البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

ليست وهابية بل سلفية

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. قصة عجيبة حول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .
  2. حملات إعلامية شرسة ضد دعوة التوحيد على مر العصور .
  3. عداء كثير من البشر للأنبياء والمصلحين .
  4. ذكر شيء من قصة حياة الشيخ وبذله في سبيل دعوة التوحيد .
  5. ماذا ينقمون على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟! .

اقتباس

هاهي كُتبُ الشَّيخِ منثورةٌ .. وها هي أقوالهُ فيها مسطورةٌ .. فأينَ ما تنقمونَ عليه؟ .. وأينَ ما تطعنونَ فيه؟ .. وأينَ ما خالفَ فيه كِتابَ اللهِ تعالى أو سُنَّةَ نبيَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ .. أو أنه قد جاءَ بدعوةِ التَّوحيدِ التي يُعاديها كلُّ مُبتدعٍ، ويُحاربُها كلُّ صاحبِ هوى، ويُنكرُها كلُّ من تعلَّقَ قلبُه بالتمائمِ والمُشعوذينَ وأصحابِ القُبورِ؟!

الخطبة الأولى:

إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلهِ وأصحابِه أجمعينَ.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

جاءَ في المجلدِ الأولِ لفتاوى الشَّيخِ العلَّامةِ محمدِ بنِ إبراهيمَ آلِ الشَّيخِ مُفتي الدِّيارِ السُّعوديةِ في عصرِه -رحمةُ اللهِ عليه- أنه قالَ: حدَّثنا عبدُ الرَّحمنِ البَكريُّ النَّجديُّ -وهو من طُلابِ العلمِ التُّجارِ الذين يذهبونَ إلى الهندِ للتَّكسبِ وربما مَكثَ هناكَ الأشهرَ- قالَ: كُنتُ بجوارِ مسجدٍ في الهندِ، وكانَ في هذا المسجدِ عالِمٌ كلما فرغَ من تَدريسِه رفعَ يديه ولعنَ الشَّيخَ محمدَ بنَ عبدِ الوهابِ، وإذا خَرجَ من المسجدِ مرَّ بي، وقالَ: "أنا أُجيدُ العربيَّةَ، لكن أُحبُ أن أسمعَها من أهلِها".. ويشربُ من عندي ماءً بارداً، فأهمَّني ما يفعلُ في درسِه من سَبِّ الشَّيخِ ..

قالَ: فاحْتَلْتُ عليه بأن دَعوتَه، وأخذتُ كتابَ التَّوحيدِ للشَّيخِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ -رحمَه اللهُ-، ونزعتُ ديباجَته –أيْ: غلافَه- ووضعتُه على رفٍّ في منزلي قبلَ مجيئِه لكي يَراه، فلمَّا حضرَ قلتُ: أتأذنُ لي أن آتي ببطيخةٍ؟ فذهبتُ، فلما رَجعتُ إذا هو يَقرأُ فيه ويَهزُّ رَأسَه.

فقالَ: لمنْ هذا الكتابُ؟ -وقد أعجبَه- ثم قالَ: هذه التَّراجمُ -يعني تَراجمَ الكتابِ- تُشبِهُ تَراجمَ البُخاريِ -رحمَه اللهُ-، هذا واللهِ نَفَسُ البُخاريِ .. فقلتُ: لا أدري.

ثم قلتُ: ألا نَذهبُ للشَّيخِ الغَزْوي لنَسألُه –وكانَ صاحبَ مكتبةٍ وعالماً بالكُتبِ- فدخلنا عليه، فقلتُ للغَزوي: كانَ عندي أوراقٌ سألني الشَّيخُ من هي له؟، فلم أعرفْ، ففَهمَ الغَزويُ ما أريدُه، فنادى مَن يأتي بكتابِ مجموعةِ التَّوحيدِ، فأتى بها، فقَابلَ بينهما فقالَ: هذا لمحمدِ بنِ عبدِ الوَهابِ .. فقالَ العَالِمُ الهنديُ مُغضَباً وبصوتٍ عالٍ: الكافرُ؟!.. فسكتنَا، وسكتَ قَليلاً، ثم هدأَ غَضبُه فاسترجعَ –قالَ: إنا للهِ وإنا إليه راجعونَ- ..

ثُمَّ قالَ: إن كانَ هذا الكتابُ له فقدْ ظلمنَاه.. ثُمَّ إنه صارَ كُلُّ يَومٍ يَدعو له ويَدعو معه تلاميذُه، وتَفرَّقَ تلاميذُه في الهندِ، فكانوا إذا فَرغوا من القِراءةِ دَعوا جميعاً للشَّيخِ محمدِ بنِ عبدِ الوَهابِ -رَحمَه اللهُ-.

ولي مع هذه القصَّةِ الواقعيَّةِ وقفاتٌ أيها العُقلاءُ:

الوقفةُ الأولى: مع تلك الحملةِ الإعلاميَّةِ الشَّرِسةِ العجيبةِ التي كانتْ ضِدَّ دعوةِ الشَّيخِ -رحمَه اللهُ- في زمانِه بل حتى إلى زمانِنا هذا .. حتى إنها من كَثرةِ انتشارِها وقوَّةِ شُبهةِ أصحابِها أصبحَ هذا العالِمُ وغيرُه أعداءً للشَّيخِ ودعوتِه دونَ أن يسمعوا كلامَ صاحبِها أو يقرءوا كتاباً من كُتُبِه، وهكذا كلُّ من طَعنَ في الشَّيخِ فإنه لم ينقلْ لنا ماذا يعيبُ عليه مُستدلاً بكلامٍ من أقوالِه أو كُتُبِه .. وهذا الموقفُ يذكِّرُنا بقصةِ الطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الدَّوْسِيِّ -رضيَ اللهُ عنه- أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَا، وَكَانَ الطفيل رَجُلاً شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا، فَقَالَ لَهُ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ: إِنَّكَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا، وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ كَالسِّحْرِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَابْنِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَإِنَّمَا نَخْشَى عَلَيْكَ وَعَلَى قَوْمِكَ مَا قَدْ حَلَّ عَلَيْنَا، فَلَا تُكَلِّمْهُ وَلَا تَسْمَعْ مِنْهُ، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا بِي حَتَّى أَجْمَعْتُ أَنْ لَا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَا أُكَلِّمَهُ حَتَّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيَّ كُرْسُفًا –أي: قُطْناً-؛ فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ.

قَالَ: فَغَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَقُمْتُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَأَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ، فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ، مَا يَخْفَى عَلَيَّ الْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ مَا يَقُولُ؟، فَإِنْ كَانَ مَا يَقُولُ حَسَنًا قَبِلْتُ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُ.

قَالَ: فَمَكَثْتُ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى بَيْتِهِ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ دَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ قَالُوا لِي: كَذَا وَكَذَا، فَوَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوِّفُونِي أَمْرَكَ حَتَّى سَدَدْتُ أُذُنَيَّ بِكُرْسُفٍ لِئَلَّا أَسْمَعَ قَوْلَكَ، ثُمَّ أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُسْمِعَنِيهِ، فَسَمِعْتُ قَوْلًا حَسَنًا، فَاعْرِضْ عَلَيَّ أَمْرَكَ، فَعَرَضَ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيَّ الْقُرْآنَ، فَلَا وَاللَّهِ مَا سَمِعْتُ قَوْلًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلَا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ، فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقِّ.

الوقفةُ الثانيةُ: أنَّ الشيخَ -رحمَه اللهُ- لمَّا دعا إلى توحيدِ اللهِ كما دعا النَّبيٌّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أهلَ مكةَ، وأنكرَ على النَّاسِ التعلَّقَ بالقُبورِ والأمواتِ والأصنامِ وتصديقَ الكُهَّانِ والمنجِّمينَ وعبادةَ الأشجارِ والأحجارِ، وأظهرَ اللهُ به الدِّينَ وأزالَ به الشَّرَ من نَجدٍ وما حولَها، أنكرَ عليه بعضُ الأعيانِ وسَدَنةِ الأضرحةِ والمنتفعينَ منها، ما يَقومُ به ويدعو له، وأفتوا بأنَّه ساحرٌ، وكذَّابٌ، بل إن بعضَهم حكمَ بكفرِه واستحلالِ مالِه ودمِه .. وهكذا تُواجهُ دعوةُ الرُّسلِ: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات: 52] .. وكذلكَ اُتُّهِمَ إمامُ المُتَّقينَ .. وسيِّدُ المُرسلينَ من قَبلُ: (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [ص: 4].

الوقفةُ الثَّالثةٌ: أنَّ الشَّيخَ تعرَّضَ في حياتِه إلى محاولاتِ اغتيالٍ، فقدْ حاولَ بعضُ النَّاسِ في حُريملاء أن يقتلوه خُفيةٍ، فتسوَّروا عليه من وراءِ الجِدارِ، فشَعرَ بهم بَعضُ النَّاسِ، فصَاحوا بهم وهَربوا .. وهكذا سُنَّةُ اللهِ –تعالى- فيمن يدعو إلى الحَقِّ ويأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المُنكرِ .. كما قالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) [آل عمران: 21- 22] .

ومنْ قبلُ أرادَ كُفَّارُ قريشٍ أن يَقتلوا النَّبيَّ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال: 30]، قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ -رضيَ اللهُ عنهما-: "تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ لَيْلَةً بِمَكَّةَ، فَقَالَ بَعْضُهمْ: إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ، يُرِيدُونَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ بَعْضُهمْ: بَلْ اُقْتُلُوهُ، وَقَالَ: بَعْضُهمْ بَلْ أَخْرِجُوهُ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ذَلِكَ، فَبَاتَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا، ثَارُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا، رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى مَكْرَهُمْ، فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُك هَذَا؟، قَالَ: لَا أَدْرِي".

الوقفةُ الرَّابعةُ: عندما أَعلنَ الشَّيخُ بالدَّعوةِ إلى اللهِ، وإفرادِ العِبادةِ له –تعالى-، والتَّمسكِ بسُنَّةِ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأَمرَ بالمعروفِ ونهى عن المنكرِ، وقَطعَ الأشجارَ المُعظمةَ في العُيينةِ، وهَدمَ قُبَّةَ زَيدِ بنِ الخَطابِ بمساعدةِ أميرِ البَلدِ عُثمانَ بنِ مُعمَّرٍ، وأقامَ الحدَّ على امرأةٍ اعترفتْ بالزِّنا مِراراً، بعدَما تَأكدَ من صِحةٍ عقلِها وكَمالِ حَواسِها، واشتهرَ أمرُه وذاعَ صِيتُه في البُلدانِ .. أرسلَ حاكمُ الأحساءِ إلى عُثمانَ بنِ مُعمَّرٍ كتاباً جاءَ فيه: "إنَّ المُطَوَّعَ الذي عندكَ، قد فَعلَ ما فَعلَ، وقالَ ما قالَ، فإذا وصلَك كتابي فاقتلْه، فإن لم تَقتلْه، قَطعنا خَراجَك الذي عِندَنا في الأحساءِ".

فَضَعفَ الأميرُ عثمانُ وأمرَ بإخراجِ الشَّيخِ من بلدِه، فخرجَ الشَّيخُ -رحمَه اللهُ- يمشي على رجليه، وليسَ معَه إلا المروَّحةَ في يدِه في أَشدِّ وَقتِ الحرِّ من الصَّيفِ. وكانَ في مَشيه لا يَفترُ عن ذِكرِ اللهِ، ويَردِّدُ قولَه تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 2- 3]، حتى وصلَ للدِّرعيَّةِ .. وما أشبَه اليومَ بالبارحةِ .. حينَ ذهبتْ خديجةُ -رضي اللهُ عنها- بسيِّدِه وإمامِه وقُدوتِه إلى ورقةَ بنِ نوفلٍ فقال: "لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟"، قَالَ: "نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ".

وصدقَ اللهُ القائلُ: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108]، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ وخطيئةٍ؛ فاستغفروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي له ما في السمواتِ والأرضِ ..( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26] .. وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العزيزُ الوَّهابُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه أفضلَ من تابَ إلى اللهِ وأنابَ، صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه والتابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يومِ المآبِ وسلمَ تسليماً كثيراً.

 أما بعد: الوقفةُ الخامسةُ: لمَّا وصلَ الشَّيخُ بلدَ الدِّرعيةِ، دخلَها وقتَ العصرِ، فنزلَ بيتَ تلميذِه أحمدَ بنِ سُويلمٍ، فَعَلِمَ به خواصُّ أهلِ الدِّرعيةِ، فزاروه خُفيَّةً، ورأوه لا يزالُ على سبيلِ الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- ثابتاً، يدعو إلى اللهِ على بصيرةٍ، ويُقرِّرُ لهم التَّوحيدَ الذي هو أساسُ الدِّينِ، ويبحثُ عمَّن ينصرُه ليُبَلَّغَ دينَ اللهِ تعالى، فهابوا أميرَ الدِّرعيَّةِ محمدَ بنَ سعودٍ أن يُكلموه، فأخبروا زوجتَه موضي -رحمَها اللهُ تعالى-، فأخبرتْ زوجَها بمكانِ الشَّيخِ، وقالتْ له: إن هذا الرَّجلَ ساقَه اللهُ إليك، وهو غَنيمةٌ؛ فاغتنمْ ما خصَّكَ اللهُ به.. فقَبِلَ قولَها.

فقامَ محمدٌ بنُ سعودٍ من فورِه، فدخلَ عليه في بيتِ أحمدَ بنِ سُويلمٍ، فسلَّم عليه، ورحبَ به، وأبدى غايةَ الإكرامِ والتَّبجيلِ، وأخبرَه أنه يمنعُه بما يمنعُ به نساءَه وأولادَه، وقالَ للشَّيخِ: أبشرْ ببلادٍ خيرٌ من بلادِك، وأبشرْ بالعزِّ والمَنَعةِ، فقالَ الشَّيخُ: "وأنا أبشُّرُك بالعزِّ والتَّمكينِ؛ وهذه كلمةُ لا إلهَ إلا اللهُ، من تمسَكَ بها وعملَ بها ونصرَها؛ مَلَكَ بها البِلادَ والعِبادَ، وهي كلمةُ التَّوحيدِ، وأولُ ما دعتْ إليه الرُّسلُ من أولِهم إلى آخرِهم، وأنتَ ترى نجداً وأقطارَها أطبقتْ على الشِّركِ والجَهلِ والفُرقةِ وقِتالِ بعضِهم لبعضٍ؛ فأرجو أن تكونَ إماماً يجتمعُ عليه المسلمونَ وذريَّتَك من بَعدِك".

وهذا اللِّقاءُ يُذكِّرُنا بذلك اللِّقاءِ التَّاريخيِّ بينَ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبينَ الأنصارِ حينَ كانَ يقولُ: "من يؤويني؟، من ينصرُني؟ حتى أُبلِّغَ رسالةَ ربي وله الجنَّةُ"، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، علامَ نبايعُك؟، قالَ: "تبايعوني على السَّمعِ والطَّاعةِ في النَشاطِ والكَسلِ، والنَّفقةِ في العُسرِ واليُسرِ، وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكرِ، وأن تقولوا في اللهِ لا تخافوا في اللهِ لومةَ لائمٍ، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قَدمتُ عليكم مما تَمنعونَ منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجَنَّةُ".

الوقفةُ السَّادسةُ والأخيرةُ: ها هي كُتبُ الشَّيخِ منثورةٌ .. وها هي أقوالهُ فيها مسطورةٌ .. فأينَ ما تنقمونَ عليه؟ .. وأينَ ما تطعنونَ فيه؟ .. وأينَ ما خالفَ فيه كِتابَ اللهِ تعالى أو سُنَّةَ نبيَّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ .. أو أنه قد جاءَ بدعوةِ التَّوحيدِ التي يُعاديها كلُّ مُبتدعٍ، ويُحاربُها كلُّ صاحبِ هوى، ويُنكرُها كلُّ من تعلَّقَ قلبُه بالتمائمِ والمُشعوذينَ وأصحابِ القُبورِ؟!

إنْ كَانَ تَابِعُ أَحمَدٍ مُتَوَهِّبًا

فَأَنا المُقِرّ بِأَنّنِي وَهَّابِي

أَنْفِي الشَّرِيكَ عَن الإِلاهِ فَلَيْسَ لي

رَبّ سِوَى المُتَفَرّدِ الوَهَّابِ

لَا قُبَّةٌ تُرْجَى وَلا وَثَنٌ وَلَا

قَبْرٌ لَهُ سَبَبٌ مِن الأَسبَابِ

كَلَّا وَلَا شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا

عَينٌ وَلَا نَصَبٌ مِن الأَنْصَابِ

أَيْضًا وَلَسْتُ مُعَلِّقًا لِتَمِيمَةٍ

أَوْ حَلْقَةٍ أَوْ وَدْعَةٍ أَوْ نَابِ

لِرَجَاءِ نَفْعٍ أَوْ لِدَفْعِ بَلِيَّةٍ

اَللَّهُ يَنْفَعُنِي وَيَدْفَعُ مَا بِي

اللَّهُمَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيهِم مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ أَرِنَا الحَقَّ حقَّاً وَارْزُقْنَا اتِّبَاعَهُ، وَأَرِنَا البَاطِلَ بَاطِلاً وَارْزُقْنَا اجْتِنَابَهُ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَينَا الإيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهِ إلَينَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ..

اللَّهُمَّ رَبِّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، عَالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيْهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنَا لِمَا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الحَقِّ بِإذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ.

اللهمَّ اجعل هذا البلدَ آمناً مطمئناً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ، وأصلحْ اللهمَّ أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتَّبعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ ..

اللهمَّ وفقْ وليَ أمرِنا لهُداكَ، واجعلْ عملَه في رِضاكَ، وارزقْه بطانةً صالحةً تدلُّه على الخيرِ وتحثُه عليه يا سميعَ الدُّعاءِ ..

اللهمَّ احفظْ بلادَ الحرمينِ من كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، واحفظْ اللهمَّ لها أمنَها وإيمانَها، وسِلمَها وإسلامَها، ورغدَ عيشِها وسِعةَ رزقِها برحمتِك يا أرحمَ الراحمينَ.

اللهمَّ انصر عبادَك وجندَك المجاهدينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمينَ، ثبتْ اللهمَّ خُطوتَهم، ووحدّْ كلمتَهم، وسددْ رميتَهم، وقوِّ شوكتَهم، وأعلِ رايتَهم، وانصرْهم على عدوِّكَ وعدوِهم يا ربَّ العالمينَ.