الغني
كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...
العربية
المؤلف | عبدالله بن صالح القصير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
اتقوا الله وحصنوا أموالكم بالزكاة، واطلبوا زيادتها وبركتها بالصدقات، واعلموا أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وأن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس، وهي سترة بين المتصدق وبين النار عندما يجوز الصراط؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة
الحمد لله الذي آتانا المال، وجعلنا فيه مستخلفين، وأمرنا بإنفاقه ابتغاء وجهه، وقال: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]. أحمده سبحانه جعل إنفاق المال في سبيله برهاناً على صدق الإيمان، ودليلاً على صفة الإحسان، وسبباً من أسباب نيل الرضوان، وبلوغ أعلى درجات الجنان.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يحب المتقين، ويجزي المتصدقين، فلا يضيع أجر المحسنين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أئمة المتصدقين وأسوة المحسنين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله وحصنوا أموالكم بالزكاة، واطلبوا زيادتها وبركتها بالصدقات، واعلموا أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، وأن كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس، وهي سترة بين المتصدق وبين النار عندما يجوز الصراط؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة.
أيها المسلمون: إن الله تعالى جعل هذا المال محنة لأقوام ومنحة لآخرين، فقد أعطى عباده الخير الكثير والمال الوفير؛ ليمتحن بذلك إيمان المدعين، فيظهر جود الكرام المحسنين، ويبين بخل الأشحاء الهلعين، فمنهم من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بالمسلمين الدوائر (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة:98-99].
أيها الناس: إن ما بأيديكم من أموال عارية الله عندكم، كانت بأيدي من سبقكم، وستنتقل إلى من بعدكم، فانتفعوا منها ما دامت في أيديكم؛ فقد صح عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون".
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "ألهاكم التكاثر؛ يقول ابن آدم: مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس".
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا أحدٌ إلا ماله أحب إليه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر".
وعند الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها إلا كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلها غير كتفها" وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا".
فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وانتفعوا من أموالكم ما دامت في أيديكم، بالتقرب إلى الله، والمسارعة إلى ما فيه رضاه، (فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد:7].
ابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، أنفقوا عليهم من طيبات ما كسبتم ومما أخرج الله لكم من الأرض (وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة:267]. فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وما تصدق أحد بعدل تمرة من كسب طيب إلا أخذها الرحمن بيمينه، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل.
أيها المؤمنون: تحروا بصدقاتكم ونفقاتكم الفقراء، وهم كل من لا مال له ولا حرفة ولا وظيفة، والمساكين هم من لهم شيء من ذلك، لكن لا يقوم بحاجاتهم ومؤنتهم، وآثروا بها من كان منهم ذوي القربى؛ فإن الصدقة على ذي الرحم ثنتان، صدقة وصلة، ولا تغفلوا عن جيرانكم منها؛ فإنهم من أولى الناس ببركم وإحسانكم، وإن خير الجيران خيرهم لجاره، وأولاهم بذلك أقربهم منكم باباً، وواسوا بصدقاتكم وزكواتكم المجاهدين الذين يجاهدون الكفار، ويتلقون بصدورهم الحديد والنار، حماية للدين ودفاعاً عن الأعراض، ومحافظة على كرامة المسلمين؛ تنفيذاً لما جاء من الأمر بالجهاد بالنفس والمال في الكتاب والسنة، وطلباً لعظيم الأجر وجزيل المثوبة، ورجاء لحسن العاقبة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران:92].
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الذكر والهدى والبيان، وحبب إلينا الإيمان، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وجعلنا من الراشدين، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.