الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - الحكمة وتعليل أفعال الله |
إنَّ مما تشمئز منه النفوس الطاهرة، وتنفر منه الطباع السليمة، وتنكره الفطر الصحيحة: استعمال المرء لفرجه فيما حرَّمه الله عليه، وذلك عن طريق الزنا أو عمل قوم لوط أو السحاق، ولقد نهى الله -عز وجل- عن ذلك كله، وسد كل طريق يوصل إليه، وما ذاك إلاَّ حماية للعرض البشري أن يُدنس أو يُمتهن. في الخطبة الماضية تحدثنا عن الزنا وخطره، واليوم -بإذن الله- نتكلم عن دواعي الزنا التي يستخدمها الشيطان طرقاً يغوي بها ضعاف الإيمان من الخلق، ليرديهم في معاطن الزنا من حيث لا يشعرون...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..
أما بعد: فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم وراقبوه وطبّقوا أوامره واجتنبوا نواهيه، ولنحذر أن يكون علمنا وبالاً علينا، إنَّ الله خبير بما تعملون.
معاشر المؤمنين:
إنَّ مما تشمئز منه النفوس الطاهرة، وتنفر منه الطباع السليمة، وتنكره الفطر الصحيحة: استعمال المرء لفرجه فيما حرَّمه الله عليه، وذلك عن طريق الزنا أو عمل قوم لوط أو السحاق، ولقد نهى الله -عز وجل- عن ذلك كله، وسد كل طريق يوصل إليه، وما ذاك إلاَّ حماية للعرض البشري أن يُدنس أو يُمتهن.
عباد الله: في الخطبة الماضية تحدثنا عن الزنا وخطره، واليوم -بإذن الله- نتكلم عن دواعي الزنا التي يستخدمها الشيطان طرقاً يغوي بها ضعاف الإيمان من الخلق، ليرديهم في معاطن الزنا من حيث لا يشعرون:
السفر إلى الخارج، إلى تلك الدول الإباحية أو شبهها، وللأسف أنَّ أكثر المسافرين إلى تلك الديار هم من الشباب الذين يعانون من شدة الشهوة ما الله به عليم، ولقد عُرف بالاستقراء والتتبع بل باليقين الجازم، أنَّ بعض الذاهبين إلى تلك الديار أيًّا كان الهدف، للدراسة أو غيرها أنَّهم -إلاَّ من رحم ربي- يهيمون في مستنقعات الفساد وأوحال الخنا، فبيوت الدعارة والبارات والمراقص عليهم بذلك شاهدة، ومن لم يقارف صراحًا، عمد إلى الزنا المغلف، وهو ما يسمى بالنكاح العرفي، وهو أخبث من الزنا الصريح، فليتق الله أولئك الآباء الذين يزفون بفلذات أكبادهم إلى تلك الديار، وما يدري أنَّه يهلكهم ويقتل الإيمان في قلوبهم إلاَّ من رحمه الله تعالى.
ومن الدواعي أعاذنا الله وإياكم:
سفر المرأة بلا محرم، فالمرأة ضعيفة مستهدَفة، عرضة لكل مجرم، فإذا سافرت لوحدها زاد الخطر عليها، وكثر فيها الطامعون ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فيما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسافر المرأة إلاَّ مع ذي محرم".
حتى لو كان وليها يصحبها إلى باب الطائرة، والآخر يستقبلها فهي في سفرها بلا محرم، ومن يضمن أن لا تهبط الطائرة هبوطاً اضطرارياً في غير وجهتها، ومن يضمن أن يركب بجوارها في المقعد رجل فاجر يعتدي عليها بلفظ أو عمل أو يغويها بطرقهم الخبيثة، ونحو ذلك مما يتوقع.
فقل لي بربك: ما هو حال شابة لوحدها تسافر لدولة كافرة لإكمال دراستها، والذي كثر هذه الأيام، والله المستعان.
ومن دواعي الزنا: التبرج والسفور:
إنَّ هذه السمة بدأت تظهر جلياً في نساء المسلمين، فإنَّ أعداء الله لما رأوا أنَّ المسلمين لا يتخلون عن حجابهم، عمدوا إلى ذلك الحجاب فجعلوه أداةً للفتنة، فبدءوا يطورونه بأساليب مغرية، كما هو المشاهَد الآن، والنساء يلهثن وراء تلك الموضات، وللأسف ليس هنالك رقيب، ولا حسيب، حتى إننا لنرى تأويل حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- جلياً واضحاً في نساء المسلمين إلاَّ من رحم الله.
كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: وذكر أحدهما: نساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة".
وقد فسر قوله: "كاسيات عاريات" بأن تلبس ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يصف بشرتها أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها مثل عجيزتها وصدرها، ونحو ذلك، وإنما كسوة المرأة ما يسترها فلا تبدي جسمها ولا حجم أعضائها لكونها كثيفةً واسعة.
معاشر المسلمين: إنَّ التبرج علامة على نفاق المتبرجة، وقد جاء الوعيد بحرمانها من الجنة بذلك، أخرج البيهقي في سننه من حديث سليمان بن يسار مرسلاً: "خير نساءكم الولود الودود المواسية المواتية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهن المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلاَّ مثل الغراب الأعصم".
فليتق الله أولياء الأمور، وليحيوا في أنفسهم الغيرة، وليأخذوا على أيدي سفهائهم قبل أن يندم الولي، ولات حين مندم.
اللهم أعذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون:
إنَّ من أعظم دواعي الزنا التي جاء الإسلام بتحريمها، والتحذير منها، الخلوة بالمرأة الأجنبية، وما ذاك إلاَّ لأنَّ الشيطان يحضر مجالس الخلوة فيملي ويمني حتى يقع العبد في الفاحشة، والعياذ بالله.
أخرج البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء" قال رجل من القوم: أرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"، والحمو قريب الزوج.
وأخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث عمر قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلاَّ كان الشيطان ثالثهما".
وقيل لامرأة سيدة في قومها وقد زنى بها عبدها: مالك زنيت مع عبدك وأنت سيدة قومك، قالت: قرب الوساد وطول السواد، تعني اختلاطه بها في المنزل، وطول المصاحبة.
ومن صور الخلوة المحرمة التي تعد من دواعي الزنا، خلوة المرأة مع السائق في السيارة، ولو كان الزمن يسيراً، فهل تتوقعون أن السائق بشر بلا شهوة، فمن طالت عزوبته، ورق دينه، خيف منه، ولو كبرت سنه، فالحذر الحذر.
ومن صور الخلوة المسهلة للزنا، والتي تساهل فيها الناس: الخلوة بالخادمة في المنـزل، فكم جرت هذه الخلوة من الويلات، كم أفسد الآباء والأمهات حياة أولادهم بجلب الخادمات اللاتي في الغالب يكن صغيرات في السن وربما جميلات في المنظر، أو كافرات، ثم تترك وحدها مع الشاب المراهق في المنـزل غفلة منهما أو تهاوناً، ناهيك عن الاسترسال في الكلام بينهما، وربما المزاح، والله المستعان.
ومن صور الخلوة: خلوة المرأة مع الطبيب أو العكس، فكم نتج عن ذلك فساد عريض.
ومن صور الخلوة كذلك: خلوة البائع بالمرأة التي تريد الشراء داخل المتجر، فكل تلك الصور يحضرها الشيطان ويكون هو ثالثهما ثم لا تسل عن طرق الشيطان في زرع بذور الزنا والخنا، وإن لم يقع الزنا، فالاعتداء على المرأة وشيك من بعض الفجرة، قال عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لأن أؤتمن على بيت المسلمين أهون عليّ من أن أؤتمن على امرأة سوداء ليلة واحدة".
ومن دواعي الزنا كذلك: الاختلاط بين الرجال والنساء سواء في الأسواق أو في المدارس أو في الأعراس أو غيرها من المجتمعات، فلا يدخل أحد تلك الأماكن إلاَّ وينال منه الشيطان بعضاً من نصيبه إن لم يقع، وفي هذه الأيام أصبحت الأسواق أماكن للنزهة، فملاعب الأطفال، والمطاعم للعوائل، فأين عقول الناس يذهبون لأماكن الفتن كالأسواق ومجامع النساء التي قد باض الشيطان فيها وفرّخ، ويجعلونها للنزهة.
ولقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاختلاط بالنساء لما وراءه من الشر العظيم بل حتى في الطواف كانوا ينهون عن الاختلاط بين الجنسين، فكان النساء يطفن من وراء الرجال، ولا يسمح للرجال أن يطوفوا بين النساء أبدًا، أخرج البخاري في "صحيحه" عن ابن جريج قال قلت: لعطاء بن أبي رباح: كيف يخالطن الرجال يعني في الطواف؟! قال: "لم يكن يخالطن، كانت عائشة -رضي الله عنها- تطوف حجرة مع الرجال لا تخالطهم".
فإن النساء كن يطفن مجتمعات حجرة عن الرجال لا معهم، وهذا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وزمن عمر، وكان عمر يضرب الرجل الذي يطوف وسط النساء كما رواه الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: "نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلا يطوف معهن فضربه بالدِّرة".
وروى عبدالرزاق في "مصنفه" عن أبي سلامة قال: انتهيت إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يضرب رجالاً ونساءً في الحَرَم، على حوضٍ يتوضئون منه، حتى فرَّق بينهم، ثم قال: يا فلان. قلتُ: لبيك وسعديك، قال: لا لبيك ولا سعديك، ألم آمرك أن تتخذ حياضاً للرجال وحياضاً للنساء؟!
وحتى في الطرقات كانوا ينهون عن الاختلاط فيه فيجعلون للنساء طريقًا خاصا بهم، روى أبو داود في "سننه" عن أبي أسيد الأنصاري: أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للنساء: "استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق –أي: ليس لكن أن تسرن وسطها-، عليكن بحافات الطريق"، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به.
وكانوا يخصصون بابا خاصا للنساء يدخلن معه للمسجد إذا أتين للصلاة، وكان ابن عمر لا يدخل مع هذا الباب طوال السنة.
فلنتق الله عباد الله، ولنطهّر قلوبنا من تلك الدواعي، ولنملأ قلوبنا خوفاً من الله ورجاءً لثوابه وإنابة إليه، فما سعد العبد إلاَّ بطاعة ربه وما شقي إلاَّ بمعصيته ومخالفته.
عباد الله: لقد امتدح الله قوماً سمعوا الذكر فأقبلوا عليه وعملوا بما فيه، فقال جل وعلا: (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 17- 18].
وذم آخرين كان إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه فقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [المنافقون: 5].
ولنحذر من دعاة الاختلاط والفاحشة في هذا الزمن، ولو تلبسوا بلباس الشرع؛ فالحق أبلج والباطل لجلج.
اللهم اجعلنا من القائلين بالحق، المتابعين لشرعك، اللهم اجعلنا قائلين بالحق وبه عاملين يا رب العالمين. ربنا أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا.
اللهم طهّر مجتمعاتنا من الغلاء والوباء والرباء والزنا والفواحش والمحن ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد | اللهم فرج هم المهمومين |