الآخر
(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحج |
لقد كان الناس فيما مضى يعانون من الوصول إلى البيت أنواع الكلفة والمشقات، يعانون كثرة النفقات المالية، والمشقة البدنية، وتحمل الأخطار. أما اليوم -ولله الحمد- فقد أصبح الأمر يـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكمل لهذه الأمة شرائع الإسلام، وفرض على المستطيع منهم حج بيته الحرام، ورتب عليه جزيل الفضل والإنعام، فمن حج البيت، ولم يرفث، ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه نقيا من الذنوب والآثام، وذلك هو الحج المبرور ليس جزاء إلا الفوز بالجنة دار السلام أحمده، وأشكره.
وأشهد أن لا إله إلا الله هو الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وعلى التابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله، واحمدوا ربكم أن أكمل لكم الدين، وأتم عليكم النعمة، ويسر لكم سبل الخيرات، حتى أصبحت في متناول أيديكم من غير كلفة، فلقد كان الناس فيما مضى يعانون من الوصول إلى البيت أنواع الكلفة والمشقات، يعانون كثرة النفقات المالية والمشقة البدنية، وتحمل الأخطار.
أما اليوم -ولله الحمد- فقد أصبح الأمر يسيرا، ويسر الله بنعمته وفضله ما كان عسيرا، فأصبحتم تصلون إلى البيت الحرام بكل سهولة نفقات يسيرة، ومراكب مريحة، وأمن وافر، وطمأنينة كاملة، وعيش رغد.
فاشكروا الله -أيها المسلمون-: على هذه النعمة، واغتنموها، وانتهزوا فرص الخيرات، وابتدروها، وأدوا ما فرض الله عليكم من الحج، وتزودوا من التطوع به، فإن التطوع تكمل به الفريضة.
واعلموا أن الله فرض الحج على المسلم، إذا تمت فيه شروط أربعة:
الأول: أن يكون بالغا، فأما الذي لم يبلغ، فإنه لا يجب عليه الحج، ولكن إذا حج، فله أجره، وإذا بلغ حج فريضة الإسلام، وإذا سافرتم بالصغار إلى الحج، فأنتم بالخيار إن شئتم، فحججوهم، وإن شئتم، فاتركوهم، وإذا حججتموهم، فلهم أجر الحج، ولكم أجر المعونة.
والسبب الشرط الثاني: أن يكون عاقلا، فأما المجنون الذي لا يعقل، فلا حج عليه إلا أن يكون عاقلا بعد بلوغه، ووجب عليه الحج، ثم حصل له الجنون بعد ذلك.
الشرط الثالث: أن يكون حرا، فأما العبد الرقيق الذي يباع، ويشترى، فلا حج عليه.
الشرط الرابع: أن يكون مستطيعا بماله، وبدنه، فمن لم يكن مستطيعا بماله، وهو الفقير، فلا حج عليه؛ لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97].
وإذا كان على الإنسان دين، فإنه يقضي دينه، ثم يحج؛ لأن براءة الذمة أهم.
وإذا كان الإنسان عاجزا عن الحج بنفسه، وعنده مال، فإن كان عجزا مستمرا لا يرجى زواله، فلينوب من يحج عنه مثل الكبير الذي لا يستطيع بنفسه، والمريض مرضا لا يرجى برؤه، وإن كان يرجى زوال عجزه، فإنه لا ينيب، بل يصبر حتى يزول العجز، ثم يؤدي الفريضة بنفسه.
ومن الاستطاعة: أن يكون للمرأة محرم، فأما المرآة التي لا محرم لها، فإنه لا يجب عليها الحج، ولا يجوز لها أن تسافر بلا محرم، فإن سافرت بلا محرم، فهي في إثم ومعصية لله ولرسوله من حين تخرج من بلدها حتى يرجع إليه، فلتمكث في بيتها حتى ييسر الله لها محرما، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب، يقول: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة، إلا مع ذي محرم" فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- :"انطلق، فحج مع امرأتك"[البخاري (2844) مسلم (1341) ابن ماجة (2900) أحمد (1/222)].
والمحرم، هو: زوجها، وكل من تحرم عليمه تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة مثل الأب والجد والابن والأخ وابن الأخت والعم والخال من نسب أو رضاع، ومثل أبي الزوج، وإن علا وابنه، وإن نزل، وزوج البنت، وإن نزلت، وزوج الأم، وإن علت لكن زوج الأم لا يكون محرما لبنتها حتى يطأ الأم.
فكل هؤلاء محارم للمرأة.
والحكمة في وجوب استصحاب المحرم: حفظ المرأة، وصيانتها.
وأما قول بعض العوام: إن ذلك من أجل أن يفكك حزائمها لو ماتت، فهو غير صحيح؛ لأن كل أحد يجوز أن يفكك حزائم المرأة، إذا ماتت سواء كان محرما لها، أو غير محرم، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس على قبر ابنته، وهي تدفن، وعيناه تدمعان، فأمر أبا طلحة أن ينزل في قبرها، فنزل والرسول -صلى الله عليه وسلم- حاضر زوجها وعثمان -رضي الله عنه- حاضر.
أيها الناس: لقد شاع عند كثير من العوام: أن الإنسان إذا لم يتمم له، أي: يعق عنه، فإنه لا يحج.
والواقع أنه لا علاقة بين الحج، وبين التميمة، فالإنسان إذا حج، فله حجه سواء تمم له، أو ما تمم له.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 96 - 97].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم | الخ |