الكبير
كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
بالعلم تُبنى الأمجاد، وتُشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتُبنَى الممالك، ولا يستطيع أن يقدم أحدٌ لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم. وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة.. فالعلماء كنز الملة وحُفّاظ السُّنة وحَمَلة الشريعة، أهل الجاه يذهب قدرهم بذهاب جاههم، وأهل المال تموت قيمتهم بموتهم، أما العلم فلا ينتهي سببه ولا ينقطع نسبه، ولا ينقضي خبره، ولا ينقضي خيره، ولا يخفت صيته، ولا ينقطع أجره وأهله إلى يوم القيامة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل شيءٍ قائم به وكل شيءٍ خاضع له، غنى كل فقير، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، من تكلم سمع نطقه، ومن سكت علم سره، ومن عاش فعليه رزقه، ومن مات فإليه منقلبه، كل ملك غيره مملوك، وكل قويٍ غيره ضعيف، وكل غنيٍ غيره فقير ..
وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسولُه، أحسن النّاس خُلُقًا وأكرمُهم خَلْقا، وأشرفهم نسباً وأعظمهم جودا صلّى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الأخيارِ وأصحابه الأبرار والتابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدّين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: لقد رفع الله -تعالى- شأن العلم وأهله، وبيّن مكانتهم، ورفع منزلتهم، سواء كان العلم الشرعي وفقه الشريعة أو العلم الدنيوي الذي ينفع البلاد والعباد، فقال -سبحانه وتعالى-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)[المجادلة:11].
ومنع الله -سبحانه- المساواة بين العالم والجاهل؛ لما يختص به العالم من فضيلة العلم ونور المعرفة، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألْبَابِ) [الزمر:9].. ولم يأمر المولى -جلا وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، فقال له -سبحانه وتعالى-: (وَقُل رَّبّ زِدْنِي عِلْماً) [طه:114].
وما ذاك إلا لما للعلم من أثر في حياة البشر، فبالعلم يعرف العبد ربه، ويعبده حق عبادته، ويكون أكثر الناس خوفاً وخشيةً منه سبحانه القائل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)[فاطر: 28]، وبالعلم يحصِّن المسلم نفسه من الشهوات والشبهات، وبه يعرف الحلال من الحرام، والحق من الباطل، والخير من الشر، والصواب من الخطأ ..
عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس يخبر أن رجلاً أصابه جرح في رأسه، على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم أصابه احتلام، فأُمر بالاغتسال -أي: أمره من كان حوله وأفتوه بالاغتسال-، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قتلوه، قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال" (حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة: 464 وفي صحيح سنن أبي داود: 364) ..
والعلم طريق موصل إلى جنة الله ورضوانه .. عن أبي الدرداءِ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماء والأرض حتى الحيتان في الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" (صحيح ابن ماجه للألباني: 183) ..
ويكفي فخراً وشرفاً لأهل العلم أن الله استشهد بهم في توحيده فقال: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ) [آل عمران: 18]، فلم يستشهد بذوي الجاه، ولا بذوي النسب العريق، ولا بذوي المال ولا بذوي السلطان، إنما بذوي العلم وحملة المعرفة، فالعلماء كنز الملة وحُفّاظ السُّنة وحَمَلة الشريعة، أهل الجاه يذهب قدرهم بذهاب جاههم، وأهل المال تموت قيمتهم بموتهم، أما العلم فلا ينتهي سببه ولا ينقطع نسبه، ولا ينقضي خبره، ولا ينقضي خيره، ولا يخفت صيته، ولا ينقطع أجره وأهله إلى يوم القيامة.
عباد الله: بالعلم تُبنى الأمجاد، وتشيد الحضارات، وتسود الشعوب، وتبنى الممالك، ولا يستطيع أن يقدم أحدٌ لمجتمعه خيراً، أو لأمته عزاً ومجداً ونصراً إلا بالعلم. وما فشا الجهل في أمة من الأمم إلا قَوَّض أركانها، وصدَّع بنيانها، وأوقعها في الرذائل والمتاهات المهلكة ..
