المتعالي
كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
.. فمتى يعي الناس حقيقة هؤلاء الصهاينة العرب، الذين فُرضوا على الأمة بالقهر والقوة في إرهاب فكري أُحادي؟ ومتى يعلم الناس أن مِن أعظم أسباب خذلان المسلمين في هذا العصر، هو إمساك جوقة المنافقين في دول أهل الإسلام منابرَ الإعلام؛ لينفثوا سمومهم على الناس، ويبثوا فيهم روح الانهزام والتبعية التي تشربوها من أسيادهم، حتى ثملوا منها؟ ..
الحمد لله اللطيف الخبير، كاشف الضراء، ورافع البلاء، نحمده فهو أهل الحمد، ونشكره فهو أحق بالشكر، لا يقضي لعباده قضاء إلا كان خيرًا لهم، فمَن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، (لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: 2].
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، هداه الله -تعالى- وهدى به، وابتلاه وابتلى به، فأرسله للناس مبشرًا بدينه ورضوانه وجنته، ومحذرًا مما يكون سببًا في غضبه ونقمته؛ (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجَحِيمِ) [البقرة: 119]، فبشَّر وأنذر، ونصح الأمة وأعذر، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- والزموا طاعته، واحذروا معصيته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ) [الحشر: 18 - 19].
أيها الناس: في المحن والأزمات يظهر الرجال من أشباههم، وحين يتكالب الأعداء على أهل الإسلام، يَبِين المؤمنون من المنافقين، ويتميز الثابتون على دينهم، من الناكصين على أعقابهم.
إن المحن والابتلاءات تفضح الأنانيين، الذين يقدمون ذواتهم على أمتهم، ويضحون بقضاياهم في سبيل مصالحهم، ويمالئون أعداء الأمة على إخوانهم، في صفاقة متناهية، ورقاعة غير مبالية، وعداء سافر، ونفاق ظاهر.
إن من أعظم أسباب الخذلان والخسران، والذل والهوان، التي أودت بالأمة المسلمة عبر تاريخها الطويل - ثقةَ كبرائها في المنافقين، واطمئنانَهم إليهم، وإدناءَهم لاستشارتهم، وتقريبَهم وتوليتَهم، واتخاذَهم بطانة من دون المؤمنين، وتسليمَهم قضايا الأمة ومصالحها؛ ليعملوا عملهم في خيانتها وهدمها، وتمكين أعدائها منها.
وما خُذلت الأمة في القديم والحديث، حتى ضاع مجدها، وأفل نجمها، واضمحلتْ سيادتها، وامتُهنت كرامتها، وفَقدتْ كثيرًا من أراضيها وثرواتها - إلا على أيدي المنافقين، الذين يظهرون خلاف ما يبطنون، ويُبدُون النُّصح وهم يخونون..
بهم ضاعتْ ممالك الأندلس، وعلى أيديهم سقطت خلافة بني العباس في أيدي التتر، حتى جيء بآخر الخلفاء العباسيين، فألقي تحت أقدام هولاكو وجنده، يرفسونه ويدوسونه حتى مات ..
وبالمنافقين العُبيديين، سقط بيتُ المقدس في براثن الصليبيين، وبالمنافقين سقطت دولة بني عثمان، ومُزِّقت دولة الإسلام العظيمة إلى دول مجزَّأة، ترزح تحت الاستعمار النصراني، فيما عرف باتفاقية (سايكس -بيكو).
بالمنافقين امتطى الأعداء دولَ الإسلام دولة دولة، ومزقوها شر ممزق، وحاولوا تحريف دينها، وأفسدوا مناهجها، وقضوا على أوقافها، وحرَّشوا بينها.
بالمنافقين انتُهكت سيادة الأمة واستقلاليتها، وأضحتْ عالة على غيرها، لقد أضعفوها بعد القوة، وأذلوها بعد العزة، وأفقروها بعد الجدة، وأكثر الفقر والعوز في الأرض مرتكز في دول أهل الإسلام، برغم امتلاكهم أكثرَ الثروات.
وكل احتلال لأراضي المسلمين في عصرنا هذا -بدءًا من فِلَسْطين، فكشمير، فأفغانستان، فالشيشان، فالصومال، وانتهاء بالعراق- كانت كتائب المنافقين في مقدمة جيوش المستعمرين، تدل على العورات، وتُرَوِّج للاحتلال، وتُخَذِّل في الناس.
إن مَن نظر إلى سيرة المنافقين مع هذه الأمة، واستقرأ أفعالهم فيها - علم لماذا جاءت آيات القرآن تحذر المؤمنين من المنافقين، أشدَّ من تحذيرها من المشركين؟
وفي مطلع سورة البقرة آيتان فقط عن الكافرين، وثلاث عشرة آية عن المنافقين، وصفهم الله -تعالى- فيها بأنهم مرضى القلوب، مخادعون، مستهزئون، يدَّعون الإصلاح وهم مفسدون، ولا يعدو حالهم في زمننا هذا الوصف الدقيق الذي أُنزل من عند الله -تبارك وتعالى- قبل أربعة عشر قرنًا وزيادة.
وأكثر الآيات القرآنية التي حذَّرتْ من المنافقين، وبيَّنت أوصافهم القبيحة، وذَكرت خياناتِهم المتكررةَ للأمة - جاءت في سياق الحروب والأزمات والغزوات، فهي وقت عمل المنافقين وإرجافهم.. وفي أُحد دُعوا للقتال، فقالوا: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ) [آل عمران: 167]، ثم لما ابتلى الله -تعالى- المؤمنين بالقتل، كانت مواساة المنافقين للمؤمنين لا تخرج عن الشماتة والتشفِّي، فقالوا: (لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) [آل عمران: 156].
وفي غزوة الخندق دُعوا للدفاع عن المدينة، فقال فريق منهم: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) [الأحزاب: 13]، وقال آخرون: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) [الأحزاب: 13]، ففضحهم الله -تعالى- فقال -سبحانه-: (وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب: 13]، وكانوا يقولون: (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12].
وفي سورة براءة فضحهم الله -تعالى- وبيَّن خيانتهم للمؤمنين في غزوة تبوك، وقال في القاعدين منهم: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) [التوبة: 47].
ولذلك حذَّر الله -تعالى- المؤمنين من المنافقين، أكثرَ مما حذرهم من الكافرين، ونهاهم عن اتخاذهم بطانة، وكان هذا النهي في إثر أول خيانة للمنافقين في غزوة أُحد، بعد أقل من عام واحد على ظهور النفاق في هذه الأمة؛ مما يدل على عظيم خطر المنافقين، وفداحة جرمهم؛ يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران: 118 - 120].
فذَكَر الله -تعالى- في هذه الآيات الكريمة عشرة أوصاف لهم، تزجر مَن يعي القرآن ويعمل به أن يتخذَ المنافقين بطانة له، ومن هذه الأوصاف:
أنهم جادون في أذية المؤمنين والنيل منهم (لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا)، حريصون على عنتهم وضررهم (وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ)، قد فاضت قلوبهم بالحقد والضغينة على المؤمنين، حتى فلتت ببعضه ألسنتهم (قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)، وبلغ من غيظهم أنهم عضوا بسببه أناملهم مما يجدون في قلوبهم (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ)، وهذه البغضاء التي بدت منهم هي أقل مما في قلوبهم السوداء (وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)، وهم يقابلون وفاء المؤمنين لهم بالخيانة، ومحبتهم لهم بالبغضاء والكراهية (هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ)، والكذبُ والمخادعة صفتهم الملازمة لهم؛ إذ عليها بُني نفاقهم (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا)، يحسدون المؤمنين على أي خير أو نصر يتحقق لهم، فينفونه أو يقللون من شأنه (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ)، وفي مقابل ذلك يفرحون بأية مصيبة تنزل بالمؤمنين، فيلومونهم ويشمتون بهم، ويتبرؤون منهم (وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا)، وهم أهل مكر كبير، وكيد عظيم بأهل الإسلام (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) [آل عمران: 120].
وكل هذه الأوصاف العشرة، التي ذَكَرَهَا الله -تعالى- عن منافقي غزوة أُحد - ملازمةٌ للمنافقين في كل زمان ومكان؛ ولذلك قال الله -تعالى- محذرًا عبادَه المؤمنين في هذه الآيات العظيمة الكاشفة للمنافقين: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)، فالثقة في المنافقين، والاطمئنان إليهم، واتخاذهم بطانة - ليس من العقل في شيء، كما دلَّ على ذلك القرآن الكريم؛ فمَن وثق بهم، واتَّخَذَهُم له بطانة كان مخذولاً مهزومًا؛ إذ إنهم من أهم أسباب الخذلان، وما أُصيبتْ أمةُ الإسلام بشيء كما أصيبتْ بهم.
وقد رأينا هذه الأوصاف التي ذكرها الله -تعالى- للمنافقين في منافقي زمننا هذا، وتجلى ذلك أكثر في الأزمات والحروب التي سعرها اليهود والنصارى في العقدين الأخيرين ضد المسلمين، وبدا ذلك واضحًا كلَّ الوضوح قبل أيام، في معركة غزة من بدايتها إلى نهايتها؛ إذ وقفوا مع الصهاينة بأقوالهم، وأقلامهم، وأفعالهم في بداية عدوانهم على المستضعفين؛ يعتذرون لهم، ويسوغون جرائمهم، ويجلدون ضحاياهم، ولم يزعجهم قتلُ النساء والأطفال، وتمزيقُ الأشلاء، وهدْمُ المساجد والدور، فلما خُذل الصهاينة وانهزموا، ورجعوا مقهورين مذلولين، تحركتْ عواطف صهاينة العرب المنافقين على الأطفال والنساء، فذرفوا دموع التماسيح، وصوروا للناس أنَّ المجاهدين الدافعين للصائل المعتدي هم السبب في قتْل هؤلاء المستضعفين، وكأنهم القتلة، وليس إخوانهم صهاينة أهل الكتاب، فأعادوا علينا ما قال إخوانهم في أُحد: (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) [آل عمران: 168]، حسبهم الله بما قالوا، وما كتبوا، وما فعلوا، وأخزاهم بما كسبوا، وأراح المسلمين من شرهم وكيدهم؛ إنه سميع قريب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا، كثيرًا، مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
أيها المسلمون: مَن تأمَّل كتاب الله -تعالى- في المنافقين وأوصافهم، ونظر إلى أفعالِهم بالمسلمين عبر التاريخ، ثم التفت إلى مواقفهم مع قضايا المسلمين في هذا العصر - عَلِم لِمَ أبدى الله -تعالى- فيهم في القرآن وأعاد، وكرر القول فيهم، وذكر أوصافهم، وأكثر التحذير منهم؟
يقول الله -تعالى- عن موقف المنافقين في غزوة بني النضير: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) [الحشر: 11].
ونرى هذا الموقف عينه من منافقي عصرنا مع صهاينة أهل الكتاب، حتى فاقوهم في الإخلاص لهم، والدفاع عنهم، وتسويغ أفعالهم، فكانوا صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم، وهذا ما عَجِب منه صهاينة أهل الكتاب، حتى إن وزيرة خارجية دولة اليهود أمرتْ بأن تُنشر مقالات صهاينة العرب الموافقة للصهاينة في مذابحهم على الموقع الرسمي لوزارتها، في سابقة لم تُعهد من قبل، وعللت ذلك بقولها: "إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي، وأفضل مَن يوصل وجهة النظر الإسرائيلية إلى الشارع العربي"، وتُرجم مقالٌ لأحد صهاينة العرب إلى العبرية، فقرئ على رئيس وزراء اليهود، فقام اليهودي عن كرسيه مبتهجًا، ورفع يديه منتشيًا، يقترح ترشيح هذا الكاتب العربي لأعلى وسام في إسرائيل، ووصفه بأنه أكثر صهيونية من هرتزل.
والمقال كان تأييدًا للصهاينة في سحق أهل غزة، وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وكثير من كُتَّاب اليهود يقصرون عن الوصول إلى هذا المستوى الدموي المتوحش، الذي وصل إليه الصهاينة العرب؛ ولذلك كان وتر صهاينة العرب بهزيمة الجيش اليهودي أعظمَ مِن وتر اليهود أنفسهم، ففقدوا بها صوابهم، وأعلنوا للمسلمين عداءهم، وتخبطوا تخبطًا كبيرًا (قَدْ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) [آل عمران: 118].
لقد كان اليهود -وما يزالون- يقولون: إن حروبهم دينية، دعتْهم إليها التوراةُ، وكان المنافقون -وما يزالون- يقولون: إنها حروب دنيوية، لا علاقة للدين بها؛ خوفًا من إحياء الشعور الديني لدى المسلمين، فيهزمون بحقهم باطل غيرهم.
ولما خسر اليهود حربهم الأخيرة، اعترف عدد مِن قادتهم بهزيمتهم، وعدَّها المفكرون منهم هزيمة إستراتيجية، لن ينتصر اليهود بعدها أبدًا، وستجترئ بعدها الشعوبُ المقهورة المغلوبة على دولة الصهاينة، لكن المنافقين مِن بين كلِّ البشر جعلوه نصرًا مؤزرًا لليهود.
فمتى يعي الناس حقيقة هؤلاء الصهاينة العرب، الذين فُرضوا على الأمة بالقهر والقوة في إرهاب فكري أُحادي؟ ومتى يعلم الناس أن مِن أعظم أسباب خذلان المسلمين في هذا العصر، هو إمساك جوقة المنافقين في دول أهل الإسلام منابرَ الإعلام؛ لينفثوا سمومهم على الناس، ويبثوا فيهم روح الانهزام والتبعية التي تشربوها من أسيادهم، حتى ثملوا منها؟ وإلى متى يُتخذ هؤلاء المفلسون، المفسدون، المنحرفون بطانةً يُستشارون؟ وهم الذين أضاعوا الأمة من قبلُ بالشعارات الجاهلية القوميَّة، قبل أن يَتَحَوَّلوا إلى عملاء للصِّهيونيَّة والإمبريالية، حتى صاروا صهاينة أكثر من أربابها، ينافحون عنهم، ويجادلون غيرهم فيهم، ويخونون الأمة لأجلهم، (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) [التوبة: 56، 57].
ثم صلوا وسلموا على نبيكم...