البحث

عبارات مقترحة:

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

ارتكاب المحذور أمام الأبناء

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. نعمة الأولاد .
  2. أولادنا فتنة .
  3. من صور القدوة السيئة .
  4. التربية بالقدوة أبلغ من النصح بالكلام .
  5. تحذير الآباء من القدوة السيئة .

اقتباس

مسكين ذلك الأب عندما يظن أن أبناءه لن يلتقطوا منه ولن يقتدوا به، ويرى أن أفعاله الخاطئة ستقتصر عليه، وهذا كله من الوهم الذي يتوهمه بعض الآباء عن ذهول وغفلة، وسوء تقدير للأمور. فوالله لو كرر عليهم النصائح ألف مرة، وحذرهم مائة ألف مرة، ورغبهم في شيء هو لا يعمله، فلن يرعووا ولن يقوموا به طالما أنه هو مجانبه وبعيد عنه، وهذا شيء مجرب وواقع ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ألا هو العزيز الغفار، وأشهد أن سيدنا ونبينا وقائدنا وقدوتنا محمداً بن عبد الله، عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله الصفوة الأخيار، وعلى جميع من التزم شرعه من الصفوة الأبرار، وممن أُمِرنا بالاقتداء بهم من الصالحين والمتقين الأخيار.

عباد الله: من نعم الله -سبحانه وتعالى- علينا نعمة الأولاد، فأولادنا زينة حياتنا، وجنة دنيانا، وهبة الله -سبحانه وتعالى- لنا، وهبنا إياهم ابتلاء واختباراً لنا؛ ليعلم الله -سبحانه وتعالى- من منا يحسن إليهم ويقوم بتربيتهم، ومن منا لا يقوم بذلك ويغفل عنه. يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن:15] وقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:28] ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن:14].

فهذه الآيات كلها تبين لنا أن أولادنا هم ابتلاء وفتنة، والواجب علينا أن نحذر هذه الفتنة ونتجنب الوقوع فيها، وذلك بالإحسان في تربيتهم، والقيام برعايتهم خير القيام.

وإن من صميم تربيتهم ومن أولويات رعايتهم؛ أن يتجنب الوالدان تجنباً كاملاً ارتكاب المحذور أمامهم، أو فعل الأفعال الخاطئة عندهم، فإن هذا والله هو قاصمة الظهر، وهذا هو المعول الخطير للهدم، هدم التربية، وقتل الأخلاق، وإلغاء الدين والفطرة.

إن ظاهرة ارتكاب المحذور أمام الأبناء ظاهرة منتشرة في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم، وموجودة في بيوتنا بكثرة جداً، ولها صور عديدة وأشكال مختلفة ومن ذلك:

أن بعض الآباء -هدانا الله وإياهم- لا يبالي أبداً بارتكاب أية محذور أمام أبنائه، فمن السهل جداً عنده أن يكذب عندهم، ويغش أمامهم، ويدخن في حضورهم، وربما يرتكب ما هو أشد من ذلك وأفظع؛ كارتكاب بعض الكبائر من الذنوب وهم ينظرون إليه ويعلمون به.

أما الكلام الفاحش والأقوال البذيئة والألفاظ النابية فهذه حدث عنها ولا حرج، وتصدر بكثرة جداً من قبل كثير من الآباء -أصلحهم الله-، فهذا يسب ويلعن، ويأتي بالكلمات السوقية عندهم، وتصدر منه كلمات فاحشة فيها من الخسة والانحطاط ما يتنزه اللسان عنه.

ومنهم من يعلمهم الحيل والكذب واللف والدوران والخيانة بأفعاله وأقواله، فإذا أتى أحد ينادي عليه يقول لهم: أخبروه أني غير موجود، أو يقول لهم: قولوا لفلان كذا وكذا، وهو كذب واضح.

وكذلك بعض الأمهات -هداهن الله- تكذب على أولادها الصغار، فإذا أرادت أن ترغبه في شيء رغبته بالكذب عليه، فتقول له: اسكت وسأعطيك كذا وكذا، ثم لا تعطيه شيئاً، أو تقول له: تعال خذ هذا، فيأتي فلا يجد عندها ما وعدته به، أو تعده بأنها ستشتري له لعبة أو غيرها ثم يرى أن وعودها لا تتجاوز الكلام دون الفعل. أو تخوفه بشيء تريد إرهابه وتخويفه ولكنه بالكذب، فمثلاً تقول له: سآتي بالكلب لينهشك، أو سيأتي الجني ليقتلك، أو غيرها من الكلمات التي -إضافة إلى ما تحتويه من الكذب والبهتان- هي من الإرهاب والتخويف المنهي عنه، والذي يملأ جوفه بالخوف والجبن والمذلة.

روى أبو داود في سننه في باب التشديد في الكذب حديثاً عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، أَنَّ رَجُلاً مِنْ مَوَالِي عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْعَدَوِيِّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: "دَعَتْنِي أُمِّي يَوْمًا وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَاعِدٌ فِي بَيْتِنَا، فَقَالَتْ: هَا تَعَالَ أُعْطِيكَ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: وَمَا أَرَدْتِ أَنْ تُعْطِيهِ؟ قَالَتْ: أُعْطِيهِ تَمْرًا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ" [أبو داود:4991].

فالحذر الحذر من هذا، فإننا والله كثيراً ما نستهين بمثل هذا الأمر ونحسب أنه سهل، ونكذب أمام أولادنا ونكذب عليهم ونحسب أنه أمر عادي وشيء بسيط، وهو عند الله عظيم. بل عده النبي -صلى الله عليه وسلم- كما سمعتم في هذا الحديث من الكذب الذي يؤاخذ الإنسان عليه ويحاسب به، ويعد في عداد الكذب إذا لم تعطه شيئاً "أَمَا إِنَّكِ لَوْ لَمْ تُعْطِهِ شَيْئًا كُتِبَتْ عَلَيْكِ كِذْبَةٌ".

كم من الآباء من يشتكي من بعض السلوكيات الخاطئة التي يمارسها أبناؤه، وتسمعه يقول: كم مرة نصحناهم؟ وكم تعبنا فيهم؟ وكم مللنا من ترديد الكلام عليهم؟ ثم تأتي فتجده هو نفسه يمارس هذا الكذب أمامهم، ويفعل هذه التصرفات الخاطئة أمام أعينهم، ثم يريدهم أن يكونوا عباد الله الصالحين. يقول الله -تبارك وتعالى-:(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44]، ويقول -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف:2-3].

فأين نحن من هذه الآيات العظيمة ونحن نمارس هذه السلوكيات الخاطئة أمام أولادنا، ثم نريد منهم أن يكونوا بخلافنا، وأن لا يفعلوا أفعالنا، ولا يمارسوا ما نمارسه ونحن نمارسه وهم ينظرون، ونفعله وهم يشاهدون.

يا أيها الرجل المعلم غيره

هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي العنا

كيما يصح به وأنت سقيم

مسكين ذلك الأب عندما يظن أن أبناءه لن يلتقطوا منه ولن يقتدوا به، ويرى أن أفعاله الخاطئة ستقتصر عليه، وهذا كله من الوهم الذي يتوهمه بعض الآباء عن ذهول، وغفلة، وسوء تقدير للأمور.

فوالله لو كرر عليهم النصائح ألف مرة، وحذرهم مائة ألف مرة، ورغبهم في شيء هو لا يعمله، فلن يرعووا ولن يقوموا به طالما أنه هو مجانبه وبعيد عنه، وهذا شيء مجرب وواقع، وحتى إن فعلوه أو تركوه فإنما هو عن خوف منه سرعان ما يتركوه إذا زال المانع أو السبب.

يقول الله -جل جلاله-: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74] (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) يدعون ربهم أن يجعلهم أئمة يقتدى بهم في الخير، ودعَاة هدى يؤتم بهم فيه.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي هدانا لهذا الدين، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله، الذي أمرنا ربنا بالاقتداء به، والتأسي بهديه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: ربما يقول بعض الآباء أنني ابتليت بهذه المعاصي ولم أستطع التخلص منها، ودائماً أحاول تركها ولكني سرعان ما أعود إليها، ربما يكون هذا، ولكن الواجب عليه أن يستتر وأن يبتعد عن ارتكاب هذه الأشياء أمامهم، وإذا مارسها لوحده فإنه أهون بكثير من ممارستها أمامهم. يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِي لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ" [مالك:1514].

وروى مسلم في صحيحه عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله تعالى عنه- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ، إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ" [البخاري:6069، مسلم:2990].

أيها الآباء أيها المربون أيها المعلمون: احذروا كل الحذر من ارتكاب المحذور أمامكم أبنائكم أو طلابكم، أو فعل المعاصي أمامهم، فإنكم محط الأنظار وقدوة هؤلاء الصغار، فلا تكونوا قدوة شر، ولا ينظرون إليكم كقدوات لهم وأنتم لستم أهلاً للمسؤولية، وتحمل الأمانة والقدوة.

إن صلاح أبنائكم من صلاحكم، وفسادهم من فسادكم؛ فكونوا وسيلة بناء لا وسيلة هدم، وأداة خير لا أداة شر وفتنة، فأنتم القدوة الحية التي يمتثلونها ويسيرون عليها، وقد قيل قديماً: إن الطاووس مشى باختيال وكبر وخيلاء فقلده أبناؤه في مشيته، فقال لهم ما لكم؟ فقالوا لقد بدأت ونحن مقلدوك، وهكذا الأب عندما يرتكب المحرمات، ويفرط في الواجبات، فإن فساده هذا سينعكس على أبنائه.

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ" [مسلم:1017].

فالله الله في القدوة الصالحة، كونوا لأبنائكم خير قدوة يقتدون بكم في كل خلق فاضل جميل، وكونوا خير مثال لهم في البعد عن كل دنيء وقبيح، وادعوا الله دائماً أن يوفقكم لهذا، ويسددكم له، ويعينكم عليه، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على خير مربي وأعظم قائد، من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فبدأ بنفسه، وثنى بالملائكة المسبحة بقدسه، وثلث بكم أيها المؤمنون من جنه وإنسه، فقال عز من قائل –كريم-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللهم أعنا على تربية أولادنا وطلابنا في الصغر، وجنبنا وإياهم كل شر، ووفقنا وإياهم لما تحب من الهدى والخير.

اللهم وفقنا لطاعتك، واجعلنا قدوة حسنة لأهلنا وأبنائنا.

اللهم اجعلنا صالحين مصلحين، هداة مهتدين، لا ضالين ولا مضلين. ربنا لا تجعلنا فتنة لغيرنا، واهدنا واهدي بنا.

------

المرجع: 13 خللا في التربية لفضيلة الشيخ محمد المحيسني