ومن خلال سورة الكهف في قصة نبي الله موسى مع الخضر عليهما السلام سنجد أهمية العلم وخطورة أن يصبح فتنة في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات .. وتبدأ حكاية موسى مع الخضر -عليهما السلام-، حينما كان موسى يخطب يوماً في بني إسرائيل، فقام أحدهم سائلاً: هل على وجه الأرض أعلم منك؟ فقال موسى: لا، اتكاءً على ظنه أنه لا أحد أعلم منه، فعتب الله عليه في ذلك، لماذا لم يكل العلم إلى الله.
فأوحى الله إليه وقال: "إنَّ لي عبداً أعلم منك وإنَّه في مجمع البحرين، وذكر له أن علامة مكانه هي فقد الحوت، فأخذ حوتاً معه في مِكْتَل وسار هو وفتاه يوشع بن نون، وحكت لنا سورة الكهف كيف التقى مع العبد الصالح الخضر،.. قال -تعالى-: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا) [الكهف65-70] ..
وفي رحلة طلب العلم هذه تعرّض موسى -عليه السلام- لثلاثة مواقف؛ الأول خرق السفينة، والثاني قتل الغلام، والثالث بناء الجدار، ولم يدرك أسبابها، ولماذا قام بها الخضر فكانت الإجابة على هذه التساؤلات على لسان الخضر في قوله -تعالى-: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) [الكهف: 79-82].
أيها المؤمنون/ عباد الله: إن العلم الصحيح يجعلك أقرب إلى الحق، وأعلم بما يدور حولك، وأقدر على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، والمكان المناسب، والخضر -عليه السلام- ما قام بما قام به من تلقاء نفسه، وليس هذا من علم البشر، ولكن علّمه الله ولذلك قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) [الكهف: 82]..
وكان الهدف تربية الأمة على طلب العلم، واحترام العلماء، والصبر من أجله، وأن علم الله واسع وعظيم يختص به من شاء، فأراد الله -سبحانه وتعالى- من كل صاحب علم أن يتواضع لله؛ فإن من أعظم صور فتنة العلم: العُجب والغرور، والله -عز وجل- يقول: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85] ..
وكذلك العالم يحتاج إلى فقه نصوص الكتاب والسنة ومدلولاتهما والمصالح والمفاسد وأخف الضررين وأهون الشرين؛ من خلال البحث والاطلاع والتدقيق واتباع الدليل ..
ومن صور فتنة العلم: كتمان العلم، سواء كان العلم الشرعي أو العلم الدنيوي، بمختلف مجالاته، والذي قد يكون ضرورياً في حياة الناس، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة: 159- 160].. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من كتم علمًا ألجمَه اللهُ يومَ القيامةِ بلجامٍ من نارٍ" (صحيح الترغيب للألباني: 121)..
وكتم العلم إما بعدم تعليمه للناس، وإبلاغهم إياه، وإرشادهم إليه وقت الحاجة والضرورة أو بتحريف معناه .. فكم فُتِنَ من عالم أمام السلطان والجاه، فيكتم العلم أو كلمة الحق خوفاً أو مجاملة أو طمعاً في متاع دنيوي، أو إيثاراً للسلامة في وقت يتحتم عليه أن يقول كلمة الحق فيما يحمله من علم..
لما قدم سليمان بن عبد الملك المدينة، وهو يريد مكة, أرسل إلى عالمها الجليل أبي حازم فلما دخل عليه، قال سليمان: "يا أبا حازم, ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم, فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب.. فقال سليمان: كيف القدوم على الله؟ قال: يا أمير المؤمنين, أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه.. فبكى سليمان وقال: ليت شعري, ما لي عند الله؟ قال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله حيث قال: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [المطففين: 13- 14].. قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين..
قال: يا أبا حازم أيّ عباد الله أكرم؟ فقال: أهل البر والتقوى.. قال: فأي الأعمال أفضل؟ فقال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.. قال سليمان: ما تقول فيما نحن فيه؟ فقال: أو تعفيني؟ .. قال: لا بد, فإنها نصيحة تلقيها إليّ.. فقال: إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة المسلمين ولا رضا منهم, حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، وقد ارتحلوا فلا شعرت بما قالوا وما قيل لهم..
فقال رجل من جلسائه: بئس ما قلت.. قال أبو حازم: إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.. فقال سليمان: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟ قال: تدع الصلف وتستمسك بالعروة وتقسم بالسويّة.
قال: يا أبا حازم ارفع إليّ حوائجك؟ قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة؟ قال: ليس ذلك إليّ.. قال: فلا حاجة لي غيرها.. ثم قام فأرسل إليه بمائة دينار فردها إليه ولم يقبلها.. (وفيات الأعيان: ج2/ص423) ..
هذه ثمرة العلم، وهذا واجب العلماء، ولهم مواقف مشرفة في تاريخ أمتنا وحتى اليوم؛ لأن العلم الحقيقي الخالص لوجه الله يحفظ صاحبه حياً وميتاً، ويوجّه سلوكه، ويزيد من ثباته ورسوخه في الحق..
وفي المقابل وجدنا من العلماء من فُتن بعلمه وغرته دنياه، واتبع هواه، وضعف أمام الدنيا ومغرياته وشهواتها وشبهاتها، حتى وجدنا من يفتي بغير ما أنزل الله، ويداهن بالباطل ويروغ عن الحق، بل سمعنا ورأينا من سخّر حياته وعلمه ليكون عوناً للظلمة بتزيين الباطل وتحليل الحرام، والتي من أعظمها قتل النفس ففُتنت الأمة بسبب هذا وضلّ الكثير من الناس وغُيبت الحقائق وشُوهت القيم ..
فكل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غير الحق، ولا بد أن يحيد عن الطريق ولذلك قيل: "احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون" ..
وأصل كل فتنة إنَّما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل .. وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون" (صحيح الجامع للألباني 1551).
والمراد بالأئمة «المضلون» هم المتبوعون من الحكام والعلماء، فَضَلَالُ هؤلاء ضلال لأمم وأجيال وشعوب وراءهم .. ورحم الله عالم الأمة عبدالله بن المبارك حين قال:
وهل أفسد الدين إلا الملوك | وأحبار سوء ورهبانها |
وباعوا النفوس فلم يربحوا | ولم تغل في البيع أثمانها |
اللهم فقهنا في ديننا وعلمنا ما جهلنا .. قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ..
الخطبة الثانية:
عباد الله: نحن أمة كانت الصيحة الأولى المدوية في حياتها التي أطلقها الإسلام في أنحاء المعمورة عند نزول الوحي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ َخلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق 1-5]، وما سادت أمة الإسلام وحكمت الدنيا وبنت الحضارة إلا بالعلم في جميع جوانب الحياة وفي جميع التخصصات والعلوم ..
ولما ضعف الإيمان وفسدت القيم وأُهمل العلم في حياة المسلمين ظهر التأخر والتخلف في جميع جوانب الحياة، وأصبحنا أمة مستهلكة بعد أن كنا أمة منتجة وفاعلة.. بل شهد الغرب أنفسهم بدور هذه الأمة وبفضل علماء الحضارة الإسلامية على أوروبا، ومن هؤلاء: الألمانية (سيجريد هونكه) في كتابها الرائع (شمس العرب تَسْطع على الغرب)، حيث قالت في مقدمته: "إن هذا الكتاب يرغب في أن يرد للعرب ديْنًا لهم على البشرية استُحِقَّ منذ زمن بعيد"..
والأمة اليوم وفي ظل الفتن والصراعات والضعف محتاجة لعلماء الشرع الربانيين الذين ينتفع بعلمهم الحاكم والمحكوم، فتستقيم الحياة ويُعبَد الله في أرضه، ويقوّم الاعوجاج والانحراف في السلوك والمعاملات والاعتقاد، وكذلك فإن الأمة محتاجة إلى عالم السياسة والاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا الحديثة والطب، وغير ذلك لتزدهر وتتطور الحياة وتبنى الأوطان وتعمر الأرض بالخير والنماء ..
وإن العصمة من فتنة العلم وكهف النجاة لذلك يكمن في الإخلاص لله في طلب العلم، والتواضع والصبر، ومراقبة الله، وتقدير المسئولية والواجب الملقى على عاتق العلماء؛ من العمل والتعليم والنصيحة، وإرشاد الناس، وبيان الحق، وعلينا تقدير العلم والعلماء الربانيين، فحقهم علينا عظيم فهم ورثة الأنبياء وحملة الشريعة والموقعين عن رب العالمين والمبلغين عن رسوله الأمين ..
اللهم بصرنا بعيوبنا وعلمنا علماً ينفعنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا واهدنا سبل السلام .. هذا وصلّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..