المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | ناصر بن محمد حيده |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المعاملات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الاعتِدَاءُ عَلَى المالِ العَامِّ ذَنبٌ عَظِيمٌ وَجُرمٌ كَبِيرٌ، لا يُبَرِّرُهُ كَثرَةُ المتَخَوِّضِينَ فِيهِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَلا يُجَرِّؤُ عَلَيهِ زَهرَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا التي نَالَهَا بَعضُهُم بِمَالِ المسلِمِينَ، نَجَوا أَو كَادُوا...
الخطبة الأولى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ)، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَكَفَانَا، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَعْطَانَا وَأَوْلَانَا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَا عَرَفَهُ الْعِبَادُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يَقْدُرُوهُ حَقَّ قَدْرِهِ؛ فَكَفَرَ بِهِ مَنْ كَفَرَ، وَعَصَاهُ مَنْ عَصَى، وَقَصَّرَ فِي طَاعَتِهِ مَنْ قَصَّرَ، وَلَوْ عَرَفُوا عَظَمَتَهُ -سُبْحَانَهُ- لَمُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ؛ هَيْبَةً لَهُ وَإِجْلَالًا وَمَحَبَّةً وَتَعْظِيمًا، وَلَوْ عَلِمُوا قُدْرَتَهُ -سُبْحَانَهُ- لَمَا تَعَلَّقَتْ قُلُوبُهُمْ بِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَدْرَكُوا جَزَاءَهُ لَنُصِبَتْ أَرْكَانُهُمْ فِي طَاعَتِهِ، وَلَكِنَّهُ -سُبْحَانَهُ- أَرْحَمُ بِالْعِبَادِ مِنْ رَحْمَةِ وَالِدِيهِمْ بِهِمْ، وَأَرْحَمُ بِهِمْ مَنْ رَحْمَتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ كَثِيرَ التَّفَكُّرِ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَقُدْرَتِهِ وَآلَائِهِ وَنِعْمَتِهِ، فَقَادَهُ ذَلِكَ إِلَى ذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ، وَأَوْصَى أُمَّتَهُ بِذَلِكَ التَّفَكُّرِ لِيَقُودَهُمْ إِلَى الْجِدِّ فِي الطَّاعَةِ، وَمُجَانَبَةِ الْمَعْصِيَةِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ؛ فَإِنَّ شُكْرَهَا يَزِيدُهَا، كَمَا أَنَّ كُفْرَهَا يَسْلُبُهَا (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
أَيُّهَا النَّاس: خَلَقَ اللهُ تَعَالَى الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمِ، وَكَرَّمَهُ عَلَى سَائِرِ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، وَرَزَقَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيْلاً، وَمِنْ تَمَامِ فَضْلِ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ أَنْ أَبَاحَ لَهُمْ إِشْبَاعَ حَاجَاتِ النُّفُوْسِ وَتَلْبِيَةِ مَطَالِبِهَا بِمَا لَا يَتَعَدَّى حُدُوْدَ اللهِ؛ لِيَحْصُلَ الخَيْرُ لَهَا، وَيَنْدَفِعَ كُلُّ شَرٍّ عَنْهَا، وَنَزْعَةُ المرءِ نَحْوَ حُبِّ التَّمَلُّكِ فِطْرَةٌ رَعَاهَا الشَّرْعُ وَهَذَّبَهَا وَارْتَقَى بِهَا؛ فَحِينَ يَعتَبِرُ الإِسلَامُ المالَ ضَرُورَةً لِلحَيَاةِ، لا تَقُومُ إلا بِهِ، شَرَعَ مِنَ التَّوجِيهَاتِ وَالأَوَامِرِ مَا يُشَجِّعُ عَلَى اكتِسَابِهِ وَحِفظِهِ وَتَنمِيَتِهِ وَإِنفَاقِهِ، وَحَذَّرَ أَشَدَّ التَّحذِيرِ مِن وَسَائِلِ تَحصِيلِهِ بِغَيرِ مَا أَحَلَّ وَأَبَاحَ.
أَيُّهَا المؤمِنُونَ: المالُ قِسمَانِ: مَالٌ خَاصٌّ يَملِكُهُ شَخصٌ أَو أَشخَاصٌ يَجوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَصَالَةٍ أَو بِوَكَالَةٍ أَو بِوِلَايَةٍ، وَمَالٌ عَامٌّ مُخَصَّصٌ لِمَصلَحَةِ عُمُومِ المسلِمِينَ وَمَنَافِعِهِم، لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ فِي غَيرِ ذَلِكَ.
