البحث

عبارات مقترحة:

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

أصحاب السبت (3): ابتلاء أصحاب السبت

العربية

المؤلف أيمن بن شعبان السكري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. آيات قصة أصحاب السبت .
  2. ماهية ابتلاء أصحاب السبت .
  3. حقيقة ابتلاء أصحاب السبت .
  4. هل وقع في أمة الإسلام مثل هذا الابتلاء؟! .
  5. الدنيا دار ابتلاء .

اقتباس

حقيقة ابتلاء أصحاب السبت هو أن الرزق أو المكسب الحرام قد يعرض نفسه بوفرة على الإنسان بحيث يكون سهل التناول ميسور المأخذ، فهل يطيع الإنسان ربه أم يعصيه؟! هل وقع فينا مثل هذا الابتلاء؟! نعم، فقد حرم الله تعالى صيد البر على المحرم بحج أو بعمرة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، وقال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا...).

الخطبة الأولى:

تحدثنا في اللقاءين السابقين عن أصحاب السبت، الذين ذكرهم الله تعالى في أكثر من موضع في القرآن، ليعتبر الناس بما حل بهم من عقوبة، وليتعظ المتقون.

ففي سورة الأعراف أمر الله تعالى نبيه محمدًا أن يسأل أهل الكتاب عن قصة أصحاب السبت سؤال تذكير ووعظ، لأنهم يعلمونها، فقال تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).

وفي سورة البقرة خاطب الله أهل الكتاب بشأن هذه القصة، فقال تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ).

ولقد ذكرنا القصة تفصيلاً في اللقاءين السابقين، فلا داعي للإعادة. وإذا كنا في اللقاء السابق قد تحدثنا عن اعتداء أصحاب السبت، فإن حديثنا اليوم بمشيئة الله عن ابتلاء أصحاب السبت، لنتدبر ونتفكر في قول الله تعالى: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).

فما هو ابتلاء أصحاب السبت؟! وما حقيقته؟! وهل وقع فينا ابتلاءٌ مثله؟!

أما ماهية ابتلاء أصحاب السبت فقد قال الله تعالى فيه: (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ). والحوت حيوان بَحْري ضخم، أنواعه كثيرة، لا تقل عن خمسة وسبعين نوعًا، يبدأ طوله من ثلاثة أمتار، وقد يصل إلى ثلاثين مترًا، كحوت العنبر الأزرق الذي يعد أضخم حيوان يعيش في الأرض، وهناك أنواع أصغر منه بكثير، مثل الدّلْفين. والحوت يشبه السمكة إلى حد كبير، ولكن الحيتان ليست أسماكًا، ومن أهم الفروق بينهما: أن الحيتان تلد وترضع صغارها أما الأسماك فمعظمها يبيض، وذيل الحيتان يكون أفقيًا أما الأسماك فذيلها رأسي، والسمك يتنفس الماء عن طريق الخياشيم أما الحيتان فلا خياشيم لها، بل لها رئة، لأنها تتنفس الهواء، لهذا يجب أن تصعد الحيتان إلى سطح الماء لتتنفس، وبعض أنواع الحيتان بعد أن يتنفس الهواء يمكنه الغوص في الماء لمدة تصل إلى خمس وسبعين دقيقة، ثم يصعد إلى سطح الماء ليتنفس الهواء. وهنا نفهم قوله تعالى: (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا)، أي: ظاهرة على سطح الماء ترفع رؤوسها أو زعانفها أو خراطيمها كشراع المركب، لأنها تتنفس الهواء.

وبعض أنواع الحيتان تسبح قريبًا من الشاطئ في جماعات يتراوح عددها ما بين مائة إلى ألف حوت، بل إن بعض الحيتان تندفع إلى الشاطئ فتموت عليه، ولا يعرف العلماء سببًا لهذه الظاهرة التي قد تحدث أحيانًا بصورة فردية، وأحيانًا بصورة جماعية.

والحوت الذي يموت على الشاطئ يجوز أكله، باعتباره من جملة ميتة البحر التي يحل أكلها. فقد روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد والسِّيَر عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: خرجنا ونحن ثلاثمِائَةٍ، نحمل زادنا على رقابنا، فَفَنِيَ زادُنا، حتى كان الرجل منا يأكل في كل يوم تمرة، قال رجل: يا أبا عبد الله: وأين كانت التمرة تقع من الرجل؟! قال: لقد وجدنا فَقْدَها حين فَقَدْناها، حتى أتينا البحر، فإذا حوتٌ قد قذفه البحر، فأكلنا منه ثمانيةَ عَشَرَ يومًا ما أحببنا.

ليس العجيب إذًا أن تأتي الحيتان إلى الشاطئ في جماعات، ظاهرةً على سطح الماء، ترفع رؤوسها أو زعانفها، إنما العجيب أنها لا تفعل ذلك إلا في يوم السبت الذي يحرم فيه صيدها، ولا تفعل ذلك في باقي أيام الأسبوع، حيث يباح صيدها طبقًا لشريعة الله في التوراة.

إذًا ابتلاء أصحاب السبت هو أن الحيتان تأتي يوم التحريم، ولا تأتي يوم الإباحة، كما قال تعالى: (إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).

لقد كان صيدهم للحيتان مصدر رزق ومكسبًا عظيمًا، فقد كانوا يصيدونها لتناول لحومها، واستغلال زيوتها في الوقود للإنارة وطهي الطعام.

يتضح من ذلك أن حقيقة ابتلاء أصحاب السبت هو أن الرزق أو المكسب الحرام قد يعرض نفسه بوفرة على الإنسان بحيث يكون سهل التناول ميسور المأخذ، فهل يطيع الإنسان ربه أم يعصيه؟!

هل وقع فينا مثل هذا الابتلاء؟! نعم، فقد حرم الله تعالى صيد البر على المحرم بحج أو بعمرة، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)، وقال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، ومعنى للسيارة أي: للمسافرين.

وقد أخبر سبحانه بأنه سيبتلي عباده المؤمنين المُحْرِمين بحج أو بعمرة بمثل ما ابتلى به أصحاب السبت، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ). وهنا يبرز معنى الابتلاء وحكمته.

فمعنى الابتلاء هو الاختبار والامتحان، وبعض الناس يفهم من قول الله تعالى في سورة الأنبياء: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)، يفهم أن الابتلاء لا يكون إلا بالمصائب والنعم فحسب، ويغفل كثير من الناس عن أن هناك نوعًا ثالثًا من الابتلاء، وهو الابتلاء بالتكليف أو التشريع، أي: الابتلاء بالأمر والنهي.

فمعنى (لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ)، أي: ليختبركم الله ويمتحنكم بأن يكلفكم بعدم الصيد وأنتم محرمون بحج أو بعمرة، ثم يأتيكم الصيد الذي تشتهونه بحيث يقترب منكم جدًا، ويكون في متناول أيديكم ورماحكم، فيكون سهل التناول ميسور المأخذ. إنه عين ابتلاء أصحاب السبت.

ويكشف الله لنا عن حكمة هذا الابتلاء وعاقبته، فيقول سبحانه: (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، أي: فمن كفّ يده ورمحه عن الصيد فقد خاف الله ونجح في هذا الابتلاء، وله الأجر والثواب، ومن اعتدى بعد ذلك البيان والتحذير فقد خسر في هذا الابتلاء وله عذاب أليم، لأنه اعتدى على شيء من شريعة الله، كما اعتدى أصحاب السبت على شيء من شريعتهم، فأخذهم الله بعذاب بئيس ثم مسخهم قردة خاسئين.

ويزخر واقعنا المعاصر بوقوع ابتلاء مشابه لابتلاء أصحاب السبت، فنرى الرزق الحرام أو المكسب الحرام يعرض نفسه بوفرة، بحيث يكون سهل التناول ميسور المأخذ، بأدنى حيلة، بل وبدون حيلة. فنرى موظفًا تُعرض عليه الرِّشوة أو العطية أو الهدية فيأخذها، ونرى من يصطنع أوراقًا على خلاف الحقيقة، ويتحصل بها على الأموال العامة، ونرى من يُوَكَّل في الشراء فيشتري بمائة، ويعطيه البائع فاتورة بمائة وعشرين، ليأخذ العشرين الزائدة بغير حق ممن وكله في الشراء، وبهذا يتعاون البائع والمشتري على الإثم والعدوان، ونرى من يتكسب من المحرمات، فيبيع شيئًا محرمًا، أو يعمل عملًا محرمًا. فمن يعظ هؤلاء معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون؟!

ويضيق المقام بتفصيل صور سهولة تناول المال الحرام، وما هذه الأمثلة المذكورة إلا شُعبةٌ في وادٍ، ونِزَّةٌ من نبع، القصد منها تنبيه الغافلين وإنذار المتغافلين.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

ثم أما بعد:

اعلموا -رحمكم الله- أن الدنيا دار ابتلاء واختبار وامتحان، وقد أخبرنا الله تعالى بذلك، فقال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).

وليعلم من أحسن العمل ومن أساء العمل في هذه الدنيا أن بعد الابتلاء جزاءً، كما قال سبحانه: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ).

فهنيئًا لمن ابتُلي بالضراء فصبر، وهنيئًا لمن ابتُلي بالسراء فشكر، وهنيئًا لمن ابتُلي بالتكليف فأطاع أمر الله ورسوله، وانتهى عما نهى الله ورسوله.

ولتعلم -أخا الإسلام- أنّ تيسير الكسب والرزق الحرام وأيضًا تيسير الفعل الحرام هو ابتلاء من الله، ليعلم اللهُ من يخافه بالغيب، فليكن لك في قصة أصحاب السبت عظة وعبرة، فلا تستصغر رزقًا حرامًا، فقد أُخرج آدم من الجنة بلقمة حرام تناولها، فأطب مطعمك.

أخا الإسلام: لا يغرنك الشيطان بأن الحلال لن يكفي إن تركت الحرام، فقد روى أحمد في مسنده بسند صحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنك لن تدعَ شيئًا لله -عز وجل- إلا بَدَّلك الله به ما هو خير لك منه".

إنّ التحذير من أكل الحرام وبيان سوء عاقبته في الدنيا والآخرة هو أحد عناصر موعظة المتقين بقصة أصحاب السبت، وفي هذه القصة عظات وعبر أخرى، لعلنا نذكرها في لقاءات أخرى -إن شاء الله-، (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا).

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك...