البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

آيات وعبر من نزول المطر

العربية

المؤلف ياسين باصبيع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. نعمة المطر وآثار فقدها .
  2. الاستبشار بالمطر بعد القنوط من نزولها .
  3. إحياء الله الأرض بالمطر دليل على إحياء الموتى .
  4. العبرة بتصريف الأمطار .
  5. آيات الله في السحب والبرق والرعد والملائكة والصواعق .
  6. المطر قد يكون عذاباً .
  7. السبب الحقيقي من منع الأمطار .
  8. الاستغفار سبب لنزول الأمطار .
  9. نسبة نزول المطر إلى غير الله .
  10. شيء من هدي نبينا صلى الله عليه وسلم عند نزول المطر. .

اقتباس

من منّا لا يخاف عذاب الله؟! ومن منا لا يأمن مكر الله؟! فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً)، نعم نخاف البرق وما يتبعه من الرعد والصواعق، ونخشى أن يتحول ذلك إلى عذاب، ولكننا نطمع فيما بعده من الغيث والفضل العميم. (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) نعم ينشئ السحاب الثقال، هذه السحب التي نراها كل يوم بأشكال متنوعة وأحجام كبيرة مختلفة، كم طنًّا تزن؟ إن المِتر المكعّب الواحد يزن طنًّا من الماء، فكم فيها من الأطنان؟! ومن يحملها بهذه الأوزان؟! إننا لا نستطيع أن نتصوّر وزنها، غير إنها ثقال كما قال ربنا الملك المتعال. (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)، نعم إن الرعد ليسبح بحمد الله..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله


أما بعد :عباد الله: إننا في بداية الأسبوع الماضي تقلبنا في نعم الله الوافرة، وخيراته العامرة، إذ سماؤنا تمطر، وأشجارنا تثمر، وأرضنا تخضر، فتح الله لنا أبواب السماء، فعمَّ بغيثه أرضنا، فامتلأت سدودنا وآبارنا وسالت بالماء ودياننا، وارتوى زرعنا ونخيلنا. فما لنا لله لا نشكر؟! وبحسن صنع ربنا بنا لا نعتبر؟!

أيها الناس: لا يخفى على أحد ما حصل من الضرر بتأخّر نزول الغيث، فالآبار قد نَضَبت، والأشجار يبِست، والأرض قحَطت، والنخيل قد عطِشت، والثمار قد ذبَلَت، والمواشي قد هُزِلت، والنفوس قد هلعت إلا من رحم الله -تعالى-، فكاد اليأس أن يصيب القوم لما رأوا ما حل بهم؛ فبينما هي الأرض كذلك إذا بها تهتزّ خضراء رابية، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39]، (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) [الشورى:28].

من الذي أنزل الماء من السماء؟ إنه الله رب العالمين، وأرحم الراحمين، (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلا تَشْكُرُونَ)[الواقعة: 68- 70]، اللهم فلك الحمد والشكر على آلائك التي لا تُعدّ ولا تُحصَى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن برحمتك جعلته عذباً زلالاً، فلك الشكر لا نحصي عليك ثناءً، فما بنا من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك فسبحانك اللهم ربنا، فمنك ماؤنا، ومنك طعامنا، (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) أي: تبشر بالخير بعدها (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الروم: 46]، اللهم لك الشكر ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضى .

(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا) أي: يجعله قطعًا، (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي: فترى الماء يخرج من خلاله، (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم: 48].

عباد الله! لقد استبشر وفرح بهذه النعمة الصغار والكبار والصالحون والمقصرون، فترى البهجة والسرور في وجوه الجميع؛ استبشارًا بهذه النعمة وفرحًا بها، ولا يعرف حقيقة هذا الاستبشار إلا من فقد هذه الأمطار, فيصف الله -عز وجل- لنا حالهم: (وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ)[الروم: 49] أي: لقانطين، (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)[الروم: 50]، انظر إلى آثار رحمة الله في النفوس القانطة، وفي الأرض الهامدة التي خشعت والتي بعد ذلك أنبتت، (إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الروم: 50].

عباد الله: إن إحياء الله الأرض بعد موتها لدليل واضح على قدرته -سبحانه- على إحياء الموتى يوم القيامة، ( فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[فصلت:39]، فبينما الأرض جرداء قاحلة إذا بها تهتز خضراء رابية، (وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) [ق:9-11] أي: كذلك خروجكم من قبوركم بعد موتكم، فالذي أحيا الأرض بعد موتها قادر على بعثكم بعد موتكم .

أيها الإخوة الكرام: إن في تصريف الأمطار في بعض البلاد وحبسها عن بعض الدّيار لعبرة لأولي الأبصار وعظة للعصاة والفجار، قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) [الفرقان: 48-50]. يقول ابن كثير في تفسيره ما مختصره: "وقوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ) أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسُقنا السحاب يمر على الأرض، ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى، فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقاً، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة... وقوله: (لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا) أي: ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات، أو ليذكر من مُنع المطر أنما أصابه ذلك بذنب أصابه، فيقلع عما هو فيه". ا.هـ

فالذنوب والمعاصي هي سبب كل شر، وهي طريق كل بلاء.

