الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | محمد أكجيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
أنزله الله رحمةً للعالمين، ومحجةً للسالكين، وحجةً على الخلق أجمعين، ومعجزةً باقية لسيد الأولين والآخرين. أعز الله مكانه، ورفع سلطان، من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين"[رواه مسلم]. سماه الله روحا ورحمة وشفاء وهدى ونورا وفرقاناً وبرهانا. وَكَلَ الله إلى كل أمة حفظ كتابها، أما القرآن العظيم فـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الكريم وآله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الكتاب الذي لا ريب فيه، ولا نقص يطرأ عليه ويعتريه، هو القرآن العظيم، كتاب الله -تعالى-، روح الأمة وحياتها، وعزها وهدايتها، ونبراس حضارتها، أحسن الحديث وأطيبه، وأعظمه وأحكمه.
يخاطب الأمم والناس جميعا، يدعوهم إلى نوره وهدايته، يبصرهم بحججه وبيناته، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا)[النساء:174].
لم يترك صغيرة ولا كبيرة في صلاح الفرد والمجتمع إلا دل عليها، وأرشد الناس إليها، يقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ)[النحل:89].
لا يعلو عن أفهام العامة، ولا يقصر عن مطالب الخاصة، يخاطب العقل ويناجي العاطفة، الأمة بدونه أمة هامدة، لا وزن لها ولا حياة ولا كرامة.
أعظم منن الرحمان، وأكبر عطاءاته لبني الإنسان، يقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[آل عمران:164].
وقال سبحانه: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[العنكبوت:51].
لم يأذن الله بالفرح بشيء مثلما أذن بالفرح بكتابه حيث قال: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58].
إنّه كلامُ الله رب العالمين، أحسن الكتب نظاماً، وأبلغها بياناً، وأفصحها كلاماً، وأبينها حلالاً وحراماً، تحدى العظماء وأفحم البلغاء، وأسكت الشعراء: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت: 42].
أنزله الله رحمةً للعالمين، ومحجةً للسالكين، وحجةً على الخلق أجمعين، ومعجزةً باقية لسيد الأولين والآخرين.
أعز الله مكانه، ورفع سلطانه، من رفعه؛ رفعه الله، ومن وضعه؛ وضعه الله، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين"[رواه مسلم].
سماه الله روحا ورحمة وشفاء وهدى ونورا وفرقاناً وبرهانا.
وَكَلَ الله إلى كل أمة حفظ كتابها، أما القرآن العظيم فتكفل الله بحفظه، حيث قال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9].
تحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو بسورة أو بآية من آياته، فقال تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)[الإسراء: 88].
شد أسماع المشركين إليه، حتى لم يملك زعيمهم أن أعلن إعجابه به قائلا: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق، وإن أعلاه لمثمر، ما يقول هذا بشر"؟!
عجب الجن لسماعه: (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدً)[الجن: 1-2].
ضمن الله ورسوله الهداية والسعادة، والنجاة من الضلالة والشقاوة، لمن تمسك بالقرآن والسنة، فقال تعالى: (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طـه:123].
وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله وسنتي".
ألا وإنه لا سبيل إلى الهداية والسعادة بالقرآن الكريم، إلا بفهمه، ولا سبيل إلى فهمه إلا بتلاوته وتدبره، يقول الله -تعالى-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)[محمد:24]؟!.
تدبر القرآن الكريم؛ هو التأمل لآياته، والتفاعل معها بقصد العظة والادكار، والطاعة والامتثال.
تدبر القرآن الكريم؛ أن يقرأ المسلم الآية من كتاب الله، فينظر إلى موقعها من نفسه، وآثارها على عمله وقلبه.
تدبر القرآن الكريم؛ غاية من غايات إنزاله التي قال الله عنها: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)[ص:29].
مدح الله -تعالى- المتدبرين لكتابه، فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)[الفرقان:73].
وذم من لا يتدبرونه، فقال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد:24].
إن من يتدبر القرآن الكريم حق تدبره، لا تكاد آية منه تسلمه إلى أخرى، من عظيم ما يستشعر فيها من عظمة الله، وعظيم ما يبصر في نفسه من التقصير في حق الله.
فلا عجب أن قام النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة بآيةٍ واحدة يرددها، يردد قول الله -تعالى-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[المائدة:118].
وعلى هذا النهج القويم في تلاوة القرآن الكريم وتدبره ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، إذ خاطبهم يوما فقال: "مالي أراكم سكوتا؟ للجن كانوا أحسن منكم ردا، ما قرأت عليهم من مرة: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ)[الرحمن:13] إلا قالوا: ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد".
عباد الله: إنه ما قل انتفاعنا اليوم بالقرآن الكريم إلا لأننا نمر على الآيات تلو الآيات، والعظات تلو العظات، ولا نفهم معانيها، ولا ندرك حقائقها، وكأن أمرها لا يعنينا، وكأن خطابها لا يناجينا.
نمر على الآيات التي طالما بكى منها الباكون، وخشع لها الخاشعون، والتي لو أنزلت على جبل: (لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)[الحشر: 21].
فلا ترق قلوبنا، ولا تخشع نفوسنا، ولا تدمع عيوننا: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)[الحديد:16].
فها رمضان فرصة لتجديد العهد بالقرآن، وعقد العزم على دوام الصلة به في كل وقت وآن، فما قال الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[البقرة:185].
ولا جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين القرآن وبين والصيام، حيث قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة... "[رواه أحمد وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب (984)].
إلا لنتنبه إلى العلاقة بينهما، وما يحصل من عظيم النفع باقترانهما.
ألا فلنجتهد في تلاوة القرآن الكريم وتدبره، ولنجاهد النفس على امتثال أمره واجتناب نهيه، فذلكم الفلاح والفوز والنجاح.
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
من تدبر القرآن الكريم حق تدبره؛ اقشعر جلده من خشية الله، خوفا من سخطه وعقابه، ثم لان واستكان لذكر الله، طمعا في مغفرته وثوابه: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[الزمر: 23].
من تدبر القرآن الكريم حق تدبره؛ ازداد إيمانه، وقوي توكله على الله ويقينه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[الأنفال: 2] .
من تدبر القرآن الكريم حق تدبره؛ حيي قلبه، واستنار فؤاده، قال تعالى: (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا)[الأنعام: 122].
من تدبر القرآن الكريم حق تدبره، طاب قلبه وقالبه، واستقامت سريرته وعلانيته، ففي الحديث: "مثل الذي يقرأ القرآن؛ كالأترجة طعمها طيب، وريحها طيب".
من تدبر القرآن الكريم حق تدبره؛ بكى من خشية الله، وخر ساجدا لعظمة الله: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[المائدة: 83].
(قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا)[الإسراء: 107-109].
ألا إنه لا سعادة لنا إلا بالقرآن، ولا فلاح لنا إلا بالقرآن، ولا عز لنا إلا بالقرآن، ولا فوز في الدنيا والآخرة إلا بالعودة إلى القرآن، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا*فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)[النساء: 174-175].
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وسائقنا وقائدنا ودليلنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم.
اللهم ذكرنا من القرآن ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل، وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا.
اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه.