الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحياة الآخرة |
إِنَّ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوَى وَذَلِكَ فِعْلُ أَوَامِرِ اللهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيه! فَنُفْرِدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، وَنُقِرُّ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَنَا وَلِلْعَالَمِينَ أَجْمَعْين, وَنَعْلَمُ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ الرَّازِقُ، وَنُقِرُّ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِهِ وَفِي صَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا وَرَدَتْ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِاللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ التِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَجَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ!
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ، تَوَحَّدَ بِالدَّيْمُومَةِ وَالبَقَاء، وَتَفَرَّدَ بِالعِزَّةِ وَالكِبْرِيَاء، وَطَوَّقَ عِبَادَهُ بِطَوْقِ الفَنَاء، وَفَرَّقَهُمْ بِمَا كَتَبَ عَلَيْهِمْ مِن السَّعَادَةِ أَو الشَّقَاء، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ عَنْ قَرِيبٍ مُغَادِرُون، وَلِلْأَهْلِ وَالأَصْحَابِ مُفَارِقُون، أَيُّهَا الْمُسْلِمُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ: تَأَمَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ الْعَظِيمَ، وَانْظُرْ مَعَ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ تَكُونُ أَنْتَ، وَأَنْقِذْ نَفْسَكَ مَا دُمْتَ فِي دَارِ الْمُهْلَةِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ فِي دَارِ النُّقْلَةِ.
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، وَفِي يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: "اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ" مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا.
ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلائِكَةٌ مِنْ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ -عليه السلام- حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِيِّ السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلا يَمُرُّونَ - يَعْنِي بِهَا - عَلَى مَلأ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلانُ بْنُ فُلانٍ! بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى.
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ! فَيَقُولان لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الإسلامُ! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقُولانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ.
وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ! فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ! فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي.
وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مِنْ السَّمَاءِ مَلائِكَةٌ سُودُ الْوُجُوهِ مَعَهُمُ الْمَسُوحُ، فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ اخْرُجِي إِلَى سَخَطٍ مِنْ اللَّهِ وَغَضَبٍ! فَتُفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ، فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السُّفُّودُ مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ! فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ! فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلا يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأ مِنْ الْمَلائِكَةِ إِلا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا! حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ فَلا يُفْتَحُ لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) [الأعراف: 40].
فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ فِي الأرْضِ السُّفْلَى! فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا، ثُمَّ قَرَأَ (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج: 31] فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لا أَدْرِي! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لا أَدْرِي! فَيَقُولانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لا أَدْرِي! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا! وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاعُهُ -وفي رواية: ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا! قَالَ: فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصِيرُ تُرَابًا-.
وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ، قَبِيحُ الثِّيَابِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوؤُكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ! فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالشَّرِّ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ! فَيَقُولُ: رَبِّ لا تُقِمِ السَّاعَةَ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوودَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: هَكَذَا سَوْفَ تَكُونَ الْمُغَادَرَةُ مِن الدُّنْيَا عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، فَمِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ تَكُونُ أَنْت؟!
أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ اَلشَّيْطَانِ اَلرَّجِيمِ: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِين، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ الأَمِين وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَسَوْفَ يُحَاسِبُكُمْ وَاحِدَاً وَاحِدَاً فَفَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[الانشقاق: 6].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللهِ تَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوَى وَذَلِكَ فِعْلُ أَوَامِرِ اللهِ وَاجْتِنَابُ نَوَاهِيه!
فَنُفْرِدُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعِبَادَةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ، وَنُقِرُّ بِرُبُوبِيَّتِهِ لَنَا وَلِلْعَالَمِينَ أَجْمَعْين, وَنَعْلَمُ أَنَّهُ الْوَاحِدُ الْخَالِقُ الْمَالِكُ الْمُدَبِّرُ الرَّازِقُ، وَنُقِرُّ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِهِ وَفِي صَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَمَا وَرَدَتْ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِاللهِ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ التِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَجَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ!
ثُمَّ نَحْذَرُ الشِّرْكَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ صَغِيرِهِ وَكَبِيرِهِ، وَنَبْقَى عَلَى خَوْفٍ وَوَجَلٍ مِنْهُ وَلا نَأْمَنُ أَنْفُسَنَا أَنْ نَقَعَ فِيهِ، فَكَمْ قَارَفَ الشِّرْكَ مِنْ أُنَاسٍ بِسَبَبِ غَفْلَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ!
وَنَحْذَرُ أَشَدَّ الْحَذَرِ مِن الْبِدْعَةِ فَهِيَ خَرَابٌ لِدِينِ الإنْسَانِ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي نَجَاةٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الإخْوَةُ: الصَّلاةَ! الصَّلاةَ! فَهِيَ الرُّكْنُ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الإسْلامِ وَأَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَنْهُ الْعَبْدُ مِنْ عَمَلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَحَبُّ الأعْمَالُ إِلَى اللهِ الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الألْبَانِيُّ).
اللَّهُمَّ ألْهِمْنا رُشْدنا وأعِذْنا مِنْ شَرور أنَفُسِنَا، اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنَا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنَا، وتَوَفَّنَا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنَا، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْخَشْيَةَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةَ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَالْقَصْدَ فِي الْغِنَي وَالْفَقْرِ، وَنَسْأَلُكَ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنَسْأَلُكَ شَوْقًا إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِين، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِنا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا وَأَصْلِحْ لِنا دُنْيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لِنا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِنا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الْغَلا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلازِلِ وَالْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن،رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبَهِ أَجْمَعِينَ, والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!