الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن سلطان العريفان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
إذا علمنا بأن70% من هذه الأفلام تُنْتَج في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين لنا مدى خطورة نقل خزايا المجتمعات الغربية وعُريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان أطفالنا.. إن هذه البرامج تُكسب الطفل عادات وتقاليد وأنماطًا سلوكية تنافي ديننا وثقافة مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية.. فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل، واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة.. يقول الله تعالى مبينًا دعاء عباده الصالحين (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) [الفرقان: 74]، وانطلاقًا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته"؛ فإن هناك أمرًا لا بد الحديث عنه يتعلق بفلذات أكبادنا.. وخاصة الأطفال الصغار، الذين نشاهدهم يوميًّا يتخدرون أمام شاشة التلفاز لمشاهد أفلام كارتونية.
عباد الله ... إن أفلام الكارتون قنابل تتفجر كل يوم في شاشاتنا الصغيرة دون وعي منا أو متابعة، فهي لا تزال بريئة في أعيننا، مجرد تسلية، نعم أصبحت المسألة مسألة تسلية وحسب.
لكن رأينا كيف أن الأطفال تعلقوا بها تعلقًا شديدًا متأثرين بشخصيات كارتونية.. وهذه حقائق سجّلها متخصصون، ولذا انظر إلى حقائب الأطفال وهم ذاهبون للمدرسة وكذلك كراساتهم.. تجد عليه صورًا لشخصيات كارتونية.
قال أحد الأطباء النفسانيين: أفلام الكارتون من أهم الأساليب المستخدَمة لتربية الطفل والتأثير عليه سلباً كان أم إيجاباً.
وأجمع التربويون وعلماء النفس العرب على أن الطفل العربي محاصر فكريّاً من خلال أفلام الكارتون المدبلجة بما يغريه ويخدعه من باطل مبهرج، وتسميات براقة خالبة، وشعارات لا ترتبط سوى بخيالات منسوجة تجعله محلّقاً في سماء بعيدة عن كوكبه، إنه محاط بما يصرفه عن واقعيته وبيئته ودينه، ومحاولة استثارته بكلمات بديلة عن البطولة التي توارثوها عن الأجداد مثل سأدمر، سأسحق، سأقتل، المحتال، اللعين، المتعجرف، الأحمق.. إلخ تلك العبارات.
وإذا علمنا بأن70% من هذه الأفلام تُنْتَج في الولايات المتحدة الأمريكية، تبين لنا مدى خطورة نقل خزايا المجتمعات الغربية وعُريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان أطفالنا.
إن هذه البرامج تكسب الطفل عادات وتقاليد وأنماطًا سلوكية تنافي ديننا وثقافة مجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية.
فأفلام الكارتون سريعة التأثير؛ لما لها من متعة ولذة. والطفل سريع التأثر؛ لأنه يعيش مرحلة التشكل، واكتساب المعرفة مما حوله، وما تعرضه الفضائيات منها لا يعتمد على حقائق ثابتة، وإنما على خرافات وأساطير ومشاهد غرائزية.
ومن هنا يحدث تبلد ذكاء الطفل، وتضعف عقيدته، وتميع خلقه، فسرعان ما يتشكل الطفل بما يشاهده، فيأخذ أحط العادات وأقبح الأخلاق، بل يسير في طريق الشقاوة بخطى سريعة.
فالرسوم المتحركة تلعب دوراً كبيراً في شد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية، وتحتل المركز الأول في الأساليب الفكرية المؤثرة في عقله؛ لما لها من متعة ولذة. ويكمن الخطر أن الأطفال في فترة تقليد وتقبل وقلوبهم أشبه بالإسنفجة تمتص كل ما يُوضَع فيها.
وقد أكدت الدراسات ترديد الأطفال للألفاظ والعبارات التي يسمعونها، وكذلك تقليد الحركات والأصوات التي تصوّر شخصيات أو حيوانات، إضافة إلى تقليد بعض اللهجات والشخصيات في سلوكها وفي أزيائها. ونجد لوحات إعلانية –وللأسف- في الطرقات لإحدى المكتبات الكبيرة عبارة "أنا وشخصيتي" في صورة طفل، وبجانبه صورة لإحدى الشخصيات الكارتونية.
محاولة تقليد أبطال الأفلام حتى رمى بعضهم نفسه من ارتفاع ثلاث طوابق، مثل البطل الذي يقفز ولا يُصاب بأيّ أذًى.
لقد تعلم الأطفال العنف، فبمجرد انتهاء الفيلم يبدأ الشجار والعنف بين الأطفال؛ تقليداً لحركات أبطال الديجتال.
وظهر في فيلم الحوت الأبيض رجل يسمى صابر كبير الحجم، وله لحية بيضاء طويلة جدًّا، وهو موجود منذ ملايين السنوات في غرفة، لا يظهر حتى يناديه الأبطال عدة مرات، وله قدرة على التحكم في الكون!! ولما سئل بعض طلاب المرحلة المتوسطة هذا يشبه من؟ فقال كثير منهم بعفوية يشبه الله!! جل وعلا وتقدس، وفي نهاية الفيلم يموت صابر تحقيقًا لنظرية فلسفية أن الحق إذا انتصر فلا حاجة لله -تعالى وتقدس- وتسمى (موت الإله). إنه الطعن في العقيدة.
وتخبرنا أمّ أنها سألت ولدها مرة: من الذي ينزل المطر؟ فقال: ساسوكي!! فهو قد شاهد بطل أحد أفلام الكارتون يأمر السماء فتزل المطر.
وهناك من الأفلام ما تقدح في أخلاقنا وآدابنا .. (سندريلا) برنامج فتاة يتيمة.. تتعرف على شاب غني.. يشتمل على مشاهد المعانقة والرقص والتبرج والسفور.
(طرزان) شاب نشأ في مجموعة من الغوريلات.. يجد فتاة من جنسه.. تتكون علاقة محبة بينهما.. تنتهي بأن تعيش معه.. وتلبس تلك الملابس الغريبة العارية.. وتجد العناق على أشده بينهما.
عباد الله .. الحل في هذه القضية، أن نكثر من الدعاء أن يصلح الله أبناءنا وبناتنا، ويجعلهم قرة أعيينا، لا بد من مراقبة الأبناء عند مشاهدة أفلام الكارتون التي تبث، وإن ابتلينا بهذه الشاشات في بيوتنا فهناك من الأفلام الكارتونية المفيدة في العبادة والأخلاق والآداب.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين: لقد انتشرت كثير من السلوكيات بين أبناء مجتمعنا المسلم لم نكن نعهدها قبل انتشار هذه الأفلام الفاحشة، حتى صرنا نسمع بارتفاع معدلات الجريمة بين الشباب، وحوادث السرقة والانتحار، وحوادث السير الدامية، الناتجة عن مرض عدم المبالاة وسلوكيات السرعة المتهورة و(التفحيط) التي يرون مثلها في الأفلام.
أيها الإخوة.. لنتوقف ولو هنيهة لنقول لأنفسنا بصدق: إن البهجة التي نبحث عنها لأطفالنا لا توجد ألبتة في أفلام الكارتون التي لعبت بمشاعر وعقول الصغار أيما تلاعب، ولا توجد التسلية البريئة في الألعاب الإلكترونية.
إنني أتحدث عن صغارنا الذين يحتاجون منا إلى الحنان الحقيقي، وإلى مشاعر الأبوة، وأحاسيس المحبة النابعة من القلوب الكبيرة المحيطة بهم، أتحدث عن المناغاة والملاعبة البريئة والقصص الحلوة التي كانت تسبق النوم، والتي يجب أن نعود إليها، ونمارسها معهم نحن الآباء، والأشقاء والأمهات، أو أي قريب أو بعيد يعيش مع هؤلاء الصغار، أو يرونه صباحًا أو مساء، أتحدث عن هذه الصورة التي من الصعب الحصول عليها في جيل آباء اليوم.
لا بد أن نمنح أطفالنا من أوقاتنا؛ لنتحاور معهم، ونقص عليهم قصص تاريخنا الجليل، ونخرج معهم للفسحة، ونخطط لأوقاتهم.
أسأل الله تعالى أن يقر أعين الآباء والأمهات بصلاح أبنائهم وبناتهم .. اللهم زين الإيمان في قلوب أبنائنا وبناتنا، وكرِّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين ...
ثم صلوا وسلموا على معلم الناس الخير ومربي البشرية على منهج الله القويم سيدنا ونبينا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله كما أمر الله -جل وعلا- فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].