البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الصيام والتذكير بما ينبغي فيه من الآداب والأحكام

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. فضائل شهر رمضان .
  2. سلوك المؤمن الصائم في رمضان .

اقتباس

فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا موجبات الشقاء والحرمان، وكل ما يوصل إلى الناس، وتعرضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر، والتي لا يحصرها بيان، فإن الله يعطي فيه الكثير من الأجر على القليل من العمل، ويتجاوز فيه -سبحانه- عن عظيم التقصير وكثير الزلل، لمن صدق في التوبة وسارع في الأوبة ..

 

 

 

الحمد لله الرحيم الرحمن، المعروف بالجود العميم والفضل العظيم وسابغ الإحسان، أحمده سبحانه على نعمه العظيمة الغزيرة الحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي جعل صيام رمضان أحد أركان الإسلام، وضاعف فيه الأجور لأهل الصيام والقيام.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أسوة المؤمنين، وإمام المتقين، كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يأتيه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن، فَلَرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.

صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح الدجى، وأئمة الهدى، الذين كانوا يسارعون في الخيرات، ويتنافسون في جليل الطاعات، وعظيم القربات، فكانوا أعظم الناس إقبالاً على الخير، وأشدهم اجتهاداً فيه، وملازمة لتلاوة القرآن، وأعظمهم عناية بحفظ الصيام، حتى كانوا يتفرغون من كثير من مشاغل الدنيا، ويلزمون المساجد، مشتغلين بتلاوة القرآن، ومعرضين عما يخدش الصيام، يقولون: "نحفظ صومنا ولا نؤذي أحداً".

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا ربكم تعالى وأطيعوه، وعظموا نعمه واشكروه، واجتهدوا في طاعته واعلموا أنكم لن تحصوه (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [النور:52].

أيها المؤمنون: لا يخفى أنكم تستقبلون عما قريب ضيفاً كريماً، وموسماً عظيماً، هو شهر رمضان المبارك، بلَّغنا الله جميعاً إياه، ووفقنا للتقرب إليه فيه بما يحبه ويرضاه، وحشرنا في زمرة السابقين المقربين أئمة المتقين؛ فإنه كريم رؤوف رحيم.

عباد الله: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه؛ فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته؛ فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله".

وحدث سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان، فقال: "يا أيها الناس! قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد فيه الرزق، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول الله! ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائماً على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة ماء، ومن سقى صائماً سقاه الله عز وجل من حوضي شربة لا يضمأ بعدها حتى يدخل الجنة. وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما: أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله الله، وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار".

أيها المؤمنون: وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، و"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".

كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصيام جُنَّة، فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم" وشدد صلى الله عليه وسلم في ضرورة حفظ الصيام مما يخدشه أو يفسده، حتى قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم فطرك ويوم صومك سواء".

معاشر المؤمنين: هكذا تحدد هذه الآثار ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المؤمن الصائم في رمضان وهي:

أولاً: أن الواجب على المؤمن صيام نهار رمضان، مستعيناً على ذلك بوجبة السحور قبيل طلوع الفجر، فإن السحور بركة، ولا يسمى الطعام سحوراً إلا إذا كان وقت السحر، مع الحرص على تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، فإنه لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور.

ثانياً: البعد عن كل ما من شأنه أن يجرح الصيام أو يفسده، من فاحش الأقوال، ومحرم الأعمال، وأنواع المفطرات، والوسائل الموصلة إلى ذلك.

ثالثاً: قيام ما تيسر من الليل، ولا سيما صلاة التراويح مع الإمام حتى ينصرف، وكذلك يقوم ما تيسر له من آخر الليل، وليستعن على ذلك بنوم القيلولة أو ما يتيسر من النهار.
رابعاً: الحذر من سهر الليل على غير طاعة، فإنه ينزع بركة الوقت، ويفوت الخير، ويجر إلى الوقوع في الإثم.

خامساً: عمارة الوقت بجليل الطاعات وعظيم القربات؛ من تلاوة القرآن والاستغفار والذكر والدعاء، والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإعانة بالقول والفعل والحال على ذلك، ليكون المرء صاحب سنة حسنة، وإماماً في الخير، يُقتدى بسبقه وحرصه ليكون له أجره ومثل أجل من اقتدى به وانتفع به.

سادساً: الحرص على تفطير الصوام، وسحورهم ومواساتهم وإعانتهم على كل خير، وتحمل أذاهم، وكف الأذى، وبذل المستطاع عنهم، من وجوه الإحسان إليهم، ابتغاء وجه الله تعالى، وطمعاً في واسع مغفرته، وعظيم إحسانه، وجليل إنعامه وإكرامه.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحذروا موجبات الشقاء والحرمان، وكل ما يوصل إلى الناس، وتعرضوا لأسباب رحمة الله في هذا الشهر، والتي لا يحصرها بيان، فإن الله يعطي فيه الكثير من الأجر على القليل من العمل، ويتجاوز فيه -سبحانه- عن عظيم التقصير وكثير الزلل، لمن صدق في التوبة وسارع في الأوبة، وناهيكم بشهر تضاعف فيه الأعمال الصالحة، وتضاعف فيه الأجور، فهنيئاً للصائمين المتقين، بالتجارة الرابحة، وعظيم العفو والصفح والمسامحة. فأعدوا العدة لصيامه، وقيام لياليه، والتنافس في عمل البر وأنواع الخير فيه، وتعرضوا لنفحات الرب الكريم في سائر أوقاته، فرُب ساعة وفق لها العبد فاغتنمها في رضوان رب العالمين، فارتفع بها إلى منازل المقربين (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة:4].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.