الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحج |
فإذا أكملتم السعي، فقصروا رؤوسكم من جميع جوانب الرأس لا من جانب منه كما يفعله بعض الناس، وتقصر المرأة من أطرافه بقدر أنملة، وبذلك تمت العمرة، وحللتم الحل كله.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق، رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، وحجة على العباد أجمعين، واختار له دينا قيما مبنيا على الإخلاص لله والتيسير، فليس فيه حرج، ولا شدة، ولا تعسير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق، فأتقن، وشرع، فأحكم وهو خير الحاكمين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: فإنكم تستقبلون في هذه الأيام السفر إلى بيت الله الحرام، ترجون من ربكم مغفرة الذنوب والآثام، وتأملون الفوز بالنعيم المقيم في دار السلام، وتؤمنون بالخلف العاجل من ذي الجلال والإكرام.
أيها المسلمون: إنكم تتوجهون في زمان فاضل إلى أمكنة فاضلة، ومشاعر معظمة، تؤدون عبادة من أجل العبادات لا تريدون بذلك فخرا ولا رياءً، ولا نزهة ولا طربا، وإنما تريدون وجه الله والدار الآخرة.
فأدوا هذه العبادة كما أمرتم من غير غلو ولا تقصير، ليحصل لكم ما أردتم من مغفرة الذنوب، والفوز بالنعيم المقيم، قوموا في سفركم وإقامتكم بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة، وغيرهما من شعائر الدين.
إذا وجدتم الماء، فتطهروا به للصلاة، فإن لم تجدوا ماء، فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا بوجوهكم وأيديكم عنه.
أدوا الصلاة جماعة، ولا تتشاغلوا عنها بأشغال يمكنكم قضاؤها بعد الصلاة، صلوا الرباعية قصرا، فصلوا الظهر والعصر والعشاء الآخرة على ركعتين من خروجكم من بلدكم إلى رجوعكم إليها، إلا أن تصلوا خلف إمام يتم الصلاة، فأتموها أربعا.
اجمعوا بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير حسبما يتيسر لكم إن كنتم سائرين، أما إن كنتم مقيمين في مكة أو منى أو غيرها، فالسنة ألا تجمعوا، وإن جمعتم فلا بأس.
تخلقوا بالأخلاق الفاضلة من الصدق والسماحة، وبشاشة الوجه، والكرم بالمال والبدن والجاه، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين، واصبروا على المشقة والأذى، فإن الله مع الصابرين.
وقد قيل: إنما سمي السفر سفرا؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال.
فإذا وصلتم الميقات، فاغتسلوا، وتطيبوا في أبدانكم في الرأس واللحية، والبسوا ثياب الإحرام غير مطيبة إزارا ورداء أبيضين للذكور وللنساء ما شئن من الثياب غير متبرجات بزينة.
ولا تجاوزوا لميقات بدون إحرام، أحرموا من أول ميقات تمرون به؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقت المواقيت، وقال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن".
ومن كان في الطائرة، فليتهيأ للإحرام من قبل، ثم ينوي الإحرام، إذا حاذى الميقات قبل مجاوزته.
سيروا بعد الإحرام إلى مكة ملبين بتلبية النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
يرفع الرجال أصواتهم بذلك.
فإذا بلغتم البيت، فطوفوا به طواف العمرة سبعة أشواط، واعلموا أن جميع المسجد مكان للطواف القريب من الكعبة والبعيد، حتى من وراء زمزم لكن القرب أفضل، إذا لم يكن زحام ومشقة.
فإذا أكملتم الطواف، فصلوا ركعتين خلف مقام إبراهيم قريبا منه إن تيسر أو بعيدا.
ثم اسعوا بين الصفا والمروة سعي العمرة سبعة أشواط تبتدئون بالصفا، وتختمون بالمروة.
ومن سعى قبل الطواف فسعيه غير صحيح، إلا أن يكون ناسيا أو جاهلا.
فإذا أكملتم السعي، فقصروا رؤوسكم من جميع جوانب الرأس لا من جانب منه كما يفعله بعض الناس، وتقصر المرأة من أطرافه بقدر أنملة، وبذلك تمت العمرة، وحللتم الحل كله.
فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة، فأحرموا بالحج من مكانكم الذي أنتم فيه، فاغتسلوا، وتطيبوا، والبسوا ثياب الإحرام، وأحرموا بالحج، وسيروا ملبين إلى منى، وصلوا بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، قصرا بلا جمع تصلون الظهر والعصر، والعشاء على ركعتين، وتؤدون كل صلاة وحدها في وقتها اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا طلعت الشمس من اليوم التاسع، فسيروا ملبين إلى عرفة، وصلوا بها الظهر والعصر على ركعتين جمع تقديم، ثم تفرغوا لذكر الله ودعائه، والتضرع إليه مستقبلي القبلة، ولو كان الجيل خلفكم رافعي قلوبكم وأيديكم إلى ربكم مؤملين منه إجابة دعائكم ومغفرة ذنوبكم.
وتأكدوا من الوقوف داخل عرفة، فإن كثيرا من الحجاج ينزلون خارج حدودها، ولا يقفون فيها، ومن لم يقف بعرفة، فلا حج له وعرفة كلها موقـف؛ كما قـال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف"[مسلم (1218) أبو داود(1907)].
فكل نواحي عرفة موقف إلا بطن الوادي وادي عرنة.
فإذا غربت الشمس، فسيروا إلى مزدلفة، وصلوا بها المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين، وأوتروا، وبيتوا بها حتى تصلوا الفجر، ثم ادعوا الله -سبحانه-، واستغفروه، وكبروه، ووحدوه إلى أن تسفروا جدا.
ثم سيروا إلى منى كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل.
فإذا وصلتم إلى منى، فابدؤوا برمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات كل حصاة أكبر من الحمص قليلا، والقطوها من حيث شئتم، وكبروا مع كل حصاة، واعلموا أن الحكمة من رمي الجمرات هي إقامة ذكر الله وتعظيمه، ولذلك يكبر الرامي عند رميه، ولستم ترمون شياطين كما يظن بعض الناس، وإنما ترمون هذه الأحجار في هذه الأماكن تعظيما لله -عز وجل-، واقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا رميتم، فاذبحوا الهدي إن تيسر، ولا يجزئ منه لا من يجزئ في الأضحية، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة، إذا رجعتم، ويجوز صيام الأيام الثلاثة قبل الطلوع، ويجوز في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويجوز صيام الأيام السبعة بعد رجوعكم متتابعة ومتفرقة.
وإذا ذبحتم الهدي المتيسر، فاحلقوا رؤوسكم، والنساء يقصرن، وإذا رميتم، وحلقتم حل لكم كل شيء من محظورات الإحرام إلا النساء، فتلبسون ثيابكم، وتطيبون، ثم تنزلون إلى مكة، فتطوفون بالبيت للحج، وتسعون له بين الصفا والمروة، وبذلك تحلون الحل كله، فيحل لكم جميع محظورات الإحرام حتى النساء.
أيها المسلمون: إن الحجاج يوم العيد يؤدون مناسك عظيمة، ولذلك سماه الله يوم الحج الأكبر: إنهم يرمون جمرة العقبة، ثم يذبحون هديهم، ثم يحلقون رؤوسهم، أو يقصرون، ثم يطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة.
والأكمل أن يفعلوها يوم العيد على هذا الترتيب، فإن قدموا بعضها على بعض، فلا حرج، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما سئل يوم العيد عن شيء قدم، ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج" تيسيرا على العباد ورحمة بهم، ولو أخرتم الطواف والسعي حتى تنزلوا من منى، فلا حرج غير أنكم لا تتمتعون بالنساء قبل ذلك، وإن أخرتم ذبح الهدي إلى اليوم الثالث عشر، وذبحتموه بمكة فلا حرج.
أيها الناس: بيتوا بمنى ليلتين الحادية عشرة والثانية عشرة، وارموا الجمار الثلاث في اليومين بعد زوال الشمس، ابدؤوا برمي الجمرة الأولى الشرقية، فارموها بسبع حصيات، وكبروا مع كل حصاة، ثم تقدموا عن الزحام، وقفوا مستقبلي رافعي أيديكم إلى ربكم تدعونه دعاء طويلا، ثم ارموا الجمرة الوسطى بسبع حصيات، وكبروا مع كل حصاة، ثم تقدموا عن الزحام، وادعوا الله دعاء طويلا وأنتم إلى القبلة رافعي أيديكم، ثم ارموا جمرة العقبة بسبع حصيات، وكبروا مع كل حصاة، وانصرفوا بعد ذلك بدون وقوف للدعاء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف بعد وكبروا مع حصاة وانصرفوا بعد ذلك بدون وقوف للدعاء، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقف بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى، ولم يقف بعد رمي جمرة العقبة.
ولا ترموا قبل زوال الشمس في الأيام التي بعد العيد؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يرمي فيها إلا بعد الزوال، ولكم الرمي إلى الغروب.
وإذا كان الزحام شديدًا جاز لكم أن تؤخروا الرمي إلى الليل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت أول الرمي دون آخره وأذن للضعفة أن يدفعوا من مزدلفة قبل الفجر خوفًا عليهم من الزحام.
وارموا بأنفسكم ولا توكلوا أحدًا يرمي عنكم؛ لأن الرمي عبادة واجبة على الذكور والإناث، فيجب على المرء أن يؤديها بنفسه إلا عند الضرورة مثل أن يكون مريضًا أو كبيرًا أو امرأة حاملًا تخاف على نفسها، أو حملها من الزحام، فيجوز التوكيل حينئذ فيرمي الوكيل الجمرة الأولى عن نفسه ثم يرميها عن موكله، ثم يرمي الثانية عن نفسه ثم عن موكله، ثم يرمي الثالثة عن نفسه، ثم عن موكله.
فإذا رميتم الجمار في اليوم الثاني عشر فقد تم الحج، فمن شاء تعجل فخرج من منى قبل غروب الشمس ومن شاء تأخر فبات بمنى ليلة الثالث عشر ورمى الجمار من الغد بعد الزوال، وهذا أفضل؛ لأنه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولأنه أكثر عملًا حيث يحصل المبيت والرمي في الثالث عشر.
وطوفوا للوداع إذا أردتم ثم السفر إلى بلدكم بعد تمام أفعال الحج كلها؛ لأن طواف الوداع ليس بعده شيء من أفعال الحج، ولقد سمعت أن بعض الناس ينزل فيطوف للوداع ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يستمر في سفره، وهذا خطأ مخالف لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- وفعله، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أن يكون آخر عهد الناس بالبيت.
ومن رمى بعد الوداع فقد جعل آخر عهده بالجمار لا بالبيت، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- طاف بعد أن أتم جميع أفعال النسك.
والوداع واجب على كل خارج من مكة من حاج أو معتمر إلا الحائض والنفساء، فليس عليهما وداع.
وإذا رجعتم إلى بلادكم، فاشكروا نعمة ربكم، وأنيبوا إليه، والزموا طاعته، ولا تعيدوا سيئاتكم لصفحاتكم بعد أن محيت بالحج.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة: 197].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم | إلخ |