الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
اعْلَمُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَنَّ طَاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَالَ أَمْرِهِ فَوْزٌ وَنَجَاةٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, وَسَعَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ تَمْلَأُ الْقَلْبَ سُرُورَاً وَعَافِيَةً, وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أَنَّ الْعِبَادَةَ زَادٌ لِلآخِرَةِ وَنَجَاةٌ فِيهَا, لَكِنَّهُ يَجْهَلُ أَنَّ الطَّاعَةَ تُورِثُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا, وَالأُنْسَ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الآخِرَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّين, الْحَمْدُ للهِ الذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِإِتْمَامِ رَمَضَانَ, وَأَعَانَنَا عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ, فَلَهُ الْحَمْدُ أَوَّلاً وَآخِرَاً وَظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً, وَنَسْأَلُهُ الْقَبُولَ وَالْغُفْرَانَ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ, وَاعْمَلُوا لِنَجَاتِكم وَاعْتَبِرُوا بِمَا يَمُرُّ بِكُمْ, فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَيُّ الْقَلْبِ, يَسْتَفِيدُ مِنْ تَجَارِبِهِ فِي الْحَيَاةِ.
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: هَذِهِ وَقَفَاتٌ بِمُنَاسَبَةِ انْتِهَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ:
الْوَقْفَةُ الأُولَى: تَأَمَّلُوا فِي مُرُورِ الأَيَّامِ وَفِي تَعَاقُبِ الدُّهُورِ وَالْأَعْوَام, وَانْظُرُوا فِي تَقَضِّي السَّاعَاتِ, وَتَخَالُفِ الْأَزْمَانِ وَالْأَوْقَاتِ, فَمَا تَبْدَأُ سَنَةٌ حَتَّى تَنْتَهِي, وَمَا يَهِلُّ هِلالُ شهرٍ حَتَّى يَنْقَضِي وَمَا تَطْلُعُ شَمْسُ يَوْمٍ حَتَّى تَغِيبَ, وَهَكَذَا حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ بِخَرابِ الْعَالَمِ وَذَهَابِ الْحَيَاةِ, فَتَذَكَّرُوا بِانْقِضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ نِهَايَةَ الدُّنْيَا وَبِدَايَةَ الآخِرَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 26- 27].
الْوَقْفَةُ الثَّانِيَةُ: التَّعَبُ فِي الْعِبَادَةِ: فَلَا رَيْبَ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَنَّ فِي الصِّيَامِ كُلْفَةً وَمَشَقَّةً وَتَعَبَاً وَنَصَبَاً, جُوعٌ فِي الْبُطُونِ وَظَمَأٌ فِي الْأَكْبَادِ, وَمُجَاهَدَةٌ لِلنَّفْسِ عَلَى تَرْكِ الْمَلَذَّاتِ, وَفَطْمٌ لَهَا عَنْ مُمَارَسَةِ الْمُشْتَهَيَاتِ, وَهَذَا كُلْفَةٌ عَلَى النَّفْسِ وَثِقَلٌ عَلَى الْبَدَنِ, وَلَكِنَّ تَعَبَ الطَّاعَةِ مَخْلُوفٌ بِأَمْرَيْنِ هُمَا: الرَّاحَةُ النَّفْسِيَّةُ, وَالأَمَلُ الْقَلْبِيُّ لِنَوَالِ الأَجْرِ فِي الآخِرَةِ, وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي الصِّيَامِ قَوْلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا, إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ".
فَهَكَذَا سَائِرُ الطَّاعَاتِ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ فِيهَا تَعَبٌ، وَلَكِنَّهُ مَخْلُوفٌ بِأَجْرٍ فِي الآخِرَةِ, وَرَاحَةٌ نَفْسِيَّةٌ فِي الدُّنْيَا.
الْوَقْفَةُ الثَّالِثَةُ: مَعَ لَذَّةِ الْعِبَادَةِ: اعْلَمُوا -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- أَنَّ طَاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَالَ أَمْرِهِ فَوْزٌ وَنَجَاةٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, وَسَعَادَةٌ قَلْبِيَّةٌ تَمْلَأُ الْقَلْبَ سُرُورَاً وَعَافِيَةً, وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أَنَّ الْعِبَادَةَ زَادٌ لِلآخِرَةِ وَنَجَاةٌ فِيهَا, لَكِنَّهُ يَجْهَلُ أَنَّ الطَّاعَةَ تُورِثُ السَّعَادَةَ فِي الدُّنْيَا, وَالأُنْسَ فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ الآخِرَةِ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: "إِنَّ فِي الدُّنْيَا لَجَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ", وَقَالَ آخَرُ: "إِنَّهُ لَتَمُرُّ عَلَى الْقَلْبِ لَحَظَاتٌ يَتَرَاقَصُ طَرَبَاً"! وَقَالَ آخَرُ: "مَسَاكِينُ أَهْلِ الدُّنْيَا خَرَجُوا مِنْهَا وَمَا ذَاقُوا أَحْسَنَ مَا فِيهَا! قِيلَ لَهُ: وَمَا أَحْسَنُ مَا فِيهَا؟ قَالَ: الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ".
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "قاَلَ بَعْضُ مَنْ ذَاقَ هَذِهِ اللَّذَّةَ: "لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ لَجَالَدُونَا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ" وَقَالَ آخَرُ: "إِنَّهُ يَمُرُّ بِالْقَلْبِ أَوْقَاتٌ أَقُولُ فِيهَا: إِنْ كَانَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي مِثْلِ هَذَا إِنَّهُمْ لَفِي عَيْشٍ طَيِّب". وَقَالَ الآخَرُ: "إِنَّ فِي الدُّنْيَا جَنَّةً هِيَ فِي الدُّنْيَا كَالْجَنَّةِ فِي الآخِرَةِ, مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ".
وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هَذِهِ الْجَنَّةِ بَقَوْلِهِ: "إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الْجَنَّةِ فَاْرتَعُوا" قَالُوا: وما رياضُ الجنةِ؟ قال: "حِلَقُ الذِّكْرِ" وقال: "مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ"، وَلاَ تَظُنَّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار: 14- 15] يَخْتَصُّ بِيَوْمِ الْمَعَادِ فَقَطْ! بَلْ هَؤُلاءِ فِي نَعِيمٍ فِي دُورِهِمُ الثَّلاثِ وَهَؤُلاءِ فِي جَحِيمٍ فِي دُورِهِمُ الثَّلاثِ". انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللهُ.
الْوَقْفَةُ الرَّابِعَةُ: الْأَوْرَادُ الْيَوْمِيَّةُ, فَمِمَّا يُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ - بِإِذْنِ اللهِ - وَيُيَسِّرُ الاسْتِمْرَارَ عَلَيْهَا التَّحْدِيدُ وَالتَّنْظِيمُ وَمَعْرِفَةُ مَاذَا يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُنْجِزَ, فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ وَيُلْزِمُ نَفْسَهُ بِقَضَائِهِ.
وَتَأَمَّلُوا فِي أَرْكَانِ الإِسْلَامِ، وَكَيْفَ أَنَّ الشَّرْعَ حَدَّدَهَا وَبَيَّنَهَا, فَخَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ, وَزَكَاةٌ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً, وَصِيَامُ شَهْرٍ وَاحِدٍ كُلَّ سَنَةٍ, وَحَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَاجِبَةٌ فِي الْعُمْرِ, وَلِذَلِكَ يَسْهُلُ أَدَاؤُهَا وَالْتِزَامُ الإِنْسَانِ بِهَا وَلا تَشَقُّ عَلَيْهِ!
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: يَنْبَغِي لَنَا إِذَنْ, أَنْ نَتَعَاهَدَ أَنْفُسَنَا بِأَوْرَادٍ مِنَ النَّوَافِلِ نَسِيرُ عَلَيْهَا وَنَتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ, وَنَكْتَسِبُ بِهَا الْحَسَنَاتِ, وَيُكَفِّرُ اللهُ بِهَا عَنَّا السَّيِّئَاتِ.
فَمِنْ ذَلِكَ: صِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ, وَرَكْعَتَانِ مِنَ الضُّحَى, وَالْوِتْرُ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ قَبْلَ أَنْ تَنَامَ إِنْ خِفْتَ أَنْ لا تَقُومَ آخِرَ اللَّيْلِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: وِرْدُ الْقُرْآنِ الْيَوْمِيُّ فَتَقْرَأُ جَزْءَاً يَوْمِيَّاً بِحَيْثُ تَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةً, وَأَلْزِمْ نَفْسَكَ وَكُنْ مَعَهَا حَازِمَاً لِئَلَّا تَضِيعَ عَلَيْكَ الْأَوْقَاتُ وَتَتَصَرَّمَ عَلَيْكَ الآنَاءُ وَالسَّاعَاتُ, وَسَوْفَ تَجِدُ نَفْسَكَ اسْتَفَدْتَ أَعْظَمَ الْفَائِدَةِ بِإِذْنِ اللهِ.
وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- لَهُمْ أَوْرَادٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ, فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوودَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ – وَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَفِيهِ – وكَانَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا... وكَانَتْ لَيْلَةً أَبْطَأَ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ فَقُلْنَا: لَقَدْ أَبْطَأْتَ عَنَّا اللَّيْلَةَ قَالَ: "إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ جُزْئِي مِنْ الْقُرْآنِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجِيءَ حَتَّى أُتِمَّهُ".
قَالَ أَوْسٌ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ قَالُوا ثَلَاثٌ، وَخَمْسٌ، وَسَبْعٌ وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ عَنْهُ ابْنُ كَثِيرٍ: إِسْنَادُهُ جَيَّدٌ.
فَتَأَمَّلْ هَذَا! فَرَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ وردٌ, وَأَصْحَابُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ لَهُمْ أَوْرَادٌ, فَهَلَّا اقْتَدَيْنَا بِهِمْ, وَأَرْشَدْنَا غَيْرَنَا بِذَلِكَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَالإِخْوَةُ وَالأَخَوَاتِ؟ فَإِنَّ "مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَالْوَقْفَةُ الْخَامِسَةُ: الْحَذَرُ مِنَ مَعَاصِي بَعْدَ رَمَضَانَ: بَعْضُ النَّاسُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ حِينَ امْتَنَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي رَمَضَانَ, يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مَا فَاتَ, فَيَرْتَكِبُ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ, ثُمَّ يُوجِدُ الْأَعْذَارَ لِنَفْسِهِ وَالتَّبْرِيرَاتِ, حَتَّى تَوَلَّدَ عِنْدَ الْبَعْضِ الشَّعُورُ بِأَنَّ ارْتِكَابِ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ فِي الْعِيدِ أَمْرٌ يُتَسَاهَلُ فِيهِ, ثُمَّ إِذَا نُوصِحَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ تَعَجَّبَ وَتَذَمَّرَ وَقَالَ: إِنَّ الأَيَّامَ أَيَّامُ عِيدٍ وَفَرَحٍ فَلا تُشَدِّدْ عَلَى النَّاسِ، وَحَالَهُ (كَالتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْد قُوَةٍ أَنْكَاثاً) [النحل: 92].
فَاعْلَمْ يَا أَخِي الْمُسْلِمَ: أَنَّ رَبَّ رَمَضَانَ هُوَ رَبُّ شَوَّالٍ وَذِي الْقَعْدَةِ وَسَائِرِ الشُّهُورِ وَبِئْسَ الْقَوْمُ لا يَعْرِفُونَ اللهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ, وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ قُلُوبَنَا بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّ قُلُوبَنَا مِنْ الْخَطَايَا كَمَّا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكَسَلِ وَالْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّرِّ كُلِّهِ: عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ.
اللَّهُمِّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا, وَوُلَاةَ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ, وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.