القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | عبدالله بن عياش هاشم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
يحسن بنا –أيها الأحبة- أن نتهيأ لاستقبال هذا الشهر المبارك التهيؤ اللائق به، فإن رموز الفساد والإفساد في وسائل الاتصال والإعلام قد أعدُّوا عدَّتهم، وبذلوا الكثير من الجهد والمال والأعمال التي تفسد علينا روحانية شهرنا، وتُذهب بركاته، وتجعل صيامنا فيه مجرد جوعٍ وعطشٍ وسهرٍ وتعب...
الخطبة الأولى:
أما بعد، فإننا نقرأ في كتاب الله العزيز: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [ البقرة: 185].
وفي سُنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطيِنُ" متفق عليه.
وإننا –يا عباد الله- بعد أيام قلائل نستقبل شهر رمضان المبارك، نسأل الله تعالى أن ينعم علينا جميعًا بالصحة والعافية والقوة لننعم بصيام أيامه، ونسعد بقيام لياليه، ونتنسم عبير فضائل الله فيه، ونستلهم عظيم بركته، نرجو فضل الله تعالى بالعون والتيسير، ونسأله والتوفيق والتسديد، ونأمُلُ جوده وعطائه، ونطلب مغفرته والعتق من عذابه.
ويحسن بنا –أيها الأحبة- أن نتهيأ لاستقبال هذا الشهر المبارك التهيؤ اللائق به، فإن رموز الفساد والإفساد في وسائل الاتصال والإعلام قد أعدُّوا عدَّتهم، وبذلوا الكثير من الجهد والمال والأعمال التي تفسد علينا روحانية شهرنا، وتُذهب بركاته، وتجعل صيامنا فيه مجرد جوعٍ وعطشٍ وسهرٍ وتعب، يقول صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ، ورُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ" رواه أحمد والحاكم والبيهقي وغيرهم.
واعلم –أخي الحبيب- أن أول ما يجب أن نتهيأ به لاستقبال شهر الصيام المبارك، استشعار عظمة هذا الشهر، فإنه يقوّي عزائمنا لاستثمار أيامه ولياليه في العبادة والطاعة وصالح الأعمال.
كما ينبغي أن تلهج ألسنتنا بالدعاء الصادق، وبقلوب مُخْبِتَة أن يُتم الله لنا نعمة الصحة والعافية، وأن يمد في أعمارنا حتى نبلغ الشهر، وأن يمنَّ علينا بحسن الصيام وحسن القيام فيه، وأن يعتق الله رقابنا فيه من النار.
كما نستقبل شهر رمضان -يا عباد الله- بتطهير النفوس من الذنوب والآثام، بالتوبة النصوح إلى الله، والتوبة مطلوبة في كل وقت، لكنها قبيل مواسم الخيرات تكون أشدَّ طلَباً، وذلك لأن الذنوب تحُولُ بين العبدِ وبين اغتنامِ هذه المواسم يقول الله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
واستقبال شهر الصيام -أحبتي- يكون بعقْدِ العزم على ترك العادات الرذيلة، والخصال الذميمة، والأفعال القبيحة، كالسباب والشتم، والغيبة والنميمة، وغيرها من سيِّء الخصال، وإن في شهر رمضان لأعظم فرصة لترك قبيحة جالبة للأمراض قاتلة للأبدان، ألا إنها عادة التدخين.
عباد الله: العلم والتعلم من أهم ما نستقبل به شهر القرآن، فاحرص –أخي- على تَعَلُّمِ أحكام الصيام فقْهِه وسُنَنِه وآدابِه، ومراجعتها ومذاكرتها مع أهلك، حتى ندخل في العبادة على علمٍ بها، ومعرِفة بأحكامها، والزم –أخي- مجالس العلم التي تُقام في شهر رمضان من أجل هذا الغرض ونحوه.
ويستقبل شهر رمضان –أحبتي- بالعزم الصادق الجازم على اغتنام جميع أوقاته بالطاعة، بعمل برنامج يومي من الطاعات والعبادات، والالتزام به، وتنفيذه، فلا يترك مجالاً لنفسه أن تشغَلَه بالمعصية.
عباد الله إن هذا العزم الصادق، وهذه النية الصالحة في عمل الخير تفيد العبد كثيرًا، فلو قدَّر الله عليه فلم يستطع اغتنام رمضان بالطاعة لعذر ومانع شرعي، فإنَّ الله لا يُضِيع هذه النية الصالحة، بل حتى لو أصابه قدَر الله فمات العبد قبل رمضان فإن الله يكتبها له كأنَّه عمِلَها.
فاتّقوا الله عبادَ الله، واستقبِلوا شهرَكم بما يليق به من جِدٍّ واجتهادٍ، واستباقٍ للخيرات، ومسارعةٍ إلى مغفرةِ من ربِّكم وجنّةٍ عرضها السموات والأرض.
نفَعني الله وإياكم بهديِ كتابه وبسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنّه هو الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحكَم العدلِ اللطيفِ الخبير، أحمده سبحانَه وهو العلِيّ الكبير، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ حبيبنا ونبيّنا محمّدًا عبدُ الله ورسولُه البشير النذير والسّراج المنير، اللهمَّ صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبِه.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، إنه لا مندوحةَ للمؤمن عند استقبالِ رمضان عن تذكُّر أولئك الذين قَعَد بهم الأجلُ عن بلوغِ الأمل في الحَظْوةِ باستقبال هذا الشهرِ وصيامِ أيامه وقيامِ لياليه، فسكَنوا الأجداث، وغيّبَتهم المقابِر.
ووجب علينا شُكرُ ربِّنا لما حَبانا به من دونهم، وتَعَيَّن علينا أنْ نَسأَلَه سبحانه تمام المنة ببلوغ شهر رمضان، والمعونة والتيسير، والتوفيق إلى محابِّه ومراضيه في رمضانَ وفي جميع الأزمان، وأن يختمَ لنا جميعًا بالقبول، وأن يصرفَ عنَّا من الشرور والفِتَن والبلايا ما لا يصرِفه غيره، وأن يجعل عاقبةَ أمرِنا رشدًا.
عباد الله: مِنَ الناس مَنْ يتقدم صيام شهر رمضان بصوم يوم أو يومين من آخر شعبان، احتياطاً لكمال رمضان، وهو يفعلُ ذلك عن حسنِ نِيًّة، ولكن هذا محرم ومخالف لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول في الحديث المتفق عليه: "لا يتقدمَنَّ أحدُكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم" [أخرجه البخاري 2/230].
ألا فاتقوا الله عبادَ الله، واذكروا على الدّوامِ أنّ الله تعالى قد أمَركم بالصلاةِ والسلام على خيرِ الأنام، فقالَ في أصدقِ الحديثِ وأحسَن الكلام: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].