البحث

عبارات مقترحة:

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

انطلق انطلق!

العربية

المؤلف هلال الهاجري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
  1. رحلة عجيبة في بعضِ أحداثِ عالمِ البرزخ .
  2. رؤيا نبوية فيها عجائب .
  3. كم من كذبة تبلغ الآفاق في زماننا؟!! .
  4. بعضُ أحوالِ العُصاةِ في عالمِ البرزخ .
  5. شدة عذاب الزناة .
  6. صور من عقوبات آكل الربا .
  7. نحنُ الآنَ في زمنِ الإمهالِ والاستغفار .
  8. الحث على التوبة. .

اقتباس

يا أهلَ الإيمانِ ..نحنُ الآنَ في زمنِ الإمهالِ والاستغفارِ .. زمنٌ تُقبلُ فيه التوبةُ وينفعُ فيه الاعتذارُ .. فما الَّذي يمنعُ من تداركِ عذابِ البرزخِ وعذابِ النَّارِ .. إلى متى يا من تنامُ عن الصَّلاةِ المفروضةِ؟ .. إلى متى يا من يكذبُ فتصلُ كذبتُه إلى الآفاقِ؟ .. إلى متى يا من يزني فينتهكُ الأعراضَ؟ .. إلى متى يا من يأكلُ الرِّبا؟ .. أما آنَ لكم أن تعودوا إلى ربِّكم؟ .. ألم تشتاقوا إلى قربِه وحبِّه لكم؟ .. إن كنتَ تجدُّ صُعوبةً في التَّخلُصِ من المعصيَّةِ، فمدَّ يدك إليه..

الخطبة الأولى:

 إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 71- 72]..

أما بعد: عبادَ اللهِ .. حديثُنا اليومَ عن رؤيا مناميَّةِ .. ولكنَّه ليستْ رؤيا عاديَّةً.. فرؤيا الأنبياءِ وَحيٌ .. فتعالوا بنا ننطلقُ إلى رحلةٍ عجيبةٍ في بعضِ أحداثِ عالمِ البرزخِ .. لنرى شيئاً من ذلك العالَمِ الغيبيِّ الذي يكونُ بينَ موتِ الإنسانِ ويومِ القيامةِ.

عَنْ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ لِأَصْحَابِهِ: "هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا؟"، قَالَ: فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُصَّ، فَسَأَلَ يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ رَأَى أَحَدٌ رُؤْيَا؟: قُلْنَا: لَا، قَالَ: لَكِنْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَإِنَّهُ أَتَانِي آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي: انْطَلِقْ وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا.

وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ -أَيْ يَشْدَخُهُ- فَيَتَهَدْهَدُ الْحَجَرُ هَا هُنَا –يتَدَحْرَجَ- فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ - وَهُوَ حَدِيدَةٌ مَعْطُوفَةُ الرَّأْسِ يُعَلَّقُ عَلَيْهَا اللَّحْمُ-وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ، فَيُشَرْشِرُ –أَيْ فَيَشُقُّ- شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ - وَالشِّدْقُ جَانِبُ الْفَمِ- وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ،فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا – أَيْ: رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ مُخْتَلِطَةً- قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الْحِجَارَةَ فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ -أَيْ يَفْتَحُهُ-فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ -أَيْ قَبِيحِ الْمَنْظَرِ- كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً، وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا–أَيْ يُوقِدُهَا- وَيَسْعَى حَوْلَهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ –أَيْ: غَطَّاهَا الْخِصْبُ- فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيْ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟، قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ.

قَالَ: فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ، لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ، قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ فِيهَا قَالَ فَارْتَقَيْنَا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاهَا فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ، قَالَ: قَالَا لَهُمْ: اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ، قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ -وَهُوَ اللَّبَنُ الْخَالِصُ- فِي الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ، قَالَ: قَالَا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ، قَالَا: أَمَّا الْآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلَهُ، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟".

ونحنُ واللهِ نَعْجَبُ كما عَجِبَ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- .. مناظرُ عجيبةٌ .. وأحوالٌ غريبةٌ .. فما هو خبرُ هؤلاءِ؟ .. فاسمعوا يا عبادَ اللهِ سماعَ مؤمنٍ باللهِ العظيمِ .. خائفٍ من عقابِه الأليمِ.

"قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ".

لا إلهَ إلا اللهُ .. قرأَ القرآنَ مراتٍ ومراتٍ .. ورتَّلَ الآياتِ تِلوَ الآياتِ .. وعرفَ عظيمَ فضلِ الصَّلاةِ .. وعلمَ عقوبةَ التفريطِ في الصلواتِ المكتوباتِ، ألم يقرأْ قولَه تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: 59] .. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، خَبِيثُ الطَّعْمِ .. فلم يكن لهذِه الآيةِ ولا لغيرِها أثرٌ عليه وعلى تعاملِه مع الصَّلاةِ؟، ولذلك كانَ جزاءُه من جنسِ عملِه، فهذا الرَّأسُ الذي كانَ يثقلُ عن القيامِ للصَّلاةِ، ها هو يُشدَخُ بالحجارةِ العظيمةِ فتتكسرُ عظامُ رأسِه مرةً بعدَ مرةٍ إلى قيامِ الساعةِ.

"وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ".

اللهُ أكبرُ .. كأنَ النَّبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- يحكي زمانَنا .. اليومَ مع وسائلِ التَّواصلِ المُختلفةِ .. يستطيعُ الواحدُ منَّا بضغطةِ زرٍ فقط .. أن يَنشُرَ ما شاءَ متى شاءَ .. وتصلُ هذه المعلومةُ إلى مئاتِ الآلافِ .. بل إلى الملايينَ من البشرِ في ثوانٍ .. فانظرْ أيُّها المسلمُ ماذا تنشرُ؟ .. فإن كانَ خيراً فخيرٌ وإن كانَ شراً فشرٌ، فمن يستطيعُ أن يتحملَ هذا العذابَ إذا نشرَ الكَذبَ ؟، تقطيعُ لحمِ الرَّأسِ من الفمِّ إلى الأنفِ إلى العينِ .. عقوبةٌ مُفجعةٌ .. وآلامٌ موجعةٌ إلى يومِ القيامةِ.

"وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي".

سبحانَ اللهِ .. لما كانَ أهلُ الزِّنا في الدُّنيا يستخفونَ من النَّاسِ .. جعلَ اللهُ –تعالى- عذابَهم في تنورٍ .. وذلك لأنه أخفى مكانٍ في البيوتِ القديمةِ .. فإذا بحثوا عن أحدٍ فإنهم يتوقعونَ وجودَه في كلِ مكانٍ من البيتِ إلا التَّنورَ .. وجعلَ عذابَهم ناراً تأتيهم من تحتِهم.. فتبدأُ بحرقِ الأماكنِ التي كانوا يستمتعونَ ويتلذذونَ بها .. فذهبتْ اللَّذاتُ، وجاءتْ الحسراتُ .. وهاهم عراةٌ مفضوحونَ، في العذابِ مُشتركونَ .. بُكاءٌ وأنَّاتٌ .. ضجيجٌ وصَرَخاتٌ .. عذابٌ أليمٌ إلى يومِ الحسابِ.

"وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا".

نعوذِ باللهِ .. ما أعظمَ الرَّبا .. قروضٌ واكتتاباتٌ، وفوائدُ ربويَّةٌ وسَنداتٌ .. فكما خاضَ صاحبُه في المالِ الحرامِ وفي الذَّهبِ الأحمرِ .. ها هو يسبحُ في بحرِ الدَّمِ الأحمرِ .. وكما كانَ الرِّبا ممحوقَ البركةِ ويأكلُ منه ولا يشبعُ .. فها هي الحجارةِ يلتقمُها التقاماً فلا تُسمنُ ولا تُغني من جوعٍ .. فأيُّ عذابٍ هذا؟ .. سِباحةٌ في بحرِ الدَّمِ المُنتنِ .. وأكلٌ للحجارةِ التي تُثقلُ الوزنَ .. فاجتمعتْ عليه تعبُ السِّباحةِ وثِقلُ الحجارةِ .. وعذابٌ مُستمرٌ إلى أن يُنفخَ في الصُّورِ.

"وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنًا وَشَطْرٌ قَبِيحًا فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ".

هذه هي حقيقةُ الرُّويا .. وهذه بعضُ أحوالِ العُصاةِ في عالمِ البرزخِ .. (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، ونفعَنا بهديِّ سيِّدِ المُرسلينَ، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الملكِ الغفارِ، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه على فضلِه وكرمِه المدرارِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له في الخلقِ والاختيارِ، وأشهدُ أن نبيَّنا محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى المختارُ، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه البررةِ الأخيارِ وسلَّمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدِّينِ.

يا أهلَ الإيمانِ ..نحنُ الآنَ في زمنِ الإمهالِ والاستغفارِ .. زمنٌ تُقبلُ فيه التوبةُ وينفعُ فيه الاعتذارُ .. فما الَّذي يمنعُ من تداركِ عذابِ البرزخِ وعذابِ النَّارِ .. إلى متى يا من تنامُ عن الصَّلاةِ المفروضةِ؟ .. إلى متى يا من يكذبُ فتصلُ كذبتُه إلى الآفاقِ؟ .. إلى متى يا من يزني فينتهكُ الأعراضَ؟ .. إلى متى يا من يأكلُ الرِّبا؟ .. اما آنَ لكم أن تعودوا إلى ربِّكم؟ .. ألم تشتاقوا إلى قربِه وحبِّه لكم؟ .. إن كنتَ تجدُّ صُعوبةً في التَّخلُصِ من المعصيَّةِ، فمدَّ يدك إليه وقل كما قالَ أبو إسحقَ الشِّيرازي:

لبست ثوبَ الرَّجا والنّاسُ قَد رقَدُوا

وقُمتُ أشكُو إلى مولايَ ما أجدُ

وقُلتُ يا عُدَّتي في كلِّ نائبةٍ

ومَنْ عليه لِكَشفِ الضُرِّ أعتَمدُ

أشكُو إليكَ أموراً أنتَ تَعلمُها

ما ليْ على حملِها صبرٌ ولا جلَدُ

وقدْ مددتُ يدي بالذُلِّ مبتَهِلاً

إليكَ يا خيرَ مَنْ مُدّتْ إليهِ يَدُ

فلا ترُدّنها يا ربِّ خَائبةً

فبَحرُ جُودِكَ يَروي كلَّ مَنْ يرِدُ

لا واللهِ لن تُردَّ خائبةً .. أتعلمونَ لماذا؟ .. لأنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قد قَالَ: "إنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها" .. يدُّ الغنيُّ ممدودةٌ .. يدُّ الكريمُ ممدودةٌ .. يدُّ الرَّحيمُ ممدودةٌ .. يدُّ الغفورُ ممدودةٌ .. فمدَّ إليه اليدَ العاصيةَ الآثمةَ .. ترجع إليك طاهرةً ناعمةً.

عبادَ اللهِ .. لقد قالَ اللهُ –تعالى- وقولُه الحقُّ: "يا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ".

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا جَمِيعَ ما مَضَى مِنْ ذُنُوبِنا، وَاعْصِمْنا فِيما بَقِيَ مِنْ أَعْمارِنا، وَارْزُقْناعَمَلاً زَاكِياً تَرْضَى بِهِ عَنّا .. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا ما قَدَّمْنا وَما أَخَّرْنا، وَما أَعْلَنّا وَما أَسْرَرْنا،وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّا، أَنْتَ الْمُقِّدِمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لاَإِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ.

اللَّهُمَّ إِنَّ ذُنُوبَنا عَظِيمَةٌ؛ وَلَكِنَّ رَحْمَتَكَ أَوْسَعُ، وَمَغْفِرَتُكَ أَرْجَى، فَاغْفِرْ لَناوَارْحَمْنا، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ..

اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَسْأَلَةِ، وَخَيْرَ الدُّعَاءِ، وَخَيْرَالنَّجَاحِ، وَخَيْرَ العِلْمِ، وَخَيْرَ العَمَلِ، وَخَيْرَ الثَّوابِ، وَخَيْرَ الْحَياةِ، وَخَيْرَ الْمَمَاتِ، وَسَدِّدْنا، وَثَقِّلْ مَوازِينَنا، وَحَقِّقْ إِيمانَنا، وَارْفَعْ دَرَجاتِنا، وَتَقَبَّلْ صَلاَتَنا، وَاغْسِلْ خَطِيئاتِنا، وَنَسْأَلُكَ الدَّرَجاتِ العُلاَ مِنَ الْجَنَّةِ ..

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا صَالِحَ الأَعْمَالِ وَاجْعَلهَاخَالِصةً لِوَجْهِكَ الكَرِيمِ.