البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | إبراهيم سلقيني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج - الهدي والأضاحي والعقيقة |
نحن نعيش في هذه الأيام أيامًا مباركة فيها يوم أفضل من سائر أيام السنة؛ يوم التاسع من ذي الحجة، يوم عرفة، الذي يجتمع فيه المسلمون من أقطار الأرض ومن كل فج عميق فينتشرون على عرفات انتشار النور لا يُرى لهم أول من آخر.. في ذلك اليوم الذي نستقبله -إن شاء الله تعالى- بعد أيام يتجلى الله على عباده هناك؛ فيغفر ذنوبهم، ويستجيب دعاءهم، ويعتق رقابهم من النار.
الخطبة الأولى:
الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه إنسان وأينما استقر، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوب إليه، ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وكشف الله به الغمة، تركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك صلوات الله وتسليماته وتبريكاته عليه وعلى أهل بيته، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: نحن نعيش في هذه الأيام أيامًا مباركة فيها يوم أفضل من سائر أيام السنة؛ يوم التاسع من ذي الحجة، يوم عرفة، الذي يجتمع فيه المسلمون من أقطار الأرض ومن كل فج عميق فينتشرون على عرفات انتشار النور لا يُرى لهم أول من آخر.
في ذلك اليوم الذي نستقبله -إن شاء الله تعالى- بعد أيام يتجلى الله على عباده هناك؛ فيغفر ذنوبهم، ويستجيب دعاءهم، ويعتق رقابهم من النار.
عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، يدنو الله -تبارك وتعالى- من عباده، فيغفر ذنوبهم، ويباهي ملائكته، فيقول: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثًا غبرًا ضاحين يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم".
فلم يُرَ يوم أكثر عتيقًا من النار من ذلك اليوم، ولقد حضّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صوم يوم عرفة، فقال عليه الصلاة والسلام: "من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة خلفه".
وأؤكد هنا أن المغفرة تتناول حقوق الله -عز وجل-، أما حقوق العباد فلا تُغفر إلا بعد أداء تلك الحقوق، أو إبراء أصحاب الحقوق.
أيها الإخوة الأحبة: في آخر سنة من عُمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- توجه -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة لأداء فريضة الحج، ومعه ما يزيد على مائة ألف مسلم، وكانت هذه الحجة هي الحجة الوحيد لرسول الله -صلى الله عليه سلم-، وأطلق عليها حجة الوداع، وذلك بعد أن دخل الناس في دين الله أفواجًا.
وسُميت حجة الوداع؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ودَّع الناس فيها، ونعى فيها نفسه -عليه الصلاة والسلام-؛ حيث لم يعش بعدها إلا ثمانين يومًا.
وفي اليوم التاسع من ذي الحجة وفوق عرفة وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلن على الناس إلى يوم القيامة خطبته المشهورة المعروفة بخطبة حجة الوداع، والتي اشتملت على أهم قواعد الدين، وأهم أسس حقوق الإنسان، وآداب الإسلام.
فكان مما قاله -صلى الله عليه وسلم- في خطبته، بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: "أيها الناس! اسمعوا مني أبيّن لكم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في بلدي هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد".
أيها الناس: "إن دمائكم وأموالكم" –أي: دم أخيك ودمك، ومال أخيك ومالك، العدوان على أخيك عدوان على نفسك- "إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد".
فمن كان عنده أمانة فليؤدها لمن ائتمنه عليها..
أيها الناس! إن الشيطان قد يأس أن يُعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم.
أيها الناس! إن لنسائكم عليكم حقًّا، ولكم عليهن حقًّا، فاستوصوا بالنساء خيرًا.
أيها الناس: إنما المؤمنون إخوة، ولا يحق لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
أيها الناس:" إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد؛ كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: فليبلغ الشاهد منكم الغائب".
وفي ذلك الموقف العظيم نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر آية في كتاب الله من الآيات التشريعية، وهي قول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
أما آخر آية على الإطلاق فنزلت بعدها، وهي قول الله -عز وجل-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
أيها الإخوة الأحبة: عليكم بالأضاحي؛ فإنها سُنة أبيكم إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وهي واجبة عندك السادة الحنفية على من يملك نصاب الزكاة، ولو لم يحلُ عليه الحول زائدًا عن حاجاته، وحاجات بيته ليلة العيد وأيام العيد.
وأما عند السادة الشافعية فهي سنة قريبة من الواجب، وقد قال -رضي الله تعالى عنه-: "لا أرخّص في تركها للقادر عليها".
وأول وقتها: أول وقت الذبح بعد صلاة العيد، وآخر وقتها إلى قبيل غروب اليوم الثالث عند الحنفية، وإلى قبيل غروب اليوم الرابع عند الشافعية.
وتجزئ من الغنم والماعز ما أتم الحول، ومن البقر ما أتم الحولين، ومن الإبل ما أكمل خمس سنين، وبالنسبة للغنم والماعز لا تصح إلا عن مكلف واحد، أما بالنسبة للبقر والإبل فيجوز أن يشترك في ثمنها سبعة.
ولا تجزئ العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها، ولا الضعيفة الشديدة هزالها ولا الحامل، ولا مقطوعة الأذن، أما الخصي فجائز.
وليقل الذابح عند الذبح: "بسم الله، الله أكبر، اللهم إن هذا منك وإليك، اللهم تقبله مني كما تقبلته من إبراهيم خليلك ومحمد نبيك ورسولك، اللهم إن هذا عن فلان ابن فلان".
ويُندب أن يشهد الذبح أو يوكل، ويندب أن يأكل منها، وأن يهادي، وأن يوزع ويتصدق منها على الفقراء.
ويجوز أن ينيب الجمعيات إلا بالنسبة للمنذورة، أو بالنسبة للوصية وما يتعلق بالأكل منها فلا يجوز أن يأكل منها الورثة ولا الأغنياء.
وقد ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى بكبشين أملحين، الأملح هو من كان بياض جلده أكثر من سواده، أو الناصع البياض، بكبشين أملحين وضع على صفاحهما قدمه قائلاً: "اللهم إن هذا منك وإليك، اللهم إن هذا عن محمد وآل محمد".
وقائلاً عند ذبح الثاني: "اللهم إن هذا منك وإليك، اللهم إن هذا عن مَن شهد لي بالبلاغ وشهدت له بالتصديق، ولقي الله لا يشرك به شيئًا".
وفي الحديث أيضًا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر أفضل من دم يهراق، إلا أن تكون رحمًا تُوصل".
وفي حديث آخر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما عمل ابن آدم يوم النحر أفضل من إهراقه دمًا، وإنها لتأتي يوم القيامة بأشعارها وأظفارها، وإن الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع على الأرض".
وروي أيضًا عن بعض الأئمة، وفي رواية أيضًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "من وجد سعة ولم يضحّ فلا يقربن مصلانا".
وعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المدينة عشر سنين وكان يضحّي" أي: في كل سنة، أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا..