الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
والصَّلاةُ هي المَفْزَعُ إذا عَظُمَ الخَطْب، واشْتَدَّ الكَرْب، وهي مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ التي تُفْرِحُ الْقَلْبَ وَتُقَوِّيْه، وكانَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أَمْرٌ فَزِعَ إلى الصَّلَاة...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أَيَّها المسلمون: إِنَّهَا عَمُودُ الإسلام، وأَحَدُ مَبَانِيْهِ العِظَام، وَهِيَ أَهَمُّ الواجبات، وأَعْظَمُ القُرُبَات، إِنَّها الصَّلاة! قال -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِكُمُ الصَّلاَةَ"(أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني).
والصَّلاةُ هِيَ أَوَّلُ سُؤَالٍ في اخْتِبَارِ الآخِرَة! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ، فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
والصَّلاةُ هِيَ العَلامَةُ الفَارِقَةُ بَيْنَ المُسْلِمِ والكَافِر؛ قال عبدُالله بنُ شَقِيق: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَا يَرَوْنَ مِنَ الأَعْمَالِ شَيْئًا تَرْكُهُ كُفْرٌ؛ إِلَّا الصَّلَاةَ"(أخرجه الترمذي، وصححه الألباني).
وأَوَّلُ صِفَاتِ أَصْحَابِ الجَحِيْم؛ تَرْكُ الصَّلاة! (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر:42-43].
والصَّلاةُ كالهَوَاءِ والغِذَاء: لا تُتْرَكُ حَضَرًا ولا سَفَرًا، ولا في أَمْنٍ ولا خَوْف! (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْبانًا)[البقرة: 238-239].
ولأَهَمِّيَّةِ الصَّلاة؛ كانَتْ آخِرَ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ الأَخِيْرَة؛ فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: "كَانَ مِنْ آخِرِ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، وما مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم"(أخرجه أحمد، وصححه الألباني).
والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَعْلَمُ النَّاسِ بِالله، وَبِمَا يُرْضِيْه، وَهُوَ أَنْصَحُ الخَلْق، فَلَا يُوْصِى إِلَّا بِأَعْظَمِ شَيْء؛ فَمَنْ يُفَرِّطُ في وَصِيَّتِهِ بَعْدَ هذا؟!
وَمِنْ بَرَكَاتِ الصَّلاة: أَنَّهَا أَجْوَدُ ما يُسْتَعَانُ بِهِ على تَحَمُّلِ المَصَائِب فَهِيَ مَصْدَرُ القُوَّةِ والعَمَل، وَمَطْرَدَةُ الدَّاءِ والكَسَل! (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ)[البقرة:153].
والصَّلاةُ هي المَفْزَعُ إذا عَظُمَ الخَطْب، واشْتَدَّ الكَرْب، وهي مِنْ أَكْبَرِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ التي تُفْرِحُ الْقَلْبَ وَتُقَوِّيْه، وكانَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أَمْرٌ فَزِعَ إلى الصَّلَاة؛ فَيَقُوْل: "يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، أَرِحْنَا بِهَا!"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
والصَّلاةُ جَالِبَةٌ لِلْرِّزْقِ والبَرَكَة: فَمَنْ أَيْقَظَ أَوْلَادَهُ لِلْمَدْرَسَة، وَلَمْ يُوْقِظْهُمْ لِلْصَّلَاة؛ فقد حَرَمَهَمْ رِزْقًا عَظِيمًا! (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ)[طه: 123]. قال ابنُ كَثِير: "يَعْنِي إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ؛ أَتَاكَ الرِّزْقُ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ" وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ المَكْتُوْبَة، أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا: تَوَعَّدَهُ اللهُ بِوَادٍ في جَهَنَّم! (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)[مريم: 59]، قالَ ابنُ عَبَّاس: "الْغَيُّ: وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، وَإِنَّ أَوْدِيَةَ جَهَنَّمَ لَتَسْتَعِيذُ مِنْ حَرِّهِ".
ومَنْ نَامَ عَنِ الصَّلاةِ المَكْتُوْبَةِ مُتَعَمِّدًا حتى خَرَجَ وَقْتُهَا؛ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِلْخَطَر! حيثُ رَأَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في مَنَامِهِ رَجُلًا يُكْسَرُ رَأْسُهُ بِالحَجَر، فَقِيْلَ لَه: "إِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ؛ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ!"(رواه البخاري).
والدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا لاتُسَاوِي شَيِئًا أَمَامَ تَسْلِيْمَةً واحِدَةً مِنَ الصَّلاة! قال -صلى الله عليه وسلم-: "رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا!"(رواه مسلم).
والصَّلاةُ هِيَ الحَاجِزُ عَنِ المُنْكَرَات، والنُّوْر ُ في الظُلُمَات: قال تعالى:(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت:45]، وذَكَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الصَّلَاةَ يَوْمًا؛ فقال: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا: كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه أحمد).
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَمَّا بَعْد: مَهْمَا بَلَغَتْ ذُنُوْبُكَ عَنَانَ السَّمَاء؛ فَاحْذَرْ أَنْ تَدَعَ الصَّلاة؛ فَهِيَ طَوْقُ النَّجَاة، وَحَبْلُ الصِّلَةِ مَعَ الله، والمُغْتَسَلُ الذي تَغْسِلُ ذُنُوْبَكَ فِيْهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّات! قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ، يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا؛ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قال: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا"(رواه مسلم) (أقِم الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114].
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.