عباد الله! إن المؤمن المستبصر يتخذ من كل حركة وسكون في الكون آية تدله على عظمة الله وقوته وفضله وكرمه.

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه الواحد

من منّا لا يخاف عذاب الله؟! ومن منا لا يأمن مكر الله؟! فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً)، نعم نخاف البرق وما يتبعه من الرعد والصواعق، ونخشى أن يتحول ذلك إلى عذاب، ولكننا نطمع فيما بعده من الغيث والفضل العميم. (وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ) نعم ينشئ السحاب الثقال، هذه السحب التي نراها كل يوم بأشكال متنوعة وأحجام كبيرة مختلفة، كم طنًّا تزن؟ إن المِتر المكعّب الواحد يزن طنًّا من الماء، فكم فيها من الأطنان؟! ومن يحملها بهذه الأوزان؟! إننا لا نستطيع أن نتصوّر وزنها، غير إنها ثقال كما قال ربنا الملك المتعال.

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)، نعم إن الرعد ليسبح بحمد الله، الرعد وما أدراكم ما الرعد ليسبح بحمد الله -عز وجل-، ذلكم الصوت المخيف الذي يخافه كبيرنا فضلاً عن صغيرنا، والذي يفزعنا في يقظتنا ومنامنا ليُسبِّح بحمد الله -عز وجل-، فما هو الرعد؟ يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "الرعد مَلَكٌ من الملائكة موكل بالسحاب، بيده أو في يده مخراق من نار يزجر به السحاب، والصوت الذي يسمع منه، زجره السحاب إذا زجره، حتى ينتهي إلى حيث أمره"، (حديث حسن، حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1/ 1872).

 ثم يقول الله -عز وجل-: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) نعم، إن الملائكة الكرام لتسبح خوفاً من الله العزيز القهار، ما أجل عظمة الله وما أعظم قدرة الله، (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)[الرعد: 13]، مع أنّ الله عنده هذه الآيات كلها من رعد وبرق وصواعق وملائكة تخافه وتسبّحه، ولكن الناس يجادلون في الله، أي: يكذبون به -تعالى- وبقدرته وعظمته ودينه، (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ) أي: شديد القوة سبحانه، إنها قوةٌ لا حدود لها، فما يعجزه شيء سبحانه (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)[الرعد: 17].

معشر المؤمنين: كما أن المطر مظهر من مظاهر رحمة الله، فهو جندي مطيع من جنود الله، يسلطه الله على هلكة العاصين من الفساق والكافرين كما حصل مع قوم نوح المكذبين الذين لم تنفعهم دعوة رسول الله نوح عليه وعلى نبينا -أفضل الصلاة وأتم التسليم-  فيحكى المولى -عز وجل- قصتهم فيقول: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِْر * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آَيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) [القمر: 9- 16].

فكم أغرق الله بالمطر مدنًا بأكملها، ودمر بها قرى بمن فيها. إننا لنحمد الله إذ لم تكن هذه الأمطار التي هطلت علينا أعاصير مدمرة كما يحصل فيمن حولنا، ونشكره سبحانه وتعالى على ذلك .

أيها المسلمون! إن هذا الغيث الذي أنزله الله علينا لمن فضل الله ورحمته، فنحن نعلم أن أهل منطقتنا هذه يعتمدون -بعد الله تعالى- على المياه الجوفية التي تغذيها الأمطار، وفي انعدام الأمطار انعدام المياه الجوفية، فعلينا أن نقوم بشكر الله، وأن نستعين بنعمته على طاعته، فإن من قام بشكر الله زاده الله، ومن كفر بنعمة الله حرمه الله، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

فاشكروا الله بالثناء عليه بألسنتكم والتحدث بنعمته، واشكروا الله بالقيام بطاعته، امتثالاً للأمر واجتنابًا للنهي، واشكروا الله بالإنابة إليه بقلوبكم واعتقاد أن هذه النعم فضل منه ورحمة وإحسان.

أيها المسلمون: هل نستحق هذه الأمطارَ؟ وهل يظن الواحدُ منا أن هذا المطرَ الذي نزل هو جزاءٌ نستحقه لما قدمناه من أعمال؟ وخاصة إذا نظرنا إلى حالنا وحال المسلمين اليوم من كثرة الذنوب والعصيان، والفسوق والطغيان والظلم والعدوان، والتقصيرِ في حق الله الواحد المنان، والبعدِ عن دينه وشرعه. هل نستحق هذه الأمطار؟ لا، و ألف لا، بل هي رحمة الله الواسعة التي أدركتنا، بل هي رحمة الله التي غلبت غضبه، فو الله ثم والله لولا رحمةُ الله وحلمُه ما رأينا هذا كلَه .

فإنزال المطر ليس بالتأكيد دليلاً على رضا الله عن عباده، فها هي دول الكفر والضلال ينزل عليها المطر يوميًّا وعلى مدار العام، فإن نزول المطر قد يكون بسبب وجود صبي أو رحمةً بالبهائم أو قد يكون استدراجًا من الله -تعالى- لهؤلاء، وقد يكون تنبيهًا للمؤمنين المقصّرين..

ويشهد لهذه الحقيقة ما جاء في سنن ابن ماجه بسند حسن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ولم ينقص قومٌ المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا".

اسمعوها جيدا -أيها الإخوة-: "ولولا البهائم لم يمطروا"، نعم هذه هي الحقيقة، لولا هذه البهائمُ والحيوانات، ولولا رحمة الله ما رأينا هذا الخيرَ. فليس سبب تأخر الأمطار رياح تأتي من الشمال أو الجنوب أو تغير في الأحوال المناخية, لا، إن سبب تأخر الأمطار هو ما ذكره الرسول -عليه الصلاة والسلام-, فإذا ما أقلع الناس عن هذه الطوام رجوْا من الله تعالى الرحمة، ونزول الغيث, قال -سبحانه وتعالى- عن هود -عليه السلام-: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) فما هي النتيجة؟ (يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) [هود:52].

يا قومِ، استغفروا الله وتوبوا إليه من المعاصي كلها كبيرها وصغيرها من الشرك والبدع وما يتعلق بهما, ليس الاستغفار باللّسان, إنما الاستغفار بالفعال, توبوا إلى الله تعالى، أقلعوا عن المعصية, ومع الإقلاع استغفروا الله -عز وجل-, عندها يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم، (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:10-13].

 بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمد لله كما أمر، والشكر لله وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الشافع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر، وسلم تسليما كثيراً ما تلبدت السماء بالغمام وهطل المطر.

أما بعد :روى البخاري ومسلم في صحيحيهما حادثة حدثت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- أنه قال: صلى بنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت بليل، أي: بعد ليلة ممطرة، فلما انصرف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مُطرنا بنوء كذا أو كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".

لقد كان أهل الجاهلية يظنون أنّ نزول الغيث بواسطة كوكب من الكواكب اسمه النوء، فكانوا يعتقدون أنّه هو الموجِد للمطر، فأنكر الله عليهم ذلك، وأبطل قولهم، وجعله شركاً أكبراً مخرج من الملة .

عباد الله! إن بعض المسلمين يقعون أحيانًا في الخطأ الفادح حين ينسبون إنزال المطر إلى غير الله من الكواكب والأنواء أو ارتفاع الضغط الجوي أو انخفاضه أو غير ذلك من الأسباب، فإن اعتقدوا أنها أسباب وليست هي الموجدةُ للمطر ونسبوا نزول المطر إليها فقد وقعوا في الشرك الأصغر، كما يقول العلماء.

إن على كل مسلم أن ينسب نزول المطر لله وحده لا شريك له، وأن يشكره -تعالى- ويقول: مُطرنا بفضل الله ورحمته، وأن لا يعلق نزول المطر بشيء من المخلوقات، سواءً كان كوكباً أو نجماً أو طبيعة كما يزعم البعض .

أيها الإخوة المسلمون، ينبغي علينا اتباع هدي نبينا -صلى الله عليه وسلم- في جميع أمورنا - إن كنا صادقين في محبته - ولقد علّمنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أدعية وأذكارا تقال وأموراً تفعل عند نزول الأمطار - ليبقى المسلم دائمًا متصلاً ومتعلقًا بربه جل وعلا، فلنتعلمها ولنتمسك بها. فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا رأى المطر قال: "اللهم صيِّبا نافعًا" كما في صحيح البخاري، وعند ابن ماجه وصححه الألباني رحمه الله أنه كان يقول: "اللهم اجعله صيّبًا هنيئًا"، وعندما يتوقف المطر كان يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مطِرنا بفضل الله ورحمته".

 وكان إذا نزل المطر وخشي منه الضرَر دعا وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر"، وإذا هبت الريحُ نهانا عن سبّها؛ لأنها مأمورة، وكان يدعو ويقول: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به".

 وجاء في الأثر عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- بسند صحيح أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته".

ومما يُندَب له مع نزول المطر أن يحسر الواحد منا شيئا من ملابسه حتى يصيب جسده المطر تأسيًا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعن أنس -رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لِمَ صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه" (رواه مسلم).

والدعاء -يا عباد الله- عند نزول الغيث مستجاب، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر" (حسنه الألباني في صحيح الجامع).

فهذه كلها من فضائل نزول الغيث، فما لنا لا نغتنمها؟!

اللهم إنا نسألك أن تسقينا غيثًا مغيثاً هنيئًا مريئًا غدقًا مجللاً، اللهم إنا نسألك أن تسقي العباد وتحي البلاد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث والرحمة ولا تجعلنا من القانطين، واجعل ما أنزلته قوة لنا وبلاغاً إلى حين، إنك على كل شيء قدير.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا, اللهم إنّا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنّا نسألك أن ترفع عنّا الغلاء والوبا والزنا والربا وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات .. اللهم انصر إخوانا المجاهدين في سبيلك في كل مكان .