العظيم
كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...
العربية
المؤلف | حسان أحمد العماري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
يحل شهر رمضان المبارك ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً كل عام بلهفة وشوق؛ لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية، وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس.. فما أحوجنا إلي هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليوم، وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان، وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق، وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس، وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده!! ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية؛ لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صل الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70،71].
أما بعد.. فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.. أجارني الله وإياكم من البدع والضلالة والنار.
عبــاد الله: يحل شهر رمضان المبارك ضيفاً على أمة الإسلام في أصقاع المعمورة وينتظره المسلمون صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً كل عام بلهفة وشوق؛ لينهلوا من بركاته، ويغترفوا من خيراته، ويرتشفوا من ضفافه فهو المعين الدافق، والنهر الخافق، وهو شهر النفحات والرحمات الربانية، وهو شهر تجديد الإيمان وصقل الشخصية وهو شهر المغفرة والتوبة والعتق من النار وهو شهر التآلف والتراحم والبذل والعطاء وهو شهر توحيد القلوب وصفاء النفوس..
فما أحوجنا إلي هذا الشهر وإلى فضائله ومنحه في حياتنا اليوم، وفي هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان، وفسدت فيه الكثير من القيم والأخلاق، وقست القلوب وزاد القلق وكثرت الهواجس، وضعف اليقين بما عند الله وما أعده لعباده!!
ما أحوجنا إلى هذه النفحات الربانية؛ لننجو بها من شقاء الدنيا وتعاسة الآخرة.. عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم" (حديث حسن، انظر الصَّحِيحَة للألباني: 1890).
والنفحة: هي الدفعة من العطية.. وقد أجمل ربنا –سبحانه- نفحات هذا الشهر بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]... إنها التقوى والتي هي خير زاد، وخير زينة يتزين بها العبد وهي خير لباس قال تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:26].
إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى | تقلب عريانا وإن كان كاسيا |
وخير لباس المرء طاعة ربه | ولا خير فيمن كان لله عاصيا |
إن رمضان فرصة لتعمير القلوب بالتقوى والعمل الصالح، وهو ميدان للتنافس في جميع ميادين البر والخير والعطاء، والمحروم من حرم فيه الخير ولم يتزود منه ولم يعمل فيه أعمالاً تقربه من ربه وتسعده في دنياه وآخرته.
عبـــاد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم رمضان فعن أبى هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم" (صححه الألباني كما في صحيح النسائي).
وكان السلف: "كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم".
وقال يحي بن أبي كثير: "كان من دعائهم؛ اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه منى متقبلاً"
وفي الصحيحين قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخل رمضان فُتّحت أبواب الرحمة، وغُلقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين وفُتحت أبواب الجنة".
وكان السلف يدعون الله أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه أن يتقبله منهم.... فإذا أهل هلال رمضان دعوا الله كما علمهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله" (رواه الترمذي والدارمي وصححه ابن حبان)..
فأقبلوا عليه "وخذوا منه الصحة لأجسامكم، والسمو لأرواحكم، والعظمة لنفوسكم، فهو فرصة لمن أراد النجاح في الدنيا والآخرة، وغنيمة لمن أراد جمع الحسنات ليوم تكون فيه الحسرات على ضياع الأعمار والأوقات والسنوات الأوقات، فيا سعادة من أحسن استغلال هذا الشهر! ويا تعاسة من أساء استغلاله ولم يخرج منه فائزا منتصرا ظافرا بمغفرة الله..
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه" (أخرجه البخاري ومسلم)..
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام رمضان إيمانا و احتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه" (البخاري).
عبـاد الله: إن علينا أن نستعد لاستقبال شهر رمضان بالأعمال الصالحة، وبالتوبة النصوح، وبترك الآثام والمحرمات، والعزم على الاستقامة في هذه الحياة على الدين والخير والحق، والثبات على ذلك؛ لعل الله -سبحانه وتعالى- أن يرفع عن هذه الأمة آلامها ومصائبها وفتنها التي تعيشها اليوم في كثير من بلاد المسلمين، فالدماء تُسفك، والأرواح تُزهق، والحروب تشتعل، والخلافات تتأجج، والقلوب تتنافر بين أبناء المسلمين، وعجلة الحضارة والبناء تتوقف.
