الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
أيها الإخوة: لطالما سمعنا وقرأنا قديما، وبشكل مكثف، خلال العامين الماضيين، وما زلنا إلى اليوم تبريرات من يريدون تغيير قيم المجتمع المحافظة الدينية، واستبدالها بقيم التحرر من قيود الدين والسلطة: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27]. وهؤلاء ماكرون، فحتى يمرروا أفكارهم، ويحققوا أهدافهم، يدركون أنهم يواجهون مجتمع ما، يكاد -ولله الحمد- مستمسك إلى حد ما بقيم الطهر، ومظاهر العفاف. وبالتالي لابد أن يضعوا مبررات عملية، يزعمون أن...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن من الطباع السيئة في بعض الناس: التبرير العاجز، وقد بين القرآن نماذج من هذا النوع من المبررات، قال سبحانه في المنافقين الذين كانوا يستأذنون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القتال لمبررات كاذبة، لا واقع لها، قال سبحانه: (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا) [الأحزاب: 13].
وبرر فرعون عزمه على قتل موسى بباطل لا دليل عليه، قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) [غافر: 26].
فالفساد بعيد عن موسى -عليه السلام-، بل في دعوته الخير للبلاد والعباد.
والمعاناة مع هذا النوع من المبررات تتجدد في كل زمان ومكان، وقد تكون لدى الإنسان نية سليمة حين يذكر تبريراته الواهية، وحججه العقيمة؛ لأن التبرير عنده ضعيف، والعل معدوم، وقد تكون نيته غير سليمة، بل فاسدة خبيثة، وهنا الخطر.
أيها الإخوة: لطالما سمعنا وقرأنا قديما، وبشكل مكثف، خلال العامين الماضيين، وما زلنا إلى اليوم تبريرات من يريدون تغيير قيم المجتمع المحافظة الدينية، واستبدالها بقيم التحرر من قيود الدين والسلطة: (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا) [النساء: 27].
وهؤلاء ماكرون، فحتى يمرروا أفكارهم، ويحققوا أهدافهم، يدركون أنهم يواجهون مجتمع ما، يكاد -ولله الحمد- مستمسك إلى حد ما بقيم الطهر، ومظاهر العفاف.
وبالتالي لابد أن يضعوا مبررات عملية، يزعمون أن فيها المصلحة، مبررات تناسب الجو العام، وتستهوي عقول البسطاء، وتداعب أهواء المتساهلين.
ولولا أن الظاهرة استفحلت لما كررت ذكرها، فنحن نرى أمام أعيننا يوما وراء يوم، تنازلات وراء تنازلات، في ثوابت السلوك المحافظ في المجتمع، وبالذات فيما يتعلق بالمرأة، والتي نؤمن إيمانا لا ريبة فيه أن الإسلام قصد حفظها ورعايتها، وضمن عفافها، ورعاية حيائها، وحفظ كرامتها، واستيفاء حقوقها، وضمن سعادتها، في الدنيا والآخرة.
لكن الإسلام أيضا قدر النوازع الخلقية، والجواذب الفطرية، بين الجنسين، الإسلام قدر طبيعة علاقة الرجل بالمرأة، وبالتالي وضع أسس تحقيق تلك المقاصد السابقة: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14].
فمع حثه على الزواج، وإحسان الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، إلا إنه حذر من الانفتاح في العلاقة بين الجنسين، وشدد في ذلك التحذير، وبين خطورة التساهل في ضبط العلاقة بين الرجل والمرأة، فلا اختلاط منظم بين الرجال والنساء، ولا خلوة، ولا نزع للحجاب، ولا خضوع للقول، ولا كثرة خروج للمرأة من البيت بلا سبب، بل لا عطر تضعه إذا خرجت، سدا لذريعة الفتنة، وغير ذلك من التوجهات الربانية الحكيمة.
فعن أسامة بن زيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [أخرجه البخاري].
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدنيا حلوة ،خضرة وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني اسرائيل كانت في النساء" [أخرجه مسلم].
وأخرج البخاري من حديث عقبة بن عامر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".
وفي صحيح الجامع من حديث أبي موسى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيم امرأة تعطرت فمرت بقوم ليجدوا ريحها، فهي زانية".
وفي البخاري أيضا من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" تصفها لزوجها كأنه ينظر إليها.
تحذير تلو تحذير تلو تحذير، حتى وصل وصايا القرآن ذروتها، في حث المرأة على الحجاب، والعفاف والستر، والبعد عن مواطن الرجال الأجانب، عندما أوصى الخالق -سبحانه- حتى العجائز كبيرات السن القواعد اللاتي لا يشتهين، بأن الأولى بحقهن أيضا الستر والحجاب الكامل، فكيف بمن دونهن؟ قال تعالى: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النــور: 60].
