الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأديان والفرق - |
وقد ضل في عاشوراء طائفتان ضالتان، وفرقتان باطلتان: الأولى: الروافض -عليهم لعائن الله المتتابعة- فاتخذوا يوم عاشوراء يوم حزن ولطم ونوح، وشق للجيوب، وضرب للخدود، وضرب الأجساد بالسواطير والسكاكين والسلاسل، وإخراج الدماء من الأجساد، والبكاء والصراخ والعويل، وإنشاد المراثي والأشعار، والتعازي بعزاء الجاهلية والصياح ورفع الأصوات، فاتخذوه يوم مصيبة وترح، وهمّ وغم وتعزية، وبهذا يظهرون -كما زعموا- مولاة الحسن وأهل بيته، وبأس ما زعموا.. الثانية: النواصب، يظهرون الأناشيد والأشعار، والفرح والاستبشار، والسرور والحبور...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: عباد الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [السجدة: 70]، نحن في هذا الشهر الحرام شهر محرم، هو أحد الشهور المحرمة الأربعة، المذكورة في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) [التوبة: 36]، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم متواليات، ورجب.
وقد فضل الله -عز وجل- شهر محرم على غيره من الشهور بأمور:
منها: أنه شهر حرام. فهو أحد الأشهر الحرم، فالذنوب فيه معظمة، والظلم فيه محرم.
ثانيًا: أن صومه سنة.
ثالثًا: أن صومه أفضل الصيام بعد رمضان. كما رواه مسلم.
رابعًا: أن الله أضافه إليه. شهر الله المحرم، وأضيف إليه لفضله وشرفه وكرمه.
خامسًا: جمع في شهر محرم إضافته إليه، والصيام مضاف إليه، "الصوم لي وأنا أجزى به"، فأضاف الشهر وأضاف العمل، فناسب إضافتهما إليه.
سادسًا: أن فيه يومًا صيامه يكفر سنة. وهو عاشوراء، كما في مسلم.
والصيام فيه أيها الإنسان أمير نفسه، من شاء يستكثر، ومن شاء فليستقل، فمن عمل صالحًا فلنفسه، وكلما أكثر كان أتبع وأنفع، حتى لو صامه كله.
شهر الحرام مبارك ميمون | الصوم فيه مضاعف مسنون |
وثواب صائمه لوجه إلهه | في الخلد عند مليكه مخزون |
وعاشوراء كان معروفًا قبل البعثة، فقد ثبت عن عائشة أنها قالت: إن أهل الجاهلية كانوا يصومونه. ولهذا كان واجبًا ثم نسخ.
هذا: وينبغي عدم الاغترار، والاعتماد على الصيام فقط، وأنه يكفّر سنة ماضية، فبالتالي يفعل ما يشاء من الذنوب، بل ينبغي يصومه ويرجو صوابه، وعظيم أجره، وقبول صيامه، ويسأل قبول عمله، فالمؤمن يرجو ويخاف.
وهناك مسألة يحسن التنبيه عليها:
وهي أن من عليه قضاء من رمضان، هل يصوم عاشوراء قبل القضاء؟ أم لا؟
والجواب:
أن الصحيح له أن يتطوع بصيام عاشوراء أو غيره قبل القضاء، وللقضاء أيام أخر.
وهناك مسألة أخرى:
لو نوى القضاء في يوم عاشوراء، فيقال: لا يخلو من حالات:
الحالة الأولى: أن ينوي عاشوراء فقط، ولا ينوي القضاء. فهذا لا يكون إلا عن عاشوراء فقط.
الحالة الثانية: أن ينوي القضاء وعاشوراء جميعًا. فهذا يقع عن القضاء، ويثاب على عاشوراء -إن شاء الله-، وفضل الله واسع.
والحالة الثالثة: من الناس من يتذكر أثناء النهار، أن اليوم يوم عاشوراء. فيقال لهذا: يجوز صيامه بنية من النهار، بشرط أنك لم تأكل شيئًا قبل.
الحالة الرابعة: لو نوى القضاء بنية من النهار. فلا يصح.
هذا: ومن بدع عاشوراء -أيها الإخوة الأوفياء-: تخصيصه بعبادة غير الصيام. فلا يصح فيه شيء.
وتخصيصه بالفرح والسرور، وتخصيصه بالحزن والمآتم، والأكدار والأحزان، وفي تخصيص ليلة العاشر بقيامها، وكذلك الاستغفار، وإخراج الزكاة تأخيرًا أو تقديمًا لا دليل عليه، وتخصيصه بالذبح لا دليل عليه، وتخصيصه بالاغتسال والاكتحال لا دليل عليه، وكذلك إشاعة أحاديث موضوعة مكذوبة، كحديث: "من وسع على أهله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر السنة"، و: "من اغتسل يوم عاشوراء، لم يمرض ذلك العام"، و: "من اكتحل يوم عاشوراء، لم يرمد من ذلك العام"، كل هذا وأمثاله لا صحة له، بل هي أحاديث موضوعة.
وكذلك تخصيصه بإجازة، أو عطلة، أو ترك عمل، أو جلوس في المسجد، أو اعتكاف، أو خلوة، أو مناجاة لا دليل عليه، وعليه فليُحذر من الرسائل الجوالية، والواتس والنصية، والمواقع والمنتديات، والتغريدات التي تنشر البدع والمحدثات، والأحاديث المكذوبة في عاشوراء، والقصص المختلقة، فلا يرسل الإنسان إلا ما صح، واسأل عنه أهل العلم الموثوقين، فلا يقص ولا يلصق، ولا ينقل ولا ينسخ، إلا ما دل عليه الدليل الصحيح، وإلا باء بالإثم والوزر القبيح، واتبع في نشر البدع والكذب والخرافات.
وهذا مما ينشره في هذه الأوقات من أهل الطوائف الضالة، كالرافضة والناصبة وغيرهما، فيجب علينا الحذر والانتباه، وعدم الإرسال إلا بما صح فيه الدليل، فليس كل بيضاء شحمة، ولا كل حبة قبة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الكبير، المتفرد بالخلق والتقدير، الذي أعز أولياءه بنصره، وأذل أعداءه بخذلانه، فنعم المولى ونعم النصير، وأشهد أن لا إله إلا الله، لا شريك له ولا وزير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، السراج المنير.
عباد الله: اذكروا أيام الله بنصره أنبياءه وأتباعهم، وما حصل لهم من النعم لعلكم تشكرون، واذكروا أيام الله بخذلان أعدائه وما من والاهم، وما حصل لهم لعلكم تتقون.
إخوتي المسلمين: يقول رب العالمين: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى) [يوسف: 111]، معشر المؤمنين: إن مما قصه الله علينا في كتابه، وكرره في مواطن من كتابه، قصة موسى مع فرعون الطاغية، لقد كان هلاك فرعون وجنوده، ونصر موسى وقومه في العاشر من محرم نصرًا مؤزرًا، وعزًا شامخًا للمؤمنين، وذلاً وهوانًا على الكافرين، وفي طيات تلك القصة العظيم أعظم الدروس وما يزكي النفوس:
فمنها: أن الله أغرق فرعون وجنوده أجمعين. وجعله آية للعالمين، إلى يوم الدين، ليكون ذكرى وعبرة للمسلمين، فيعرفوا أن مآل التكبر والظلم والعدوان والتجبر إلى الدمار والهلاك والهوان، (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) [غافر: 46]، أهلكه الله بالعصيان، وأغرقه بالكفران.
ومن ذلك: التأكيد المتين والصدق واليقين إلى يوم الدين، أن الغلبة والعزة، والرفعة والنصرة للحق وأهله المخلصين الثابتين الصابرين. فمهما طال الخطب، واشتد الكرب، وارتفع الباطل، وزاد الظلم وظهر، وفشا وانتشر، فإن الهزيمة للباطل وأتباعه، والنصرة للحق وأهله، (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة: 21]، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8]، (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) [القصص: 5، 6].
ومن الدروس والعبر، والذكرى لمن ادكر: أن النعم إذا ذكرت قرت وزادت ونمت، وإذا كفرت فرت وذهبت ونقصت. فلا سبيل لبقائها بمثل شكرها، ولا بقاء لها مع الاستخفاف بها وكفرها.
إذا كنت في نعمة فارعها | فإن المعاصي تزيل النعم |
وحطها بطاعة رب العباد | فرب العباد سريع النقم |
فهو الغني بذاته سبحانه | جل ثناؤه تعالى شأنه |
وكل شيء رزقه عليه | وكلنا مفتقر إليه |
صلوا على خير الورى | وأجل ما خلق الإله وما برى |
الحاشر الماحي الرسول محمد | طوبى لمن صلى عليه وأكثرا |