العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
كل يوم نسمع عن مشكلات وخلافات، ونزاعات، ومناوشات وصراعات، وحرب وقتال، كل هذا موجود في واقعنا، ومتوقع حصوله وطبيعي وجوده، لأن الله خلق الخير والشر، والحق والباطل، ولن يتفق أحدهما مع الآخر، ولن يجتمعا معاً، فكان حدوث التصادم والمشاكل والخلافات أمراً طبيعياً ومتوقعاً، ولهذا أنزل الله الأحكام وشرع الشرائع التي تضبط حياة الناس وتسيّر أمورهم، وتصحح مسيرتهم في هذه الحياة الدنيا، ليسيروا فيها على الوجه الصحيح الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى ويحبه..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
عباد الله: إن الله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق في هذه الحياة وابتلاهم فيها بالخير والشر، والمحن والمنح، وبلى بعضهم ببعض، وجعل بعضهم لبعض فتنة، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا) [الفرقان : 20]، هكذا هي الحياة صاحب الحق فيها فتنة لصاحب الباطل، وصاحب الباطل فتنة لصاحب الحق، والغني فتنة للفقير، والفقير فتنة للغني، وهكذا سائر أصناف الخلق في هذه الدار دار الفتن والابتلاء والاختبار، والقصد من تلك الفتنة معرفة مدى صبر الإنسان، فهل يصبر فيثاب، أم لا يصبر فيحرم الأجر والثواب؟ (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ).
كل يوم نسمع عن مشكلات وخلافات، ونزاعات، ومناوشات وصراعات، وحرب وقتال، كل هذا موجود في واقعنا، ومتوقع حصوله وطبيعي وجوده، لأن الله خلق الخير والشر، والحق والباطل، ولن يتفق أحدهما مع الآخر، ولن يجتمعا معاً، فكان حدوث التصادم والمشاكل والخلافات أمراً طبيعياً ومتوقعاً، ولهذا أنزل الله الأحكام وشرع الشرائع التي تضبط حياة الناس وتسيّر أمورهم، وتصحح مسيرتهم في هذه الحياة الدنيا، ليسيروا فيها على الوجه الصحيح الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى ويحبه.
أيها الناس: من المشاكل العويصة التي تكثر وتحدث كثيراً بين الناس: المشاكل التي تنتج عن المشاركة والمخالطة في شيء ما بين شخصين أو بين جماعتين, يشتركون في أمر واحد، ويأتي هذا بما عنده فيضمه إلى ما عند الآخر، فيصبحون فيه شركاء بموجب عقد بين المتشاركين في رأس المال والربح، هذه الشراكة بهذا المفهوم جائزة شرعاً، وليس فيها بأس إذا اختلط مال الشريكين وأصبح شيئاً واحداً، وكان بالضوابط المحددة التي ذكرها العلماء وحددوها لهذا الباب العظيم من أبواب فقه المعاملات، إلا أن المشاكل تنتج من عدم الالتزام بهذه الحدود والضوابط الدقيقة التي ضبط الشرع بها هذه الشراكات، حتى لا تحدث من ورائها المنازعات والمخاصمات.
فكم من شركاء يشتركون في أمر معين، ولكنهم يبنون شراكتهم على العواطف والمصالح والتساهل، ثم سرعان ما يختلفون ويتنازعون، ويحدث بينهم الانشقاق والانقسام، لأنهم لم يبنوا شراكتهم على منهج الشرع، وإنما بنوها على أهواء أنفسهم، وادعاء سلامة قلوبهم، واستبعاد حدوث الخلاف بينهم، وينسون الشيطان ووسوسته، والنفوس الأمارة بالسوء ونزغاتها، فيحدث بينهم مالا يتوقعونه، ومالا يمكن أن يتصوره الإنسان أحياناً من شدة الخصام وقوة النزاع، بعد أن كانا صديقين حميمين.
وقد قص الله -جل جلاله- لنا في القرآن قصة تدل على هذا، وحدثت فيها هذه المشكلة، يقول الله -جل وعلا- في كتابه العظيم: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) [ص 21: 24].
تأملوا قوله تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ )، فإن فيها دلالة واضحة على أن من لم يلتزم بضوابط الشرع في الشراكة فإن البغي والظلم متوقع حدوثه بينهم، ولهذا استثنى الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبر أنهم قليل ما هم، وأن الخصام لن يقع في الغالب بينهم، لأن أساسهم قام على أسس صحيحة ودعائم ثابتة، وهذا شيء نراه ونسمعه في واقعنا، حيث نرى الشراكات التي عقدت على باطل سرعان ما تنتهي وتتلاشى، ويتخاصم أصحابها، ويحدث بينهم ما لا يحمد عقباه، والشراكات التي تمت على أسس الشرع وضوابط الفقه، تبقى عقوداً طويلة وأزمنة مديدة.
لقد جاء خصمان إلى نبي الله داود -عليه السلام- فتسورا عليه من المحراب الذي كان يتعبد الله فيه، ولم يأتيا إليه من الباب فلما دخلوا عليه بهذه الصورة، فزع منهم وخاف، فطمئناه بأن لا يخف ولا يفزع، وذكرا أنهما دخلا عليه ليحكم بينهما في قضية شراكة بينهما، وشرحا له القضية وعرضا عليه المشكلة من أساسها، وحاصل قضيتهما أن أحدهما له تسع وتسعون نعجة، والآخر له نعجة واحدة، فطمع صاحب التسعة والتسعين في نعجة صاحبه، وقال له" أكفلنيها" -أي دعها لي واتركها في كفالتي لأكمل بها المائة-، وكان الرجل متكلماً يغلب خصمه في الحجة والقول فكاد أن يتركها له لولا أنهما جاءا إلى نبي الله داود لينظر في مشكلتهما.
فقال داود -عليه السلام- دون أن يستمع للطرف الآخر، لأن المشكلة في نظره واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من التوضيح والبيان، ولعله أراد السرعة في إنهاء القضية ليتفرغ لما احتجب به عن الناس من عبادة الله تعالى، فخاف أن يطول النزاع والخصام فبادر بالحكم فقال: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) أي أن هذا هو الذي ولّدَ الظُلم؛ فعندما طَلبَ منك أن تضُمّ نعجتك إلى نعاجه، كان ظالماً لك، لأنّه يؤدي إلى اختلاط الأمور وتداخل الحقوق، ثم إن عنده تسع وتسعون نعجة وأنت لك نعجة واحدة ومع ذلك طمع فيها، وما ذلك إلا لأن أكثر الشركاء يحصل بينهم البغي فيظلم أحدهما الآخر، (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).
فالشاهد من هذه القصة كيف أن النزاع والبغي وقع بينهما عند الشراكة، وهذا يعلمنا درساً أن الإنسان يجب عليه إذا رغب في الشراكة مع آخرين في شيء من الأعمال التجارية أن يحددوا شراكتهم ويضبطوها بالعقود الدقيقة، والتواريخ المحددة، والمبالغ المعينة، بحيث تكون الأمور بينهم واضحة، وليحذروا من التساهل في هذا فإن الله قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ – إلى أن قال - وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا ...) [البقرة : 282]، فنبه الله في هذه الآية العظيمة في أمور المعاملات إلى تنبيهات جليلة، لو أخذت بعين الاعتبار لما حدث ما نراه من قضايا ومشاكل ازدحمت بها المحاكم، وضج من هولها المحامون والقضاة.
نحن لا نقول للناس: اتركوا الشراكات أو ابتعدوا عنها، فإن هذا مخالف للشرع الذي أجازها وشرعها، ولا يخفى ما للمشاركات من فوائد في تنمية الاقتصاد، وتقوية المجتمع، وتنشيط حركة الأعمال التجارية، خاصة وأن الناس يتفاوتون في العقليات والذكاء، وحسن التدبير، والإدارة، فيكمل بعضهم بعضا، ولكن نقول لهم اضبطوها بضوابط الشرع، وحددوها بما حدده الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبينّه العلماء في كتبهم، وكل معاملة من المعاملات ذكر لها العلماء أصولاً وضوابطاً، فمن لم يفقهها فليسأل أهل العلم عنها حتى لا يحدث الشر والخلاف، وقد روى الإمام أحمد عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، كَانَا شَرِيكَيْنِ فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ" [أحمد (19307) ]. يقول الله -سبحانه وتعالى-: ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل 43: 44].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، الحكمُ العدْلُ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عباد الله: يجب على الشريك أن يكون واضحاً مع شريكه صريحاً معه، لا يخدعه، ولا يخفي عليه شيئاً لصالحه، ولا يظهر له الخسائر والسلبيات دون المكاسب والمنجزات، أو يصور له الشراكة بغير صورتها الواقعية، خاصة إذا رأى أن شريكه غافلاً عنه، أو متساهلاً معه، أو واثقاً فيه، أو دونه في الدهاء والذكاء، فيستغل ضعفه أو سذاجته فيمتصه دون أن يشعر، أو يستغل نصيبه الذي قدمه في الشراكة فيستعمله لصالحه وليس لصالح الشراكة، حتى إذا رأى أنه تقوى واكتمل ولم يعد بحاجة لشريكه طلب منه القسمة وفض الشراكة لكي يعمل لحاله، بعد ما استقوى على حساب شريكه المسكين ،كل هذا ظلم عظيم، وإثم كبير، لا يفعله إلا من انتزعت من قلبه رقابة الله.
والمصيبة الكبرى تكمن عندما تكون نية أحد الشريكين أو كلاهما سيئة منذ البداية، أو قائمة على الغدر والتمويه والتدليس، أو تعقد الشراكة لهدف سيئ ومطمع دنيء قبيح يريد كل واحد تحقيقه عن طريق الاستحواذ والهيمنة على شريكه الآخر وهذا واقع كثيراً (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
أيها الناس: إذا وقع الخلاف بين الشريكين وحصل بينهما النزاع فعليهما بالتحاكم إلى دين الله وشرعه، لأنه لن يفصل الخلاف بينهم إلا حكم الله، ولن تسوى قضيتهم إلا بشرع الله، فإياهم والتحاكم إلى غير دين الله من القوانين البشرية، أو الأحكام الوضعية، والأعراف القبلية، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة : 50]، ولهذا جاء الخصمان إلى نبي الله داود -عليه السلام- ليحكم بينهما لأنهم يعلمون أنه سيحكم بينهم بدين الله.
فالحذر الحذر من التحاكم إلى غير الدين أو القضاة الذين لا يحكمون بالشريعة، وعلى المتحاكم إلى العلماء والقضاة الصالحين أن يحسن الأدب معهم، وأن يأتي إليهم بوقار وحسن معاملة، وأن لا تنسيه قضيته وحرارتها وما ينتج عنها من غضب وانفعالات الأدب مع هؤلاء القضاة الشرعيين، فإن الله -جل وعلا- ذكر خطأ المتخاصمين عندما تسورا المحراب وقالا: (فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ) ولم يتأدبا مع داود عليه السلام، فلابد من التنبه لهذا الأمر.
كذلك يجب على الخصمين إذا حصل الخصام والنزاع بينهما أن لا ينسوا المعروف الذي بينهم، والأخوة والشراكة التي كانت سائدة بينهم، وأن لا يجعلوا هذه المشاكل التي طرأت سبباً في إلغاء الإخوة وحدوث النفرة، وهذا ما أشارت إليه الآية فقالت: (إِنَّ هَذَا أَخِي)، فسماه أخوه مع أنه قال في البداية (بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ)، لكن هذا البغي لم تُفقد به الأخوة التي بينهم.
على كل واحد من الشركاء أن يتنازل عن شيء من حقوق الشراكة عند الصلح، لتصلح الأمور وتعود الشراكة إلى وضعها قبل التنازع، كذلك لا يجوز لمن كان عالماً بأنه مخطئ وأن خصمه هو المصيب أن يتعنت، أو يجعل القضية تطول في مرافعات وجلسات، ويأتي لها بالمحامين المحترفين ليتعب أخاه ويؤذيه، فإن هذا كله مخالف لحق الأخوة الإسلامية، وسيبقى الحق حقاً والباطل باطلاً مهما لبس أحدهما لباس الآخر، فإنه لباس مغصوب مؤقت سرعان ما ينخلع ويزول، وهذا ما حذرت منه الآية في قوله: (وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، عندما أراد أن يغلبه في المحاجة والإثبات ليقنعه بتسليم نعجته الواحدة إلى نعاجه الكثيرة، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا" [البخاري (2458) مسلم (1713) ].
أما الحاكم أو القاضي فإنه يجب عليه أن يحكم بين المتخاصمين بالحق وبالعدل، وأن يستمع من الطرفين حتى يكون الحكم صحيحاً ليس فيه محاباة ولا مجاملة لأحد، ولا يجوز له أن يجنح عن هذا تحت أي مبرر كان، فإن داود -عليه السلام- لم يمنعه سوء أدب المتخاصمين معه من الحكم بينهم بالعدل، بناء على ما سمع من أحد الأطراف ولم يسمع من الطرفين حتى لا تطول القضية فتشغله عن عبادة الله، إلا أن الله عاتبه على ذلك وقال له: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) [ص : 26] ومع ذلك أكرمه الله -سبحانه وتعالى- بالتوبة والمغفرة عندما تاب إليه واستغفره، وأثنى عليه بحسن مآبه وقربه منه، ومنزلته العظيمة عنده -سبحانه وتعالى-، حتى لا يظن بأن ما حصل منه فيه أي منقصة له، (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : 25]، وقد أخبر نبينا -صلى الله عليه وسلم- أن أول السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله هو: الإمام العادل الذي يسوس الناس ويحكم بينهم بالعدل.
صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.