الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | وليد بن سالم الشعبان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فالجزاء من جنس العمل سُنةٌ إلهيةٌ، وقاعدة عدليةٌ، مستقاةٌ من النصوص الشرعية، ومعناها أن جزاء العمل من جنس عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، (جَزَاء وِفَاقًا) [النبأ:26]، وكما تُجازِي تُجازَى.
الخطبة الأولى:
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: قضى الله تعالى بحكمته أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر، ليُعرِّفَ العبادَ أنه رحيم حكيم، حَكَم عدل.
فالجزاء من جنس العمل سُنةٌ إلهيةٌ، وقاعدة عدليةٌ، مستقاةٌ من النصوص الشرعية، ومعناها أن جزاء العمل من جنس عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، (جَزَاء وِفَاقًا) [النبأ:26]، وكما تُجازِي تُجازَى.
و(الجزاء من جنس العمل) قاعدةٌ مُرغِّبة مُرهِّبة، لها آثارٌ عظيمةُ النفع في إصلاح الدين والدنيا، وهي دافعة للأعمال الصالحة، ناهية عن الظلم، مواسية للمظلومين.
إن المسلمين بحاجةٍ ماسةٍ إلى فهم هذه القاعدة، وإلى اليقظة والحذر من التغافل عن عواقبها،
فلو وضع المسلم هذه القاعدة نُصب عينيه، لزَجَرتهُ عن كثير من الذنوب والمعاصي، ولتخيل دائماً ما ينتظره مِن جزاءٍ على أعمالهِ خيرها وشرِّها.
ولو استحضر الظالم عاقبة ظلمه، وأن الله سيسقيه من نفس الكأس عاجلاً أو آجلاً، لكَفَّ عن ظلمه وتاب إلى ربِّه.
ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحُرمات الناس وينتهك أعراضهم، علِمَ أن عدل الله قد يقضي بأن يُنتهك عِرضُه، لتاب وعَفَّ عن أعراض الناس.
أيها المؤمن: (الجزاء من جنس العمل) قاعدةٌ شرعيّةٌ عدليةٌ، قد دلّ عليها كثيرٌ من نصوص الكتاب والسنة إجمالاً وتفصيلاً، فمن ذلك: "الراحمون يرحمهم الرَّحمن"، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، ولمّا رَحِمت المرأةُ البغيُّ الكلبَ وسقته، رحمها الله وغفر لها آثامها برحمتها لذلك الحيوان، فكيف بأجْرِ مَن رحِم الضعفة واليتامى وسائر الإنسان؟ فمن رَحِم رُحِم، كما أن "من لا يرْحَم لا يُرْحم"، والجزاء من جنس العمل.
ودلّت نصوص الكتاب والسنة على أن من عامَلَ الخلقَ بصفةٍ عامَلَه الله بتلك الصفةِ بعينِها في الدنيا والآخرة، فمن أحسن إلى الخلق أحسن الله إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن بخل عنهم أمسك الله عنه فضلَه، وما نقصت صدقة من مال؛ بل تزيده، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا، وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ لمال، إِلاَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ. والجزاء من جنس العمل!.
ومَن تواضع للخلْق رفعه الله، ومن تكبّر عليهم وضعه الله، ومن لبس ثوب شُهرةٍ ألبسه الله يوم القيامة ثَوب مهانة، و"من تركَ شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا منه"، و"من يسر على معسر يسر الله عليه"، و"من فرَّج عن مسلم كُربة فرّج الله عنه كربة من كُرَبِ يوم القيامة"، "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، و"من سلك طريقا يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة"، ومن هدى الناسَ وعلّمهم هداه اللهُ وعلّمه، وبحسب هدايتك للناس وتعليمك إيّاهم، تكون هداية الله لك وتعليمه إيّاك. والجزاء من جنس العمل!.
ودلّت نصوص الكتاب والسنة على أن مَن وَصَل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه، ومن تقرّب إلى الله تقرب الله منه أكثر، ومن نصر أخاه المسلم نصره الله، ومن خذله خذله الله، ومن تتبّع عورات المسلمين تتبّع الله عورته وأظهر عيوبه ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر داره، ومن ستر عليهم ستره الله وأخفى عيوبه، ومن ردَّ عن عِرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يُغنِه الله، ومن يتصبر يُصبِّره الله، ومَن أقال مسلماً عثرته أقال الله عثرته يوم القيامة. والجزاء من جنس العمل.
أيها الإخوة في الله: من أرضى والديه وبرّهما، رَضِي عنه الربُّ وبرّه الابن، ومن أسخطهما، سَخِط عليه الربُّ وعقّه الابن، ومن حفظ اللهَ وراعى حقوقَه، حفظه اللهُ من الشبهات والشهوات المحرمة، وحفظه الله في صحته وعقله وماله وولده. والجزاء من جنس العمل.
ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّاها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ومن ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين يوم القيامة، ومن فرَّق بين والدة وولدها ظلماً وعدواناً فرَّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، ومن جمع بين متحابَيْن أو أصلح بين اثنين جمع الله بينه وبين أحبته وأصلح له شأنه. والجزاء من جنس العمل.
ومن كانت هِمتُه الآخرة جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا راغمة، ومن كان همّه الدنيا فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له.
وهكذا عباد الله، في جميع الأمور، الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان، فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
فنسأل الله أن يَمُنَّ علينا وعليكم بالعلوم النافعة، والأعمال الصالحة، وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيما.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي من حكمته جعل الجزاء من جنس الأعمال، وأرى العباد من ذلك نموذجا ليحدوهم به إلى أكمل الخصال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي فاق الخلق في كل كمال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل.
أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: الجزاء من جنس العمل، كما يكون على مستوى الأفراد، فهو كذلك على مستوى الجماعات والدُول.
فقد يُعاقب الله الجماعات بسبب أعمال أفرادها، ويكون عقابها من جنس أعمالهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ" رواه ابن ماجه، وحسّنه الألباني.
ومن حكمة الله في الدُول أن يجعل مُلوكَ العِبادِ ووُلاَتهم مِن جِنس أَعمالِهم، فإن استَقامُوا استَقامَت مُلوكُهم ووُلاَتُهم، وإن جارُوا جارَت علَيهم مُلوكُهم ووُلاَتُهم، فكما تكونوا يولّى عليكم، (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف:129]، وَالْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
فلنتق الله - عباد الله - ولنحذر مما يُغضب الله عز وجل، ولنراجع أنفسنا، فما يحل بنا من قحط وجدب وغلاء أسعار وتسلط أعداء، سببه ذنوبنا ومعاصينا، وطريق الإصلاح والتغيير هو بتغيير ما في الأنفس إلى ما يحبه الله ويرضاه، تحقيقاً لقوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]، وكما قال القائل: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقُمْ لكم على أرضكم؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
اللهم أصلح أعمالنا وقلوبنا وأحوالنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، و? مبلغ علمنا، و? تسلط علينا من ? يرحمنا.
اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم ارحم المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عن المستضعفين من المسلمين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين، واحفظ عليهم دينهم وأمنهم وأعراضهم وأموالهم يا رب العالمين، اللهم اكفنا والمسلمين شر الأشرار وكيد الفجار، اللهم ولّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارهم يا رب العالمين.
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويقاتلون أهل دينك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك, اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز.
اللهم وفقّ ولاة أمرنا بتوفيقك، وأيّدهم بتأييدك، واجعلهم من أنصار دينك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ارزقهم بطانة الصلاح وأهل الخير، وأبعد عنهم أهل الزيغ والفساد.
اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب العالمين.
اللهم الطف بحال إخواننا المتضررين في تبوك، اللهم كن لهم ولا تكن عليهم، وأعنهم ولا تعن عليهم، وسدد أمرهم، ووفقهم لكل خير يا أرحم الراحمين.
اللهم سلمهم وأموالهم، واجعل ما أصابهم مكفراً لذنوبهم ورافعاً لدرجاتهم، واخلف عليهم خيراً، بمنك وفضلك إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.