعت بمشروع خيري أو عمل فيه صدقة جارية فحاول أن تساهم فيه ولو بالقليل، ولا تجعل الخير يفوتك دون أن تشارك، يقول أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ" [البخاري (1419) مسلم (1032) ]، فحث النبي -صلى الله عليه وسلم- على المسارعة إلى الصدقة ولو لم تكن من أهل الغنى وأصحاب الأموال، وأخبر أن أعظم الصدقة أنت تتصدق وأنت صحيح شحيح، ولا تتباطأ أو تتوانى عن الإقدام عن التصدق حتى إذا قاربت الروح من الحلق وشعرت بقرب الأجل أخذت توصي هنا وهناك.
اليوم يستطيع المرء منا أن يسابق في فعل الخيرات في أعمال كبيرة ونادرة، كالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن منا لا يستطيع أن يدعو وينصح الآخرين بلسانه، أو بقلمه، أو بوسيلة أخرى يتقنها، وخاصة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبر الوسائل الحديثة كالإنترنت، ورسائل الجوال، وغيرها من الوسائل المتاحة والفرص الكثيرة المتوفرة، التي لا تتطلب منا إلا الهمة فقط، فإذا شحذنا همتنا وتوفرت عندنا العزيمة والإرادة فإننا سنسعى إلى المسابقة في أعمال صالحة كثيرة، ونستطيع العمل بها بسهولة ويسر، يقول الله (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ* يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران 113: 114]، ولكن مشكلتنا هي قلة المنافسة، والتثاقل في روح المبادرة، ويصدق علينا كثيراً قول الشاعر المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيباً | كنقص القادرين على التمام |
هل تعرفون أن كارتر أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقين، بعد انتهاء فترة رئاسته سارع في القيام بإنشاء مركز للتنصير سماه مركز كارتر، ينشط في أكثر من ثلاثين دولة، ويهتم بالتنصير في القارة الأفريقية، ويقدم المركز حقلاً صغيراً وخدمة وإشرافاً ومتابعة لكل أسرة يتم تنصيرها، ويرى أن عمله منصراً هو عمل أرقى له من الرئاسة، وكان يقابل السكان في نيجيريا بنفسه يقدم لهم النصرانية، ويبني لهم الكنائس، ويوزع عليهم الإنجيل والذرة! ثم يرجع إلى أمريكا يتحدث عن قصصه مع المزارعين والفلاحات في أدغال إفريقيا.
ومما هو جدير بالملاحظة: أن هذا المركز التنصيري استطاع إقناع الحكومة الأمريكية والبنك الدولي ومؤسسات عالمية أخرى أن يتم تنفيذ مساعداتهم لإفريقيا عبر ذلك المركز وبالاشتراك معه، بحيث أصبحت عدد من المشاريع الدولية تدار من قبل الكنائس مباشرة، تحت أسماء ومؤسسات عالمية، ومما أكسب هذه المشروعات نجاحها أن كارتر يشرف مباشرة على العديد منها.
فالشاهد من هذه القصة هو أن ننظر في همة هذا الرجل ومسارعته في الكفر، وتسابقه على تنصير المسلمين وتحويلهم إلى الكفر، وذهابه بنفسه إلى القارة السوداء والتشعب في أدغالها، مع أنه شخصية شهيرة وكبيرة وكان رئيساً للولايات الأمريكية في السابق، ثم لننظر في أنفسنا وهممنا وتباطأنا في فعل الخيرات، وتكاسلنا عن عمل الصالحات ولو كانت بسيطة وسهلة، ويستطيع الواحد منا أن ينفذها ويقوم بها من بيته بضغطة زر واحدة، (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)،(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [المائدة : 48].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً حمداً، والشكر لله شكراً شكراً، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، فيه ملئ السموات وملئ الأرض وملئ ما شئت من شيء بعد، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
عباد الله: من المسابقة إلى الخيرات أن نسعى إلى الإحسان في إتقان أعمالنا، ونبادر إلى إكمالها وإعمالها بالصورة الأفضل، والقيام بها على الوجه الأكمل، فالصلاة مثلاً يجب علينا أن نبادر لها من حين أن يؤذن المؤذن، ونتسابق فيها على الصف الأول، ونصليها بخضوع وخشوع وطمأنينة، ونحافظ على سننها وشروطها وأحكامها، حتى تكون عبادة صحيحة نتقرب بها إلى الله، ونطمع منه سبحانه وتعالى أن يتقبلها منا بإحساننا فيها، وهذا لن يأتي إلا إذا كان الإنسان مسارعاً في عمل الخير، ومبادراً له، ومحسناً فيه، فإذا فقد هذه الروح روح المبادرة والمسارعة فإنه لن يهمه أصلى في الصف الأول أم في الصف الأخير، وجاء إلى الصلاة مبكراً أو متأخراً.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم | و تأتي على قدر الكرام المكارم |
يقول عُقْبَةَ بنِ الْحارِثِ -رضي اللَّه عنه-: "صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ العَصْرَ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ، فَرَأَى أَنَّهُمْ عَجِبُوا مِنْ سُرْعَتِهِ، فَقَالَ: ذَكَرْتُ شَيْئًا مِنْ تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أَنْ يَحْبِسَنِي، فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ" [البخاري (851) ]. فرسولنا -صلى الله عليه وسلم- لم يرد أن يقصر في شيء من طاعته، وأراد أن يسارع في أدائها على الوجه الصحيح المطلوب، فلما ذكر أن في بيته شيئاً من الذهب لم يقم بتوزيعه، قام مباشرة بعد التسليم من الصلاة، وخرج مسرعاً يتخطى الناس حتى فزعوا من شدة سرعته عليه الصلاة والسلام، فأسرع في إصدار الأمر بتوزيعه وتقسيمه.
أيها المسلمون: إن الشيطان يحرص على تفويت الخير على الإنسان، ويحاول أن يحبسه عنه مهما استطاع، فإن استطاع منع ابن آدم من فعل الخير بالكلية وشغله بالشر فإنه لا يألو جهدا في ذلك، وإن لم يستطع منع ابن ادم من الخير بالكلية فإنه يكسله عنه ويشغله عنه حتى يفّوت عليه الأجر الكامل والثواب الأعظم.
فاتقوا الله -عباد الله- وبادروا في اغتنام حياتكم قبل فنائها، وأعماركم قبل انقضائها بفعل الخيرات والاكثار من الطاعات، فإن الفرص لا تدوم، والعوارض التي تحول بين الانسان وبين العمل كثيرة وغير مأمونة.
وأنت -أيها العبد- بين زمانين: زمان قد مضى لا تستطيع رده، وزمان مستقبل لا تدري: هل تدركه أم لا؟ وزمان حاضر إن استفدت منه، وإلا ذهب منك وأنت لا تشعر، فاستدرك ما مضى بالتوبة مما فرطت فيه، واستغل حاضرك باغتنام ما تبقى من أيامه ولياليه، واعزم على الاستمرار في الطاعة فيما ستدرك من مستقبلك، إن كان لك في العمر بقية، يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "بَادرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعرْض من الدُّنْيَا" [مسلم (5383) ].
اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات، المسارعين في الطاعات.
اللهم ارزقنا الزهد في الدنيا، والإقبال على الآخرة.
( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة : 201].