فمن أرقى مراتب العفة التي تفوق وضع قناع الوجه الذي فوق الخمار للعجوز، أن لا تفعل ذلك، بل تبقيه على وجهها، وإن كان جائزا لها وضعه غير متبرجة بزينة، أي من مساحيق وخلافه على وجهها، قال تعالى: (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ)[النــور: 60].
هذه ليست فلسفة، ولا مذهب ضيق، ولا فكر بشريا قاصرا، بل هو الأدب السماوي الكريم، في حق المرأة العفيفة المؤمنة، والرجل العفيف المؤمن، أدب حكيم محكم كريم من رب العالمين، لم ولن يتبدل من لدن آدم إلى يوم الدين.
معاشر الإخوة: إن من المبررات الماكرة التي بتداولها مثقفو وكُتاب التحرر الخلقي، في تشجيعهم لخروج المرأة في هذه البلاد، وتقنين اختلاطها بالرجال، ومطالبتهم بالمزيد والمزيد من التمرد على ثوابت الحياء، وأخلاق العفة الربانية، أن هذه الثوابت في نظرهم تعطل تقدم المجتمع، وتعيق انطلاقته الحضارية.
هذا هو المبرر الذي يكررون ذكره، وكأنهم هم الوحيدون الذين يحرصون على تقدم المجتمع، وانطلاقته الحضارية، أما المتدينون المحافظون فهم يهملون التقدم، ويكرهون الرقي الحضاري في نظرهم!.
وحتى نبطل هذا التبرير، ينبغي:
أولا: أن نؤصل مفهوم الحضارة في نظر الإسلام؛ لأن تشابه المصطلحات لا يعني تطابق حقائقها بالضرورة؛ فمفهوم الحضارة عند المسلم لا يعني ذات المفهوم عند الكافر والملحد.
يجب -أيها الإخوة-: أن نذكر أولا: بأن من مقتضى الإيمان يقين القلب؛ لأن كل ما ينهى عنه الإسلام فعاقبة فعله شر في الدنيا، وخسارة في الآخرة، وكل ما يأمر به فعاقبة فعله الخير في الدنيا والفوز والسعادة في الآخرة، يقين قلبي..
وبعيدا عن التعريفات اللغوية للحضارة، نقول: إن مما يشد الأذهان، ويبهر العقول، كل مظهر من مظاهر القوة: الصناعية، التقنية، السياسية، الاقتصادية، القوي في هذه المظاهر المادية يشد أنظار الضعفاء، ويثير حديثهم، ويبعث إعجابهم.
ولا بأس، ولكن بحدود، فقد كان العرب قبل الإسلام معجبين بقوة فارس والروم، حتى قال المنافقون الذين ما زالوا يحملون ذلك الإعجاب، والإحسان في صدورهم، قالوا في غزوة الخندق، وهم يستبعدون نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في انتصار المسلمين على فارس والروم، يوما ما، يستبعدون هذه النبوة: "نحن نخندق على أنفسنا وهو يعدنا قصور فارس والروم"!.
فالحضارة بمفهوم العصر الحديث، هي ما يشد الأنظار، ويثير الإعجاب، من مظاهر القوة في التقدم العلمي، وأثار التقنية الحديثة على معالم المجتمع، ومن ثم فالحضارة أيضا هي النظم والمبادئ والقيم التي صنعت تلك الآثار.
ومهما صح هذا التعريف، أو لم يصح، فأولئك الكتاب والمثقفون يقصدون بالحضارة والرقي الحضاري هذا المفهوم، فعقدة النقص فيهم قاتلة؛ لأنها تجعلهم في ظل إعجابهم بالغرب وحضارته، يرون أنفسهم تجاه تلك الحضارة، لا شيء.
وبالتالي يهمشون حضارة الإسلام الذي ينتسبون إليه، ويهملونها إهمالا مخيفا، وهم ببعدهم عن الدين علما وتطبيقا، يرون أن الوصول إلى ما وصل إليه الغربيون لا يقتضي اقتباس تفوقهم في النظام، وإنفاقهم على البنية التحتية للعلوم المادية، ومراكز البحوث فحسب، لا، بل يقتضي اقتباس قيمهم الأخلاقية، ومفهومهم لمعاني الحرية، وهنا يكون الخطر.
لأن المشترك بيننا وبين الغرب هو فيما يتعلق ببناء التقنية، وتأسيس العلوم المادية النافعة، لا فيما يتعلق بالأخلاق والقيم الاجتماعية؛ لأن منشأ العلوم المادية العقل المجرد، وهذا هو المشترك بيننا وبين الغرب، لنا عقول ولهم عقول.
أما منشأ الأخلاق والمفاهيم والقيم، فهي الإيمان والعقيدة، وهنا الذين بنوا: (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) [الفجر: 7-8].
قامت حضارتها على أساس مادي، وعلى سعي حثيث للحصول على أعلى مراتب القوة المادية والرفاهية، حتى قالوا بفخر وكبر: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)؟
هذا ما ذكره القرآن: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) هكذا قالوا بكل كبرياء: (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]؟.
قال الله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت: 15].
فمن سنن الله الكونية أن الأمم التي تطغى وتتكبر وتتجبر، وتنسى ذكر الله، أنها تمكن في الأرض، قرونا، زمنا، استدراجا منه تبارك وتعالى؛ كما حدث لعاد هذه، وثمود وفرعون وقومه، وغيرهم من الأمم الجبارة.
قال سبحانه: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].
فهذه القوة المادية العظيمة اكتسبتها عاد، بالرغم من كفرها وزهوها وكبرها، وسوء أخلاق أهلها، فهل يعني هذا أن يطلب الوصول إلى تفوقهم المادي باقتباس أخلاقهم، وقيمهم الاجتماعية؟!.
قطعا: لا.
لأن الإسلام لما عبر الأرض شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، وجاء بحضارة علمية ومادية راقية، لا مثيل لها، لم يقتبس أخلاق الحضارتين المهيمنتين قبله آنذاك، حتى يصل إلى حضارته المادية، لم يقتبس أخلاق فارس، ولا أخلاق الروم، ولا قيمهم، بل جاء بحضارة مادية مبهرة، ولكن بقيم من نوع آخر، وأخلاق من نوع آخر.
جاء بأخلاق ربانية راشدة، لا تمنع التفوق المادي، ولا تعيق الرقي الحضاري، بل تعين عليه، وتحث عليه، ولكن بلمسة إيمانية راشدة، تبحث عن النافع وتنميه، وتدع الضار وتحذر منه.
جاء بحضارة غير ظالمة، ولا ذات عنصرية عمياء، كحضارة الغرب اليوم، بل جاء بحضارة تنشر العدل والقسط لجميع الناس، وتمنع الظلم والحيف عن جميع الناس، بمختلف عقائدهم، بل تمنع الظلم حتى عن الدواب.
جاء بحضارة تقدس الأخلاق والأعمال كلها، إذا كانت في طاعة الله، وبنية صادقة، وتجعلها عبادة كغيرها من العبادات، وتجعل البركة في تلك الأعمال والأخلاق الطيبة، وتجعل الشؤم في غيرها.
جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يتقاضاه دينا كان عليه، فاشتد عليه، حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه، وقالوا: ويحك تدري من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هلا مع صاحب الحق كنتم؟" ثم أرسل إلى خوله بنت قيس، فقال لها: "إن كان عندك تمر فأقرضينا، حتى يأتينا تمرنا فنقضيك" فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله، قال: فأقرضته، فقضى الأعرابي وأطعمه، فقال الأعرابي: أوفيت أوفى الله لك، فقال صلى الله عليه وسلم: "أولئك خيار الناس إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف حقه غير متعتع".
نعم جاء الإسلام بحضارة أسست علوم الجبر والكيمياء، وعلم التشريح، والعلم المادي التجريبي، دون أن تقحم المرأة في مجامع الرجال، بل حفظتها من التبذل، وأجلت فيها عقلها الراجح، ودينها القويم، وعبادتها الخالصة، وعفافها الذكي، وحيائها الكريم، وتربيتها لأولادها، وإسعادها لزوجها، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.
وبالرغم من وجود هذه القيم في الحضارة الإسلامية، والتي يراها المتحررون قيما رجعية متخلفة، لا تزال أثار خير تلك الحضارة المادية الإسلامية تنعم بها العلوم الحديثة في الغرب.
فلا فقدت المرأة حيائها ولا عفافها ولا حجابها، ولا اختلطت بالرجال الأجانب من أجل بناء تلك الحضارة الفريدة.
فأي تبرير بعد ذلك يطرحه أولئك القوم ؟
إنها أوهام لا حقيقة لها، سوى اتباع الهوى، وحب الشهوات، والفطرة الفاسدة.
نسأل الله العفو والعافية، ونسأله أن يصلح الحال.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالتبرير الواهي لا قيمة له، إلا إذا استند إلى الأدلة المشروعة، أما إطلاق المزاعم الخاوية هنا وهناك، فلا تعدو أن تكون تهويشا، وفرقعة لا وزن لها
ونكمل -إن شاء الله تعالى- في مقام آخر.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.