المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنا أنَّ على المُسلِم لِلْمسلِم حُقُوقاً حَالَ حياتِه وَصِحتِه، وحالَ مَرَضِهِ وَعَجْزِهِ، وبعد وَفَاتِهِ ودفنِهِ، ففي المُتَّفَقِ عَلى صِحَتِهِ أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "حَقُّ المُسْلِم عَلَى المُسْلِم خَمْسٌ"، ومنها: "اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ". ومَنْ تَأَمَّلَ الحُقُوقَ عَرَفَ عَظَمَةَ الشَّريعَةِ ومكانتَها وكَمَالَهَا. فَلنتأمَّلْ في حقَّ الصَّلاةِ على الْمَيِّتِ, وما فيهِ من الفَضَائِلِ والأُجُورِ, ولْنَتَذَكَّرَ بعضَ أحكامِهِ وحِكَمِهِ!
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ بيدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيٍء وإليهِ تُرجَعُونَ، نَشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ له كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ، ونَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ الأَمِينُ المَأمُونُ، اللهم صَلِّ وَسَلَّم وبَارِكْ عليه, وعلى جميعِ الآلِ والأصحابِ الذينَ هُم لِرَبِّهم راغِبونَ, وَمن تَبِعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ يُبعثونَ.
أمَّا بعدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
عباد اللهِ: مِنْ مَحَاسِنِ دِينِنا أنَّ على المُسلِم لِلْمسلِم حُقُوقاً حَالَ حياتِه وَصِحتِه، وحالَ مَرَضِهِ وَعَجْزِهِ، وبعد وَفَاتِهِ ودفنِهِ، ففي المُتَّفَقِ عَلى صِحَتِهِ أنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "حَقُّ المُسْلِم عَلَى المُسْلِم خَمْسٌ"، ومنها: "اتِّبَاعُ الجَنَائِزِ".
ومَنْ تَأَمَّلَ الحُقُوقَ عَرَفَ عَظَمَةَ الشَّريعَةِ ومكانتَها وكَمَالَهَا. فَلنتأمَّلْ -يا كِرامُ- في حقَّ الصَّلاةِ على الْمَيِّتِ, وما فيهِ من الفَضَائِلِ والأُجُورِ, ولْنَتَذَكَّرَ بعضَ أحكامِهِ وحِكَمِهِ!
فالصَّلاةُ على الْمَيِّتِ إكرامٌ وإحسانٌ وشَفَاعةٌ لهُ عند الرَّحيمِ الرَّحمن، إضافةً إلى الثَّوابِ العظيمِ الذي ينالُهُ مَنْ صَلَّى عليهِ وتَبِعَ جَنَازَتهُ.
والصَّلاةُ على الْمَيِّتِ شَرْطُها الإسلامُ، فلا صلاةَ على كافرٍ أَيَّاً كانت دِيَانتُهُ! ومَهمَا كانَت نوعُ الصَّلاةِ عليهِ! فقدَ نَهَى اللهُ رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابَه عن الاستغفارِ للمشركينَ فضلاً عن الصَّلاةِ عليهم فقالَ: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
والصَّلاةُ على المَيِّتِ فَرضُ كِفَايةٍ،إذا قامَ بِها البعضُ سقطَ الإثمُ عن الباقين.
وأمَّا ثَوابُها فلها فَضلٌ عظيمٌ؛ في الصَّحيحينِ قَالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيراطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ"، قِيلَ: وَمَا القِيرَاطانِ؟! قَالَ: "مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ".
وسُئلَ الشيخُ ابنُ بازٍ -غَفَرَ الله له- عمَّن صَلَّى على عَدَدٍ من الجَنَائِزِ فهل له بِكُلِّ جَنَازَةٍ قِيرَاطٌ؟! فأجابَ بقوله: "نرجو له قَرَاريطَ بِعَددِ الجَنَائِزِ".
والصَّلاةُ على الْمَيِّتِ -مَعَاشِرَ المُؤمنينَ- لها أثرٌ عظيمٌ على المُتوفَّى إن قَبِلَ اللهُ شفاعةَ إخوانِهِ فيه، ففي الصَّحيحينِ أيضًا عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالت: قَالَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ".
وعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ، فَيقومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أرْبَعُونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيْئاً، إِلاَّ شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ". رواه مُسلِمٌ.
ويقفُ الإمامُ عندَ رأسِ الرَّجُلِ ووسَطِ المرأةِ.
وصَلاةُ الجَنَازَةِ تُشرَعُ في كلِّ وقتٍ وحينٍ إلاَّ في أوقاتٍ ثلاثةٍ؛ قال عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ -رضي اللهُ عنهُ-: "ثَلاَثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّىَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا, حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ, وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ, وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ". رواه مُسلِمٌ.
باركَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرآنِ الْعَظِيمِ؛ وَنَفَعنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذِّكرِ الْحَكِيم؛ أَقُولُ مَا تَسْمَعُون وَأسْتَغْفُرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِسَائرِ الْمُسْلِمِين مِنْ كُلِّ ذَنبٍ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانيةُ:
الحمدُ للهِ أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلماً وهو على كلِّ شيءٍ شَهِيدٌ, نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الوليُّ الحميدُ, ونشهد أنَّ مُحمَّداً عبدُ الله ورسولُه خُلاصَةُ العَبِيدِ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المزيدِ.
أمَّا بعدُ:
فاتَّقوا الله -عبادَ اللهِ-؛ فمن عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ ومن أساءَ فعليها وما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلعَبِيدِ!
إخواني: نُذَكِّرُ بِصِفَةِ صلاةِ الجنازةِ, لِمَسِيسِ الحاجة, ولوجودِ عددٍ من الأخطاء عند بعضِنا، فبعدَما يَتَوَضَّأُ الْمُصَلِّي يُكبِّرُ التَّكبيرَةَ الأولى قَائِماً مُتَّجِهاً لِلقبلَةِ رافعاً يديه، ثُمَّ يضعُ يَدَهُ اليُمنَى على اليُسرى على صدرهِ لِحديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- كَبَّرَ على جَنَازةٍ، فَرَفَع يَديْه في أوَّلِ تَكبيرَةٍ ووضَعَ اليُمنى على اليُسرى".
وَيَستَعِيذُ باللهِ من الشَّيطانِ ويُبَسْمِلُ سِرًّا، ثمَّ يَقرأُ الفاتحةَ مُباشَرَةً سِرًّا، لحديثِ أبي أُمَامَةَ -رضي اللهُ عنه- أنَّه قال: "السُّنَّةُ في الصَّلاة على الجنازة أنْ يَقْرَأَ بأمِّ القرآنِ مُخَافَتَةً".
وتنبَّهوا -يا كرامُ-؛ ولا يقولُ دعاءَ الاستفتاحِ قبلَ الفاتحةِ لعدمِ الدَّليلِ على مَشرُوعِيَّتِهِ، وإنْ قَرَأَ مَعَ الفَاتِحةِ سُورةً قَصِيرةً فلا بأسَ؛ لِفعلِ ابن عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- أنَّهُ قرأ بفاتحةِ الكتابِ وسورةٍ، وَجَهَرَ حتى أسمَعَ النَّاسَ، فلمَّا سُئلَ قال: "سُنَّةٌ وَحَقٌّ".
ثمَّ يُكبِّرُ الثَّانيةَ، رافعاً يديهِ، ثُمَّ يضعُ اليمنى على اليُسرى، ثُمَّ يُصلِّي على النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيقولُ: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ،كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ. اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجْيدٌ".
ثُمَّ يُكبِّرُ الثَّالِثَةَ وَيَدْعو لِلميتِ، ويُخلِصُ بالدُّعاءِ، فيقُولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّه مِن الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأبدلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيراً مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلهُ الجَنَّةَ، وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمنْ عَذَابِ النَّارِ".
ثُمَّ يُكبِّرُ الرَّابِعَةَ، ويُسلِّم تَسليمَةً واحدةً عن يمينِهِ.
عباد اللهِ: ومن أحكامِ ومسائلِ صلاةِ الجنازةِ التي نَحتَاجُها ما يلي:
أولاً: إذا كان المُصَلَّى عليه صَبِيًّا أو سَقْطًا قد نُفِخَت فيه الروحُ, فإنَّه يُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة، وأمَّا الذي لم تنفخ فيه الروحُ فلا يُصَلَّى عليه أصلاً.
ثانياً: تجوزُ الزيادةُ على التَّكبيرات الأربعِ لمن كانَ له شأنٌ, فَيُكَبَّرُ عليه خَمْساً أو سِتًّا أو سبعًا, لثبوتِ ذلك كُلِّهِ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِهِ.
ثالثاً: لا يُشرعُ لِلمَأمُومِ رَفعُ الصَّوتِ مع التَّكبِيراتِ.
رابعاً: مَنْ فَاته شيءٌ من تكبيرات صلاةِ الجنازةِ فإنَّه يعتبرُ ما أَدْرَكَهُ معَ الإمامِ أوَّلَ صَلاتِه، وما يَقضِيهِ آخرُهَا، قال ابنُ بَازٍ -رحمه الله-: "فإذا أدركَ الإمامَ في التَّكبِيرَةِ الثالثةِ مَثَلاً، كبَّر وقرأَ الفاتحةَ، وإذا كبَّر الإمامُ الرابعةَ كبَّر فتكونُ لهُ الثانيةَ، وصلَّى على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فإذا سَلَّمَ الإمامُ كبَّر المأمومُ الثالثةَ ودعا للميت مُوجِزاً، ثُمَّ يُكبِّرُ الرَّابِعَةَ ويُسَلِّمُ".
خامساً: مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاةُ على الْمَيِّتِ جازَ له أنْ يُصَلِّيَ على القبرِ، لِفعلِهِ -صلى الله عليه وسلم- ذلك, وبُعداً عن الخلاف فعليه أن يتجنَّب أوقاتَ النَّهي.
عبادَ اللهِ: الصلاةُ على الْجَنَازَةِ عبادةٌ عظيمةٌ، وفيها أجورٌ وفيرةٌ، فلا يَنْبَغيَ التَّفريطُ فيها, خاصةً مع توفُّر وسائِلِ النَّقلِ وخِدمَةِ الرَّسَائِلِ التي شَجَّعَتِ النَّاسَ, ومَنْ شَاهَدَ حُضُورَ النَّاسِ وكَثْرَةَ الْمُصَلِّينَ استَبشَرَ خَيراً لِحُبِّ النَّاسِ للخيرِ وحرصِهِم على اتباعِ السُّنَّةِ، فَنَسألُ اللهَ أنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا ومنكم صالِحَ القولِ والعَمَلِ.
اللهم اغفر لِلمؤمنين والمؤمناتِ، والمسلمينَ والمسلماتِ، الأحياءِ منهم والأمواتِ, اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرتَهُ، ولا همًّا إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مَيْتًا إلا رحمته يا أرحم الراحمين، ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ.
(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).