والأعداء الذين أشعلوا هذه الفتن وزرعوا هذه الخلافات يتربصون بهذه الأمة من كل جانب؛ ليجهزوا على ما تبقى لديها من قدرات وإمكانيات ومقومات للحياة؛ حسداً من عند أنفسهم، وقد أدركوا جيداً أن الحرب المباشرة على هذه الأمة لا يمكن أن تفت في عضدها أو توهن قوتها، بل إن ذلك يزيدها قوة وعظمة وبهاءً وثباتًا؛ لأنها أمة جهاد وأمة بطولة وشجاعة وفداء.. فلجئوا إلى زرع الخلاف والوقيعة بين أبنائها تارة باسم العصبيات القومية، وأخرى باسم النعرات المذهبية أو الطائفية، وتارة بالصراع على الحكم والملك والسلطان وغير ذلك.
ووجد كثير من المسلمين من يتعاطى معهم، وينساق نحو مشاريعهم جهلاً وضعفاً وفساداً في القيم والأخلاق، وتناسى الكثير دينهم ورسالته العظيمة التي تدعو إلى التعاون والإخاء والتراحم والتعاطف والتسامح، وتحكيم الشرع في جميع مجالات الحياة حتى في حال الخلافات والنزاعات.. لا أن نحتكم إلى الأهواء والمصالح الضيقة والعصبيات الجاهلية.. قال تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52]، وقال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]..
وإن رمضان فرصة لإصلاح نفوسنا وأوضاعنا بما فيه من منح ربانية ونفحات إيمانية؛ فهو ينفث في المسلمين روح الأمة الواحدة، والمصير الواحد، والمصلحة الواحدة والدين الواحد، والقبلة الواحدة، والتعاليم والتوجيهات الواحدة .. فلماذا إذاً نفسد حياتنا بأيدينا؟ ولماذا نبحث عن تعاستنا وشقائنا بسوء أعمالنا؟ ولماذا لا ننظر إلى أمم الأرض من حولنا وكيف تعلمت ثقافة الحوار والتعايش وحل المشاكل وتغليب مصالح الدين والأوطان على مصالح الأفراد والجماعات والأحزاب؟
فعودوا إلى ربكم وثقوا به سبحانه، وأخلصوا أعمالكم، وتآلفوا وتراحموا وتسامحوا فيما بينكم، ولن يضيع الله جهودكم، ولن يرد دعاءكم، واستفيدوا من شهر رمضان في جميع جوانب حياتكم، وارتشفوا من معينه، واغترفوا من نفحاته فربما لا يعود إلى قيام الساعة..
أطلق الأرواح من أصفادها | في بهيج من رياض الأتقياء |
إنها يا شهر ظمأى فاسقها | مشتهاها من ينابيع الصفاء |
شهوة الأجساد قد ألقت بها | في قفار ليس فيها من رواء |
يا ربيع الروح أقبل وأعطها | صولجان الحكم في دنيا الشقـاء |
كي يعيش الناس من آلائها | في رفاء وازدهار وارتقاء |
هل درى أهل الحجا أن الذي | شيطن الإنسان في الأرض اشتهاء |
زورق الشيطان في وجدانه | طعمه فيها من الإفراط داء |
ما ارتقت إلا بزهر أنفس | في طعامي عنه عاشت في غناء |
واطمأنت في حياة الروح لا | تبتغي إلا لقيمات وماء |
إنما سلطانها من دونه | كل سلطان به الإنسان باء |
حسبه أن أخضع النفس التي | تسترق الناس حتى الأقوياء |
أي سلطان يكفّ النفس عن | موبقات غير قيد كالوجاء |
إنه الصوم الذي أوصى به | رحمة بالناس رب الحكماء |
فيه ترويض لطبع جامح | فيه روض فيه للمرض شفـاء |
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً ... قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانـية:
عبــاد الله: اشكروه على فضله وأكثروا من عبادته وذكره وأنفقوا من ماله، ومما جعلكم مستخلفين فيه وطهروا قلوبكم من الأحقاد والضغائن، وأروا الله من أنفسكم في هذا الشهر خيراً كثيراً... أكثروا من الصلاة والقيام والصدقة وقراءة القرآن والذكر وصلة الأرحام والدعاء وغير ذلك من العبادات والطاعات ...
حافظوا على الصلوات جماعة في المساجد.. وحافظوا على صلاة التراويح والقيام وحافظوا على وردكم من القرآن.. تفقدوا الفقراء والمساكين والأيتام.. أعينوا النازحين ومن تشردوا عن ديارهم وتهدمت بيوتهم..
أكثروا من الدعاء ليحفظ البلاد والعباد ويعم رحمته وفضله على جميع المسلمين، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يعيننا على صيام هذا الشهر وقيامه وأن يتقبله منا جميــعاً ...
ثم اعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قال قولاً كريماً تنبيهاً لكم وتعليماً وتشريفاً لقدر نبيه وتعظيماً: (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية الصحابة والقرابة وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وفضلك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين.