البحث

عبارات مقترحة:

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الإله

(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

لا عبية في الإسلام

العربية

المؤلف عاصم محمد الخضيري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. بلادنا تضج بالعصبية والتفاخر بالحسب والنسب .
  2. لا عنصرية في الإسلام .
  3. ليس منا من دعا إلى عصبية .
  4. ماذا تنفع هذه الأنساب؟! .
  5. أمم لا تستحق البقاء .

اقتباس

عُنصرية تسبح في وحْل، وتغتسل من بئر بُضاعة!! عنصرية شعارها: قل لي ما نسبُك أقل لك من أنت؟! لا تؤمن بالتقوى ولا التفاضل فيه، لا تؤمن بقول الله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، عنصرية لا تؤمن بأن قيمة الإنسان ما يحسنه، بل بما تصل إليه جذوره. حجازيٌ أنت أم نجدي؟! جنوبيٌ أم شَمالي؟! شرقيٌ أنت أم غربي، حضريٌ أم بدوي، قبيليٌّ أم خَضيري؟! من شرق قارة آسيا أم شمائلها، أم لست تُنسبُ للأدنى ولا القاصي!!

الخطبة الأولى:

الحمد لله الحي الصمد، لم يلد وما ولد، ولم يكن له كفوًا أحد، الحمد له لم يتخذ ندًا:

تبارك اسم رب العز عن ضد وند..

لا منتهى للمجد في أسمائه..

وما لنعمى رب هذا المجد حد..

الدائم الباقي وليس كمثله..

أحد وإن زعم الكفور وإن جحد..

قسمًا برحمن البلد..

وبمن له هتفت أباطح مكة..

وبمن له نادى بلال هاتفًا..

والرمل والرمضاء تشوي جلده: أحد أحد..

كلٌّ سيفنى لا محالة ثم يُصفد بين قضبان اللحد..

كلٌ سيرحل ليس يبقى..

إن البقا لله للحق الصمد..

أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له شهادة ندخرها ليوم لا مرد لنا من الله، ما لنا من ملجأ يومئذ وما لنا من نكير! وأشهد أن محمدًا بن عبد الله عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم اللهم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

لسنا وإن أحسابنا كرمت

يومًا على الأحساب نتكِّلُ

نبني كمـا كانت أوائـلنا

تبني ونفعـل مثلما فعلوا

في عنصرية بغيضة، هل قلت: عنصرية؟! نعم، عنصرية تنتفخ كل يوم، تتغذى على حديث الشوارع، وتشتعل في زوايا المجالس الخاصة، عنصرية تقتات أزوادها من المسامرات الليلية، والأصبوحات المدرسية، بل والجلسات الرسمية.

عنصرية؟!

من أين تولد هذه العبِّية؟!

من أين تولد؟!

كيف جئتَ؟!

حضريُّ أنتَ أم انتسبت لأمة بدوية؟!

أمواطنٌ أم أنت من تلك البلاد الأجنبية؟!

يا ابن الذين تعرّبوا من بعد ما كانت أصولهمُ رديّة؟!

عربيُّ أصلك أم هجين؟!

أم أنت لا تعزى إلى نسبٍ متين؟!

نبئ صحابك عن قبيلتك التي تعزى لها..

واتل سلسلة الجدود لنا أيا ابن الأكرمين!!

عُنصرية تسبح في وحْل، وتغتسل من بئر بُضاعة!! عنصرية شعارها: قل لي ما نسبُك أقل لك من أنت؟! لا تؤمن بالتقوى ولا التفاضل فيه، لا تؤمن بقول الله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، عنصرية لا تؤمن بأن قيمة الإنسان ما يحسنه، بل بما تصل إليه جذوره.

حجازيٌ أنت أم نجدي؟! جنوبيٌ أم شَمالي؟! شرقيٌ أنت أم غربي، حضريٌ أم بدوي، قبيليٌّ أم خَضيري؟! من شرق قارة آسيا أم شمائلها، أم لست تُنسبُ للأدنى ولا القاصي!!

عنصرية قلبت قول الله -عز وجل-: (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)، إلى: "لتتفاخروا، بل لتقيموا المهرجانات الجاهليةـ وتلهبوا النعرات المضرية والتغلبية والبكرية والهوازنية".

مجتمعٌ يقسِّم نفسه بنفسه، ويعنْصِرُ بعضَه ببعضه، ويصنِّف الناس على خطوط الكهرباء، وعلى معادن النحاس والذهب والفضة!!

لن تتخيل، حتى قبل أن يميِّز الصغير معرفة ربه ودينه وأصولَ ما أنزل الله على رسوله، يلقَّن الطفل من أبويه أصول قبيلته وأصولَ القبائل الأخرى، ومَن القبيلةُ التي في طبقته ومن هم التي أدنى منها؟! ليس تلقينًا يُعَرَّفُ الصغير به ما يصل به رحمَه، بل تلقينا ثورياً، افتخاريًا، عبَّيًا من عبيات الجاهلية.

عصبية لا تعرف الناس إلا بألوانها أو بأجناسها أو بلغاتها أو بأعرافها أو ببلدانها.

من أين جئت وكيف جئت؟!

أجئت من ماس ثمين!!

يا ابن التراب خذ التراب وشمَّه فالأصل طين..

أقصر فقد خلق الألى وخلقتَ من ماء مهين..

من أهمِّ أقدار هذه البشرية أنها تكونت من نسل آدم -عليه السلام-، ليعرف الناس أنهم ليسوا مزعًا من آباء شتى، بل كلهم لآدم وآدم من تراب.

كان الله -عز وجل- قادرًا على أن يبعث لكل جنس أبًا ينتسبون إليه، ولكنَّ حُكمَ أحكم الحاكمين كانت به الحكمة البالغة!!

لا عنصرية في الإسلام، كفى عنصرية بغيضة، كفى تهاترًا بالألقاب، كفى تنابزًا بالقبائل، كفى تعييرًا بالجهات والأقطار والألوان والأجناس، كفى كهْربة لأولاد آدم، كفى تبديلاً للفخر الحقيقي من الفخر بالتقوى إلى الفخر بالتربة والماء المهين، دعوها فإنها منتنة!!

روى حذيفة -رضي الله عنه- في الحديث الذي صححه الألباني، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلكم بنو آدم، وآدم خُلق من تراب، ولينتهين أقوامٌ يفخرون بآبائهم أو لَيكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعلان التي تدفع بأنفها النتن".

من الجُعلان وليس من أيِّ شيء آخر، ولا كرامة، لقد تسببت هذه العنصريات البغضية إلى جعل بعض المجتمعات في حالة استفزاز دائم أشبه بالقنابل الدائمة لا القنابل الموقوتة، يُعامَل الناس بهوياتهم لا باستحقاقاتهم، ويعامَلون بقبائلهم وانتماءاتهم لا ببشريتهم وإنسانيتهم وإسلامهم!!

تلك أساليب الأبالسة الأولين، الذين يحتقرون أصلك لا لشيء إلا أنك لست منهم، كفى تشبهًا بإبليس، إن إبليس هو أولُ من دشن الأساليب العنصرية في بني البشر، حين قال لله -عز وجل- عن آدم -عليه السلام-: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، وبدلاً من أن يكون قدوتنا في أبي البشر إذ بها تكون للعدو الأول.

جاء في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يبغيَ أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحد".

وروى الترمذي أن نبي البشرية جمعاء، قال: "إن الله قد أذهب عنكم عبَّية الجاهلية وفخرَها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".

من أنت؟!

أنت مثلي من الثرى وإليه..

فلماذا يا صاحبي تتصيّد؟!

كنتَ طفلاً إذ كنتُ طفلاً..

وتغدو حين أغدو شيخًا كبيرًا أدْرد..

 أجميل أنت؟!

ما أنت أبهى من الوردة ذات الشذى ولا أنت أجود؟!

أعزيز أنت؟! وللبعوضة من خدّيك قوت وفي يديك المهند؟!

أغنيّ أنت؟! هيهات تختال لولا دودة القز بالحباء المبجد!!

أقوي أنت؟! إذن مر النوم إذ يغشاك والليل عن جفونك يرتد..

أعليم أنت؟! فما الخيال الذي يطرق ليلاً؟! في أيّ دنيا يولد؟!

ما الحياة التي تبين وتخفى؟! ما الزمان الذي يُذمّ ويحمد؟!

يا أخي: أنت لستَ أنقــى وأسمــى من تراب تدوس أو تتوسّد!!

سـدت أو لم تســد فما أنت إلاّ حيوان مسيـــَّر مستعبــد، إنّ قصرًا سمكته سوف يندكّ، وثوبًا حبكته سوف ينقد، اتق الله لا تكن عنصريًا، واقصد الله إنه من يقصد.

جاء في سنن أبي داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية".

وإن تعجب فعجبٌ أن جميع الجاهليات القديمة قد زال الكثير منها بفضل الله -عز وجل-، ثم بالتذكير والتعليم والإرشاد، إلا الفخرَ بالأحساب والطعن بالأنساب.

إني أراها من أعظم معجزاته -عليه الصلاة والسلام- وأبقاها.

حدَّث أبو مَالِكٍ الأَشْعَرِيّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حدثهم فقال: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ، لا يتركونهن: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ على الميت".

يقول جابر -رضي الله عنه-: خَطَبَنَا -عليه الصلاة والسلام- فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟!".

أيها الناس: علام يحقر أحدكم أخاه؟! "كونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التقوى ها هنا -وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ".

(هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

أيها الناس: (ذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَـاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل خطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

إذا قيل لك: من أنت؟! فقل: (إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، فإذا عَجِبَ فقل: (هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ).

إذا قيل لك: ما نسبُك؟! فقل:

أنا مسلم لا أعرف النسبَ

وسواي يصرخ يسرد النسبَ

أمـا أنا فشمـائلي حسبي

لا أستسيغ الجاه والحسبً

خذلـت أبـا جهلٍ أصالتُه

وبلالُ عبد جاوز السحبَ

فإذا سُئلت: ما مثُلك؟! فقل: (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، وإذا سئلت: ما مذهبك؟! فقل: (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

فإذا سئلت: ما أصلك؟! فقل: (مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)، فإذا سئلت: ما قدوتك فاتل قول الله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

وإذا سئلت: من خير آبائك الذي تُعزى إليه؟! فقل:

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم!!

ماذا تريد من هذه الحياة؟! فقل: (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا).

نحن قوم مساكين!! كما قال الإمام أحمد حين سئل عن عروبته، وقد كان من بني شيبان من أعز قبائل العرب، فقال: "نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا، ولولا ستر الله علينا لافتضحنا".

ماذا تنفع هذه الأنساب؟! جعلها الله لصلة الرحم، فجعلها أكثر الناس لقطع الحبال مع الناس.

روى الأصمعي عن أبيه، قال: مر المهلب بن أبي صفرة القائد المسلم المعروف على مالك بن دينار متبخترًا، فقال مالك له: أما علمت أنها مشية يبغضها الله إلا بين الصفين؟! فقال المهلب بن أبي صفرة: أما تعرفني يا مالك؟! قال مالك: بلى، وهل يجهل مثلي مثلك، أوَّلُك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل في بطنك العذرة. فانكسر المهلب، وقال: عرفتني حق المعرفة.

والله لو علم الإنسان ما ميزان هذه الأنساب في ميزان الله -عز وجل-، لاستحيى أن يفاخر بها.

تلك الأنساب والأحساب ليس لها مقام عند الله -عز وجل- إلا نسب القربى له بالطاعة، وهذه الأكسية والألبسة ليس لها مقام عند الله إلا لباسَ التقوى، ولباس التقوى ذلك خير.

