الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | الحسين أشقرا |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن هذه الدنيا متاع زائل كمائدة شِبعها قصير، وجوعها طويل.. فمن اشتغل بها خسرها وخسر الباقية. وها هو رمضان قد مضى وانصرم وخلف وراءه الناس على أنواع: نوع ظن أن الله لا يُعبد إلا في رمضان، فهجر بيوت الله، وانقطع عن الطاعات ، وانغمس في الأهواء والشهوات، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان !
الخُطبة الأولى:
الحمد لله مقلب الأيام والشهور...
أيها المسلمون والمسلمات!
نسير إلى الآجال في كل لحظة | وأيامنا تطوى وهن مراحــــــــلُ |
ولم أر مــثل الموت حـــقاً كأنـَّــه | إذا ما تخطه الأماني باطــــــــلُ |
وما أقبح التفريط في زمن الصــــبا | فكيف به والشيب للرأس شاملُ |
ترحَّلْ مــن الدنيا بزاد مــن التُّــقى | فعـــمرك أيــام وهُــن قـلائـــــلُ |
فكم من فرصة مضت مع أيام العمر ما لفواتها ثمن! فرصة الشباب حين لا تُغتنم قبل الهرم. وفرصة الصحة حين لا تُغتنم قبل المرض. وفرصة الغنى حين لا تغتنم قبل الفقر. وفرصة الفراغ حين تضيع قبل الشغل.
وأعظم الفرص: فرصة الحياة حين لا تُنتهز قبل الموت.. وإن اغتنام هذه الفرص لا يكون إلا بالبدار إلى الخير والمسارعة إلى البر، وهذا دليل على قوة إرادة المُغتنم لها وعزمه المُوفَّق.
ومن فرح بالبطالة جَبُن عن العمل.. وها نحن وقد حلَّ بنا شهر شوال بعد شهر الغنائم والرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النيران، لنعيش فرصة صيام كصيام الدهر كما جاء في الحديث الشريف: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كمن صام الدهر" والحسنة بعشر أمثالها.
وإن المرء المغرور بالرغبات الصالحة والمجردة عن العمل مغبون، حتى إذا فاته الخير عاتب القدر:
وعاجز الرأي مضياع لفرصتـه | حتى إذا فاته أمر عاتب القدر |
وتمنى دوران عجلة الزمان للوراء بقوله "يا ليتني!! لو فعلت كذا وكذا" ناسيا أو متناسيا أو غافلا أن الخير لا يتم إلا بالجد والعزم ...
وسيُودَعُ كل واحد منا قبره قبل أن يقضي لُبانته وكل رغباته، فيتأسف على ما وجوده أنفع له، فيكون هذا التأسُّف نوع عُقُوبة عاجلة على التفريط (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: 56- 58].
عباد الله ! إن هذه الدنيا متاع زائل كمائدة شِبعها قصير، وجوعها طويل.. فمن اشتغل بها خسرها وخسر الباقية. وها هو رمضان قد مضى وانصرم وخلف وراءه الناس على أنواع: نوع ظن أن الله لا يُعبد إلا في رمضان، فهجر بيوت الله، وانقطع عن الطاعات ، وانغمس في الأهواء والشهوات، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان !
وضرب حمَّلوا أنفسهم ما لا تُطيق ، فأثقلوا عليها فوق ما أراد الله منهم، جاهلين أن الطريق شاق لا يُقطع إلا بالرفق واللطف فكانوا كما وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِين، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ" وقال: "فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا أَرْضًا قَطَعَ، وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى" وقال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنُّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَى تَمَلُّوا، وَكَانَ أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلّ".
أما الصنف الثالث فهم المؤمنون الصادقون المُلهمون، الذين جمعوا بين الخوف الرجاء، والرغبة والرهبة. وتوسطوا واعتدلوا يوم شَذَّ غيرُهُم واغتر، إنهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات عرفوا الطريق، وأنار لهم الله تعالى بصيرتهم على هدى منه ليسلكوا مسالك النجاة، فيعبدون ربهم في كل الشهور، معتبرين رمضان محطة اختصها الله تعالى لزيادة الفضل، ومضاعفة الأجر.
وهم على يقين أن الثوابت من العبادات لا تتغير بعد رمضان: كالصلاة والزكاة والحج وصوم النوافل والصدقات والدعاء وسائر أنواع البر والحسنات، ويبقى الأمر الثابت من الله تعالى هو: ثابت الــتــوبة، قال سبحانه: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31]، ويؤكد ذلك فعل المبعوث رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة" رواه مسلم.
وهكذا أيها المؤمنون، فقد علمتم الآن ما سمعتم، والكيِّسُ العاقل من انتفع بما سمع وعمل بما عمل واستقام كما أُمِر.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وفي كلام سيد الأنبياء والمرسلين ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده ...
عباد الله! لقد كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والصالحون من بعدهم يتنافسون في اغتنام الفرص، فتجدهم يلتمسون الأجور في صيام النوافل زيادة على الست من شوال، كصيام ثلاثة أيام من كل شهر -وهي الأيام البيض-، وصيام الاثنين والخميس، والإنفاق في أبواب الخير، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وبلغ به الأمر أن يتسابقوا في ميادين الجهاد على نبل الشهادة لما علموا بما للشهيد عند الله من درجات.. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لِلشَّهِيدِ سَبْعُ دَرَجَاتٍ، فَأَوَّلُ دَرَجَاتِهِ: أَنْ يَرَى مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَبْلَ خُرُوجِ رُوحِهِ فَيَهُونُ عَلَيْهِ مَا بِهِ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ تَبْرُزَ لَهُ زَوْجَةٌ مِنْ حُورِ الْجَنَّةِ، فَتَقُولُ لَهُ: أَبْشِرْ يَا وَلِيَّ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا عِنْدَ أَهْلِكَ، وَالثَّالِثَةُ: إِذَا خَرَجَتْ نَفْسُهُ جَاءَهُ خَدَمُهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَوُلُّوا غَسْلَهُ وَكَفَنَهُ وَطَيَّبُوهُ مِنْ طِيبِ الْجَنَّةِ، وَالرَّابِعَةُ: أَنْ لَا يَهُونَ عَلَى مُسْلِمٍ خُرُوجُ نَفْسِهِ مِثْلَ مَا يَهُونُ عَلَى الشَّهِيدِ، وَالْخَامِسَةُ: أَنْ يُبْعَثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرُوحُهُ تَنْبَعِثُ مِسْكًا فَيُعْرَفُ الشُّهَدَاءُ بِرَائِحَتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالسَّادِسَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَقْرَبَ مَنْزِلًا مِنْ عَرْشِ الرَّحْمَنِ مِنَ الشُّهَدَاءِ، وَالسَّابِعَةُ: أَنَّ لَهُمْ كُلَّ جُمْعَةٍ زَوَرَةً يَزُورُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَيُحَيَّوْنَ بِتَحِيَّةِ الْكَرَامَةِ وَيُتْحَفُونَ بِتُحَفِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ، فَيُقَالُ: هَؤُلَاءِ زُوَّارُ الرَّحْمَنِ".
فهنيئا للشهداء في غزة هاشم، الصامدة بما أعد الله لهم، ونسأل الله تعالى النصر للمجاهدين ضد المغتصبين من الصهاينة المعتدين، وإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والله يمهل ولا يهمل، فاغتنموا عباد الله فرصة جوف الليل للدعاء فإن سهام الليل لا تخطئ ... (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران: 126].