البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

المنان

المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

الغيرة

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم الشعلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. المقصود بالغيرة .
  2. ضعف الغيرة لدى بعض المسلمين .
  3. أهمية الغيرة ومكانتها .
  4. أسباب ضعف الغيرة .
  5. حرص الكفار على إضعاف غيرة المسلمين .
  6. قصص رائعة في الغيرة .

اقتباس

فالغيرة -عباد الله- أمرها عظيم، وخطبها كبير؛ فلنسع بما يقويها في قلوبنا، ويحركها في عواطفنا وعقولنا، وأن نسيرها بدين الله -عز وجل- القويم، وتعاليمه الرفيعة، حتى لا يحصل فيها إفراط ولا تفريط، ولنقطع على أعداء الدين أمنيتهم، ونجعلهم على أعقابهم ينقلبون، وعلى ما ..

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أمر بتعظيم حرماته، أحمده سبحانه حمداً كثيراً على أفضاله وأفعاله وأسمائه وصفاته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أرضه وسماواته، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله أرسله الله بالحق وأيده بآياته، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه الذين نصروه في ضرائه وسرائه، وسفره وإقامته، ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

وقال -عليه الصلاة والسلام-: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".

يا ساكن الدنيا تأهب

وانتظر يوم الفراق

وأعد زاداً للرحيل

فسوف يحدي بالرفاق

وأبك الذنوب بأدمع

تنهل من سحب المآقي

عباد الله: كلمة أخطأ كثير من الناس في نطقها، وزالت حقيقتها ومعناها ومغزاها من عقولهم، وماتت في قلوبهم، فكان لذلك الأثر السيئ في مجتمعهم.

هذه الكلمة -عباد الله- هي الغيرة، بفتح العين وسكون الياء.

وأعني بها الغيرة الدينية، يخطئ الكثير في نطقها، فيقول: الغِيرة، بكسر العين، فيكون معناها تغير المعدة واعتلالها، وهذه الغيرة التي نعني، زالت حقيقتها ومعناها من عقول بعض المسلمين في هذا الزمان، وماتت في قلوبهم، فلم يعد لها أثر بالكلية، أو لها أثر، ولكنه أثر ضعيف، لا قيمة له.

هذه الغيرة -عباد الله- كدنا نفقدها في هذا الزمان مع أنها صفة كمال في الرجال، ومنزلة عظيمة جدا وجليلة المقدار أثبتها رسول الهدى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- للصحابي الجليل، سعد بن عبادة -رضي الله تعالى عنه-، لما قال سعد -رضي الله عنه-: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتعجبون من غيرة سعد، لا أنا أغير منه، والله أغير مني" [أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم].

وفي رواية قال -عليه الصلاة والسلام-: "إنه لغيور".

وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله" [أخرجه مسلم].

ونُقل عن الخليفة الراشد أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: "بلغني أن نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق، أما تغارون؟ إنه لا خير فيمن لا يغار".

ونقل عن محمد بن علي بن الحسين أنه قال: "ما من امرئ لا يغار إلا منكوس القلب".

وقد قيل في تفسير الديوث -أعاذني الله وإياكم من الدياثة-: إنه الذي لا غيرة له.

وقيل: إنه الذي يقر السوء في أهله.

وقيل: الذي يُدخل على امرأته.

والكل متقارب.

واتصفت بهذه الغيرة صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والتابعون لهم بإحسان، فكان من آثار ذلك أن حاربوا المنكرات وأهلها، وألزموا أهليهم ومن تحت أيديهم بشريعة الله، وقاموا عليهم بما أمر الله -عز وجل- به، وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وفهموا الغيرة فهما واضحاً وجلياً، فحققوها بجميع أنواعها ومشاربها، وحموها مما يكدرها ويضعفها أو يزيلها، فاستقام مجتمعهم، وحسنت أحوالهم وساد الأمن والاستقرار ربوع بلادهم، وهابَهم أعداؤهم.

وأما اليوم وفي هذا الزمان، فقد كثرت الأسباب التي أضعفت الغيرة في كثير من المسلمين وأماتتها في بعضهم.

ومن أعظم الأسباب: الجهل بشريعة الله، وبأحكامه الدينية والدنيوية والأخروية، والذي سببه الانصراف إلى علوم لا قيمة لها، والانشغال بثقافة لا تسمن ولا تغني من جوع، والاهتمام بأمور الدنيا الفانية.

ومن الأسباب: الاختلاط بالمجتمعات الغربية بداعي النزهة والسياحة، والتعرف على بلادهم والآثار التي فيها، وبعض من يذهب بلادهم لم يتحصن بالعقيدة الإسلامية والعلم الشرعي والخلق الإسلامي الرفيع.

ومن الأسباب: الغزو الغربي المتنوع لبلاد المسلمين، غزو فكري خبيث، وغزو أخلاقي فاسد ماجن، وغزو جنسي مسعور، سواء عن طريق الصحف والمجلات، أو عن طريق الإذاعات المتعددة الموجات، أو عن طريق القنوات الفضائية عبر الشاشة الفضية، والتي فتح بعض المسلمين أو أكثرهم الباب على مصراعيه؛ لتدخل هذه الأنواع من الغزو بيته ومحله وقلبه وعقله، وغزو عسكري في بعض البلاد كما يجري اليوم وجرى بالأمس.

مما نتج عنه ظهور الفساد العقدي والفساد الخلقي في مجتمعات المسلمين، وظهور الفساد الأسري في كثير من بيوت المسلمين، والانصراف عن طاعة الله وعبادته، وضعف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك بسبب ضعف الغيرة، أو ذهابها بجميع أنواعها وشعبها؛ فلا غيرة على ما ضاع من أعمال صالحة، ولا سعي في استدراكها بجنسها أو بمثلها، ولا غيرة على القوة والنشاط وبذلها في طاعة الله -عز وجل- قبل أن تتبدل بالضعف والوهن، بل تركوها تذهب عليهم في غير طاعة الله، إما في معصيته، أو في شيء لا يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة.

ولا غيرة على الوقت قبل أن ينقضي وينصرم بدون فعل صالح، بل الوقت ينقضي في حقهم وتنصرم أيامه، وهم في غفلة وصدود؛ فالوقت سيف إن لم تقطعه وإلا قطعك، والوقت سريع الانقضاء.

عباد الله: لنفطن لهذا الأمر، ونتنبه لخطورته، فإن أعداء الدين قرروا في مخططاتهم، ورسموا في قراراتهم بنوداً تتعلق بهذا الوصف العظيم الجليل وصف الغيرة، وأعني به الغيرة الدينية.

موضوع هذه البنود إماتة الغيرة الدينية في قلوب المسلمين، فإذا ماتت صار المسلمون عوناً لهم على غزوهم بأنواع الغزو التي من ذكرها، فلا تتحرك قلوبهم إذا شوهت صور الإسلام، ورمي بأنه دين التخلف والرجعية، ولا تتحرك عواطفهم إذا ما نال مبغض وشانئ من أولياء أمور المسلمين، وعلمائهم الشرعيين، ودعاتهم إلى الله، ولا تأخذهم الحمية إذا ما سعى المفسدون بما يخل بنظام المجتمع المسلم، ويفسد أخلاقه، ويعكر صفوه واستقراره، هذا إن لم يسعوا بأنفسهم في هدم عقيدة التوحيد ونشر الباطل والضلال في مجتمع المسلمين.

فالغيرة -عباد الله- أمرها عظيم، وخطبها كبير؛ فلنسع بما يقويها في قلوبنا، ويحركها في عواطفنا وعقولنا، وأن نسيرها بدين الله -عز وجل- القويم، وتعاليمه الرفيعة، حتى لا يحصل فيها إفراط ولا تفريط، ولنقطع على أعداء الدين أمنيتهم، ونجعلهم على أعقابهم ينقلبون، وعلى ما فعلوا وخططوا يندمون.

الخطبة الثانية:

بعد المقدمة.

عباد الله: إليكم هاتين الحادثتين اللتين وقعتا في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتبين منهما ما كان عليه الصحابة من الغيرة العظيمة:

الأولى: ما حدثت به أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، لم أكن أحسن أخبز، وكان يخبر جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوماً والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعه نفر من الأنصار، فدعاني، ثم قال: "إخ إخ" ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته -وكان أغير الناس- فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني قد استحييت فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: "والله لحملك النوى على رأسك كان أشد علي من ركوبك معه".

والحادثة الثانية: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حدث أصحابه، فقال: "دخلت الجنة أو أتيت الجنة، فأبصرت قصراً، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك" قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أو عليك أغار؟.