البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الربا... حكمه وخطره

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المعاملات
عناصر الخطبة
  1. الوعيد لآكلي الربا .
  2. أهمية الحذر من الربا .
  3. أصناف الربويات الشائعة اليوم .
  4. آثار الربا .

اقتباس

إن كثيرين من الناس اليوم استحلوا الربا بالبيع باسمه وصورته وتحت ستاره، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، وما منهم أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان؛ فليعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً، وإلا فليحذروا النار فإنها موعودة بكل آثم كفّار ..

 

 

 

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، -صلى الله عليه وسلم- وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فيا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بطاعتكم له، وكثرة ذكره تسعدوا، وأكثروا الصدقة في السر والعلانية ترزقوا، وأمروا بالمعروف تُخصبوا، وانهوا عن المنكر تنصروا، ولا يتطاولن عليكم الأمد فتقسُ قلوبكم، ولا يلهينكم الأمل فكل ما هو آت قريب، وإنما البعيد ما ليس بآت، فلا تكونوا ممن خدعته العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال وشيكة الانتقال، بل خذوا الأهبة للنقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، فإن كل امرئ على ما قدَّم قادم، وعلى ما خلّف نادم.

أيها الناس: كان نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- كثيراً ما يذكر الربا في خطبه ومواعظه، محذراً منه، مبيناً خطره، منبهاً على عظم شأنه وسوء عاقبة أهله في العاجلة والآجلة؛ إقامة للحجة، وقطعاً للمعذرة، ونصحاً للعباد، وتذكيراً بسوء حال أَكَلَتِهِ يوم المعاد؛ فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه عدّ أكل الربا من السبع الموبقات -التي توبق أهلها في الإثم، ثم تغمسهم في النار- وقرنه بالشرك بالله والسحر.

وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: " هم في الإثم سواء ".

واللعن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الدعاء بالطرد والإبعاد عن مظان الرحمة؛ فأي عاقل ناصح لنفسه يرضى لنفسه أن تتحقق فيه دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه باللعن؟!

وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى آكل الربا يسبح في نهر من دم كلما أراد الخروج منه رُمِي في فيه بحجر فأبعد.

وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه وقف يوماً على الصيارفة فقال: " أبشروا بالنار ".

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: " أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم، والعاق لوالديه ".

وروي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل ".

وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: " الربا ثلاث وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " وكفى بذلكم -يا عباد الله- زجراً عن الربا، وتنبيهاً على فظاعة التعامل به، وتحذيراً من سوء منقلب آكله، فما أشنعه من معاملة! وما أشأمه من كسب! ولذا روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " شر المكاسب كسب الربا".

أيها المسلمون: ولقد جاءت نصوص القرآن المجيد بوعيد أكلة الربا بضروب العقوبات وألوان الوعيد، وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد. قال -تعالى-: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:275-276].

وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة:278-279]. وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران:130-131].

فأخبر -سبحانه- أن أكلة الربا يقومون يوم القيامة من قبورهم مجانين -أو في هيئة المجانين- يصرعون ويخنقون، وكفى بذلك تنبيهاً على سوء حالهم يوم المعاد، وفضيحة لهم بين العباد على رؤوس الأشهاد. ولما كان أكلة الربا يحاربون الله ورسوله بهذه المعاملة الظالمة الآثمة آذنهم الله بحرب منه ومن رسوله، ومن حاربه الله ورسوله فهو مهزوم مغلوب فأين المدَّكر؟؟ (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) [القمر:45-46].

ولذا توعدهم الله يوم القيامة -إن لم يتوبوا عن الربا وينتهوا- بالنار التي أعدت للكافرين؛ هم أصحابها، وهي صاحبتهم، يلازمونها وتلازمهم ملازمة الغريم لغريمه، فلا فكاك لأحدهما من الآخر في ذلك اليوم الآخر، فهذا جزاؤهم إن جازاهم الله يوم تبلى السرائر، وأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به. فيا ويل آكل الربا يوم حسابه مما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك فصيح خطابه: " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة " فما أعظم الحسرة والندامة!!.

أيها المسلمون: لقد تواطأت السنة مع القرآن في وعيد أكلة الربا؛ لما ارتكبوه من شنيع الإثم وعظيم العدوان، فاحذروا أن تكونوا ممن يشمله هذا الوعيد، فإن عذاب الله شديد. فقد صح في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة من النار يغلي منها دماغه ".

أيها المسلمون: اعلموا أنكم اليوم في زمان ومكان قد فشا فيهما الربا، وأكله كثيرٌ من الناس إيثاراً للحياة الدنيا على الآخرة، فتعامل به، وأكله كثير ممن ينتسب إلى الإسلام، وهم يعلمون أنه كسب حرام، فتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ من المال، أمن الحلال أم من الحرام " .

فيا ويحهم -إن لم يتوبوا- يوم يعرضون لا تخفى منهم خافية، فيسألون عما ارتكبوه في هذه الدنيا الفانية، فلزم الجواب، وزال الارتياب (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92-93].

أيها المسلمون: إن كثيرين من الناس اليوم استحلوا الربا بالبيع باسمه وصورته وتحت ستاره، يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، وما منهم أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان؛ فليعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً، وإلا فليحذروا النار فإنها موعودة بكل آثم كفّار.

أيها المسلمون: إن مما تجري به معاملات الناس اليوم أخذ الزيادة التي يسمونها زوراً وبهتاناً الفائدة؛ يأخذها الدائن من المدين نظير تأجيل الدين من قرض أو ثمن مبيع أو نتيجة تفضيل أحد المبيعين على الآخر مما يجري فيه ربا الفضل: كالذهب بالذهب، وغيره مما فيه علّة الربا، وقد تكون هذه الزيادة مشروطة، وقد تكون متعارفاً عليها كما هو واقع كثير من المعاملات البنكية وغيرها من المعاملات الربوية الشائعة في هذا الزمان والتي اكتوى بنارها كثير من بني الإنسان. من ذلك:

1- الإقراض النقدي من شخص أو مؤسسة مالية لطرف آخر إلى أجل، حيث يفرضون على هذا القرض زيادة تقدر بنسبة مئوية.

2- الفوائد التي تؤخذ مقابل تأجيل الديون الحالة على الأشخاص أو المؤسسات إلى فترة أخرى يرجى أن تتمكن من تسليم ما عليها من التزامات، وتتضاعف هذه الفائدة كلما تأخر التسديد.

فهاتان الصورتان من ربا النسيئة الذي كانت تتعامل به الجاهلية حين نزل القرآن، وجاء بشأنها الوعيد الشديد والتهديد الأكيد، حيث كان أهل الجاهلية يقرضون أو يقترضون الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة تزداد كلما تأخر الوفاء، وكانوا يأخذونها أيضاً مقابل تأجيل الدين الحالِّ إلى أجل آخر، حيث يقول الدائن لمدينه: إما أن تقضي أو تربي.

3- ومن صور الربا المعاصر ما يقوم به بعض الأشخاص أو المؤسسات المالية من تمويل بعض المشروعات العمرانية أو الزراعية أو الصناعية ونحوها بما يلزم لإنشائها من المواد ونحوها بسعر السوق -وقت العقد أو الطلب- على أن يرد صاحب المشروع للممول هذا المبلغ مع زيادة تقدر بنسبة مئوية قد تكون قابلة للزيادة مقابل ذلك.

4- ومن صور الربا –أيضاً- بيع عملات الدول المختلفة عملة بأخرى دون تسليم وقبض المبيعين أو أحدهما في مجلس البيع. وكذلك بيع الذهب بالأوراق النقدية دون قبض.

أيها المسلمون: فهذه الصور من الربا وغيرها كثير مما لا يمكن حصره في هذه الذكرى مما يتعامل بها بعض الناس، وهي ربا صريح، ومنكر قبيح، وكثيرون يجهلون ذلك، وآخرون يعرفون ولكن قتلهم الشح والتهالك، اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، فبئس ما يشترون، قد عرَّضوا أنفسهم لأليم العذاب وشديد العقاب (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) [التوبة:63].

أيها المسلمون: اجتنبوا الربا وكل كسب حرام؛ فإنه يمنع إجابة الدعاء، ويورث الشقاء، ويجلب أنواع البلاء، ويقسي القلوب، ويغريها بالإثم والفحشاء، لا تسمع من صاحبه الدعوات، ولا تقبل منه الصدقات، ولا يبارك له في التجارات، ولا يثاب على النفقات، عليه غرمه ولغيره غُنمه.

فاتقوا الله -يا أهل الإسلام-، واجتنبوا الحرام، واحذروا الآثام، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، ومن استغنى عن شيء أغناه الله عنه، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتق الله يرزقه الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق:2-3]. (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق:4-5].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.