وَالمالُ العَامُّ مِلكٌ لِلمُسلِمِينَ، قَد عَرَّضَ نَفسَهُ لِغَضَبِ اللهِ وَسَخَطِهِ مَن اؤتُمِنَ عَلَيهِ فَأَخَذَ مِنهُ أَو تَصَرَّفَ بِشَيءٍ مِنهُ فِي غَيرِ مَصلَحَتِهِم، عَن خَولَةَ الأَنصَارِيَّةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ).
قَالَ شَيخُ الإِسلَامِ ابنُ تَيمِيَةَ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ أُمُورِ المسلِمِينَ فِي الأَموَالِ العَامَّةِ: "وَلَيسَ لِوُلاةِ الأَموَالِ أَن يَقسِمُوهَا بِحَسَبِ أَهوَائِهِم، كَمَا يَقسِمُ المالِكُ مِلكَهُ، فَإِنَّمَا هُم أُمَنَاءُ وَنُوَّابُ وَوكَلَاءُ، لَيسُوا مُلَّاكاً، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي وَاللهِ لا أُعطِي وَلا أَمنَعُ أَحَداً، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيثُ أُمِرتُ"(رَوَاهُ البُخَارِيُّ)، ثُمَّ قَالَ: فَهَذَا رَسُولُ رَبِّ العَالمينَ، قَد أَخبَرَ أَنَّهُ لَيسَ المنعُ وَالعَطَاءُ بِإِرَادَتِهِ وَاختِيَارِهِ، كَمَا يَفعَلُ ذَلِكَ المالِكُ الذي أُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ" ا.ه.
وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَد تَوَعَّدَ مَن أَخَذَ مِنَ المالِ العَامِّ شَيئاً فَقَالَ: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا كَسَبَت وَهُم لا يُظلَمُونَ)؛ حَتَّى مَن قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ في المعرَكَةِ، لَكِنَّهُ غَلَّ مِنَ الغَنِيمَةِ -التي هِيَ مِنَ المالِ العَامِّ- فَلَهُ عُقُوبَةٌ شَدِيدَةٌ حَتَّى وَلَو ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ شَهِيدٌ فَالأَمرُ لَيسَ كَذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "لما كَانَ يَومُ خَيبَرَ أَقبَلَ نَفَرٌ مِنَ صَحَابَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "كَلَّا؛ إِنِّي رَأَيتُهُ في النَّارِ في بُردَةٍ غَلَّهَا أَو عَبَاءَةٍ"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
أَيُّهَا النَّاسُ: تَعَدَّدَت صُوَرُ التَّعَدِّي عَلَى المالِ العَامِّ في وَاقِعِ حَيَاةِ النَّاسِ اليَومَ، جَهلاً مِنهُم أَو عَمداً، وَمِن ذَلِكَ:
الاختِلاسُ بِاستِيلَاءِ الموَظَّفِينَ عَلَى مَا تَحتَ أَيدِيهِم مِن أَموَالٍ، وَتَرسِيَةِ العَطَاءَاتِ وَالمنَاقَصَاتِ عَلَى شَخصٍ بِعَينِهِ مَعَ تَقَدُّمِ غَيرِهِ وَهُوَ أَفضَلُ مِنهُ، وَعَدَمِ إِتقَانِ العَمَلِ وَإِضَاعَةِ الوَقتِ وَالتَّرَبُّحِ مِنَ الوَظِيفَةِ، وَاستِخدَامِ الممتَلَكَاتِ الخَاصَّةِ بِالعَمَلِ استِخدَاماً شَخصِياً، كَالسَّيَّارَةِ وَالأَجهِزَةِ وَالأَدَوَاتِ وَغَيرِهَا دُونَ استِئذَانِ الجِهَةِ المالِكَةِ، وَلِكُلِّ مَن وَقَعَ مِنهُ ذَلِكَ مِنَ الموَظَّفِينَ نُورِدُ هَذِهِ القِصَّةِ التي تَحكِي وَاقِعاً يَعيشُونَهُ حَدَثَت عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَقَدِ استَعمَلَ -أَي: وَظَّفَ- رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِن الأَزدِ يُقَالُ لَهُ: ابنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ -وَمَعَهُ الزَّكَاةُ- قَالَ: هَذَا لَكُم وَهَذَا أُهدِيَ إِلَيَّ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: -فَهَلَّا جَلَسَ في بَيتِ أَبِيهِ أَو بَيتِ أُمِّهِ، فَيَنظُرَ أَيُهدَى لَهُ أَم لَا؟ وَالذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لا يَأخُذُ أَحَدٌ مِنهُ شَيئاً إِلا جَاءَ بِهِ يَومَ القِيَامَةِ يَحمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِن كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَو بَقَرَةً لَها خُوَارٌ، أَو شَاةً تَيعَرُ" ثُمَّ رَفَعَ يَدَهُ حَتَّى رُؤيَ بَيَاضُ إِبِطَيهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ، اللَّهُمَّ هَل بَلَّغتُ ثَلاثاً"؛ لَيسَ بَعِيرٌ وَلا بَقَرَةٌ وَلا شَاةٌ بِمِئَاتِ أَو أُلُوفِ الرِّيَالاتِ بَل هِيَ اليَومَ عَقَارَاتٌ وَمَحَلَّاتٌ وَتِجَارَاتٌ وَخَدَمَاتٌ بِمِئَاتِ الآلافِ أَو مَلايينِ الريالاتِ وَاللهِ لَيُسأَلَنَّ عَنهَا العَبدُ "مِن أَينَ اكتَسَبَهَا؟ " فَليُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَاباً، وَلِلجَوَابِ صَوَاباً. اللَّهُمَّ نَسأَلُكَ تَوبَةً نَصُوحاً.
وَمِن صُوَرِ الاعتِدَاءِ عَلَى المالِ العَامِّ: الاعتِدَاءُ عَلَى الممتَلَكَاتِ العَامَّةِ، كَالحَدَائِقِ وَالمستَشفَيَاتِ وَالمتَنَزَّهَاتِ وَالمدَارِسَ والمسَاجِدَ وَغَيرِهَا بِالعَبَثِ وَالتَّكسِيرِ وَالإِتلافِ وَالتَّلوِيثِ وَالكِتَابَةِ، في صُوَرٍ تَدَعُ الحَلِيمَ حَيرَاناً، حَتَّى يَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّهُ قَد غَشِيَ المكَانَ جَانٌّ أَو حَيَوَانٌ لا إِنسَانَ، واللهُ المستَعَانُ.
أَيُّهَا المسلِمُونَ: سَلَفُنَا الصَّالِحُ نَمَاذِجُ مُشرِقَةٌ في كُلِّ مَيدَانٍ، وَلهم في حِفظِ المالِ العَامِّ وَصِيَانَتِهِ وَتَقوَى اللهِ فِيهِ قَصَصٌ وَحِكَايَاتٌ، مِنهَا مَا جَرَى بَعدَ نَصرِ المسلِمينَ عَلَى الفُرسِ في مَعرَكَةِ القَادِسِيَّةِ، فَقَد دَفَعَ المسلِمُونَ الغَنَائِمَ كُلَّهَا كَامِلَةً غَيرَ مَنقُوصَةٍ إِلَى الخَلِيفَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، فَلَمَّا رَآهَا بَينَ يَدَيهِ بَكَى وَحَمِدَ اللهَ وَقَالَ: "إِنَّ قَوماً أَدَّوا هَذَا لَأُمَنَاءُ" فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "عَفَفتَ فَعَفُّوا، وَلَو رَتَعتَ يَا أَمِيرَ المؤمِنِينَ لَرَتَعَت أُمَّتُكَ".
وَهَذَا عُمَرُ بنُ عَبدِالعَزِيزِ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-، كَانَ يَنظُرُ في أُمُورِ الرَّعِيَّةِ عَلَى ضَوءِ مِصبَاحٍ في بَيتِهِ، فَلَمَّا انتَهَى وَبَدَأَ يَنظُرُ في أُمُورِهِ الخَاصَّةِ، أَطفَأَ المصبَاحَ، حَتَّى لا يَستَعمِلُ مَالَ المسلِمينَ في غَيرِ مَا هُوَ لِعَامَّةِ المسلِمِينَ؛ (أُولَئِكَ الذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِن هُوَ إِلا ذِكرَى لِلعَالمينَ).
بَارَكَ اللهُ لي وَلَكُم في القُرآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكرِ الحَكِيمِ؛ أَقُولُ مَا تَسمَعُونَ وَأَستَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُم وَلِجَمِيعِ المسلِمِينَ، فَاستَغفِرُوهُ وتُوبُوا إِلَيهِ؛ إِنَّهُ غَفُورٌ تَوَّابٌ رَحِيمٌ .
الخطبة الثانية:
الحَمدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالمينَ، المتَفَضِّلِ عَلَى عِبَادِهِ في كُلِّ وَقتٍ وَحِينٍ، مَنَّ عَلَينَا بِالمالِ وَالبَنِينَ، وَجَعَلَ ذَلِكَ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنيَا لِلمُؤمِنِينَ، أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ وَهُوَ البَرُّ الرَحِيمُ، وَأَشهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ، وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
عِبَادَ اللهِ: شَرَعَ اللهُ الأَمرَ بِالمعرُوفِ وَالنَّهيَ عَنِ المنكَرِ قِيَاماً لمصَالِحِ الدُّنيَا وَالدِّينِ، وَإِنَّ مِنهُ الأَخذَ عَلَى أَيدِي المعتَدِينَ عَلَى مَالِ المسلِمِينَ بِنُصحِهِم وَتَخوِيفِهِم بِاللهِ وَتَذكِيرِهِم بِتَقوَى اللهِ، فَإِن لمَ يَكُن ثَمَّةَ أَوبَةٌ وَصَلَاحُ حَالٍ، فَاللهُ يَزَعُ بِالسُّلطَانِ مَا لا يَزَعُ بِالقُرآنِ، فَوَاجِبٌ إِنكَارُ ذَلِكَ بِإِبلَاغِ جِهَاتِ الرَّقَابَةِ وَالمحَاسَبَةِ لِقَطعِ دَابِرِ الشَّرِّ الذي يُهَدِّدُ أَمنَ المجتَمَعِ وَاقتِصَادَهُ، حَتَّى لا تَغرَقَ السَّفِينَةُ بِعَبَثِ بَعضِ ذَوِي الِحسَابَاتِ الشَّخصِيَّةِ وَالأَطمَاعِ الدَّنِيئَةِ .
أَيُّهَا المسلِمُونَ: الاعتِدَاءُ عَلَى المالِ العَامِّ ذَنبٌ عَظِيمٌ وَجُرمٌ كَبِيرٌ، لا يُبَرِّرُهُ كَثرَةُ المتَخَوِّضِينَ فِيهِ بِغَيرِ حَقٍّ، وَلا يُجَرِّؤُ عَلَيهِ زَهرَةُ الحَيَاةِ الدُّنيَا التي نَالَهَا بَعضُهُم بِمَالِ المسلِمِينَ، نَجَوا أَو كَادُوا مِن حِسَابِ الدُّنيَا، فَأَنَّى لَهُمُ النَّجَاةُ مِن حِسَابِ الآخِرَةِ بَينَ يَدَي مَن لا تَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ، مَن يَعلَمُ السِّرَّ وَالنَّجوَى، مَن يُمهِلُ لَكِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ؟! بَل أَنَّى لَهُمُ النَّجَاةُ في الدُّنيَا مِن البَلَايَا وَالرَّزَايَا وَسَلبِ البَركَةِ مِنَ الأَنفُسِ وَالأَهلِ وَالمالِ وَوُقُوعِ الكَوَارِثِ وَالمصَائِبِ وَالمهلِكَاتِ وَالأَحزَانِ وَنَكَدِ العَيشِ مَهمَا بَلَغَتِ الأَرصِدَةُ وَتَطَاوَلَ البُنيَانُ: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (وَمَا ظَلَمنَاهُم وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ).
فَاللَّهُمَّ تُب عَلَى التَّائبِينَ، واغفِر ذُنُوبَ المستَغفِرِينَ، وَرُدَّ الضَّالَّ إِلَيكَ يَا رَبَّ العَالمينَ.
اللَّهُمَّ اكفِنَا بِحَلالِكَ عَن حَرَامِكَ، وَأغنِنَا بِفَضلِكَ عَمَّن سِوَاكَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ.