العالم
كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحج |
هذا اليوم العظيم من أيام الله تعالى هو أفضل أيام السنة على الإطلاق .. وما يحتف بهذا اليوم من أيام فهي أعياد كلها، وهو أوسطها وأعظمها وأفضلها؛ فقبله يوم عرفة يوم عظيم مبارك، وهو يوم وقوف الحجاج يبتهلون لله تعالى بالدعاء، ويتجلى لهم ربهم سبحانه، ويباهي بهم ملائكته، ويعتق فيه خلقاً كثيراً من النار ..
الحمد لله رب العالمين؛ شرع لعباده الدين، ودلهم على صراطه المستقيم، وهداهم لما يصلحهم في أمورهم كلها، نحمده حمداً كثيراً، ونشكره شكراً مزيداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أجزل نعمه على خلقه، وشرع ذكره لعباده (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ تمت به النعمة، وعظمت به المنة، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ أهل البر والهدى، وسادة العلم والتقى، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأخلصوا له في طاعتكم، وأسلموا له وجوهكم، وأحسنوا له في أعمالكم (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].
أيها الناس: هذا اليوم العظيم من أيام الله تعالى هو أفضل أيام السنة على الإطلاق؛ كما جاء في حديث عبد الله بن قُرْطٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ" رواه أبو داود.
وما يحتف بهذا اليوم من أيام فهي أعياد كلها، وهو أوسطها وأعظمها وأفضلها؛ فقبله يوم عرفة يوم عظيم مبارك، وهو يوم وقوف الحجاج يبتهلون لله تعالى بالدعاء، ويتجلى لهم ربهم سبحانه، ويباهي بهم ملائكته، ويعتق فيه خلقاً كثيراً من النار؛ كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يَوْمٍ أَكْثَرَ من أَنْ يُعْتِقَ الله فيه عَبْدًا من النَّارِ من يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فيقول: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ" رواه مسلم.
وبعده أيام التشريق؛ وهي أيام الذكر والأكل، كما في حديث نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لله" رواه مسلم. وفي حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم "بَعَثَ عَبْدَ الله بن حُذَافَةَ يَطُوفُ في مِنًى أن لاَ تَصُومُوا هذه الأَيَّامَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ الله عز وجل" رواه أحمد
ويمتد وقت التكبير وذبح الهدايا والضحايا إليها؛ فيشرع التكبير والنحر والذبح إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر.
وكل هذه الأيام الخمسة العظيمة التي يكون هذا اليوم العظيم واسطتها وتاجها هي أعياد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ" رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:"يوم عرفة مقدمة ليوم النحر بين يديه؛ فإن فيه يكون الوقوف والتضرع والتوبة والابتهال والاستقالة، ثم يوم النحر تكون الوفادة والزيارة؛ ولهذا سمي طوافه طواف الزيارة؛ لأنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة، ثم أذن لهم ربهم يوم النحر في زيارته والدخول عليه إلى بيته؛ ولهذا كان فيه ذبح القرابين وحلق الرؤوس ورمي الجمار ومعظم أفعال الحج، وعمل يوم عرفة كالطهور والاغتسال بين يدي هذا اليوم" ا.هـ.
عباد الله: إن أفضل أيام الأسبوع هو يوم الجمعة كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فيه خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ منها ولا تَقُومُ السَّاعَةُ إلا في يَوْمِ الْجُمُعَةِ" رواه مسلم، وجاء في حديث آخر أنه سيد الأيام وأعظمها عند الله تعالى، فاجتمع الفضلان في هذا اليوم العظيم؛ حيث فضل يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وفضل يوم النحر أفضل أيام السنة.
وفي هذا اليوم العظيم أعلن أبو بكر رضي الله عنه -لما حج بالناس سنة تسعٍ- تحريم الحج على المشركين، وتخصيص حرم الله تعالى ومناسكه بالموحدين؛ تطهيراً للبيت والمناسك من الشرك وأهله، وتمهيداً لحج النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في السنة العاشرة، روى أَبَو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: "بَعَثَنِي أبو بَكْرٍ رضي الله عنه في تِلْكَ الْحَجَّةِ في الْمُؤَذِّنِينَ بَعَثَهُمْ يوم النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ولا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قال حُمَيْدٌ: ثُمَّ أَرْدَفَ النبيُ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيِّ بن أبي طَالِبٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ، قال أبو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ في أَهْلِ مِنًى يوم النَّحْرِ بِبَرَاءَةَ، وَأَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ ولا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ" رواه الشيخان.
وهذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، سماه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما في حديث مُرَّةَ الطَّيِّبِ قال: حدثني رَجُلٌ من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم في غرفتي هذه حَسِبْتُ قال: "خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْرِ على نَاقَةٍ له حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ فقال: هذا يَوْمُ النَّحْرِ وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ" رواه أحمد.
وسُمي يومَ الحج الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحج تكون فيه؛ ففي ليلته المبيت بمزلفة، وذكر الله تعالى ودعاؤه من بعد الفجر إلى الإسفار، وفيه يرمي الحجاج جمرة العقبة، ويقطعون التلبية ويبدءون التكبير، فاجتمع فيه التلبية والتكبير، وهما شعيرتان عظيمتان ظاهرتان في هذا العيد الكبير المبارك.
وفي هذا اليوم العظيم تذبح الضحايا والهدايا، وفيه يحلق الحجاج رؤوسهم تقرباً لله تعالى، ويحلون من إحرامهم، ويطوفون بالبيت ويسعون بين الصفا والمروة؛ فأكثر أعمال الحج وأركانه وواجباته تكون فيه، فحقيق أن يسمى يوم الحج الأكبر.
وفي هذا اليوم العظيم ودع النبي صلى الله عليه وسلم أمته، فعلم بعض الصحابة بقرب أجله صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: "وَقَفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْرِ بين الْجَمَرَاتِ في الْحَجَّةِ التي حَجَّ بهذا وقال: هذا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَطَفِقَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اشْهَدْ، وَوَدَّعَ الناس فَقَالُوا: هذه حَجَّةُ الْوَدَاعِ" رواه البخاري.
وهذا اليوم أكبر عيد للمسلمين وأفضله، وفيه من الشعائر الظاهرة ما ليس في عيد الفطر، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى بعد أن ذكر عيد الفطر: "والعيد الثاني أكبر العيدين، عند تمام حجهم بإدراك حجهم بالوقوف بعرفة وهو يوم العتق من النار، ولا يحصل العتق من النار والمغفرة للذنوب والأوزار في يوم من أيام السنة أكثر منه، فجعل الله عقب ذلك عيداً؛ بل هو العيد الأكبر، فيكمل أهل الموسم فيه مناسكهم، ويقضوا فيه تفثهم، ويوفون نذورهم، ويطوفون بالبيت العتيق، ويشاركهم أهل الأمصار في هذا العيد؛ فإنهم يشاركونهم في يوم عرفة في العتق والمغفرة وإن لم يشاركوهم في الوقوف بعرفة.... والنحر أفضل من الصدقة التي في يوم الفطر؛ ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يشكر نعمته عليه بإعطائه الكوثر بالصلاة له والنحر كما شرع ذلك لإبراهيم خليله عليه السلام عند أمره بذبح ولده وافتدائه بذبح عظيم". نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وأن يقبل منا ومن المسلمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) [الكوثر:1-3] .
بارك الله لي ولكم في القرآن...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وعظموا شعائره، وقفوا عند حدوده، واجتنبوا حرماته (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ) [الحج:32] .
أيها المسلمون: في هذا اليوم العظيم الذي هو أفضل أيام العام وأعظمها عند الله تعالى وقف نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في منى خطيباً في الحجاج، فذكر تعظيم مكان الحج وتعظيم زمانه وتعظيم يومه الأكبر الذي هو يوم النحر، وتعظيم أمر الدماء والأعراض والأموال؛ كما روى جَابِر رضي الله عنه قال: "خَطَبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النَّحْرِ فقال: أي يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ فَقَالُوا: يَوْمُنَا هذا، قال: فأي شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قالوا: شَهْرُنَا هذا، قال: أي بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قالوا: بَلَدُنَا هذا، قال: فإن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا هل بَلَّغْتُ؟ قالوا نعم. قال اللهم أشهد". رواه أحمد.
وفي حديث أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: "إِنَّ الزَّمَانَ قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يوم خَلَقَ الله السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا منها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وَشَعْبَانَ، ثُمَّ قال: أَيُّ شَهْرٍ هذا؟ قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: فَسَكَتَ حتى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: أَلَيْسَ ذَا الْحِجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قال: فَأَيُّ بَلَدٍ هذا؟ قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: فَسَكَتَ حتى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ؟ قُلْنَا: بَلَى، قال: فَأَيُّ يَوْمٍ هذا؟ قُلْنَا: الله وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قال: فَسَكَتَ حتى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قال: أَلَيْسَ يوم النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قال: "فإن دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هذا في بَلَدِكُمْ هذا في شَهْرِكُمْ هذا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عن أَعْمَالِكُمْ فلا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا أو ضُلَّالًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، ألا لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ من يُبَلِّغُهُ يَكُونُ أَوْعَى له من بَعْضِ من سَمِعَهُ ثُمَّ قال: ألا هل بَلَّغْتُ؟"
الله أكبر؛ ما أعظمها من وصية ودعنا بها رسولنا صلى الله عليه وسلم في أعظم موسم وأفضل يوم وخير مكان، وهو متلبس بمناسك الحج، فلنحسن فهم هذه الوصية، ولنأخذ بها؛ فإنها من الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم.