الشافي
كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...
العربية
المؤلف | د ماجد بن عبدالرحمن آل فريان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
.. وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم عليه السلام وإلى اليوم بل وإلى الغد، وما تزال أفئدة من الناس تهوي إلى البيت الحرام وتحن إلى رؤيته والطواف به .. وتتذكر أطهر نفس أحرمت، وأزكى روح هتفت، وأفضل قدم طافت وسعت، وأعذب شفة نطقت وكبّرت وهللت، وأشرف يد رمت واستلمت، ولا تزال القلوب تثوب إلى البيت ..
أما بعد فيا عباد الله اتقو الله حق التقوى.
معاشر المسلمين: مع اقتراب شهر ذي الحجة، يتسارع لهفُ المسلمين وحنينهم إلى أم القرى، وما خصها الله حين جعلها مثابة للناس وأمناً. ويتطلع المسلمون إلى جنباتها الطاهرة، ويأملون في أداء هذه الفريضة، وهذا الركن الركين من أركان الإسلام.
وإن الحج -إخوة الإسلام- هو تلك الرحلة الفريدة في عالم الأسفار والرحلات، ينتقل المسلم فيها بروحه وبدنه إلى البلد الأمين، لمناجاة رب العالمين، ما أروعها من رحلة وما أعظمه من منظر يأخذ الألباب، ويشد الأفئدة.
إخوة الإسلام: في كل عام ترى وفود الحجيج وضيوف الرحمن يلبون نداء الله بالحج إلى بيته الأمين أقبلوا بقلوب طائعة مختارة ملبية تريد رضى ربها ومن لم يتيسر لهم الحج من المسلمين الباقين يلبون بقلوبهم ويتطلعون بأنظارهم إلى هذه البقاع التي شرفها الله ببيته الحرام.
معاشر المسلمين: لقد عرَّف الله لإبراهيم مكان البيت؛ ليقيمه على التوحيد ثم يؤذن في الناس بالحج، ووعده أن يلبي الناس دعوته فيتقاطرون على البيت من كل فج رجالاً يسعون على أقدامهم وركوباً على كل ضامر جهده السير فضمر من الجهد والجوع.
وما يزال وعد الله يتحقق منذ إبراهيم عليه السلام وإلى اليوم بل وإلى الغد، وما تزال أفئدة من الناس تهوي إلى البيت الحرام وتحن إلى رؤيته والطواف به .. وتتذكر أطهر نفس أحرمت، وأزكى روح هتفت، وأفضل قدم طافت وسعت، وأعذب شفة نطقت وكبّرت وهللت، وأشرف يد رمت واستلمت، ولا تزال القلوب تثوب إلى البيت بعد أن رجعت منه متلهفة لمتابعة الحج والعمرة - بعد أن أذَّن إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، وبعد أن أوجبه الله على كل مسلم وجعله ركناً من أركان الإسلام.
أيها المسلمون: إن دين الإسلام قد بني على أركان خمسة شداد لا يستقيم بناؤه إلا عليها، ولو نقص منها ركن كان البناء معيباً والحمل ثقيلاً، وإن خامس هذه الأركان حج بيت الله الحرام وأداء مناسك الحج في تلك الشعائر والمشاعر المعظمة.
وإن الحج -إخوتي- قرين الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم، فمن يعلم أنه يؤمرُ بالصلاة إذا بلغ سبع سنوات ويضربُ عليها عند عشر، وتجب عليه إذا بلغ سن التكليف وكذلك الصيام - فليعلم أن الحج إلى بيت الله الحرام يجب عليه متى استكمل شروط وجوب الحج، وهي: بلوغُ سن التكليف، والقدرةُ البدنية، والاستطاعةُ؛ بأن يملك الزاد والراحلة التي توصله إلى مكة، وذلك استجابة لأمر الله تعالى الذي أوجب الحج على عباده بقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
فيا عبد الله: ويا من أنعم الله عليك بالصحة والعافية ورغد العيش وأمن الطريق وتوفر وسائل السفر المريحة الآمنة بإذن الله تعالى - بادر إلى حج بيت الله وأد الواجب عليك لتبرأ ذمتك وتطيع ربك ولا تكونن من الكافرين بنعمة الله المتقاعسين عن طاعة الله، فإن الله تعالى غني عن الناس أجمعين، لا تنفعه طاعة الخلق، ولا تضره معصيتهم، بل الناس كلهم فقراء إليه، ضعفاء بين يديه، محتاجون إلى رحمته، ومفتقرون إلى عونه ولطفه سبحانه، وقد أوصانا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمبادرة إلى الحج؛ لما في ذلك من مصلحتنا، فهو -صلى الله عليه وسلم- حريص على أمته رؤوف بهم لم يدع خيراً إلا ودل أمته عليه، ولا شراً إلا وحذرها منه -صلى الله عليه وسلم-، وهو القائل: "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا"، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ"؛ ثُمَّ قَالَ: "ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" أخرجه مسلم.
معاشر المسلمين: فإذا توفرت شروط وجوب الحج في الإنسان بأن كان مسلماً بالغاً عاقلاً حراً مستطيعاً فهنا تجب المبادرة فوراً بأداء هذا الركن العظيم من أركان الإسلام ويحرم عليه التأخير بعد توفر شروط الوجوب إلا لعذر شرعي يمنعه من ذلك يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا بالحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له" رواه أحمد بسند صحيح.
وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليمت يهودياً أو نصرانياً ثلاثاً، رجل مات ولم يحج وجد لذلك سعة وخليت سبيله" رواه البيهقي بسند صحيح كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله.
وروى أحمد بسند حسن: "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة". وأخرج ابن حبان بسند صححه الألباني من حديث أبي سعيد الخدري: إن الله تعالى يقول: "إن عبداً أصححت له جسمه ووسعت عليه في معيشته، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم". فإن كان من لا يحج في كل خمسة أعوام محروماً، فما عسانا نقول لمن لم يحج حتى الآن حج الفريضة؟ هذا مع تيسر السبل وسهولة السفر وقصر المدة، ألم يكن آباؤنا وأجدادنا يقضون شهراً أو أكثر في سفر الحج ذهاباً وإياباً؟ أما الآن ولله الحمد والمنة فبإمكان أحدنا أن يحج بيت الله الحرام في ستة أيام أو سبعة بلا مشقة أو كلفة، لا سيما وقد كثرت الحملات التجارية المتنوعة في خدماتها وأسعارها، والسفر بحد ذاته لا يكلف كثيراً من المال.
فيا عبد الله: حج إلى بيت الله الحرام، وأد فرضك قبل أن يحج عنك أقاربك إن اخترمك المنية قبل الحج الواجب، وأن تحج بنفسك خيرٌ لك من أن يتصدق عليك أحد أقاربك بالحج نيابة عنك، واحمد ربك أن منحك القدرة البدنية والمالية على ذلك؛ فكم من مسلم حبسه جسده المريض أو جراحاته عن الحج واضطر إلى استنابة غيره في حج الفريضة، ألا نطمع -إخوتي- في نيل فضائل الحج وخيراته؛ ففي الحديث الحسن الذي أخرجه الطبراني: "ما أهل مهِلٌ قط، ولا كبر مكبر قط إلا بشر بالجنة" وفي عرفات يدنو الجبار -سبحانه-، فيباهي الملائكة بأهل الموقف ويقول: "انظروا إلى عبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً".
عباد الله: من عزم على الحج فعليه أن يحرص على النفقة الحلال وصحبة الرفقة الصالحة التي تعينه على مناسك الحج وتبصره بما ينبغي له في تلك المشاعر العظيمة، وأن يحرص على تعلم ما يهمه من مناسك الحج أو يصحب طلاب العلم؛ ليؤدي فريضته على أتم صفة وأكمل حال فكم من الجهالات تقع في مناسك الحج.
أيها المسلمون: ومن أدى ما وجب عليه من حجة الإسلام فإنه يسن في حقه تكرار الحج والعمرة متى تيسرت له السبل، وأفضل من ذلك المتابعة بين الحج والعمرة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة جزاء إلا الجنة" رواه أحمد والترمذي والنسائي بسند صحيح، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل: "والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر" متفق عليه.
نسأل الله أن يتقبل من المسلمين، وأن يسلم الحجاج والمعتمرين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة وعصيان فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..