البحث

عبارات مقترحة:

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

المعطي

كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الدين هم بالليل وذل بالنهار (2)

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. مفاسد الدَين على الفرد .
  2. استعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدين .
  3. خطر موت المستدين قبل قضاء ما عليه من دين .
  4. خطر الاستدانة بنية عدم قضائه .
  5. التساهل في الدين والإحصائيات المذهلة عن ذلك .
  6. نصيحة مهمة عن ترشيد الإنفاق والتحذير من الدين .

اقتباس

الدين -والعياذ بالله- هم بالنهار وسهر بالليل والإنسان المدين يقلق ويتعب!. ولكن بشرى للإنسان أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، وإذا أخذها يريد إتلافها أتلفه الله. فإذا أخذت أموال الناس بقرض، أو ثمن مبيع، أو أجرة بيت، أو غير ذلك وأنت تريد الأداء أدى الله عنك، إما في الدنيا يعينك حتى تسدد، وإما في ...

الخطبة الأولى:

أيها الإخوة: لقد شدد ديننا في أمر الدين أيما تشديد، وحذر منه أيما تحذير، وذلك لما فيه من المفاسد الظاهرة على مستوى الفرد، وعلى مستوى المجتمع.

أما على مستوى الفرد، فهو هم بالليل وذل بالنهار، قال القرطبي -رحمه الله-: "قال علماؤنا: وإنما كان الدين شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال، والهم اللازم في قضائه، والتذلل للغريم عند لقائه، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه.. وربما يعد من نفسه القضاء فيُخْلِف، أو يُحَدِث الغريمَ بسببه فيكذب، أو يحلفُ له فيحنث، إلى غير ذلك.

ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ بالله من الدين بصفات متعددة يبرز في كل دعاء جانباً من جوانب أثره على نفس المدين، فمرة استعاذ منه بلفظ: "ضَلَعِ الدَّيْنِ".

بفتحتين، يعني: ثِقَلُهُ حَتَّى يُمِيلَ صَاحِبَه عن الاستواءِ لِثِقَلِه وشدته.

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ"[رواه البخاري].

وفي الأثر: "الدَّيْن شيْن وهو هم بالليل ومذلة بالنهار".

ومرة تعوذ رسول الله من الدين، وسماه بالمغرم.

و"المغرم" هو الدين الذي لا يجد المدين وفاءه أو الدين مطلقا، قالت عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "كَانَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ"[رواه البخاري ومسلم].

و"المأثم" ما يسبب الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة.

و"المغرم" الدَّين الذي لا يجد المدين وفاءه أو الدين مطلقا.

ومعنى: "إن الرجل إذا اغَرِم"

يعني: إذا لحقه دين حدثَ فكذب، بأن يحتج بشيء في وفاء ما عليه، ولم يقم به فيصير كاذباً، ووعد وأخلف، بأن قال لصاحب الدين أوفيك دينك في يوم كذا، أوفي شهر كذا، أو في وقت كذا، ولم يوف فيه فيصير مخالفاً لوعده.

والكذب وخلف الوعد من صفات المنافقين؛ كما في الحديث المشهور فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَرْبَعُ خِلاَلٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا: مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النَّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا".

ولولا أن هذا الديِّن عليه لما ارتكب هذا الإثم العظيم من الكذب والخُلفِ في الوعد، ولما اتصف بصفات المنافقين.

ومرة استعاذ من غلبة الدين وقدمها على غلبة العباد بحرب، أو غيرها مع أن غلبة العباد بالحرب أعظمُ ذُلٍ يصيبُ الأمم -نسأل الله العافية والسلامة-، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَظُلْمَنَا، وَهَزْلَنَا وَجِدَّنَا وَعَمْدَنَا، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الْعِبَادِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ" [رواه ابن حبان وحسنه الألباني].

أيها الأحبة: وربما يموت المدين ولم يقض الدين، فيرتهن به، كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى"[رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني].

قال شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله-: "معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى" يعني أن نفسه وهو في قبره معلقة بالدين كأنها والله أعلم تتألم من تأخير الدين ولا تفرح بنعيم، ولا تنبسط لأن عليه دينا، ومن ثم قلنا إنه يجب على الورثة أن يبادروا بقضاء الديون.

أيها الأخ المبارك: احذر من إبطان النية السيئة، وإياك وأن تضمر بنفسك عدم الوفاء إذا أخذت ديناً.

إن فعلت ذلك فلا تلومنَّ إلا نفسك؛ أرع سمعك لهذا الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ -أي يسر له ما يؤدي منه من فضله وأرضى غريمه في الآخرة إن لم يستطع الوفاء في الدنيا- وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا: -لا يقصد قضاءها- أَتْلَفَهُ اللَّهُ" أي أذهب ماله في الدنيا وعاقبه على الدين في الآخرة[رواه البخاري].

وقال شيخنا محمد بن عثيمين -رحمه الله-: الدين -والعياذ بالله- هم بالنهار وسهر بالليل والإنسان المدين يقلق ويتعب!.

ولكن بشرى للإنسان: أنه إذا أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه وإذا أخذها يريد إتلافها أتلفه الله.

فإذا أخذت أموال الناس بقرض، أو ثمن مبيع، أو أجرة بيت، أو غير ذلك وأنت تريد الأداء أدى الله عنك، إما في الدنيا يعينك حتى تسدد، وإما في الآخرة؛ صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أما المتلاعب بأموال الناس، والذي يأخذها ولا يريد أداءها، ولكن يريد إتلافها فإن الله يتلفه -والعياذ بالله-.

نسأل الله أن يقضي دين المدينين.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

أيها الإخوة: لقد أقبل الناس على الديون والاستكثار منها لحاجة، أو لغير حاجة.

ورأينا الإعلانات والدعايات المغرية بها، والأوراق الملصقة عنها، عند كل إشارة، وفي كل صراف.

وانتشرت محلات التقسيط، حتى صارت توازي البقالات، أو الصيدليات في كثرتها وانتشارها.

بخلاف أناس تعارف الناس عليهم بأنهم يدينون في بيوتهم.

إضافة إلى البنوك والمصارف، وتورط الرجال والنساء، وحتى بعض الشباب الذين لم يتحملوا مسئولية أسر.

فأصبح أغلب الناس مديناً وأصبح المجتمع يعيش على الدين، ولا يجد الفرد فيه حرجاً من أنه مدين!.

حتى أثقلت الديون كواهل الناس والدول والشركات، وهناك من أشهر إفلاسه بسبب تعاظم الديون.

وقد تشتمل بعض معاملات الديون على كبيرة الربا -عياذًا بالله- الذي دمر الفرد والمجتمع واقتصاديات الدول.

ومارست البنوك ومحلات التقسيط إغراءات كبيرة سهلت الدين وهونته، واستولوا على رواتب المدينين، حتى وجد ممن يتقاضون الرواتب العالية لا يجد أحدهم من المال ما يشترى به حوائج أهله اليومية، ولا ما يعبئ به وقوداً لسيارته!.

ومنهم من فر وترك أسرته ووطنه لخارج البلاد، ومنهم من تورى عن الأنظار وأودع الآلاف منهم في غياهب السجون.

وانظروا إلى الإحصائيات في مجتمعنا، فقد نشر أحد الباحثين أن أزمة الديون في بلادنا تطال 80% من الناس، وأن القروض والديون كانت عام 1427هـ نحو 178 مليار ريال بعام واحد فقط!.

ثم ارتفعت تلك المبالغ لتصل بعدها بخمس سنوات فقط عام 1432هـ إلى 286 مليار ريال بزيادة أكثر من مائة مليار خلال خمس سنوات، أكثرها تمويلات شخصية.

وزادها عدم توعية للمدينين، وعدم ضبط شركات التقسيط والبنوك وأنظمتها، وحقوق المستدينين، وعدم إشاعة ثقافة الادخار والاستهلاك، مع ضعف رواتب أصحابها، وغلاء الأسعار، وعدم اهتمامهم بتنظيم الميزانيات.

إضافة للدعايات المضللة للقروض، وفوائدها المنخفضة –بزعمهم- وكل هذا يهدد بأزمة ديون قادمة.

أيها الإخوة أيها الأحبة: أختم قولي بهذه النصيحة الأبوية، وهي سهلة في عبارتها، عظيمة في معانيها، من مشفق على إخوانه محب لهم، إنها من فضيلة شيخنا محمد العثيمين -رحمه الله- من وعاها استفاد، ومن أهملها فلا يلومنَّ إلا نفسه، قال معلقاً على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى".

فالأمر مهم، فلا تستهن بالدين، الدين هم في الليل وذل في النهار، فالإنسان مهما أمكنه يجب أن يتحرز من الدين، وأن لا يسرف في الإنفاق؛ لأن كثيرا من الناس تجده فقيرا ثم يريد أن ينفق على نفسه وأهله كما ينفق الأغنياء؛ فيستلف من هذا ويستلف من هذا أو يستدين أو يرابي، وهذا غلط عظيم، يعني لو لم يكن لك إلا وجبة واحدة في الليل والنهار، فلا تستلف، اصبر، وقل: اللهم أغنني، قال الله -تعالى-: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 28].

أما تهاون بعض الناس -نسأل الله العافية بالدين- يستدين من أجل أن يفرش كل البيت، يفرش حتى الدرج، هذا غلط، أو يستدين من أجل أن يأخذ سيارة فخمة، مع أنه يكفيه سيارة مثلا بعشرين ألف، يقول: لا بمائة ألف وهو فقير.

فهذا من سوء التصرف، ومن ضعف الدين، ومن قلة المبالاة؛ لأن الدَّين لا تكفره حتى الشهادة في سبيل الله فكيف تستدين؟

إلا عند الضرورة، وأقول: عند الضرورة ليس عند الحاجة، يعني حتى لو كنت محتاجا لعدة كماليات، لا تستدين، لا تشترِ شيئاً ليس معك ثمنه، اصبر حتى يرزقك الله، ثم اشتر على قدر الحال، ولهذا من الأمثال العامية الصحيحة: "مد رجلك على قدر لحافك" إن مددتها أكثر تعرضت للبرد والشمس، وغير ذلك.

ففيه التحذير من الدين، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتدين.

نها نصيحة مشفق فهل من ممتثل؟

وفقنا الله لكل خير وجعلنا هداة مهتدين.