المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | سلطان بن عبد الله العمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إذا كنا نفرح بوجود الأبناء، ونحمد الله عليهم، فهل نحن نسعى لإصلاحهم واستقامتهم، أم أننا نمارس ألواناً من الأسباب التي قد تكون سبباً في انحرافهم؟.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، والصلاة والسلام على من بعثه الله للعالمين سراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق الجهاد.
أما بعد: معاشر المسلمين، إن وجود الولد في حياتك نعمةٌ كبيرة، تسعدُ به، وتقرُ عينك معه، ويقفُ معك في حياتك، ويساعدك في أزماتك، وما أجمل أن يكون الولد على نصيب من الصلاح والاستقامة!.
أيها الآباء: إذا كنا نفرح بوجود الأبناء، ونحمد الله عليهم، فهل نحن نسعى لإصلاحهم واستقامتهم، أم أننا نمارس ألواناً من الأسباب التي قد تكون سبباً في انحرافهم؟.
تأمل معي: هناك عدة عوامل يمارسها بعض الآباء والأمهات تكون سبباً في انحراف الأبناء، ولعلك حينما تتعرف عليها تحذر منها.
أولاً: الاستهزاء بالابن لأجل استقامته وهدايته؛ وهذا أمرٌ قد يمارسه بعض الآباء مع أبنائهم، كقول بعض الآباء: إن ابني بات متشدداً. والسبب أن ابنه بدت عليه مظاهر الاستقامة، أو لعله بدأ يجالس أهل الاستقامة.
فليعلم الأب أنه عندما يصف ولده بالتشدد لأجل تدينه أنه بذلك يضع عقبة كبيرة في استمرار استقامة الابن على الدين. وهل أصبح التمسك بالدين نوعاً من التشدد؟ وهل الانحراف عن الاستقامة والسير في طرق الحرام أصبح هو الطريق الصحيح؟ إنك لتتعجب من زمن التناقضات والغرائب!.
ثانياً: وقد يكون الأب سبباً في انحراف ابنه عندما يمنعه من مجالس الخير، مثل حلقات التحفيظ، والدروس العلمية والمحاضرات, والملتقيات الشبابية التربوية.
وهنا، لا بد للأب أن يعلم أن الابن يريدُ بيئةً صالحة يعيش بينها ليقوى دينه، ويشتد ثباته وتمسكه بهذا الدين، وعندما يمارس الأب منع الابن فإنه بذلك يحرمُ ابنه من الاستمتاع بمجالسة الصالحين الذين هم أقوى وسيلة للثبات، وخاصة في هذا العصر.
ومن جهة أخرى؛ فإن الأب إذا منع ابنه من مجالسةِ الأخيار، فيا ترى؛ هل سيبقى الابن وحيداً؟ بالطبع لا، بل سيبحث عن رفقة أخرى, وقد تكون هذه بداية الانحراف.
ثالثاً: قد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يعامله بالقسوة والغلظة والشدة، فذلك الابن لا يسمع من أبيه إلا ألفاظ السب والشتم، ولا يرى من والده إلا الشدة والجفاء، فحينها يصاب الابن بأزمة نفسية، ويصبح يكره البيت ويكره والده، ويحاول الهروب من البيت، ويبدأ في البحث عن البديل لذلك البيت؛ فيا ترى، أين سيذهب؟ ومع من سيجلس؟.
رابعاً: إن بعض الآباء يحرم أبناءه من المال مما يترتب على ذلك أن يبحث عن المال بطرق غير شرعية، وقد تكون تلك الطرق المخدرات أو السرقات أو غيرها، والسعيد من وعظ بغيره، وكم في السجون من شباب كان سبب سجنهم البحث عن المال! والأب الحكيم يتوازن في إعطاء ولده المال لما يحتاجه، ويربيه منذ نشأته على الحكمة في التعامل مع المال.
خامساً: بعض الآباء يريد من ابنه أن يبقى ملازماً للبيت لا يخرج للترفيه عن نفسه، ولا لحضور مجالس الخير؛ مما يترتب على ذلك الاكتئاب والملل، وبعد ذلك الانحراف التدريجي.
وقد رأيت بعض هؤلاء الآباء الذين يريدون من أولادهم ملازمتهم في كل مكان والبقاء عند محلاتهم وتجارتهم ومنازلهم، بدون اعتدال في ذلك؛ مما يجعل الابن يمل ويضجر من ذلك.
أيها الأب: يجب أن تدرك حاجة ابنك للاستمتاع بالحياة في جوٍ من المباحات لا المحرمات، وأن تكون عوناً له، لا مانعاً له بسبب حرصك الشديد عليه.
سادساً: أحياناً، يريد الأب من الابن أن يسلك وظيفة معينة أو دراسة جامعية معينة والابن لا يريد ذلك التخصص ولا تلك الوظيفة؛ لأنها لا تناسبه ولا توافق أهدافه وطموحاته، ثم يبدأ القلق بينهما والقسوة في التعامل.
والاعتدال هنا أن تسمح لابنك أن يختار التخصص الذي يناسبه، والوظيفة التي يهواها، مع توجيهٍ لطيف وإشارات على الطريق.
سابعاً: بعض الآباء يأتي بالمنكرات إلى البيت، كالقنوات المحرمة، وأنتم تعلمون -معاشر الفضلاء- أن بعض القنوات فيها من الفساد والانحلال الشيء الكثير، والضحية هم الأبناء والبنات، وكم هي القصص التي تؤكد خطر القنوات، وأنها من أكبر أسباب انحراف الأبناء والبنات!.
أيها الآباء: إن بعض الآباء عنده تساهل كبير في مبدأ سفر الأبناء للخارج للسياحة والذي قد يترتب عليه انحراف ابنه؛ لأن الأب إذا سمح لابنه أن يذهب إلى تلك البلاد فإنه سيرى -في الغالب- المناظر المحرمة والمحركات للغرائز، ولا يخفى عليكم فتنة النساء وشدة خطرهن. والسفر للخارج يوقع الشاب في ورطة المخدرات، كما اعترف بذلك الذين وقعوا فيها.
فيا أيها الأب، احفظ ابنك من السفر لتلك الدول التي فيها فتن الشهوات والشبهات التي ربما كانت سبباً لانحراف ابنك أو تغيير منهجه واستقامته وولائه لدينه، وحتى لبلده. فكم هي المخاطر التربوية في مخالطة الشهوات وأصحاب الأفكار المخالفة! والحمد لله؛ إن بلادنا فيها الأمن والأمان، وتغنيك عن تعريض أسرتك للفتن والمغريات.
تاسعاً: بعض الآباء يأتي بالخادمة إلى البيت لأجل بعض الظروف الأسرية، ولكنه ينسى أن هناك في البيت أبناء يتأثرون ولهم شهوة وغريزة، وقد تكون الخادمة ممن تتساهل في الحجاب ومخالطة الرجال، فيترتب على ذلك كثرة النظر لها وحب الخلوة بها.
والحل هنا ليس في منع وجود الخادمات؛ لأن وجودها قد تكون له ضرورة في بعض البيوت، ولكن، لا بد أن يراقب الأب وضع الخادمة وعلاقة الأبناء بها بطريقة ذكية، حتى يسلم الجميع من الفتنة والشرور المتوقعة.
عاشراً: قد يكون الأب سبباً لانحراف الابن عندما يكون همّ الأب هو البحث عن الرزق، والغفلة عن البيت بسبب ذلك، فالأب عنده عمل في النهار وفي الليل، ولديه مكتب هنا وهناك، ومحل تجاري هنا وهناك، ويغيب عن البيت لساعات طويلة، مما يجعل غيابه سبباً للانحراف التدريجي عند الأبناء والبنات.
والحل هنا هو التوازن في الحضور إلى البيت، وعدم الغياب الدائم، والحرص على تكوين علاقة مودة ورحمة مع الأسرة، والحرص على تفقد الأبناء والنظر في دينهم ودنياهم.
اللهم اجعلنا سبباً لصلاح أولادنا وبناتنا، وأقر أعيننا بهم يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله.
وبعد: معاشر الآباء: إن الجهل بطرق التربية الصحيحة من أكبر أسباب انحراف الأبناء، فبعض الآباء يجهل مبادئ التربية الصحيحة ولا يعرف وسائل التأثير في أبنائه، ولا يدري بالفروقات التربوية والنفسية بين الأبناء والبنات، ويترتب على ذلك الأفعال الخاطئة، مما يسبب المشاكل والمصائب.
والحل هنا هو القراءة والسماع والثقافة في أمور التربية، حتى يمكن لك -أيها الأب- سلوك القواعد التربوية في تربية أبنائك وبناتك.
واعلم -أيها الأب- أن ذلك ليس عيباً فيك؛ بل هذا والله من الكمال! لأن بعض الآباء ناجح في أمور دينه أو دنياه وتجارته، ولكنه قد يكون فاشلا في إدارة بيته وتربية أسرته.
وليعلم الآباء أن الدعاء على الأبناء من أكبر أسباب انحرافهم, فبعض الآباء يدعو على أبنائه أو بناته، وقد يستجيب الله له، فيترتب على ذلك الخسارة العظمى، ولهذا ثبت في الحديث: "لا تدعوا على أموالكم، ولا على أولادكم؛ لا توافقوا من الله ساعة فيستجيب لكم" رواه مسلم.
أيها الأب: قبل أن تدعو على أبنائك تذكر أن هذا الدعاء قد يستجاب، وبعد ذلك قد يكون الضياع والانحراف لأبنائك.
أيها المحب: عود لسانك الدعاء لأبنائك وبناتك بأمور الخير والصلاح، لعل هذا يكون مفتاح خير لهم، (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق:1].
إن كثرة المشاكل الزوجية قد يكون سببا لانحراف الأبناء، نعم، إن وجود الخلافات الزوجية، وخاصة أمام الأبناء، يسبب اضطرابا كبيراً في نفسيتهم ويجلب لهم المزيد من التوتر والقلق وغياب الأمن النفسي والتربوي؛ فوصيتي للوالدين بألّا يكون الخلاف والحوار أمام الأبناء، بل لا بد أن يكون في غرفة خاصة؛ حتى لا يشعر الأبناء بشيء.
ولعل من أسباب الانحراف عند الأبناء والبنات تأخير زواجهم مما يترتب عليه الضياع والبحث عن طرق محرمة في قضاء الشهوة، فيا أيها الأب، إن ابنك محتاجٌ إلى العفاف، وهذا العفاف لا يكون إلا بالوقوف معه في ترغيبه في الزواج وتيسيره.
إن الشباب يعانون من تسلط القنوات والصور في الجوالات ومواقع التواصل والأسواق وغيرها من مواقع الفتن، وقد لعبت بعقولهم وقلوبهم مما جعل بعضاً منهم يمارس العادة السرية لأجل تفريغ الشهوة الكامنة في جسده, وبعضهم بدأ يبحث عن الحب المحرم عن طريق المعاكسات وتصيد الفتيات.
أيها الأب: إن الشهوة قنبلة في جسد ابنك وقد تنفجر في أقرب وقت، وإن سعيك لتزويج ابنك يزيل أثر تلك القنبلة، فلماذا لا تقف مع ولدك لكي تعينه على إكمال نصف دينه، وهو الزواج؟.
قد تحتجّ ببعض الأمور، فأقول لك: كن صادقاً مع الله في إعفاف ابنك وستجد العون من الله -تعالى-، واعلم بأنه ثبت في الحديث: "ثلاثة حق على الله عونهم... والناكح يريد العفاف" صحيح الترغيب والترهيب.
أيها الأب: لن أنسى موضوع ابنتك، فهي بحاجة إلى أن تعيش في عالم الزواج وتذوق لذته وسعادته، فأنا أرسل لك رسالة محب: تأكد أن ابنتك تحتاج إلى زوجٍ صادق وصاحب دينٍ وخلق، وذلك أعظم من حاجتها إلى وجودك أنت أيها الأب.
وإن مما يحزن أن بعض الآباء وقع في جرمٍ عظيم عندما تساهل في تزويج بناته، فهاهم بعضُ بناته قد قاربن الثلاثين وهو إلى الآن لم يفكر في تزويجهن! وبعض الآباء يريد بقاء ابنته عنده ليستفيد من راتبها، ولم يفكر في أن ابنته بحاجة إلى العفاف والزواج.
ومن الآباء من أهمل اختيار الزوج لابنته فزوجها من رجلٍ قد أضاع دينه، وترتب على ذلك الحياة الزوجية السيئة، فلا سعادة ولا مودة، بل هموم ومشاكل دائمة بين الزوجين، والسبب هو أنت أيها الأب.
وبعض الآباء قد زوج ابنته التي في العشرين من رجلٍ تجاوز الخمسين بل والستين، فيا ترى، كيف ستكون حياتهم؟ وهل سينجحون في تكوين أسرة سعيدة؟.
اللهم أصلح الآباء والأمهات وارزقهم الحكمة والمعرفة في تربية الأبناء والبنات. اللهم أقر أعين الآباء بصلاح الأبناء.
اللهم احفظ شباب المسلمين وبنات المسلمين من كيد الكائدين والحاسدين، اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا.
اللهم وفقنا لفعل الخيرات والصالحات يا رب العالمين.