الودود
كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد الجبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أركان الإيمان |
إن حياة الرياء والنفاق والضلال والانحراف، وعدم الصدق مع الله، والتي يعيشها بعض المسلمين اليوم، لهي حياة لا تجلب لهم نصراً، ولا ترفع لهم رأسا، ولا تعطيهم من الله عزاً؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين، وليست للكاذبين المنافقين، فهل يغيرون من أحوالهم ونتغير نحن معهم إلى الصدق مع الله قولاً وعملاً، نرجو ذلك؛ لأننا إن فعلنا فسنكسب في الدنيا والآخرة، و...
الخطبة الأولى:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
حديثنا اليوم بعنوان: "الصدق مع الله -سبحانه وتعالى-".
وإذا أطلق الصدق مع الله -سبحانه وتعالى-، فالمراد الصدق في القول، والصدق في الإيمان، والصدق في الوعد، والصدق في العهد، والصق في العزم، والصدق في التطبيق، فهو صدق شامل.
وهذا الصدق الشامل مع الله؛ معناه: أنك إذا قلت: إني أحبك يا رب، وأخافك وأرجوك، فإنك تمتحن بالتكاليف الشرعية، وتمتحن بالأوامر الإلهية وبالنواهي، فإن كنت صادقا في قولك آمنت، فإنك لا ترضى لنفسك أبدأ أن تقع في حرام، أو أن تترك واجبا من الواجبات.
فإذا قيل لك: إن شرب الخمر حرام، إن شرب الدخان حرام، إن ظلم العامل حرام، إن الغيبة والنميمة حرام، إن إيذاء المسلم فسوق وإجرام، فإنك تعمل كل جهدك لكي لا تقع في ما حرم الله عليك.
هذا إذا كنت صادقا؛ لهذا يقول سبحانه وتعالى: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[الزمر: 33].
والذي جاء بالصدق، هو النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، والذي صدق به هم المؤمنون الذين اتبعوا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وصدقوا في ذلك.
وبين لنا صلى الله عليه وسلم الصادقين عند الله، فيقول: "من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا؛ وجبت له الجنة".
والرضا بالله ربا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا وبالإسلام دينا المقصود منه، أن ترضى وأنت صادق مع الله.
وهذا الرضى مع الصدق، هو الذي يجعلك تتحمل جميع المشاق في سبيل أن تصدق مع الله، وأن ترضيه.
وهذا هو الذي فعله سلفنا الصالح، الذين صدقوا مع الله، واخلصوا له.
إن خبيب بن عدي أخذه كفار مكة، وصلبوه على الخشبة، وأرادوا قتله، وقال له أبو سفيان وكان كافراً حينئذ، قال له: يا خبيب أترضى أن يكون محمد مكانك، وتنجو أنت؟
انظر إلى الرد تعلم الصدق، فإذا به يقول: والله ما أرضى أن يشاك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشوكة وأنا حي، فكيف أرضى بأن يكون مكاني؟ يعني أنا فداء لشوكة تصيبه لا أرضى بها.
والمرأة المسلمة في غزوة أحد تأتي من بعيد بعد أن سمعت بهزيمة المسلمين، فيقال لها: قتل زوجك، فتقول: وأين رسول الله؟ فيقال لها: وقتل أبوك، فيقول: وأين رسول الله؟ فيقال لها: وقتل ابنك، وقتل أخوك، فتقول: وأين رسول الله؟ حتى إذا رأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقبلت عليه، وأمسكت بثوبه، وقالت: كل مصيبة بعدك جلل.
أي كل مصيبة بعدك هينة، وإن قتل الزوج والابن والأب، فما دمت أنت حيا، فكأن أحدا لم يقتل!.
هل هناك أعظم من هذا الصدق؟.
"الله أكبر" ما أعظم الصدق مع الله، وما أعظم الإيمان به.
إننا دخلنا في الإيمان ونحن أسعد الناس بهذا الإيمان، ولو لم يكن لنا في الحياة، لو لم يكن لنا مال ولا بنون ولا زوجات، ولا أولاد، ولا أي شيء نتمتع به إلا أن نشعر بأن قلوبنا مليئة بحب الله، والخوف منه، وأن ألسنتنا مرطبة بذكره، وأن الله أمتن علينا بمعرفته، وأكرمنا بالنطق بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
لو لم يكن لنا إلا ذلك لكان أكبر سعادة لنا في الدنيا والآخرة؛ إنها نعمة عظيمة علينا، أن جعلنا الله من المسلمين المؤمنين.
لكن الكثير لضعف أخلاقهم وافتقادهم للصدق مع الله، فإنهم لا يقدرون هذا النعمة، ولا يعرفون قيمتها، فيعيشون في هذه الحياة، وهم يتمردون على أوامر الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وساخطون، وناقمون على قدر الله وقضائه.
