البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الله

أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...

من أسباب رفع البلاء وخطر السطو على الممتلكات العامة في زمن الفتنة

العربية

المؤلف ياسر دحيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. خطر الذنوب ودورها في نزول البلاء والعذاب .
  2. أسباب دفع البلاء ورفعه .
  3. من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوازل والأزمات .
  4. قسوة القلوب وعدم تأثرها بآيات الله .
  5. خطر السطو على الممتلكات العامة .
  6. الفرج بعد الشدة .

اقتباس

إن بعض الناس قاسية قلوبهم؛ لا ينتفعون بآية، ولا يخافون عذاب الله، وإن من أولئك الذين قست قلوبهم، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ أصحاب الطمع والجشع، الذين يستغلون الفتن لمصالحهم الشخصية، من الذين تفننوا في السطو على الممتلكات العامة والخاصة، وبتلك الطريقة المزرية، التي تشمئز منها النفوس الكريمة، والفطر السليمة، التي تدل على ما...

الخطبة الأولى:

الحمد لله سبقت كلمته في كتابه المبين، بنصر رسله وأتباعهم من المؤمنين، أحمده سبحانه على عموم فضله وإحسانه، وأشكره على ما دفع من المكروه بتوفيقه وامتنانه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.

أيها الناس.

أوصيكم وإياي بتقوى الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2 - 3].

واعلموا -عباد الله-: أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفعه الله إلا بتوبة صادقة، فإن ما أحله الله بالأمم السالفة من الهلاك الجماعي، إنما هو مغبة ما اقترفوه من الذنوب، قال الله -جل وعلا-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40].

إنَّ اللهَ حَكيمٌ عَليمٌ فيما يَقضيهِ ويُقدِّرُهُ، وهوَ سُبحانَهُ يَخلُقُ ما يَشاءُ مِنَ الآياتِ تَخويفًا لِعِبادِه، وتَذكيرًا لهم، قالَ سُبحانَهُ: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59].

وإنَّ كَثرةَ القتل والقتال والفتن مِن أشراطِ السَّاعةِ الَّتي أخبرَ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم- عَن وُقوعِها في آخِر الزَّمانِ؛ فقالَ: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتى يُقبَضَ العِلمُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَكثُرَ الزَّلازِلُ، وتَظهَرَ الفِتَنُ، ويَكثُرَ الهَرْجُ" قيلَ: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "القَتلُ القَتلُ".

ولا شَكَّ أنَّ ما يحصل مِن هَذِهِ الفتن والمحن التي تتوالى لا شَكَّ؛ أنَّهُ مِن جُملةِ الآياتِ الَّتي يُخَوِّفُ اللهُ بها عِبادَه؛ لأنَّهُ لا يَحدُثُ في الوُجودِ ضَرَرٌ مِن الزَّلازِلِ أو الفَيَضاناتِ، أو الحَرائِقِ أو الحُروبِ وغَيرِها، إلاَّ بِأسبابِ المَعاصي والذنوب؛ كَما قالَ عَزَّ وجَلَّ: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].

عباد الله: ألا وإن ما نحن فيه اليوم من النزاع والفرقة والخلاف والاقتتال؛ نوع من أنواع العذاب، كما قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 65].

وعقاب هذه الأمة: أن يجعل الاختلاف والفرقة والنزاع والقتال بين أفرادها، إذا هي طغت وبغت، وجاهرت بالمعاصي، وفشت فيها الفواحش، وغاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فعن سعد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها" [رواه مسلم].

عباد الله: إن هناك أسباب لدفع البلاء ورفعه؛ فمن ذلك: الرجوع إلى الله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

وقال تعالى: (وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الزخرف: 48].

وقال تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة: 21].

فارجعوا إلى طاعة الله، واجتنبوا معصيته، يدفع الله -عز وجل- عنكم المحن، وترفع عنكم البلايا والمصائب.

ومن أسباب رفع المصائب: التعرف إلى الله -عز وجل- في الرخاء، فقد جاء عن ابن عباس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده اتجاهك".

وفي رواية: "احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

ومن أسباب دفع البلاء والمصائب: التضرع إلى الله -تعالى- عند وقوع المصيبة، قال الله: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون: 76].

وقال سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ) [الأعراف: 94].

ومن التضرع لله: الالحاح عليه في الدعاء، فإن الله -جل وعلا- أمرنا بدعائه، ووعدنا بالإجابة، قال بعض السلف: "عجبت من أربع: ممن مس به الضر يغفل عن قول الله: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83].

قال الله: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 84].

وعجبت لمن أصابه الهموم والغموم، كيف يغفل عن قول الله: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87].

وعجبت ممن مُكِر به كيف يغفل عن قول الله: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) [غافر: 44- 45].

وعجبت من خاف كيف يغفل عن قول الله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173].

ودعاء الله وسؤاله من أعظم وسائل رفع البلايا والمصائب، وتذكروا دعوة نبي الله يونس -عليه السلام-: (وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87 – 88].

و "أَلِظُّوا بيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ".

وأكثروا منها، ومن قول: "حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ".

وقول: "لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".

وإذا نزل بكم ضيق أو عسر، فعليكم بالذي وصفه الله في كتابه الكريم، حيث قال: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة: 45].

وكان من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوازل والأزمات: أن يقف بين يدي الله يستمد منه العون والصبر، وقد ورد في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا حزبه أمر صلى" [رواه أحمد وأبو داود].

وكان ينادي بلالاً للصلاة، ويقول: "أرحنا بها يا بلال".

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 155 -157].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ الذي جعلَ بعدَ كلِّ ضائقةٍ وشدَّةٍ فَرَجاً، ويسَّرَ لِمَنِ اعتصمَ به مِنْ كلِّ نازلةٍ مَخْرجاً، وجعلَ قلوبَ أوليائِهِ مُتنقِّلةً في منازِلِ عُبوديَّتِهِ حُبّاً وخوفاً ورَجاً، أحمدُ ربِّي حمداً كثيراً طيِّباً مُبارَكاً فيه.

عباد الله: يقول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42 - 43].

إن بعض الناس قاسية قلوبهم؛ لا ينتفعون بآية، ولا يخافون عذاب الله، وإن من أولئك الذين قست قلوبهم، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ؛ أصحاب الطمع والجشع، الذين يستغلون الفتن لمصالحهم الشخصية، من الذين تفننوا في السطو على الممتلكات العامة والخاصة، وبتلك الطريقة المزرية، التي تشمئز منها النفوس الكريمة، والفطر السليمة، التي تدل على ما آل إليه حال بعض الناس من فساد نية، وأنانية وجشع وطمع، دون مراعاة للقيم الدينية، والأعراف الاجتماعية.

عباد الله: أليس هؤلاء بشر لهم عقول يدركون ما ينتج عن أفعالهم القبيحة من آثار على المجتمع؛ تصوروا كم من الحقوق ضاعت بسرقة أجهزة الحواسيب التي تحمل أرقام الحسابات وحقوق الناس؟ وكم من القضايا التي تحتويها والمعلومات التي تتضمنها؟ ألا يعي هؤلاء أنهم يعطلون مصالح الناس بأفعالهم هذه؟ ألا يعلم هؤلاء أن الضرر لن يصيب شخصا بعينه، بل المجتمع كله؟

عباد الله: إن الله -عزَّ وجلَّ- توعَّد بالوعيد الشديد لِمَن أخَذَ من المال العام شيئًا، حتى لو كان رسولا نبيا فكيف بغيره؟! فقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 161].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "خرجْنا مع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يوم "خَيْبَر"، فلم نَغْنمْ ذهبًا ولا فِضَّة، إلاَّ الأموال والثياب والمتاع، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى، فَبَيْنَمَا مِدْعَمٌ -وهو غلام لرسول الله- يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَلَّا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ، مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ".

وفي الصحيحين عن عمر -رضي الله عنه-: "لَمَّا كان يوم "خَيْبر" أقْبَلَ نفرٌ من صحابة النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتى مرُّوا على رجلٍ، فقالوا: فلان شهيد، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "كلاَّ؛ إني رأيْتُه في النار في بُرْدَة غَلَّها أو عَبَاءَة".

عباد الله: فإذا كان مجاهد في سبيل الله قُتل في المعركة؛ يدخل النار في خرقةٍ من ثياب أو شراك نعل من جلد، مع أن له حقا فيها، لكن أخذها قبل القسمة، فكيف بأولئك الذين يأخذون الممتلكات العامة، ويزعم بعضهم -وقُبِّح من زعم- أنها أملاك الدولة! وما درى هذا المسكين أن هذا المال عام لكل الناس، فبأي حق يستأثر به لنفسه دون غيره، ولكنه من تلاعب الشيطان ببعضهم: أن زين لهم سوء أعمالهم فبئس ما يصنعون.

روى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ألفِيَنَّ أحدَكم يومَ القيامة على رَقبته شاة لها ثُغاء، على رَقبته فرس له حَمْحَمة، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبْلَغْتُك، وعلى رَقَبته بعيرٌ له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، وعلى رَقَبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك، أو على رَقَبته رِقَاعٌ تَخْفِق، فيقول: يا رسول الله، أغِثْني، فأقول: لا أملِك لك شيئًا؛ قد أبلغتُك".

إن الاعتداء على المال العام أمرٌ خطير، وذنبٌ عظيم.

والواجبُ على مَن أخَذَ منه شيئًا: أنْ يتوبَ إلى الله -تعالى-، وأنْ يَرُدَّ ما أخَذَ، ولا يبيح ذلك لنفسه إلا جاهل.

عباد الله: اعلموا أنَّ الشِّدَّةَ لا تزالُ تتعاقَبُ علَى المؤمنِ علَى ممرِّ الأيامِ والسِّنينَ، لكنَّ فرجَ اللهِ قريبٌ مِنَ المؤمنينَ، فهذا خليلُ اللهِ إبراهيمُ -عليه أفضلُ الصلاةِ والتسليمِ-، بعدَ أنْ أحْكَمَتِ الشِّدَّةُ عليهِ قبضَتَها إِحكاماً، أمرَ اللهُ -تعالَى- النَّارَ أنْ تكونَ عليه بَرْداً وسلاماً: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء: 68- 69].

ودونَكم سِيرةَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابِه، وكيفَ فرَّجَ اللهُ -تعالىَ- عَنْهمُ الخَطْبَ الشَّديدَ، فبينَما هُمْ قليلٌ مُستضْعَفونَ في الأرضِ يخافونَ أنْ يتخطَّفَهمُ النَّاسُ، إذْ جاءَهم نصرُ اللهِ وفتحُهُ وفرجه بعد أن زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ.

فعلى المسلم: أن يكون عظيم الثقة بربه، مستبشراً بالفرج بعد الشدة، وباليسر بعد العسر، متفائلاً حَسَنَ الظن بالله، عظيم الأمل والرجاء فيه سبحانه، ولا يكن من القانطين.

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.