البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأعياد الممنوعة - |
ونحن نعيش الآن في شهر شعبان، هذا الشهر الذي كان يهتم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لما ورد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" رواه النسائي وحسنه الألباني في سنن النسائي.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الذي أمر العباد بتوحيده، وإخلاص العبادة له وتمجيده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شرع لعباده كل سبيل يوصلهم إلى مرضاته. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي دل أمته على اتباع سنته وهديه والعضّ عليها بالنواجذ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن التقوى سبيل النجاة، والعمل بالسنة هو سبيل الهداية والرشاد، وأن الاقتداء بخير البرية فيه السعادة والهناء في الدنيا والآخرة.
عباد الله: إن الله -جل وعلا- شرع لعباده شريعة غراء كاملة: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3]، ووجه فيها إلى العمل الخالص له: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة:5]، وأمرهم باقتفاء أثر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحثهم على عدم الميل عن طريقه: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]، وقال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7].
ووجه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته إلى العمل بسنته، والتمسك بها، وعدم التفريط فيها، والابتعاد عن الإحداث في الدين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل بدعة ضلالة" رواه الترمذي.
عباد الله: ونحن نعيش الآن في شهر شعبان، هذا الشهر الذي كان يهتم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لما ورد عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم في شعبان؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: "ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله -تعالى-، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" رواه النسائي وحسنه الألباني في سنن النسائي.
وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يصوم شعبان إلا قليلاً، كما أخبرت بذلك عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يصوم شهراً أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله" رواه البخاري.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم" رواه مسلم.
وتخصيصه -صلى الله عليه وسلم- الصيام في مثل هذا الشهر لما ورد عنه أنه قال: "إنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى" رواه النسائي، وحسنه الألباني في سنن النسائي.
فأعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام، وتعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم؛ لأنَّ الصيام من الصبر، والصبر من أفضل الأعمال التي يحبها الله -تعالى-، وبشر عليها بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
فشهر شعبان شهر كريم عظّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار فيه من الصيام، فحري بنا أن نعظمه وأن نكثر من صيامه كما جاء وصح عنه -صلى الله عليه وسلم-.
ولما كان شعبان تقدمة لرمضان فحري بالمسلمين أن يجتهدوا فيه بشيء مما يكون في رمضان من صيام؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان" رواه البخاري.
وعنها -رضي الله عنها- قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يصومه شعبان، ثم يصله برمضان" صححه الألباني.
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان" بلوغ المرام.
وقال ابن رجب -رحمه الله-: "وأما صيام النبي -صلى الله عليه وسلم- من أشهر السنة فكان يصوم من شعبان ما لا يصوم من غيره من الشهور" سبل السلام.
وقال أيضاً -رحمه الله- في بيان الحكمة من صيام شعبان: "وفيه معان، وقد ذكر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه لما اكتنفه شهران عظيمان: الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولا عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيام شعبان لأنه شهر حرام، وليس كذلك" لطائف المعارف.
ولقد ثبت علمياً أن الجسم في أيام الصوم الأولى يبدأ باستهلاك مخزونه الاحتياطي من الدهون والبروتينات وغيرها، فينتج بسبب ذلك سموماً تتدفق في الدم، هرمون الأدرينالين، قبل أن يتخلص منها الجسم مع الفضلات، مما يؤدي إلى شعور الصائم ببعض الأعراض كالصداع، والوهن، وسرعة الغضب، وانقلاب المزاج، وهذه الأعراض تزول بعد أن تعود نسب الهرمونات إلى وضعها الطبيعي في الدم خلال أيام من بدء الصوم، بإذن الله -تعالى-.
فصيام شعبان ما هو إلا كالتمرين على صيام رمضان، حتى لا يدخل المسلم في صوم رمضان على مشقة وكلفة، والله -سبحانه- أعلم.
عباد الله: وفي هذا الشهر تحصل بعض الأخطاء من بعض المسلمين بسبب جهلهم بأمور الشرع، وكثرة الدعاة إلى البدع المخالفة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وخاصة عن طريق القنوات الفضائية، وشبكة الإنترنت.
ومن ذلك: الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيصها ويومها بالصيام والقيام، ومن المعلوم لدى المسلمين أن العبادات توقيفية مبناها على الأمر والنهي والاتباع، وهذا العمل لم يأمر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعله، ولم يؤْثر عنه، ولا فعله أحد من الخلفاء الراشدين، ولا من الصحابة والتابعين.
والذي عليه عامة أهل العلم أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب في كتابه: (لطائف المعارف)، وغيره.
والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه، وفي رواية لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
وهذا العمل ليس عليه أمره -صلى الله عليه وسلم- فيكون مردودا يجب إنكاره؛ لدخوله فيما أنكره الله ورسوله، قال -تعالى-: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) [الشورى:21]، وهذا الأمر مما أحدثه الجهلة بغير هدى من الله، وقد نبه بعض أهل العلم إلى بدعية تخصيص هذه الليلة بعبادة معينة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم، فاستغفروا الله يغفر لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على نعمة الإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هدانا وشرح صدرونا بالإيمان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلّغ رسالة ربه أتم البلاغ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن البدعة في الدين من أسباب سخط الله وحلول نقمته.
عباد الله: هناك بعض البدع المبنية على بعض الأحاديث الواهية عن ليلة النصف من شعبان يجب علينا التنبه لها كي لا نقع فيما وقع فيه بعض الجهلة من المسلمين.
ومن ذلك: بدعة الصلاة الألفية، وهذه من محدثات وبدع ليلة النصف من شعبان، وهي مائة ركعة تصلى جماعة يقرأ فيها الإمام في كل ركعة سورة الإخلاص عشر مرات، وهذه الصلاة لم يأتِ بها خبر، وإنما حديثها موضوع مكذوب.
فيجب على المسلمين عدم الاحتفال بهذه الليلة بأي شكل من أشكال الاحتفال، سواء كان ذلك بالاجتماع على عبادات معينة، أو إنشاد القصائد والمدائح، أو بالإطعام واعتقاد أن ذلك سنة واردة.
ومن ذلك تخصيص ليلة النصف من شعبان بالصلاة ونهارها بالصيام لحديث: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها"، وهذا حديث لا أصل له.
قال العلامة الشوكاني -رحمه الله- في: (الفوائد المجموعة) ما نصه: حديث: "يا علي، من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب و(قل هو الله أحد) عشر مرات إلا قضى له كل حاجة..." هو موضوع.
ومنها تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، أو بقراءة بعض السور بعدد مخصوص كسورة الإخلاص، أو تخصيصها بدعاء يسمى: دعاء ليلة النصف من شعبان، وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة يس وصلاة ركعتين قبله، وكذلك تخصيصها بالصوم أو التصدق.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: "صلاة رجب -وهي صلاة الرغائب- وصلاة شعبان بدعتان منكرتان قبيحتان".
ومن ذلك الاعتقاد بأن ليلة النصف من شعبان مثل ليلة القدر في الفضل، قال الشقيري: وهو باطل باتفاق المحققين من المحدثين. اهـ. وذلك لقوله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة:185]، وقال -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1]، وليلة القدر في رمضان وليست في شعبان.
عباد الله: احرصوا أن تعبدوا الله -تعالى- بما شرع لكم في كتابه، أو جاء مبيناً في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وما كان عليه الخلفاء الراشدون المهديون من بعده، وإياكم والبدع! فإنَّ البدع ضلالات وطامات، ولا يستفيد العبد من عملها إلاَّ البعد من الله -تبارك وتعالى-، فتفقهوا في دينكم، واجتهدوا في تعلم سنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، ففي ذلك الخير لكم في الدنيا والآخرة.
واحذورا من الأفكار الضالة المضلة، واحموا أبناءكم منها، ولقد سرنا كثيراً ما أعلنته وزارة الداخلية حيث تلقت بلاغات عديدة حول الفكر المنحرف كانت نتائجها حماية مجموعة من الشباب الذين غرر بهم أصحاب هذا الفكر، فمزيداً من التعاون مع ولاة أمركم ومع الأجهزة المختصة؛ لتحموا أنفسكم وأبناءكم وبلادكم من شر هؤلاء.
أسال الله -تعالى- أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يعيننا وإياكم على التمسك بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال -جل من قائل عليماً-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين.
اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحب وترضى، ويسر لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذا القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.