رأى رجل رجلاً آخر مستندا على شجرة، وهو يقول: الحمد الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، فقال له وأراد أن يختبره، قال له: يا رجل، هل لك بلد تسكنه؟ فقال: لا، فقال: هل عندك دار؟ فقال: لا، فقال: هل عندك مال؟ فقال: لا.
فقال: هل عندك زوجة أو أولاد؟ فقال: لا، فقال: ليس عندك من حطام الدنيا شيء وأنا أرى مرض الجذام يأكلك، ومع ذلك أراك تقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيرا من خلقه، من أي شيء عافاك الله؟ والله ما أرى إلا البلايا كلها قد حطت عليك، فقال له: ابتعد عني يا بطال، تريد أن تفسدني على ربي؟ ألم يترك لي قلبا يعرفه ولسانا يذكره؟ ثم قال:
حمدت الله رب إذ هداني | إلى الإسلام والدين الحنيف |
فيذكره لساني كل وقت | ويعرفه فؤادي باللطيف |
نعم أنت إذا خلوت بربك وركعت له، وسجدت له، وطاوعك جسدك في الركوع والسجود، فأنت في أعظم نعمة.
إذا قمت قبل الفجر، وناجيت الله، وهو سبحانه قد نزل إلى السماء الدنيا نزولا يليق به سبحانه وتعالى، وهو يقول: "من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".
من مثلك وقد تفتحت أبواب السماء لدعائك؟
من مثلك وربك يقول لك: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر:60]؟
من مثلك إذا فعلت ذلك؟ من مثلك وأنت بهذا الإيمان الصادق؟
يستنير قبرك، فلا يكون مظلما عليك.
ويستنير بهذا الإيمان طريقك إذا بعثت يوم القيامة، فتمشي في النور، والناس في الظلمات: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد: 12].
من مثلك وأنت تجد هذا الإيمان الصادق يظلك الله به يوم لا ظل إلا ظله وتحت عرشه؟.
من مثلك وأنت تجد هذا الإيمان الصادق هو المركبُ الهني الذي تعبر به الصراط، وتدق به أبواب الجنة، وتجد نفسك بين الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً من مثلك؟
هل تريد حياة أجمل من هذه الحياة؟ هل تريد سعادة أنعم من هذه السعادة؟
إن المشكلة أننا ما صدقنا الله في إيماننا، لعبت بنا الحياة الدنيا، فأخذتنا عن الله، ولعبت بنا الشياطين، فأبعدتنا عن دين الله، وعن طريق الله.
إن أحدنا يعتاد العادة السيئة، فلا يستطيع تركها، ويعمل العمل المحرم، فلا يستطيع أن يفارقه، إذا قلت له: أن تأخيرك للصلاة ونومك عنها كبيرة من الكبائر، قال: لا استطيع ترك النوم؛ لأنه عندي أهم من الصلاة.
وإذا قلت له: إن أولادك يفتقدون للخلق والأدب ويؤذون الناس، قال: أولادي أحسن من أولاد غيري.
وإذا قلت له: إن ظلمك لزوجتك وهجرها والإساءة إليها من الكبائر، قال: إنني حر أفعل ما أشاء.
وإذا قلت له: إن ظلمك لعمالك وموظفيك حرام، إن غشك للمسلمين في البضائع وتسويق هذه البضائع بالحلف الكاذب كبيرة وجريمة من أكبر الجرائم، قال: الناس يفعلون ذلك.
وإذا قلت له: إن نسائك أو بناتك يتبرجن ويفتقدن للحياء والحجاب الشرعي، قال: لا أستطيع أن أفرض عليهن أوامر الدين.
وإذا قلت له: حين تزوج ابنتك تطلب مهراً غالياً، وتنفق نفقات باهظة؟ وتكلف زوجها ما لا يقدر عليه؟ وهذا يتنافى مع الشرع، قال لك: أنا مع التقاليد ولست مع الشرع!.
فأي صدق هذا مع الله؟ وأي استسلام هذا لأوامر الله ونواهيه؟ وهل هذه هي حياة المسلمين الصادقين؛ أم أنها حياة الكاذبين، والبعيدين عن الحق والمذبذبين بين ذلك: (لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء)[النساء:143].
أيها الإخوة: إننا نقولها صريحة: إذا تحكم فينا الهوى، وتمكن منا الشيطان، وتبعنا الضلال في المجتمع، فلا صدق حقيقي لنا مع الله.
أما إذا تجردنا من ذلك كله، ورفعنا كلمة: "لا إله إلا الله" بإخلاص، وقلنا بصدق: "الله أكبر، الله أكبر" لن نخضع إلا له، ولن نستسلم إلا له.
لن نخضع لبشر، و لن نخضع لعادات وتقاليد تخالف الشرع لن نخضع للهوى ولا للشيطان، ولا للنفس الإمارة بالسوء، إذا قلنا ذلك صادقين وعملنا بها، فساعتها نكون فعلاً قد صدقنا مع الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ)[محمد: 21].
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
إن الصدق مع الله مزية عظيمة كريمة، والله -تعالى- لا يرضى إلا عن الصادقين: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: 33-34].
وقال أبو سليمان الداراني: "من كان الصدق وسيلته كان الرضا من الله جائزته".
والصدق في الإيمان: هو كمال الإخلاص لله، وكمال الانقياد لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأن يكون شعاره في الحياة، كما قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً)[الإسراء: 80].
والصدق في العمل: أن تحاسب نفسك بصدق وتسأل: هل أنت من الصادقين الذين ذكرهم الله في كتابه؟ كما قال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177].
وقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحجرات: 15].
نعم الصادق مع الله لا تراه إلا في طاعة، يقول إبراهيم الخواص: "الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه".
والصدق في القول: أن تبتعد عن جميع أنواع الكذب.
نعم الصادق في الدنيا هو الصادق في الآخرة، لذا كان من جملة دعاء إبراهيم -عليه السلام-؛ كما قال تعالى: (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ)[الشعراء: 84].
والصدق في العهد: فإذا تبت أو عاهدت الله على شيء، وفيت بما عاهدت الله عليه؛ لأن هذا فرض عليك، ومطلوب منك.
لهذا قال سبحانه في الصادقين الأولين: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)[الأحزاب: 23].
لنستخدمه في طاعة الله.
وإذا صدقت في نيتك حتى والصدق في النية: فتجعل في نيتك دائما فعل الخير بأنواعه المختلفة، ورضا الله، وتتمنى إن آتاك الله خيرا فستستخدمه في طاعة الله.
وإذا صدقت في نيتك، فإن الله سيثيبك على ذلك الجزاء العظيم، حتى لو لم تتمكن من أداء العمل، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من سأل الله -تعالى- الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"[مسلم].
والصدق في الوعد مع الله، ومع الناس مطلوب، ومدح الله إسماعيل -عليه السلام- بهذه الصفة، فقال عنه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً) [مريم: 54].
والصدق في تطبيق الإسلام: أن تطبق الإسلام في نفسك وبيتك وعملك ومجتمعك.
وهذا لا يكون إلا بالتقوى، لذا قرن الله بين الصدق والتقوى، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة: 119].
ويكفي أن نعلم أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذاب النار إلا صدقه: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)[المائدة: 119].
وأما جزاؤهم، فكما قال تعالى: (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رضي الله عنه وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[المائدة: 119].
وقال: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ)[يونس: 2].
وقال: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ)[القمر: 54-55].
هذه حقائق يجب إدراكها، ويجب علينا أن نتعرف عليها، وأن نعيشها، وأن يدخل كل منا في نفسه، وأن يتهم كل منا نفسه، فما لم نتهم أنفسنا، فنحن على خطر عظيم، ولسنا بصادقين في إيماننا؛ لذا قال أحد السلف: "لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره".
إننا نعيش في عصر كل منا فيه يتهم غيره ويظن في نفسه أنه كامل لا عيوب فيه، سبحان الله، كان المسلم يقابل المسلم، فيقول له: يا أخي دلني على عيوبي غفر الله لك.
أما مسلم اليوم، فإنه يمتلئ كبراً وتيهاً وإعجاباً بنفسه، ولا يريد أن يسمع كلمة نصح أو وعظ، ويعتقد أنه لا ينبغي أن ينصح أو يوعظ؛ لأنه أفضل من كل الناس، فهل هذه تصرفات الصادقين حقيقة؟
لذلك نجد كثيرا من المسلمين اليوم منحرفون عن الحق، والغون في الضلال، خاضعون للشيطان، متبعون للهوى والشهوات، وأن زعموا بأنهم خلاف ذلك.
إن حياة الرياء والنفاق والضلال والانحراف، وعدم الصدق مع الله، والتي يعيشها بعض المسلمين اليوم، لهي حياة لا تجلب لهم نصراً، ولا ترفع لهم رأسا، ولا تعطيهم من الله عزاً؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين الصادقين، وليست للكاذبين المنافقين، فهل يغيرون من أحوالهم ونتغير نحن معهم إلى الصدق مع الله قولاً وعملاً، نرجو ذلك؛ لأننا إن فعلنا فسنكسب في الدنيا والآخرة، وصدق الله -سبحانه وتعالى- القائل: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ)[محمد: 21].
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
اللهم صل على من بلغ البلاغ المبين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأرض اللهم عن الخلفاء الأربعة الأئمة البررة؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا، وتقبل منا، وأدخلنا الجنة، ونجنا من النار، وأصلح لنا شأننا كله.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا، وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك، مثنين بها عليك، قابلين لها وأتمها علينا.