العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَصَدَّى للإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَعَلَيْهِ: أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهِ للهِ -تعالى-، وَلاَ يَنْشِدَ ثَنَاءَ النَّاسِ وُشُكْرَهُمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ المَهَمَّةَ الجَلِيلَةَ مَظِنَّةٌ للسُّؤْدَدِ وَالرِّفْعَةِ وَالثَّنَاءِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ مِنْ خِلَالِهَا عَلَى العَبْدِ، فَيُفْسِدُ نِيَّتَهُ، وَاللهُ -تعالى- يَقُولُ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114]. وَعَلَيْهِ: أَنْ يَسْتَعِينَ بِاللهِ -سبحانه- عَلَى مُهِمَّتِهِ، وَيَسَأَلَهُ تَأْلِيفَ قَلْبَيْ صَاحِبَيْهِ، وَأَنْ يُلِينَهُمَا لِقَبُولِ مُبَادَرَتِهِ؛ فَإِنَّ القُلُوبَ بِيَدِهِ عز وجل يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَهُوَ...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
إن الشَّيْطَانَ -وَإِنْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ- فَإِنَّهُ لَمْ يَيْئَسْ مِنَ التَحْرِيشِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَبَثِّ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلافِ فِيهِمْ، وَالنَّيْلِ مِنْهُمْ بِالعَدَاوَةِ وَالخُصُومَةِ؛ وَلِذَا فَهُوَ يُزَيِّنُ لِلْمُعْتَدِي سُوءَ عَمَلِهِ، وَإِصْرَارَهُ عَلَى خَطَئِهِ، وَتَمَادِيَهِ فِي جَهْلِهِ، وَيُحَرِّضُ المُعْتَدَى عَلَيْهِ عَلَى الانْتِصَارِ لِنَفْسِهِ، وَأَخْذِ حَقِّهِ، وَالنَّيْلِ مِمَّنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ، وَعَدَمِ العَفْوِ عَنْهُ، وَحِينَئِذٍ تَدُبُّ الفُرْقَةُ والاخْتِلافُ الَّتِي تَتَوَلَّدُ عَنْهَا الضَّغِينَةُ وَالقَطِيعَةُ، وَقَدْ يَصِلُ ذَلِكَ إِلَى الاعْتِدَاءِ والاقْتِتَالِ.
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ شَرَعَ الإِسْلامُ إِصْلاحَ ذَاتِ البَيْنِ، وَأَمَرَ اللهُ -تعالى- بِهِ، وَرَتَّبَ أَعْظَمَ الأُجُورِ عَلَى هَذِهِ المُهِمَّةِ العَظِيمِةِ.
يَقَوْلُ اللهُ -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ)[الأنفال: 1].
وَفِي الآيَةِ الأُخْرَى: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)[الحجرات: 10].
وَفِي آيَةٍ ثَالِثَةٍ: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].
والاشْتِغَالُ بِالصُّلْحِ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ أَفْضُلُ مِنَ الاشْتِغَالِ بِنَوَافِلِ العِبَادَاتِ؛ رَوَى أَبُو الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟" قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ"[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّان].
وَالإِصْلاحُ بَيْنَ النَّاسِ مَعْدُودٌ فِي الصَّدَقَاتِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلُّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ"[رَوَاهُ الشَّيْخَانِ].
قَالَ النَّوَوِيُّ -رحمه الله تعالى-: "وَمَعْنَى تَعْدِلُ بَيْنَهُمَا: تُصْلِحُ بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ".
وَلِعَظِيمِ أَمْرِ الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ أُبِيحَ لِلْمُصْلِحِينَ مَا حُرِّمَ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ فإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً حَرُمَ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ غَرَضُ المُنَاجِي لأَحَدِهِمَا الإِصْلاحَ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ ذَمَّ اللهُ -تعالى- كَثِيرًا مِنَ التَّنَاجِي وَنَهَى، إِلاَّ مَا كَانَ لِلْإِصْلاحِ؛ قَالَ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى)[المجادلة: 9].
وَمِنْ أَعْظَمِ التَّناَجِي بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى: مَا كَانَ لِلإِصْلاحِ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ قَدْ فَسَدَ مَا بَيْنَهُمَا: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)[النساء: 114].
وَقَدْ يَحْتَاجُ المُصْلِحُ إِلَى بَعْضِ الكَذِبِ؛ ليُقَرِّبَ بَيْنَ المُتَخَاصِمَيْنِ، وَيُزِيلَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الضَّغِينَةِ، وَيُهَيِّئَ قَلْبَيْهِمَا لِقَبُولِ الصُّلْحِ وَالعَفْوِ؛ وإِطْفَاءَ نَارِ الخُصُومَةِ، وَإِزَالَةَ أَسْبَابِ الشَّحْنَاءِ، فَرُخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعُ قُبْحِ الكَذِبِ، وَعُمُومِ المَنْعِ مِنْهُ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا"[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
بَلْ إِنَّ المُصْلِحَ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ مَنْهِيٌّ عَنِ الصِّدْقِ، إِذَا كَانَ صِدْقُهُ يُشْعِلُ نَارَ الفِتْنَةِ بَيْنَهُمَا، وَيَزِيدُ فُرْقَتَهُمَا، فَلَرُبَّمَا نُهِيَ المُصْلِحُ عَنِ الصِّدْقَ، إِنْ كَانَ يَضُرُّ بِمَهِمَّتِهِ، كَمُصْلِحٍ بَيْنَ خَصْمَيْنِ، وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي الكَذِبِ، إِنْ كَانَ الكَذِبُ يُؤَدِّي إِلَى إِصْلاحِ ذَاتِ البَيْنِ، وَفِي هَذَا المَعْنَى يَقُولُ ابْنُ بَابَوَيهِ -رحمه الله تعالى-: "إِنَّ اللهَ -تَعَالَى- أَحَبَّ الكَذِبَ فِي الإِصْلاحِ، وَأَبْغَضَ الصِّدَقَ فِي الإِفْسَادِ".
وَالمُتَصَدِّي لِفَضِّ الخُصُومَاتِ، وَقَطْعِ النِّزَاعَاتِ، وَالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، قَدْ يَحْتَاجُ إِلَى مَالٍ لِيَدْفَعَهُ؛ تَعْوِيضًا أَوْ دِيَةً، أَوْ إِرْضَاءً لأَحَدِ الخَصْمَيْنِ، فَيَغْرَمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ، فَأُبِيحَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا غَرِمَ مِنِ الزَّكَاةِ؛ إِذْ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ المَنْصُوصِ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِ الله -تعالى- الغَارِمِينَ؛ سَوَاءٌ غَرِمُوا لِحَظِّ أَنْفُسِهِمْ، أَمْ لِحَظِّ غَيْرِهِمْ.
إِنَّ الإِصْلاحَ بَيْنَ المُتَخَاصِمِينَ مَهَمَّةٌ جَلِيلَةٌ، قَدْ فَرَّطَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مَعَ قُدْرَتِهِمِ عَلَيْهَا، وَكَثِيرٌ مِنَ الخُصُومَاتِ تَكُونُ أَسْبَابُهَا تَافِهَةً، وَإِزَالَتُهَا يَسِيرَةٌ، وَقَدْ تُوجَدُ رَغْبَةُ الصُّلْحِ عِنْدَ كِلَا الخَصْمَيْنِ، وَلَكِنْ تَمَنَعُهُمَا الأَنَفَةُ وَالعِزَّةُ مِنَ التَّنَازُلِ مُبَاشَرَةً، أَوْ المُبَادَرَةِ إِلَى الصُّلْحِ بِلا وَسِيطٍ، فَإِذَا مَا جَاءَ الوَسِيطُ، سَهُلَ الإِصْلاحُ بَيْنَهُمَا؛ لِرَغْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ، فَيَنَالُ الوَسِيطُ أَجْرًا عَظِيمًا عَلَى عَمَلٍ قَلِيلٍ، وَيُؤَلِّفُ اللهُ بِهِ بَيْنَ قَلْبَيْنِ مُتَنَافِرَيْنَ.
أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 1].
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا، كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى الله وسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مَنْ تَصَدَّى للإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَعَلَيْهِ: أَنْ يُخْلِصَ نِيَّتَهِ للهِ -تعالى-، وَلاَ يَنْشِدَ ثَنَاءَ النَّاسِ وُشُكْرَهُمْ؛ فَإِنَّ هَذِهِ المَهَمَّةَ الجَلِيلَةَ مَظِنَّةٌ للسُّؤْدَدِ وَالرِّفْعَةِ وَالثَّنَاءِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّيْطَانُ مِنْ خِلَالِهَا عَلَى العَبْدِ، فَيُفْسِدُ نِيَّتَهُ، وَاللهُ -تعالى- يَقُولُ فِي الإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)[النساء: 114].
وَعَلَيْهِ: أَنْ يَسْتَعِينَ بِاللهِ -سبحانه- عَلَى مُهِمَّتِهِ، وَيَسَأَلَهُ تَأْلِيفَ قَلْبَيْ صَاحِبَيْهِ، وَأَنْ يُلِينَهُمَا لِقَبُولِ مُبَادَرَتِهِ؛ فَإِنَّ القُلُوبَ بِيَدِهِ عز وجل يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَهُوَ يُقَرِّبُهَا وَيُبَاعِدُهَا، وَلاَ عَوْنَ لَهُ فِي صُلْحِهِ إِلاَّ بِاللهِ -تعالى-.
وَعَلَى السَّاعِي بَالإِصْلاحِ: أَنْ يَتَحَرَّى العَدْلَ فِي صُلْحِهِ؛ فَلا يَمِيلُ لأَحَدِ الخَصْمِينِ، فَيَظْلِمَ الآخَرَ، فَيَتَحَوَّلَ مِنْ مُصْلِحٍ إِلَى ظَالِمٍ، وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالعَدْلِ بَيْنَ الخُصُومِ فِي قَوْلِهِ سبحانه: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9].
وَلْيَتَسَلَّحْ فِي إِصْلاحِهِ بِالعِلْمِ الشَّرْعِيِّ، أَوْ سُؤَالِ أَهْلِ العِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى سُؤَالٍ؛ قَبْلَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الصُّلْحِ، وَلَهُ أَنْ يُقَرِّبَ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ، وَيُقْنِعَهُمَا بِالصُّلْحِ، ثُمَّ يَخْتَارَ لَهُمَا حَكَمًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ يَرْضَيَانِهِ.
وَمِنْ فِقْهِ المُصْلِحِ: أَنْ يَخْتَارَ الوَقْتَ المُنَاسِبَ لِلصُّلْحِ، فَلا يُبَادِرُ إِلَى الصُّلْحِ عَقِبَ الخصومة التَّشَاتُمِ وَالتَّعَارَكِ وَالتَّقَاتُلِ، والنفوس ثائرة، بَلْ يَتَرَبَّصِ بِقَدْرِ مَا يَسْكُنُ الخَصْمَانِ، وَيَعُودَانِ إِلَى رُشْدِهِمَا، وَتَذْهَبُ سَوْرَةُ الغَضَبِ، وَتَضْعُفُ دَوَاعِي الانْتِقَامِ، فَيُلْقِي بِمُبَادَرَتِهِ إِلَيْهِمَا.
وَعَلَيْهِ: أَنْ يَخْتَارَ مِنَ الكَلامِ أَحْسَنَهُ، وَيُرَقِّقَ قَلْبَيْهِمَا، وَيُبَيِّنَ لَهُمَا حَقَارَةَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، فَلا تَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَعَادَى الإِخْوَانُ مِنْ أَجْلِهَا، وَلاَ أَنْ تُقْطَعَ القَرَابَةُ بِسَبَبِهَا، وَيُذَكِّرَهُمَا بِالمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الحِسَابِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعِظَهُمَا بِنُصُوصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُمَا أَعْظمُ زَاجِرٍ لِلمُؤْمِنِ.
وَمَنْ سَعَى فَي ِإصْلاحِ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّه يَجِبُ عَلَى النَّاسِ تَأْيِيدُهُ وَتَشْجِيعُهُ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ، وَمَعُونَتُهُ بِمَا يَحْتَاجُ مِنَ الجَاهِ وَالمَالِ؛ فَإنَّ إِصْلاحَ ذَاتِ البَيْنِ يَعُودُ عَلَى الجَمِيعِ بِالخَيْرِ وَالمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ، كَمَا أَنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ يَضُرُّ المَجْتَمَعِ عَامَّةً، بِمَا يَسُودُ فِيهِ مِنَ الأَحْقَادِ وَالضَّغَائِنِ، وَالجَرَائِمِ وَالانْتِقَامِ.
وَمَنْ سَعَى إِلَيْهِ أَخُوهُ بِالإِصْلاحِ، فَلْيَقْبَلْ مِنْهُ، وَلْيُعِنْهُ عَلَيْهُ، وَلْيَكُنْ خَيْرَ الخَصْمَيْنِ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر: 10].
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ.