المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات - الحكمة وتعليل أفعال الله |
اعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْجِبُكَ عَنِ الرِّبَا: اسْتَقَامَتُكَ عَلَى دِينِكَ وَلا سِيَّمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ذَلِكَ ضِمْنَ الآيَاتِ التِي ذَكِرَ فِيهَا الرِّبَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين).
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَحَلَّ لَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا مَا يَضُرُّنَا فِي دِينِنِا وَدُنْيَانَا وَآخِرَتِنَا، رَحْمَةً بِنَا وَإِحْسَانَاً إِلَيْنَا. وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، مَا تَرَكَ خَيْراً إِلَّا دَلَّنَا عَلَيْهِ، وَلا شَرَّاً إِلَّا نَهَانَا عَنْهُ وَحَذَّرَنَا مِنْهُ، فَصَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون) [البقرة: 275].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الرِّبَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَقْبَحِ الْمُوبِقَاتِ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي ذَنْبٍ مِنَ الْوَعِيدِ بَعْدَ الشِّرْكِ أَشَدُّ مِمَّا نَزَلَ فِي الرِّبَا !
وَقَدْ تَكَاثَرَتْ نُصُوصُ الْوَحْيَيْنِ فِي التَّحْذِيرِ الْعَظِيمِ مِنَ الرِّبَا، فَلَا يَلِيقُ بِعَاقِلٍ يُرِيدُ النَّجَاةَ عِنْدَ اللهِ وَدُخُولَ الْجَنَّةِ وَالْهَرَبَ مِنَ النَّارِ، لا يَلِيقُ بِهِ أَنْ يُفَكِّرَ فِي الرِّبَا فَضْلَاً عَنْ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)[البقرة: 278- 279]، فَقَدْ أَعْلَنَ الْحَرْبَ عَلَى الْمُتَعَامِلِينَ بِالرِّبَا وَدَعَاهُمْ لِلتَّوْبَةِ إِنْ أَرَادُوا النَّجَاةَ مِنْ هَذِهِ الْحَرْبِ التِي هُمُ الْخَاسِرُونَ فِيهَا قَطْعَاً.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)[آل عمران: 130- 131]، فَنَهَي اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَفْعَلُوا فِعْلَ الْجَاهِلِيَّةِ؛ حَيْثُ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدِينِ: إِمَّا أَنْ تُوفِي وَإِمَّا تُرْبِي، فَيَزْدَادُ بِذَلِكَ دَيْنُهُ وَيَتَضَاعَفُ مِرَارَاً، وَهَذَا فِعْلُ الْكُفَّارِ الْجَاهِلِيِّينَ السَّابِقِينَ وَالْمُعَاصِرِينَ، وَأَمَا حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَهُوَ خِلَافُ ذَلِكَ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى- (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 280]، فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدِينَ مُعْسِرٌ وَجَبَ إِنْظَارُهُ وَحَرُمَتْ مُطَالَبَتُهُ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَأَمَّا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ فَهِيَ طَافِحُةٌ نُصُوصُهَا وَمَتَكَاثِرَةٌ فِي تَعْظِيمِ أَمْرِ الرِّبَا وَتَحْرِيمِهِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: "الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ). فَجَعَلَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرِّبَا مِنَ الذُّنُوبِ الْمُهْلِكَةِ لِلْعُمْرِ وَالْقَاصِمَةِ للِظَّهْرِ.
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي حِدِيثِ الرُّؤْيَا التِي رَآهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- , وَفِيهِ رَأَى مَنَاظِرَ عَظِيمَةً مُفْزِعَةً، وَمِنْهَا عُقُوبَةُ آكِلِ الرِّبَا، حَيْثُ قَالَ: "فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا"، قَالَ: "قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟"، قَالَ: "قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِق".
ثُمَّ فِي نِهَايَةِ الْقِصَةِ قَالَ لَهُ الْمَلَكَانِ: "وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَهَلْ تُقْدِمُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ عَلَى هَذَا الْمَصِيرِ الشَّنِيعِ؟ إِنَّكَ حَقَّاً لَنْ تُقْدِمَ وَلَوْ بَلَغَتْ أَرْبَاحُ الرِّبَا الْمَلَايِينَ. عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ، أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ زَنْيَةً" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: "الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ" (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالذَّهَبِيُّ واَلْأَلْبَانِيُّ).
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَيْضَا عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قَالَ: "مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ" (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ وَغَيْرُهُ). فَالْمَعْنَى أَنَّ مَالَ الرِّبَا مَهْمَا كَثُرَ فَأَمْرُهُ إِلَى خَسَارَةٍ وَقِلَّة، فَسُبْحَانَ اللهِ ! الْمُرَابِي يَخْسَرُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لِشَنَاعَةِ أَمْرِ الرِّبَا فَإِنَّ الْعُقُوبَةَ فِيهِ تَنَالُ كُلَّ مَنْ شَارَكَ فِيهِ وَلَوْ لِمْ يَسْتَفِدْ شَيْئَاً، كَالْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ، فعَنْ جَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ. وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ يَشْتَغِلُ فِي مُؤَسَّسَةٍ رِبَوِيَّةٍ أَوْ بَنْكٍ رِبَوِيٍّ وَيَتَعَامَلُ بِهَذِهِ الْمُعَامَلَاتِ الرِّبَوِيَّةِ فَإِنَّهُ يَشْمَلَهُ الْوَعِيدُ، وَتَشْمَلُهُ اللَّعْنَةُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَحْجِبُكَ عَنِ الرِّبَا اسْتَقَامَتُكَ عَلَى دِينِكَ وَلا سِيَّمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ذَلِكَ ضِمْنَ الآيَاتِ التِي ذَكِرَ فِيهَا الرِّبَا، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين) [البقرة: 276- 279].
فَكُنْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ عَلَى حَذَرٍ وَحَقِّقْ إِيمَانَكَ بِالْبُعْدِ عَنِ الرِّبَا، وَأَبْشِرْ بِالْبَرَكَةِ فَإِنّ الرِّزْقَ عِنْدَ اللهِ وَالْخَيْرُ مِنَ اللهَ.
فَاللهُمَّ أَرِنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَه، وَأَرِنَا الْبَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، وَلا تَجْعَلْهُ مُلْتَبِسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَّ ! أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ الذِي بَيَّنَ الْحَلالَ وَأَبَاحَه، وَوَضَّحَ الْحَرَامَ وَمَنَعَه، وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ وَالرِّزْقَ فِي الأَمَانَة، وَالْفَسَادَ وَالشَّرَّ فِي الْخِيَانَة، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الذِي دَلَّنَا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَحَذَّرَنَا مِنْ كُلِّ شَرًّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ: فَخَافُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَتَوَقَّوْا الْحَرَامَ وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بَهْرَجُهُ وَكَثْرَةُ كَسْبِهِ فَإِنَّ مَصِيرَهُ إِلَى الْكَسَادِ وَمَآلُهُ إِلَى الْخَسَارِةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: سُئِلَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ الْعَزِيزُ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَازٍ -رَحِمَهُ اللهُ- هَذَا السُّؤَالَ: حَصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَخِي خِلَافٌ شَدِيدٌ حَوْلَ الْمُسَاهَمَةِ فِي أَحَدِ الْبُنُوكِ فِي الْمَمْلَكَةِ الْمَطْرُوحَةِ أَسْهُمُهُ لِلْاكْتِتَابِ هَذَا الْعَامِ حَوْلَ جَوَازِ الْمُسَاهَمَةِ فِيهِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَأَنَّهُ يَتَعَامَلُ بِالرِّبَا، وَقَالَ: إِنَّ فِيهِ شُبْهَةً وَلَيْسَ حَرَاماً.
وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ طَلَبَ مِنِّي اسْمِي وَأسْمَاءَ أَبْنَائِي لِيُسَاهِمُ لَهُ بِهَا فِي الْبَنْكِ وَلَقَدْ تَجَادَلْنَا كَثِيرَاً وَاتَّفَقْنَا عَلَى جَوَابٍ فَصْلٍ مِنْ سَمَاحَتِكُمْ فَنَرْجُو إِفْتَاءَنَا عَمَّا يَلِي: أَوَّلاً: حُكْمُ الْمُسَاهَمَةِ فِي الْبَنْكِ الْمَذْكُورِ؟ وَثَانِيَاً: حُكْمُ مَنْحِ الْأَسْمَاءِ لِشَخْصٍ يُرِيدُ الْمُسَاهَمَةَ بِهَا فِي هَذَا الْبَنْكِ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَسْمَاءِ يَرَى الْحُرْمَةَ؟ فَنَرْجُو مِنْ سَمَاحَتِكُمْ جَوَابَنَا سَرِيعَاً، وَاللهُ يَحْفَظُكُمْ.
فَأَجَابَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- بَقَوْلِهِ: "لا تَجُوزُ الْمُسَاهَمَةُ فِي هَذَا الْبَنْكِ وَلا غَيْرِهِ مِنَ الْبُنُوكِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلا الْمُسَاعَدَةُ فِي ذَلِكَ بِإِعْطَاءِ الْأَسْمَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقَدْ نَهَى اللهُ سُبْحَانَهُ عَنْ ذَلِكَ فَي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ- (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 3]، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أَنَّهُ لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وكَاتِبَهَ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: "هُمْ سَوَاءٌ"، خَرَّجَهُ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَفَقَّ اللهُ الْجَمِيعَ لِمَا يُرْضِيهِ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ".
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: تَوَقَّ لِدِينِكِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَدْخُلَ مُعَامَلَةً بِزَعْمِ أَنَّكَ مُحْتَاجٌ، فَإِنَّ الْبَرَكَةَ مِنَ اللهِ وَالرِّزْقَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئَاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرَاً مِنْهُ.
اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللهُمَّ أَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا اللهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَليْنَا اللهُمَّ انْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، وَارْحَمْ مَوْتَانَا وَمَوْتَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ فرِّجْ هَمَّ الْمَهْمُومِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنفِّسْ كَرْبَ الْمَكْرُوبِينَ، وَاقْضِ الدَّيْنَ عَنِ الْمَدِينِينَ.
اللَّهُمَّ وفّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ جِمِيعَ وُلَاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَمَلِ بِكِتَابِكِ وَاتِّبَاعِ شَرْعِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ.
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وِأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.