والله لو تشفَّع إبراهيم -عليه السلام- ونوحٌ -عليه السلام- ولوط -عليه السلام- وامرأة فرعون، والله لو تشفعوا بجاههم وجلالهم وعظمتهم وقربهم من الله -عز وجل- على أن ينجو أقرب الناس إليهم من نار جهنم ما استطاعوا لذلك سبيلاً.

لقد حقت كلمة الله أن المسرفين هم أصحاب النار: "يلْقَى إِبْرَاهِيمُ -عليه السلام- أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ أبيه آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ لأبيه: يا أبت: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ: لَا تَعْصِنِي!! ألم أقل لك: لا تعصني!! فَيَقُولُ أَبُوهُ آزر: فَالْيَوْمَ لَا أَعْصِيكَ يا إبراهيم، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ: إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِني يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟! فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: يا إبراهيم: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ لإبراهيم -عليه السلام-: يَا إِبْرَاهِيمُ: انظر مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ، فَيَنْظُرُ إبراهيم، فينظر فَإِذَا أبوه قد مسخ ذِيخًا مُلْتَطِخًا، وهو الضبع المطلي بالرجيع وبالدم، فَيُؤْخَذُ أبوه آزرُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي نَّارِ جهنم.

فعلام يعلي أحدُنا أنفه!! وعلام هذا الانتشاء!! وأنت لم تَخلُق أصلك، ولم تختر حَسَبَك، ولم تُشاوَر في نسبك!!

أخبرني أخلقت أصلك!! أخيرَّك الله في نسبك؟!

إن هذا الإسلام هو دينُ القمع، جاء ليقمع هذه الجاهلياتِ والراياتِ العِمِّيات، جاء ليقمع هذه الجُعلانيّات، المختبئة في بعض النفوس! وليقول الإسلام لهم:

الناس من جهة التمثال أكفاء

أبوهـم آدمٌ والأم حـواء

فإن يكن لهم من أصلهم شرف

يفاخرون به فالطين والماء

لا عُـبِّـيَّة في الإسلام..

مزّق بقلبك كبرياءك ثم سُل الكبرياء..

وادفن بربك غطرساتك في العراء..

نظِّف فؤادك يا ابن أمي..

الأم واحدة وآدم والدٌ

فعلام هذا الإنتشاء!

من أنت؟! من أنا؟! من نحن؟!

نحن خلائفٌ في الأرض نعبد أوحدًا هو في السماء

جبل الغريب أخوك من طين ومن ماء

ومن طين جبلت وماء!!

مزق بقلبك يا ابن أمي الكبرياء..

إنما المؤمنون إخوة، لا عنصرية في الإسلام، والله لخَصْف نعلِ بلال -رضي الله عنه- أعزُ على رؤوسنا من تيجان أبي لهب ومعاقد فخار اللهبيِّين من بعده:

لقد رفع الإسلام سلمان فارس

وقد وضع الشركُ الشريف أبا لهب

فلعمر الله ما الإنسان إلا بدينه

فلا تترك التقوى اتكالاً على الحسب

متى خلقتم أنفسكم لكي تفاخروا الناس بها؟! لقد غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- غضبًا شديدًا على أبي ذر لما عيّر بلالاً -رضي الله عنه- وناداه بأمه قائلاً له:  "، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "يا أبا ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية"، فما كان من أبي ذر -رضي الله عنه- إلا أن ذهب لبلال وطلب العفو منه ووضع له خدَّهُ على التراب، ثم طلب من بلالٍ -رضي الله عنه- أن يطأ بقدمه على خده إمعانًا منه في الاعتذار وتأديبًا للنفس الأمّارة بالسوء، وترويضًا لها عن التطاول على الآخرين إذا نزع الشيطان بها حينًا.

لا عُـبِّـيَّة في الإسلام، إننا نحتاج إلى كاسحٍ يكْسح هذا التطاول على الناس بأحسابهم وأنسابهم، وأخذ حقوقهم بحجة العِرْق والأصل، متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا!! متى وُلدتُم وقد وَسَمَ الله على جباهكم شرفًا ليس في جباه غيركم!! متى أذن الله أن تُسلب الحقوقُ لفئةٍ دون سواها وطائفة دون أختها بحجة قربها من الشرف دون غيرها، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين، آلله أذن لكم أم على الله تفترون!!

إن الأمة جمعاء بحاجة إلى من يعلمها أن ابنَ الأكرمين هو الرجلُ القريب من ربه لا القريب من نسبٍ موضوع، إن الأمة بحاجة إلى دِرَّة فاروق الأمة، ليضرب بها ابن الأكرمين من جديد، لكي يعلَّم كل عنصري بغيض، ألا عنصرية في الإسلام، ولا احتقار في الإسلام، ولا افتخار في الإسلام.

لا عنصرية في الإسلام، وليس منا من دعا بدعوى الجاهلية، فالذين كفروا هم الذين جعلت في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية.

إن من أعظم البدع التي وُلدت في الجاهلية والإسلام هي بدعةُ الولاء والبراء لجنس أو لون أو قبيلة أو ثأر أو مدينة أو عُرف من الأعراف، والانتصار على هذا المفهوم.

حتى إنك لتجد بعض الرجال يقيم شعائر الدين، ويبكي من خشية الله، وفيه خير عظيم، ثم تجده بعد ذلك مُلِئ قلبه بالعصبية والعنصرية، فلأجلها يحب، ومن أجلها يعادي، وقد قال رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام-: "الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان".

الرابطة الحقيقية هي رابطة الإسلام، فلتسقط كلُّ رابطة تنازعها الولاء والبراء، هل أحد أكرمُ على الله من محمد بن عبد الله؟! لا أحد، وهذا النبي العظيم الذي جمع المجد من أطرافه، يقول لابنته فاطمة سيدة نساء أهل الجنة: "يا فاطمة بنت محمد: سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا". يقول لعمه: "يا عماه لا أغني عنك من الله شيئًا". وقد صحّ في المتفق عليه أن مهاجريًا كسع أنصاريًا، فقال الأنصاري: يا للأنصار!! وقال المهاجري: يا للمهاجرين!! فسمع بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم! دعوها فإنها منتنة".

الأمة التي يحتقر أفرادُها الناسَ على أساس أصولهم أو جنسياتهم لا تستحق البقاء، وإن الله ليبقي المجتمع الفاجر والدولة الفاجرة بسواسيتهم للناس، ويطيح بالدولة المسلمة والمجتمع المسلم إذا احتُقر الناس على أساس نسبيٍ أو حسبيٍ.

لم تبق المدينة النبوية عصية على الهزات والضربات إلى يومنا هذا، إلا حين ساوى الإسلامُ بين الناسِ في حقوقهم، صهيب الرومي جنبًا إلى جنب مع صدِّيق الأمة أبي بكر، وذاك الغفاري مع القرشي، وذاك الهذلي مع المخزومي.

رابطة الحق هي أعز رابطة، فبها قتل أبو عبيدة أباه، وبها دعا أبو بكر ابنه للبراز يوم بدر، وبها عمر قتل خاله يوم بدر، يجب أن نخرج من هذه الجمعة وقد نظفنا قلوبنا، من مدفون العصبية الخفية، فالسلام ليس لأهل مدينتك ولا دولتك فحسب، والإكرام ليس لابن عائلتك أو قبيلتك فحسب، يجب أن نعيد ترتيب العنصرية في قلوبنا، فذاك العامل الذي جاء من أقصى آسيا بحثًا عن لقمة طعام، وهو محافظ على شعائر الإسلام الظاهرة، أحبُّ إلينا من مليون جار لا يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة ولو كان ابن أبي وأمي، أو خؤولته بنو عبد المدانِ!!

وأسود أفطس له أنف أقنى صاحب نية طيبة وعبادة خالصة، أحب إلينا من كل عتلٍ منافقٍ جواظٍ مستكبر، ولو ورث الجمال مع الجمال.

لا عنصرية ولا عبيَّة في الإسلام.

اللهم صل وسلم على نبيك وحبيبك محمد بن عبد الله.